"وسائل الإعلام
والتواصل الاجتماعي ودورها في فتنة التكفير"- الشيخ
علي خازم (لبنان).مداخلتي في مؤتمر إتحاد علماء بلاد الشام "سماحة الإسلام وفتنة التكفير"
حديثي
عن وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي ودورها في فتنة التكفير ينطلق من موقعي
الإعلامي السابق واللاحق الذي أقوم به إلى اليوم من خلال وسائط التواصل الاجتماعي
وهو ناشئ عن ملاحظة واسعة للاتجاهين اتجاه التكفير واتجاه الحركة في مساحة هذه
الوسائل والوسائط.
مما ينبغي التركيز عليه
بداية أن العلاقة المبحوث عنها هنا هي
علاقة بين واقعين واقع وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي من جهة وواقع حالة
التكفير من جهة أخرى، فالتكفير (وفقا لأحد أساتذتي في الفلسفة) "حالة معيوشة"
وهي حالة تتكاثر وتتسع، وكذلك وسائل الإعلام و وسائط التواصل الاجتماعي هي أدوات
موجودة وهي كذلك أيضاً في حالة تكاثر خاصة بعدما صرنا إلى إستخدام ما يعبَّر عنه
بالجيل الرابع الذي يشمل الفضائيات وأجهزة الاتصال الخليوي الرقمي ومواقع وصفحات
الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي تشهد جديداً يوماً بعد يوم وآخرها كان منذ فترة بسيطة هو موقع Keek الذي هو بمثابة تصغير لموقع
اليوتيوب على شاكلة التويتر بالنسبة للفايس بوك وغيره يعني حجماً أصغر للمادة
المرئية والمسموعة.
الأدوات في هذا
العالم في عالم الإعلام تبقى أدوات وهذا يعيدنا إلى ما دار عليه بحث فقهائنا
قديماً منذ النقاش في حكم شراء واستعمال الراديو ولاحقاً التلفزيون ومن ثم هذه
الوسائط.
المشكلة
ليست إذن في الأدوات كما كان الموقف النهائي لفقهائنا.إن المشكلة ليست في نفس
الوسيلة ولا في نفس الأداة وإنما المشكلة في استخدامها وفي آفاق استخدامها وفي
المقدرة على استخدامها الاستخدام السليم.
على
مستوى حالة التكفير والعلاقة مع هذه الوسائط فإن هذا البحث ينبغي أن يعيدنا إلى
أصل العملية الإعلامية، فخلاصة العمل الإعلامي تكمن في إدارة الإدراك وتشكيل الفكر
والتحفيز العقلي عند المتلقي، وهذه العملية تطورت بتطور وسائل الإعلام نفسها يعني
حتى الراديو والتلفزيون لم يعودا كما كانا في بداية عهدهما ومع الأسف فإن بعضنا (ومن
باب النقد الذاتي لتشكيلتنا الدينية) ما زال يتعاطى معها دون إدراك لتغير مفهوم "
التفاعل" مع هذه الأدوات.
ففي
الوقت الذي كان المستمع أو المشاهد مجرد متلقِ سلبي لا يستطيع التفاعل مع الراديو
والتلفزيون تحولنا في هذا الجيل من وسائل الإعلام إلى حالة تفاعلية متغيرة أيضاً،
يعني حتى تعبير " التفاعل" صار مصطلحا يحتاج إلى توضيح في أي مورد من
الموارد التي نتتعاطى معه فيها،وهذا بالتالي سيعكس نفسه على طريقتنا وعلى
استراتيجياتنا وعلى سياساتنا في التعاطي مع وسائل الإعلام هذه.
يبقى
أن العنوان الأصلي الذي يجب أن نلتفت إليه دائما هو أن هذه الوسائل وهذه الوسائط
وظيفتها أن تكون وسيطة بمعنى أنه ما لم يصل علماء المسلمين إلى حل لحالة التكفير
وقضية التكفير تكون موضوعاً في النقل عبر هذه الوسائط والوسائل( وأن يبحث لهذه
الحلول عن سياسات وتقنيات) فإن المشكلة باقية، ليست المشكلة في تداول الأفكار
التكفيرية على وسائط الإعلام أو وسائط التواصل الاجتماعي وإنما المشكلة في انعدام
الحل الذي ينبغي أن نديره وأن نوصله عبر هذه الوسائل.
بلا
شك إن هذه الوسائط مرتبطة بأجهزة وبأجندات
وبأدوات عملية وبأجهزة مخابرات وهي مورد لكثير من الأمراض ليس فقط على مستوى فتنة
التكفير ولذلك ينبغي أن يكون للهيئات الدينية ولعلماء الدين موقفاً يحدد من خلال
بروتوكول خاص أو ميثاق خاص للتعاطي بين المؤسسات الإعلامية المرتبطة دينياً تجاه
بعضها البعض وتجاه العمل الإعلامي.
وكذلك
ينبغي أن يكون هناك ثمة أحكام تعرض للأفراد في كيفية تعاطيهم وتعاملهم مع هذه
الأدوات.
إذ
لا يعقل أن يتخلى علماء الدين عن هذه الوسائط وعن هذه الوسائل ويتركوها لغيرهم.خاصة
وإننا اليوم نعيش مجموعة من المشاكل من خلال الفضائيات والإعلام الجديد ووسائط
التواصل الاجتماعي إلى جانب مشكلة وظاهرة التكفير ومنها مشكلة الإدمان عليها عند
الناشئة والشباب (بين 12 و 24 سنة) التي تؤدي إلى العزلة والإنطواء والإكتئاب مما يجعلهم
فريسة للأطراف التي تدير الشبكات من أجهزة مخابرات أو التي تستفيد منها كالمنظمات الإرهابية.
ومن
آثارها قلة القدرة على الإنتاج ففي دراسة بريطانية سنة 2013 أنَّ 14 % من العاملين
قلَّ إنتاجهم بسبب انشغالهم بشبكات التواصل الإجتماعي .
ومن
آثارها إنتشار الإشاعة المساوي للإذاعة وهي تندرج تحت ثلاثة عناوين أساسية كما
يذكرها علماء النفس وفقا لما نقله د. سلطان عبد العزيز العنقري :
1-
النوع الأول هو ما يسمى بشائعات الحقد والكراهية التي تبثها هذه الأجهزة ومنها
عملية التكفير لبعضنا البعض.
2-
النوع الثاني هو شائعات الخوف التي يُراد منها زعزعة الأمن السياسي والاجتماعي
للمواطنين.
3-
النقطة الثالثة هي شائعات الأحلام والأماني التي تعيق عن العمل وعن الإنتاج.
إنَّ
دراسة لجيل من الشباب أجريت مؤخراً في جامعة نورث وسترن في قطر شملت 9693 شخصا يتجاوز
سنهم 18 سنة في ثمانية بلدان عربية ( تونس ومصر ولبنان والسعودية والأردن
والإمارات وقطر والبحرين ) وهذه الدول تعرفون حجم حضور السياسة فيها وحجم حضورها
السياسي وتأثيرها فضلاً عن تأثيرها الديني. أظهرت الدراسة أنَّ
-
94 %
منهم يعتمدون على الفايس بوك كمصدر لمعلوماتهم.
-
52 % يستقطبهم تويتر.
-
46 % يستقطبهم جوجل بلس .
من
الملاحظات في هذه الدراسة أيضاً أن مصادر المعلومات بالنسبة للأفراد تراجعت عن أن
تكون المحطات التلفزيونية سواء الفضائية أو المحلية لتتحول إلى المواقع
الالكترونية على الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي.
كل
هذا يرتب علينا كما قلت وظيفة ينبغي الالتفات إليها وتحديدها، نحن نخلط أحياناً
أيها الإخوة في عملنا بين الإعلامي والدعوي والتبليغي وهذا الخلط يؤثر في تقويمنا
لأدائنا في مسائل مختلفة.
العلاقة
بين الإعلام والثقافة هي علاقة لا يمكن فكها فوسائل الإعلام هي أدوات ثقافية
بامتياز وتحتاج إلى تحديد:
أ-
الهدف.
ب:
تعيين أسلوب للعرض.
الإعلام
الدعوي يتوجه إلى الفرد فهو إعلام بالقرآن والسنة والأحكام، أما الإعلام الديني
فإنه يخاطب الأمة في اتجاه رفع مستواها وتشجيعها وتحضيرها للقيام بدورها كأمة.
إن
الخلط بين المسائل في هذين المجالين الإعلاميين سيؤثر في كيفية تعاطينا مع الوسائط
الإعلامية ومع الوسائط الاجتماعية أيضاً.
لا
بد من تنظيم هذه المسائل، لا بد من العودة إلى إدارة الإدراك وتشكيل التفكير والتحفيز
الإبداعي في مجتمعاتنا.
أسأل
الله عز وجل أن يوفقنا بعد حسم الموقف من الجماعات التكفيرية لوضع هذه الاستراتيجيات وهذه السياسات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق