الثلاثاء، ديسمبر 07، 2010

أوَّلُ محرَّم ليس عيداً للهجرة النبويِّة - مصححة مع صورة

أوَّلُ محرَّم ليس عيداً للهجرة النبويِّة 



الشيخ علي خازم

بدخول أول شهر محرم تبدأ السنة العربية,أما ذكرى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة الى المدينة فانها متأخرة عنها الى الليلة الأولى من شهر ربيع الأول (وهو الشهر الثالث من السنة) والمشهورة بليلة المبيت حين نام الإمام علي عليه السلام في فراش النبي وغادر رسول الله صلى الله عليه وآله باتجاه المدينة المنورة ووصلها في الثاني عشر منه.

هذه المقدمة لا بد من ذكرها لأن العديد من أبناء أمتنا أصيبوا بحال من اختلاط المفاهيم والصور ومنها مسألة التأريخ والتقويم .

اما محاكاة أفعال الأمم الأخرى وتقليدها كمظهرمن مظاهر التبعية الثقافية فهي واضحة في تسمية هذا اليوم عيدا وليس له من فضل على غيره كما عرفنا الا انه أول السنة العربية التي هاجر في اثنائها النبي صلى الله عليه وآله . وحيث وجد للآخرين عيد لرأس سنتهم يحتفلون به صيَّره بعضنا كذلك بينما لم يعرف التاريخ الإسلامي مراسم دينية خاصة بهذا اليوم .

التأريخ والتقويم:

تذكر كتب التاريخ عامة والمعنية بهذا الموضوع خاصة ان امة لم تتخلف عن اعتماد مبدأ لتؤرخ منه سنيها وتضبط به أحداثها والا لانقطعت الاخبار وتشتت,فكانت الأمم السالفة تؤرخ من أحد مبدأين كما يذكر المسعودي : الأول هو " الكوائن العظام والأحداث الكبار عندها وتملك الملوك "و الثاني هو " الطوفان عند من أقرَّ به...ثم أرخوا العام بتبلبل الألسن باقليم بابل" .

وينبغي الالتفات الى الفرق بين التأريخ والتقويم , فالتأريخ كما قدمنا يُعنَى بالسنة كلها وارتباطها بحدث معين هام لتكون مبدأ له في عد السنين , وهو ما نجد أثرا له الى يومنا في حكاية العجائز بالتأريخ من الزلزال أو من مقتل أحد السياسيين مثلا. أما التقويم فانه يحتاج الى مبدأ آخر حيث الغرض منه تشكيل السنة من أيامها.

وهكذا كان امام الانسان أحد مبدأين للتقويم : اما حركة القمر او حركة الشمس , وهي الدورة التي يقطع فيها أحدهما مساره حول الأرض فالقمر يقطعها في شهر والشمس تقطعها في اثني عشر شهرا,واما بالجمع بين المبدأين .

وقد افترقت الأمم حول تقويم السنة فمن مبدأ حركة القمر بنى اليهود والعرب سنتهم , فيما بناها المصريون والفرس والمسيحيون على مبدأحركة الشمس وبناها الصينيون واليابانيون عليهما معا بطريقة معقدة .

ولم تكن السنة جامدة عند العرب واليهود فكانوا يتصرفون فيها ,ومن ذلك ما عرفته العرب بالنسئ لتأخير حرمة بعض الأشهر بما يمكنهم من استمرارالقتال مرة, وبما وفقوا فيه بين السنتين القمرية والشمسية بأن جعلوا الحج في موعد ثابت لئلا يترك بعض التجار الموسم المتغير صيفا وشتاء مرة أخرى , كما ذكره الرازي في تفسير قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ - التوبة - الآية - 36 . أما اليهود فكان تصرفهم فيها لاستغلاله في معاملاتهم المالية .

و المشهور ان العرب اعتمدت كما ذكر أبو هلال العسكري أول شهر محرم بداية للسنة العربية لانهم اعتقدوا أن سفينة سيدنا نوح قد استوت فيه على جبل الجودي .

وحيث اعتمد التقويم العربي على حركة القمر حول الأرض صارت أيام العرب التي تعد بها تبدأ من غروب الشمس لأن رؤية الهلال تكون أول الليلة .

السنة والعام والحول والحجة والحقبة :

عبَّر العرب بالسنة والعام والحول والحجة (وأضاف مصنفا كتاب الإفصاح في فقه اللغة : الحقبة) عن الأثني عشر شهرا , سواء كانت قمرية أو شمسية , وجاء في مفردات الراغب الأصفهاني: " العام كالسنة، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب. ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، والعام بما فيه الرخاء والخصب، قال تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ - يوسف - الآية - 49 وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ - العنكبوت - الآية - 14 ، ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة موضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله، والعوم السباحة، وقيل: سميت السنة عاما لعوم الشمس في جميع بروجها، ويدل على معنى العوم قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ - الأنبياء - الآية - 33 "

أما اللطيفة التي أشار اليها الراغب الأصفهاني في الكلام عن لبث سيدنا نوح ولم يذكرها فهي ما اختاره محقق كتابه ونقله عن غيره, قال:" (قال برهان الدين البقاعي: وعبَّر بلفظ (سنة) ذما لأيام الكفر، وقال: (عاما) إشارة إلى أن زمان حياته عليه الصلاة والسلام بعد إغراقهم كان رغدا واسعا حسنا بإيمان المؤمنين، وخصب الأرض. انظر: نظم الدرر 14/404." .

ولنا مع المحقق في ما اختاره كلام , أولا: ان النظر في آيات القرآن الكريم لايدل على استعمال السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب أبدا , الا أن يراد قوله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يذَّكَّرُونَ {الأعراف -الآية -130} فهذا لا يصح لأنه مأخوذ من قولهم "السنون : الجدب "كما ذكره الطريحي في مجمع البحرين , أضف الى ذلك ان العطف جاء مفسرا لهذا الأخذ بقوله تعالى : (وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ ) ولو سلمنا فانه لم يدلنا على كثرة استعمال أو اطِّراد لانتقاضه بقوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ {الشعراء – الآية - 205} نعم قد تشعر الآية وغيرها كقوله تعالى : قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {المائدة/26} بما قرَّبه البقاعي من ارادة معنى الذم عند استعمال السنة بمتصرفاتها قبال العام , لكنه ينتقض أيضا بمثل قوله تعالى : وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً {الإسراء/12}.".

وقد جاء في كتاب الإفصاح في فقه اللغة أن : "بعضهم يفرق بين العام والسنة, فالسنة من أي شهر عددته الى مثله وقد يكون فيه نصف الصيف ونصف الشتاء . والعام لا يكون الا صيفا وشتاء متواليين".

أقول وبهذا المعنى يأتي التعبير بالحِجّة والحول مساويا للتعبير بالسنة فان الحج لايكون الا من الموسم الى مثله , قال تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }البقرة- الآية-189".{

ومن ذلك يستفاد كون عقد زواج سيدنا موسى عليه السلام كان قريبا من موسم الحج لقوله تعالى على لسان سيدنا شعيب عليه السلام : قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }القصص-الآية27 .{

والحول هو مرور اثنا عشر شهرا وهي المقصودة بتقدير مدة الارضاع من بدئه في قوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة-الآية-233{ أو المتعة كما في قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة – الآية-240 .{

وعبَّرت العرب بقولها "سن الإنسان" عن السنين التي مرت في حياته وهي لا تكون الا من تاريخ ولادته , واستخدمت الحول لانه مأخوذ من قولهم حال الحول أي تم , قال زهير بن أبي سلمى :

ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم.

أما ما ذكراه في "الأفصاح" عن استعمال الحقبة للدلالة على "السنة , الجمع : حقب وحقوب" ,فانها وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى : لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا {النبأ/23} و قوله تعالى: } وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا {الكهف/60} فليس فيها دلالة على ارادة السنة من مفردها بل هي لإبهام العدد , و المعجم الوسيط أيَّد استعمالها في السنة دون ذكر مثال أو دليل , وكان الأصفهاني قد ذكر أنه "قيل: جمع الحقب، أي: الدهر.قيل: والحقبة ثمانون عاما، وجمعها حقب، والصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة" .

التقويم والتأريخ في الإسلام :

مع انتشار الاسلام ازدادت الحاجة الى الاعتماد على مبدأ التقويم الذي نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى :

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة/189} إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {التوبة/36} وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً {الإسراء/12} هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {يونس/5} .

ومن الآية الأخيرة خصوصا عرف المسلمون أن التقويم المطلوب هو المعتمد على مبدأ دورة القمر حول الأرض , ذلك أن الكثير من العبادات والأحكام مبنية عليه كتعيين بداية ونهاية شهرالصوم والوقوف بعرفة في الحج , دون اغفال اعتماد حركة الشمس في غيرها من العبادات كالصلاة والخراج وما اليها .

وحيثما أطلقت السَنَة في النص القرآني فان المراد هو السنة القمرية .

وقد تغير مبدأ التأريخ عند العرب قبل الاسلام من الاستواء على الجودي ونهاية الطوفان , فاعتمدوا عناوين أخرى الى أن استقروا على التأريخ من سنة غزو أبرهة الحبشي لمكة وكانت نيته هدم الكعبة الشريفة وهي السنة المعروفة بعام الفيل , وولد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله . ففي تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 1 ص 21 : أن الزهري قال : " إن قريشا كانوا يعدون بين الفيل والفجار أربعين سنة ، وكانوا يعدون بين الفجار وبين وفاة هشام بن المغيرة ست سنين ، وبين وفاته وبين بنيان الكعبة تسع سنين ، وبينهما وبين أن خرج رسول الله ( ص ) إلى المدينة خمس عثرة سنة ، منها خمس سنين قبل أن يوحى إليه ثم كان العدد . ".

لكن الظاهر أن المسلمين لم يحتاجوا في معاملاتهم اليومية مبدأ للتأريخ في حياة النبي صلى الله عليه وآله والى السنة السادسة أو السابعة عشرة للهجرة , وذلك في خلافة عمر بن الخطاب .

وهذا الكلام لا يتناقض مع القول بأن نفس النبي صلى الله عليه وآله اعتمد التأريخ من سنة الهجرة ومن يوم ولوجه المدينة في ما أراد توثيقه من كتب وعهود لما ستعرفه من كون المسألة لابد لها من بيان الهي , واتبعه في ذلك عدد من الصحابة بل والتابعين حيث ينقل ذلك عدد من الرواة والمؤرخون , واعتمده مالك كما ذكره ابن الأثير في ايراده القصة في كتابه البداية والنهاية - ج 7 - ص 85: "قال الواقدي وفي ربيع الأول من هذه السنة - أعني سنة ست عشرة - كتب عمر بن الخطاب التاريخ ، وهو أول من كتبه . قلت : قد ذكرنا سببه في سيرة عمر ، وذلك أنه رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين يحل عليه في شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة أم التي قبلها ، أم التي بعدها ؟ ثم جمع الناس فقال : ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول ديونهم .

فيقال إنه أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم ، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك . ومنهم من قال : أرخوا بتاريخ الروم من زمان إسكندر فكرهوا ذلك ، ولطوله أيضا . وقال قائلون : أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون من مبعثه عليه السلام .

وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث . فاستحسن ذلك عمر والصحابة ، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها .

وعند مالك رحمه الله فيما حكاه عن السهيلي وغيره : أن أول السنة من ربيع الأول لقدومه عليه السلام إلى المدينة .

والجمهور على أن أول السنة من المحرم ، لأنه أضبط لئلا تختلف الشهور ، فإن المحرم أول السنة الهلالية العربية".

وهناك رواية أخرى في السبب خلاصتها أن كتابا ورد من عمر بن الخطاب على أبي موسى الأشعري فيه ذكر شهر شعبان فكتب الى عمر متحيرا أي شعبان هو الفائت أم القابل؟

وقد استدل البعض لاعتماد يوم انتهاء رحلة الهجرة وسنتها من القرآن الكريم بقوله تعالى :

وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {التوبة/107} لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {التوبة/108} أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {التوبة/109}

فرأوا أنه يوم تأسيس النبي لمسجد قباء وهو يوم ولوجه المدينة , ثم انهم استدلوا بارادة الله اعتباره أول يوم في التأريخ الاسلامي بقوله تعالى : مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ .

وفي هذا القول من الأشكالات ما دعى السيد جعفر مرتضى الى الاستئناس به دون الاستدلال . راجع مبحث وضع التاريخ الهجري من كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) الفصل الثالث : أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة- السيد جعفر مرتضى - ج 4 - ص 171 - 183 .

وهو على أهميته والجهد البالغ في محاولة استقصاء الموضوع قد ترك مناقشة قضيتين لأنهما من مباحث التقويم :

الأولى ما جاء في بعض الروايات عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام من أن " شهر رمضان رأس السنة " وأمثالها .

والثانية تفسير قوله تعالى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {التوبة/36} واكتفى بايراد كلام العلامة المجلسي في البحار : : " أن جعل مبدأ التاريخ من الهجرة مأخوذ من جبرئيل ( ع ) ومستند إلى الوحي السماوي ، ومنسوب إلى الخبر النبوي " .

وكما ترى فان الآية تنص على كون السنة وتقسيمها من المعارف والقضايا الدينية الحقيقية لا الاعتبارية كما حاول العلامة المجلسي تقريبه بامكانية اعتبار أكثر من عنوان بالقول: " وهذه الأمور تختلف باختلاف الاعتبارات ، فيمكن أن يكون أول السنة الشرعية شهر رمضان ، ولهذا ابتدأ الشيخ (الطوسي) به في المصباحين (كتابين له ) ، وأول السنة العرفية المحرم ، وأول سنة التقديرات ليلة القدر ، وأول سنة جواز الأكل والشرب شهر شوال ، كما روى الصدوق في العلل بإسناده إلى الفضل بن شاذان في علة صلاة العيد : "لأنه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل والشرب" ، لان أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فالسنة الشرعية تبدأ من شهر رمضان." .

فهذه المعارف يحتاج الى بيانها والارشاد اليها بالنبوات وهو مبحث يحتاج الى جهد آخر , ليس محله هنا ولا وقته . راجع بحار الأنوار – ج55 – ص – 337 فما بعد – مبحث الأزمنة وأنواعها .

استخدام التقويم والتأريخ في المجتمع الاسلامي :

وبالعودة الى الكلام عن التقويم في المجتمع الاسلامي , فان البحث التاريخي دلنا على استخدام التقويم القمري في أمور العبادات وعلى نوع من التوفيق مع التقويم الشمسي لضبط الخراج .

وفي اختصار لطيف ذكر علي المنزوي نجل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة - ج 8 ص 212 – 213 - 214: ".. كان الايرانيون في العهد الساساني يأخذون في كل مائة وعشرين سنة ، سنة ذات ثلاثة عشر شهرا ، اما بعد الاسلام فقد منع خالد بن عبد الله القسرى من اجراء هذا الكبيسة في ( 106 - 120 ه‍ ) بأمر من هشام بن عبد الملك ، وقال انها نسيئ ، فتأخرت السنة الاسمية عن السنة الشمسية الحقيقية فاضطرب التاريخ وتشوش موعد أخذ الخراج لانه لا يمكن اخذه الا على حساب الفصول الاربعة ووقت الحصاد ، فاضطر المعتضد العباسي في ( 282 ) إلى اجراء الكبيسة فاعاد النوروز إلى يوم كانت فيه في آخر العهد الساساني ، واخذ الخراج على الحساب الشمسي ، ومن هذا الوقت استعملت سنتان ، الهلالية للتاريخ ، والشمسية لاخذ الخراج .

وهذه الشمسية كانت تستعمل في المغرب مع الشهور القبطية والرومية وفى المشرق مع الشهور الفارسية وكانت السنة الخراجية تتأخر في كل ثلاث وثلاثين سنة ، بسنة كاملة عن التاريخ الهلالي فكانت الدولة تسقط تلك السنة عن التأريخ المالى تارة ، وهذا ما يسميه المقريزى في خططه بالازدلاق , ويحفظونها تارة أخرى ، أي يستعملون تاريخا ماليا شمسيا مستقلا في جنب التاريخ الهلالي ، قال في ( تاريخ وصاف ) ان في سنة ( 700 ) كانت السنة الخراجية تسمى ( 692 ) فسماها غازان خان سنة ( 700 ) أي ازدلقوا واسقطوا ثمانى سنوات ومعلوم أن هذا الاختلاف ( ثمانى سنوات ) انما نشأ عن اهمالهم اجراء عمل الازدلاق حدود مأتين وثمانين سنة .

وكذلك قال المقريزى أن في سنة ( 501 ) كانت تسمى السنة الخراجية ( 499 ) فازدلقوا واسقطو ا سنتين فسموها ( 501 ) أيضا . ومعلوم أن اختلاف سنتين انما تنشأ عن اهمال اجراء عمل الازدلاق مدة ستين سنة .

وهذه الاختلافات والارتباكات كانت جارية حتى ( 4 - صفر - 1088 ) حين صدر الفرمان ، من السلطان محمد الرابع العثماني باستعمال السنة الشمسية مع الشهور السريانية الرومية للامور المالية والسنة الهلالية لضبط التاريخ ، ولرفع الاختلاف بينهما أمر أن لا يهمل عمل الازدلاق في كل ثلاث وثلاثين سنة ، وأن يسقطو سنة واحدة في رأس هذه المدة من الحسابات المالية . وسمى هذه السنة المسقطة ب‍ ( سيويش ) وجرى هذا القانون حتى عام ( 1255 ) حيث ترك العمل بها ، فارتبك التاريخ من جديد ، وتأخرت السنة المالية العثمانية عن السنة الهلالية .

واستمر التأخر حتى نسخت الحكومة الجمهورية التركية التاريخ الهجرى برأسه واتخذت التاريخ الميلادى بدلا عنه ، وكذلك فعلت الدول العربية فنسخت التاريخ الهجرى شمسيها وقمريها واتخذت التأريخ الميلادى كتأريخ دولي عام .

اما في ايران فكانوا يستعملون السنوات الهلالية لضبط التواريخ والسنة الشمسية الصحيحة الدقيقة الكاملة التى أحدثها ملك شاه السلجوقي والمعروفة بالتاريخ الجلالى لاخذ الخراج .

وفى الهند كانوا يستعملون التاريخ الاكبر شاهى بدل الجلالى .

ولكن هذين التأريخين لم يتمكنا من الرواج في البلاد الاسلامية ، وذلك لانهما نسخا مبدأ التأريخ الهجرى ، فكان يستعمل في ايران والهند تأريخان كل واحد مستقل عن الاخر احدهما هلالي ومبدؤه الهجرة والثانى شمسي ومبدؤه جلوس ملك شاه السلجوقي ، وجرت هذه العادة حتى ابرم المجلس النيابي الايرانى في ( 1304 ش = 1343 ق ) قانونا وحد التأريخ بأن اخذت ايران المبدأ الهجرى وحاسبت السنين شمسيا إلى اليوم وجعلتها التأريخ الرسمي للحكومة والشعب ، وهذا ما هو المستعمل اليوم في ايران وافغانستان . المصحح ، ع . م " .

لكن ما لم يذكره الاستاذ المنزوي أن الشاه رضا بهلوي حاول الغاء هذا التأريخ الجديد والعودة الى التأريخ بحسب الطريقة الشاهانية القديمة بعد السنين من تولي الشاهانات الايرانيين العرش. كان ذلك مصاحبا لأحتفاليته الكبرى بمرور الفين وخمسمائة سنة على تأسيس الأمبراطورية الفارسية , وهو ما واجهه الأمام الخميني قدس سره والعلماء في الثامن والعشرين من ربيع الثاني 1391 الموافق ل 22 -6 -1971 بالدعوة الى مقاطعة الأحتفالات وعدم اضاءة البيوت ليلتها كما أمر الشاه.

وجدير بالذكر أن مصر شهدت في 29 رجب 1292 ه – أول أيلول(سبتمبر)1875 م , اصدار الخديوي اسماعيل باشا أمره باعتماد التاريخ الأفرنجي الى جانب التاريخ الهجري وهو ما لم يكن يعتمده حتى المسيحيون في مصر لأنه كما ذكر الدكتور محمد عمارة " تاريخ افرنجي " فكانوا يعتمدون التأريخ القبطي .

وفي مكتبتي كتاب نادر عنوانه سيرة عمر بن عبد العزيز تصنيف ابن الجوزي وتحقيق محب الدين الخطيب طبع في مطبعة المؤيد في القاهرة وعلى غلافه التأريخ : 1331 ه . ق – 1291 ه. ش , ( هجري قمري وهجري شمسي ) وتوافق 1912ميلادية ,مما يدل على أن التقويم الهجري الشمسي كان ما زال مستخدما في مصر حتى ذلك التاريخ بدون حرج .


خاتمة :

لا أريد في هذه العجالة استقصاء التحول في البلاد الاسلامية الى اعتماد التأريخ الأفرنجي وتقويمه , ولكنني أتوقف عند ما أدى اليه من متغيرات ثقافية فبينما يعرف صغارنا وفتياننا وشبابنا تواريخ الكثير ممن لا صلة لهم بديننا ولا أمتنا بل ممن لا قيمة انسانية عامة لهم نجد الجهل بمسألة التأريخ والتقويم الاسلاميين الذي يؤدي الى صعوبة كبيرة عند الذين اعتادوا معايشة التقويم والتاريخ الافرنجي عندما نتحدث اليهم عن مسائل اسلامية كمنتصف الليل الشرعي أو تسمية الليلة بالنهار اللاحق لا السابق فليلة الجمعة مثلا تبدأ بغروب شمس الخميس لا نهار الجمعة ,وما اليها من عناوين ليس أبسطها أن يختلط الأمر بين ليلة رأس السنة الهجرية وبين ليلة هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله .

وليس التاريخ الأفرنجي هو التاريخ الذي اعتمده المسيحيون عبر التاريخ لا في المنطقة العربية ولا في غيرها الى زمن طويل .فضلا عن أنه قد واجه مشاكل كثيرة قبل الاستقرار على ما هو عليه الآن .

وأكثر من ذلك ان هذا التاريخ ليس هو السائد في كل دول العالم اليوم , فما زالت الأمم التي ترى لنفسها تاريخا وتراثا تسير على تقويمها وتأريخها كالصين واليابان , بل ان عدونا الأسرائيلي ما زال يبدأ أسبوعه يوم الأحد لا الأثنين كما في كثير من الدول العربية والاسلامية مع الأسف .
وختاما لا بأس بالاشارة الى نقطة أخرى هامة , وان كانت خارج بحثنا, فان الحكومة السودانية بعد ثورتها الأسلامية حاولت تغيير مواعيد بدأ العمل الوظيفي ليتناسب مع الحياة الاجتماعية الاسلامية لجهة جعله أقرب الى شروق الشمس بحيث يستفاد من الوقت الضائع بينه وبين الساعة الثامنة التي درجنا عليها وهي تأسيس غربي يتناسب مع توقيتهم أكثر , ثم يكون وقت صلاة الظهر موعدا لانتهاء الفترة الاولى من العمل الصباحي الا انهم لم يوفقوا ولعلنا نعود الى هذا الموضوع لاحقا .

ألبوم الصور