الأحد، مايو 31، 2009

الوحدة الإسلامية في خط الإمام الخميني (قده)*

شكَّلت قضية وحدة المسلمين السياسية في القرنين الماضيين ركناً مهماً في البناء الفكري للمجددين والنهضويين من علماء الأمة الإسلامية وقادتها، أمثال السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبدو ومحمد إقبال والسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين، ولئن كانت الظروف الموضوعية في تلك السنوات تضع الوحدة الإسلامية أو الجامعة الإسلامية أمراً مقابلاً للتدخل الغربي الإستعماري بمفاسده العظيمة على بلاد المسلمين، فإن الحاجة إلى طرح قضية الوحدة ظلت تتجدد رغم الإستقلال الشكلي لكثير من البقاع الإسلامية وقيام دول وحكومات فيها لأن أصابع المستعمرين لم تقطع بشكل كامل عن التدخل في شؤون المسلمين العامة.
إنَّ لقضية الوحدة الإسلامية جانبها المفهومي أو النظري وجانبها العملي، ولكن الجانب العملي قد طغى لتجدد أسباب طرحه، فيما شكلت قضية الوحدة الإسلامية النظرية والتي تعرّفها نصوص الإسلام بلفظ "الاخوة" القاعدة التي ترتكز عليها الدعوة العملية.منذ الستينات أعلن الإمام الخميني (قده):" يجب أن يكون هدفنا محدداً، انه الإسلام واستقلال بلادنا بطرد عملاء اسرائيل ومن ثم الإتحاد مع الدول الإسلامية". ولم يغفل في ثورته عناوين الرخاء الإقتصادي والتنمية لكنه ربطها كذلك بمصالح العالم الإسلامي فهيأ رضوان الله تعالى عليه في كل مجال ما يعزز قيمة الوحدة الإسلامية في المجتمع الإيراني. شكلت الوحدة الإسلامية معلماً بارزاً في خط الإمام الخميني منذ بدايات حركته السياسية والإجتماعية، ولذلك يمكن تتبعها في طول حركته وفي أطر متعددة قد لا يحصرها المصطلح، إذ كان (قده) يحيا هذه القضية في بعدها النظري - التكليفي الشرعي - من جهة، وبالنظر إلى الآثار الواقعة على إيران والعالم الإسلامي من جهة التصديق لقوله تعالى {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. ويمكن كذلك تتبع منهج خاص للإمام الخميني(قده) في فهم الوحدة الإسلامية، يجمع بين فهم المذاهب الإسلامية كمدارس فقهية يمكن التقريب بينها على المستوى العلمي، وبين وحدة الأمة ككيان سياسي يقابل الأجانب عن هذه الأمة ومصالحها.
وغير بعيد عن هاتين النقطتين يمكن الكلام عن إحياء الإمام للخطاب الإسلامي الإنساني الذي يرى وحدة المنشأ البشري، ويواجه النزاعات العنصرية والإستعلائية التي قدمتها نماذج فلسفية وسياسية غربية بررت الإستعمار العسكري والإستيلاء على مقدرات الشعوب، ووجدت لها في عالمنا الإسلامي أتباعاً وعملاء.وهي نماذج عايشها الإمام بآثارها السياسية في العالم الإسلامي وغيره من أوروبا إلى جنوب أفريقيا على مدى عقود وأعوام متمادية.
الوحدة الإجتماعية:
واجه الإمام الخميني (قده) على المستوى الداخلي الإيراني سعياً حثيثاً لدى السلطة الشاهنشاهية لاستخدام التنوع العرقي والمذهبي أداة لتشكيل تفاوت إجتماعي وتخالف مصلحي يؤدي إلى إبقاء السيطرة على الأوضاع العامة في مناخ عدائي بين أفراد الشعب، وقد عمل الإمام ودعا إلى وحدة الشعب الإيراني قبل انتصار الثورة وبعدها، مؤسساً لروح وحدوية في كل المجالات التي يتوهم الناس فيها التعدد المتنافر عادة، كما في التعدد العرقي: فرس وترك وكرد وبلوش وعرب، أو في التعدد الفكري ومصادره: حوزة وجامعة، وفي هذا المجال قال الإمام(رحمه الله): "إني أمد يدي وبمنتهى التواضع نحو جميع التجمعات العاملة لخدمة الإسلام، طالباً إليهم السعي لتحقيق الإتحاد فيما بينهم في جميع المجالات، وذلك من اجل بسط العدالة الاسلامية التي تمثل الطريق الوحيد لتحقيق السعادة للشعب.لقد بذلت -وما زلت- قصارى جهدي من اجل تحقيق الوحدة بين مختلف طبقات الشعب المسلم، وأسأل الله تعالى العون لتحقيق هذا الأمر والذي يعتمد عليه وجود الشعب وبقاؤه."
وقد أكد انتصار الشعب الإيراني هذه النظرية: الوحدة تُقدّم الإنتصار والإستقلال والعزة.
الوحدة الدينية:
إعتقد الإمام بأن الخلاف المذهبي بما هو اختلاف علمي يبقي الإسلام بل يغنيه على هذا الصعيد ولم يتعارض هذا الإعتقاد عنده بالتمسك بالمذهب مع وجود الروح الإسلامية، وقد أثر الإتجاه العرفاني للإمام بتقوية شعور المحبة للمسلمين أينما كانوا والتعاطف البالغ مع قضاياهم كافة. وفي هذا المجال يمكن ملاحظة اهتمام الإمام (ره) وكلامه على مستويين: الأول الوحدة بما هي أخوة أنشأها القرآن الكريم، والثاني الوحدة بما هي قوة تصون الإسلام وتحفظ الأمة مما يراد بها من أعدائها. "إن القرآن الكريم يحكم بأن جميع المؤمنين في العالم هم أخوة والأخوة متكافئون". إن الأخوة الإسلامية منشأ لكل الخيرات، لقد بلغتم ما بلغتم بالمحافظة على الأُخوّة وبها تبلغون ما هو أسمى أيضاً.
لقد ذكرت مراراً أن لا أهمية للعنصر والقومية والإقليم في الإسلام، فجميع المسلمين سنة كانوا أم شيعة هم أخوة متكافؤون، متساوون في المزايا والحقوق الإسلامية، وأنه ليس في الإسلام سني وشيعي، أو كردي وفارسي فالكل أخوة".
وقد ظهر هذا العنوان عملياً في التآخي بين أفراد الشعب الإيراني أثناء الثورة وبعد الإنتصار ظهرت أخوة الشعب المسلم في إيران مع بقية شعوب العالم الإسلامي كما كانت من قبل.
أما على المستوى الثاني أي الوحدة بما هي قوة تصون الإسلام وتحفظ الأمة فهنا يمكن رؤية الإمام ليس منخرطاً فقط في مشروع توحيد الأمة وحفظ مصالحها بل متماهياً في هذا المشروع. لقد وعى الإمام مخاطر ومؤامرات الإستعمار وربيبته إسرائيل وعمل على إيقاظ الأمة وتحذيرها من أنه لا عزة ولا تنمية ولا تقدم لها بدون معالجة هذا الجرح والتنبه لآثاره على العالم الإسلامي بل على العالم كله، معتقداً بضرورة ربط المشاريع التغييرية في أي جزء من أجزاء العالم الإسلامي بقضية فلسطين وهذا ما كان يظهر في خطبه ضد الشاه وحكومته وعلاقته بإسرائيل بل تسخيره ثروات البلاد لخدمة الكيان الغاصب وهو ما نجد شبيهاً له في عالمنا العربي والإسلامي اليوم بقوة. قال الإمام (قده):" لقد حذرت مراراً من خطر إسرائيل وعملائها، ولن ترى الأمة الإسلامية السعادة إلا بعد أن تقتلع جرثومة الفساد هذه من أصلها. إن من اسباب ثورة الشعب المسلم في إيران على الشاه دعمه لإسرائيل الغاصبة." واستمر الإمام والقيادة الإسلامية الإيرانية بدعم الثورة الفلسطينية والإنتفاضة الشعبية بعد خلع الشاه وإلى يومنا الحاضر. وفي مجال حفظ ثروات العالم الإسلامي وجعلها في خدمة الأمة قال الإمام (ره):"يا مسلمي العالم الذين تملكون إيماناً بحقيقة الإسلام انهضوا واجتمعوا تحت راية التوحيد وفي ظل تعاليم الإسلام، واقطعوا أيدي الخونة المستكبرين عن أوطانكم وعن خزائنكم وأعيدوا مجد الإسلام ودعوا الخلافات والأهواء النفسانية فأنتم تملكون كل شيء."
الوحدة الإنسانية:
إن من أبرز ما انتجه الإمام الخميني (قده) في ثورته إحياء الخطاب الإسلامي الإنساني، فمعه عادت مصطلحات "المستكبرين" و "المستضعفين" و "الدفاع" و "النصرة" و "المساواة". وكما في عمله لاستبعاد قيم ومفاهيم التعصب المذهبي والعرقي بين المسلمين مقدمة لكسر الحواجز, التي أرادها الإستعمار وأدواته عائقاً يمنع شعوب الأمة الإسلامية من الإنفتاح والتكامل السياسي والتنموي بتسخير قدراتهم وثرواتهم لحل مشاكلهم الإجتماعية، وجدنا الإمام (قده) متعاطفاً مع قضايا عالمية تحت عنوان نصرة المستضعفين من غير المسلمين في وجه المستكبرين , الذين يسعون ويعملون على تدمير إنسانية الإنسان وبغض النظر عن عرقه ولونه وموطنه. إن العنصرية النازية والجنوب أفريقية والصهيونية وإرهاصات العولمة التي عاش الإمام آثارها المدمرة على الشعوب، كانت دافعاً لأن يركز الإمام ومن موقعه الإسلامي والعرفاني في دعوته وعمله على الإتجاه المعارض والنابذ لكل الأفكار والأعمال المؤسسة والفاعلة تحت مفاهيم التعصب المقيت والعنصرية الإضطهادية.
كما ركز على بيان موجبات الوحدة والمساواة وحفظ الكرامة الإنسانية. في هذا المجال يمكن ملاحظة نصوص الامام الموجهة الى البابا ورجال الدين المسيحيين، وكذلك الى القوى المناهضة للاستكبار والاستعمار، واستقباله لقوى التحرر في العالم وتعاونه معها.
المفهوم الواحد:
أخيراً، إن هذه العناوين الثلاثة كمفاهيم متشابكة تعطينا صورة عن مفهوم الوحدة الإسلامية في خط الإمام الخميني(ره)، وتصير عناوين أخرى كدعوته إلى الإلتزام بصلاة الجماعة في موسم الحج خلف الإمام المخالف في المذهب، أو إحياؤه لأسبوع الوحدة الإسلامية، أو تبنيه لتجمع العلماء المسلمين في لبنان من السنة والشيعة أو دفاعه عن قضايا المستضعفين في العالم، وكذلك رفض اعتبار السنة في إيران أقلية دينية، تفاصيل يمكن ملاحظة كثير أمثالها.وهذا الخط الذي انتهجه (قده) أثمر في خارج إيران كما أثمر في داخلها لخروجه من المصالح القطرية الضيقة، ولقد كان لنا في لبنان وفلسطين خصوصاً استجابة وتأثر بالغين لما لمسناه من صدق وصوابية في النظر.
ولم تنحصر الإستجابة والتأثر بالقوى الإسلامية بل تجاوزتهما إلى القوى الوطنية والقومية. إن شعار الوحدة الإسلامية الذي تداخل في كل الأمور المطروحة كهموم لأفراد الأمة صار مقبولاً حتى عند أصحاب العقائد غير الإسلامية.
وساهم النموذج الذي قدمه الإمام الخميني في قبول الإسلام كمعطى حضاري عند هؤلاء يقبل الإختلاف ويساهم في رفع مستوى المواجهة مع أعداء الشعوب الداخليين والخارجيين. ولذلك وجدنا قابلية وفعلية التلاحم الوطني في لبنان بمواجهة إسرائيل والفساد الداخلي بين القوى الإسلامية والوطنية على تنوعها.
إن الخطر الأكبر على الوحدة الإسلامية أو الوحدة الوطنية يبقى هو ذاته حكم الطغاة وإسرائيل وعملائها، ولم تمر علينا في لبنان لحظة انقسام وتفتت إلا وكانا وراءها بشكل أو بآخر سواء على المستوى الوطني العام أو على مستوى شرائح طائفية أو حزبية.
ونحن اليوم مدعوون مجدداً للإستفادة من تجاربنا وإعادة الوحدة باعثاً وهدفاً في حركتنا الجهادية والنضالية وإلا فإننا نضع بيدنا الحواجز والعوائق في طريق النصر والعزة. وأخيراً سلام الله على الإمام الخميني موحّداً بكل معاني الكلمة، والسلام على العلماء السائرين في نهج التوحيد والوحدة ورحمة الله وبركاته.والحمد لله رب العالمين
• محاضرة ألقيت بتاريخ31/3/2008 في مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت *بمناسبة الذكرى السنوية لارتحاله قدس سره الشريف

الثلاثاء، مايو 26، 2009

الشيخ علي خازم في حوار مع " أجيال المصطفى": بناء الإنسان المثقف صناعة إلهية

مقابلة مجلة أجيال المصطفى مع سماحة الشيخ علي خازم أمين سر مجلس الأمناء - تجمع العلماء المسلمين في لبنان – 22-5-2009
تجمع العلماء المسلمين في لبنان أول هيئة علمائية في عالم الإسلام ضمت علماء سنة وشيعة قادوا معاً عملاً سياسياً وجهادا
الوحدة الإسلامية هدف ينبغي استكمال تحققه في حياة الأفراد والمجتمعات ومنهج عمل في الوقت نفسه
بناء الإنسان المثقف صناعة إلهية
نحن بحاجة إلى مبدعين كما أننا بحاجة إلى منتجين
كما شاهدنا صورة إقفال الجنديين الإسرائيليين لآخر بوابة بين لبنان وفلسطين المحتلة سنشهد صورة إقفال آخر باب لآخر وسيلة نقل تحمل المحتلين الصهاينة إلى البلاد التي دفعتهم إلينا
أدعو للإستفادة من سُنَّة المؤاخاة النبوية بعقد مؤاخاة بين مواطني العالم العربي والإسلامي ومؤسساته مع ابناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته
من كان بلا صديق فلسطيني فليراجع نفسه في صدق تبنيه للقضية الفلسطينية
1- بداية هل لنا سماحة الشيخ بفكرة عن دور التجمع والأهداف التي يسعى لتحقيقها؟
تجمع العلماء المسلمين في لبنان هو أول هيئة علمائية في عالم الإسلام ضمت علماء سنة وشيعة قادوا معاً عملاً سياسياً وجهاداً , كان هو محور تأسيس حركتهم هذه ونشأت إثر الإجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 .
يهدف التجمع إلى ترسيخ مفهومي الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية والدفاع عنهما وإلى توحيد العمل الإسلامي، والعمل على بناء شخصية العالم والعامل المجاهد والمخلص وإبراز دوره القيادي في جهاد الأمة وإرادة التحرر وإبلاغ كلمة الله تعالى وحث الأمة على الانقياد له من هنا يتعاظم دورالتجمع في تبني القضية الفلسطينية وقضية المقاومة حيثما وجدت .
يعمل التجمع على سد الثغرات الثقافية في برامج العاملين وثقافة المسلمين، واتخاذ المواقف المناسبة من كل ما يهم الناس مما يراه التجمع مناسباً للمصلحة الإسلامية ، سواء من خلال عمله الخاص أو بالمشاركة مع الجهات الأخرى :
يظهر عمل التجمع المؤسساتي في مجموعة من الأنشطة المنتظمة , أهمها:
- لقاء دوري لأعضائه الذين يزيدون عن مئة وثلاثين عالما من مختلف المناطق اللبنانية ومن مواقع عمل متعددة كالقضاء الشرعي والتدريس وإمامة الجمعة والجماعة , حيث يتدارسون شؤون وشجون المسلمين محليا وعالميا ويتخذون منها المواقف المناسبة.
- "اللقاء الروحي التشاوري" الذي نشأ بمبادرة من التجمع ويضم ممثلين عن العائلات الروحية اللبنانية يجتمعون لتدارس قضايا تهم اللبنانيين في المفاصل المهمة من الوقائع والمجريات المحلية والاقليمية والعالمية.
- "مركز دراسات الوحدة الاسلامية" الذي يرصد القضايا والمسائل التي تهم المسلمين ويهيئ لدراستها وقد عقد فعلا عددا من الندوات والمؤتمرات صدرت أبحاثها في مجموعة من الكتب.
- عمل لجنة الثقافة والاعلام التي أصدرت مجموعة من الكتب وتشرف على صدورر مجلة "الوحدة الإسلامية" الشهرية وهي تعنى بالمواضيع الفكرية والإستراتيجية ويسهم في تحريرها أعضاء التجمع ونخبة من كتاب العالم العربي والاسلامي, ولها موقع الكتروني على شبكة الانترنت.
- موقع تجمع العلماء المسلمين الالكتروني الذي يعرض أخبارالتجمع وبياناته وكتبه .
كما إنه يعد لمجموعة من المؤسسات منها معهد دراسات الوحدة الاسلامية الأكاديمي المتخصص .
والتجمع عضو وشريك أساسي في مجموعة من المؤسسات والمؤتمرات الدائمة كمؤسسة القدس والمؤتمر القومي الإسلامي , إضافة إلى التزامه ببروتوكولات عمل مشترك مع مؤسسات عالمية , فضلا عن مشاركاته في الأنشطة العامة على الساحة اللبنانية.
2- ما هو دور الوحدة الإسلامية اليوم وكيفية تحقيقها وسط التحديات الكثيرة؟
تتجه أغلب دول العالم إلى الإعتماد على التشكيلات التي توحد الجهود في أكثر من إتجاه : ماليا وإقتصاديا وأمنيا وصولا إلى إلى العولمة الكاملة , وفي مقابل هذه التشكيلات تعتبر الوحدة الإسلامية الحصن الأساسي لحفظ دول ومجتمعات العالم الإسلامي وإلا فإنها ستجد نفسها تابعا أو فريسة . وعلى ذلك فإنَّ الوحدة الإسلامية هدف ينبغي استكمال تحققه في حياة الأفراد والمجتمعات ومنهج عمل في الوقت نفسه , أما كونها هدفا فمن حيث أن الله عز وجل بيَّن لنا في القرآن الكريم أننا أمة واحدة وأكدت على ذلك السنة المطهرة لكننا نعيش كمسلمين واقعا تتعدد فيه تشكيلاتنا كدول غيرمتحدة بل متخاصمة في أكثرمن اتجاه فما قصدته باستكمال تحقق الوحدة كهدف يعني السعي لتحقيقها كما أرادها لنا الله عزوجل , وأمَّا كونها منهجا فمن حيث أمرنا الله بذلك بقوله تعالى :( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا - النساء - الآية - 146 ) وقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا - النساء - الآية - 175 ) وقد بيَّن لنا نتائج إعتماد منهج مخالف بقوله تعالى :(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ - الأنفال - الآية - 46 ). والمسؤولية عن ذلك تقع على عاتق الأفراد والمجتمعات والحكومات.
تحديات الوحدة كثيرة ومتعددة المصادرفمنها الخارجي ومنها الداخلي , والله عز وجل بيَّن لنا أنَّ سُنَّة الإصلاح تكمن في معادلة قوامها : (.. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ - الرعد - الآية - 11)
3- ما هي نظرتكم للعمل الثقافي- التربوي وكيف يمكن بناء الانسان المثقف الذي يعيش هم أمته؟
العمل الثقافي - التربوي في لبنان عموما ذو طابع تعليمي نظري أكثر منه تأهيلي – عملي الذي هو الأصل في الثقافة لأنَّ المطلوب من المثقف غير المطلوب من المتعلم , فالمثقف سواء كان متعلما أكاديميا أو بالتحصيل الذاتي أو بهما معا هو القادر على مواجهة قضايا محيطه , بينما المتعلم تقتصر قدرته على خبرته الشخصية من تعليمه مما يجعل كفاءته محصورة في مواجهة ما تعلم مواجهته من قضايا , الأمر الذي يضعف عنده قدرة الابتكار . الاسلام يطلب منا التعلم ويطلب منا التعقل وبمفردة اسلامية موازية يطلب منا التفكر الذي يصل إلى مستوى العبادة.
إنَّ بناء الإنسان المثقف صناعة إلهية كما قال الله عز وجل عن سيدنا موسى عليه السلام (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي - طه - الآية – 39).
الثقافة عملية استمرارية بمعنى أنها استيعاب مستمر للخبرات العلمية والعملية لتوليد مهارات تؤهل للعيش كبشر مسؤولين في محيطنا المتنوع .
4- ما هو دور الفتاة المسلمة اليوم وكيف يمكن أن تؤديه وسط المغريات والأجواء الفاسدة والميوعة؟
الفساد على تنوع أشكاله طارئ على مجتمعنا وبذور الخير فضلا عن سنابله هي الأصل . من هنا فإنَّ للفتاة المسلمة المعتصمة بدينها دور حساس في حفظ صورة هذا المجتمع الأصيلة بما تمثله من أسوة لمثيلاتها وبتفهمها للواقع الذي يحاول أن يضغط على المجتمع ككل لتحويله عن الإلتزام بالقيم الدينية والأخلاقية إلى السعي خلف المنفعة العرضية.
إنَّ الحجاب والعفاف والمعرفة والإرادة القوية هي عناوين الفتاة المسلمة التي تحفظها وتحفظ المجتمع ككل من خلالها كأم وأخت وزوجة وصديقة من جهة أنها مفاتيح العلاقات الإجتماعية الأساسية إضافة إلى موقعها العملي .
وإنَّ الثقافة تؤهلها لتمييز الخادع من الواقع مما تدعى إليه , وتؤهلها للرأفة بالمخدوعات من محيطها فتعمل على ردهنَّ بالحكمة والموعظة الحسنة وأهمها أن تتمثل في حياتها سيدات بيت النبوة وفي مقدمتهن السيدة الزهراء عليها السلام .
5- بعد انتهاء الدراسة الثانوية يقف الطلاب أمام مفترق طرق,ماهي الاختصاصات التي ترى أنها حاجة للمجتمع ومصلحة للطالب؟
هذا السؤال يستطيع الإجابة عليه المعنيون في عدد من المراكز المتخصصة بالتوجيه العلمي , ولكنني أحب التذكير ببعض الضوابط التي ينبغي الإلتفات إليها والإعتناء بها ومنها :
- إنَّ رغبة الأهل بإختصاص معين تستحق من الأبناء الدرس , خاصة إذا كان باستطاعتهم مراكمة الخبرة العملية لولدهم التي تؤهله للتميُّز.
- نحن بحاجة إلى مبدعين كما أننا بحاجة إلى منتجين .الجمع بين الإختصاصات النظرية والأخرى التي تؤهل لسوق العمل أمر مطلوب ممن يجد القدرة في نفسه على ذلك .
- ينبغي الاطلاع على مستجدات سوق العمل فقد قرأت عن آلاف المهن التي انتفت وأخرى على الطريق والباقي يحتاج أربابها إلى تأهيل بمهارات جديدة , وهناك أعداد كبيرة من المهن المستجدة.إضافة إلى الفائض الكبير عن الاستيعاب في لبنان في بعض المجالات .
6- على أبواب ذكرى المقاومة والتحرير ماذا تمثل هذه الذكرى في وجدان اللبنانيين والعرب والمسلمين؟

عيد المقاومة والتحرير في 25 أيَّار نصر إلهي على طريق النصر النهائي , هكذا تختصر صورة النصر الذي تحقق عام 2000 بالانسحاب الاسرائيلي , وقد تأكدت هذه الصورة لاحقا في حرب تموز 2006 على لبنان وفي حرب غزة 2008 . كما شاهدنا صورة إقفال الجنديين الإسرائيليين لآخر بوابة بين لبنان وفلسطين المحتلة سنشهد صورة إقفال آخر باب لآخر وسيلة نقل تحمل المحتلين الصهاينة إلى البلاد التي دفعتهم إلينا .هذه الذكرى تهتف بنا إنَّ التوكل على الله والإستعداد بكل الاستطاعة من قوة والطاعة للقيادة تؤذن بالنصر النهائي القريب إن شاء الله.

7- في ذكرى النكبة تظل فلسطين والقدس القضية المركزية للأمة , كيف يمكن ترجمة هذه الرؤية إلى واقع؟
قضية تحرير فلسطين كلها قضية الأمة وقد استعيدت من أدراج العجز واندفعت بها الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية على طريق الجهاد . واليوم بعد الصمود الإستثنائي للفلسطينيين في وجه عملية الرصاص المصبوب نشهد محاولات إخماد هذه الإنتفاضة على أكثر من صعيد وبالتالي فإنَّ على الأمة أن تترجم التزامها في كل اتجاه سواء بالدعم المباشر أو غير المباشر , وبالضغط على الحكومات , وبالتشدد في مقاطعة بضائع ومنتجات الدول الداعمة لاسرائيل.
وإنني أدعو للإستفادة من سُنَّة المؤاخاة النبوية التي عقدها رسول الله صلَّى الله عليه وآله بين المهاجرين والأنصار في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة إلى عقد مؤاخاة بين مواطني العالم العربي والإسلامي ومؤسساته مع ابناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته في الداخل المحتل وفي الخارج . وكما قلت في مناسبة يوم القدس من كان منا في لبنان بلا صديق فلسطيني فليراجع نفسه في صدق تبنيه للقضية الفلسطينية .
بإمكانكم في مدرستكم عقد مؤاخاة مع أقرب مدرسة للاجئين الفلسطينين كما يسمونها .كذلك المستشفيات وما إليها وبهذه العلاقة تبقى القضية الفلسطينية واقعا نابضا بالحياة حتى التحرير الكامل إن شاء الله تعالى.

الأحد، مايو 03، 2009

رؤية الشهيد مطهري الى دور علماء الدين


في اجواء الذكري الثلاثين لاستشهاد الفيلسوف العلامة الشيخ مرتضي مطهري , هذه مقالة قدمتها في ندوة شخصية الشهيد مطهري وفكره في مركز الامام الخميني، التي عقدت في بيروت11 و12/11/1998
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال :" لا تجلسوا عند كل عالم يدعوكم، إلا عالم يدعوكم من الخمس الى الخمس من الشك الى اليقين و من الكبر الى التواضع و من الرياء الى الاخلاص و من العداوة الى النصيحة و من الرغبة الى الزهد."
أدى انتصار الثورة الاسلامية الايرانية بقيادة الامام الخميني (قده) الى بعث الاهتمام بالتعرف على المؤسسة التي افرزت هذا النموذج غير الاعتيادي من الثوار والقادة والمصلحين ، خاصة و أن الجهاز الذي اعتمد عليه في إدارة هذه الثورة كان الغالب عليه كونهم ايضاً ينتمون الى نفس المؤسسة و هي " الحوزة " .
هذا الاهتمام لم يبد اعظم عند غير المسلمين منه عندهم ذلك أن النظرة الى الاسلام في تلك المرحلة كانت محكومة بعوامل عدة جعلت صورة الاسلام جامدة على هيئة بعض النماذج الساكنة سكوناً هو اقرب الى الموت و الجمود ولا شأن له بالتالي في عملية النهوض و الحياة التي بها تستمر الأمم و المجتمعات. فضلاً عن ان الالتزام بالاسلام كان مبعثاً للاتسام بالرجعية حتى على المستوى الفردي.
لكن في مقلب آخر كان العالم الاسلامي يشهد حركة حيوية أخفاها وقار عباءات و عمائم أولئك الذين يحيون ببساطة و قناعة و يتحدثون بهدوء وتؤدة ولا يضجون حيث لا يثمرون ، وأهم ما في هذه الحركة وأبرز مظاهر الحيوية فيها كان اعادة الامساك بالوظيفة الشرعية من النقطة الاساس : الإصلاح " اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيئ من فضول الحطام ، و لكن لنرد المعالم من دينك و نظهر الاصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، و تقام المعطلة من حدودك" كما قال الامام علي عليه السلام أو كما قال الامام الحسين (ع) : إني لم اخرج أشراً و لا بطراً و لا مفسداً و لا ظالماً ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" . و لم يكن بروز مصلح بحجم الامام الخميني (قده) ممكناً لولا تضافر عوامل عدة أبرزها أن الحوزة كانت في أكثر من موقع من مواقعها سواء في النجف أو في قم تشهد وعياً للمشكلات التي يعاني منها الجهاز الديني الشيعي حيثما وجد في الحوزة أو في خارجها ، و تحس بخطر داهم على الاسلام و المسلمين في أنحاء العالم.
في الوقت نفسه لم تكن ثمة مشكلة في أن تقدم الحوزة فقهياً أوأصوليا وقد قدمت فعلا نماذج متميزة و عبقرية. و لكن المشكلة كانت في قدرتها على تقديم الأسوة الناشطة التي تبني مجتمعاً إسلامياً متميزاً , و نحن نعلم عجز الحوزة في النجف عن تهذيب المقيمين فيها من غير الطلبة الذين كانوا يؤذونهم بشكل أو بآخر.
لم تكن ثمة مشكلة في الحوزة تؤدي الى العجز عن فهم معطيات العصر الثقافية فيما لو استفيد من عمق المباحث و الدراسات التي تزود بها الطلبة , و لكن المشكلة كانت في صورة الدور المفترض لكل طالب بمفرده و جعل همه أن يصير فقيهاً و بالتالي مرجعاً للتقليد أو مدرساً كبيراً في المدينة الحوزة أو لا شيئ خارجها ... لأن العلماء يعرفون أنه حتى من حاز نصيباً وافراً من التحصيل العلمي و تحول ليكون إمام بلدة فإنه سرعان ما يفقد هذا المحصول حيث لا بحث و لا مدارسة و لا علم إلا فيما ندر.
و هكذا كانت الحوزة تملك معطيات وافرة في مجالات و تفقد الفاعلية في مساحات حتى كاد العجز في الفاعلية أن يفقدها بعض تلك المعطيات . كما تحول عدد من الطلبة الاذكياء عن الاستمرار بالزي الديني وانتقلوا الى المواقع العلمية الحديثة كالجامعات درسا و تدريساً . بل ظهرالتحول عن الالتزام بالفكر الديني عند البعض مثلاً، أو ظهور حالات التلفيق بين التراث الشيعي الثوري و بين العمل السياسي في الأطر العلمانية أو الملحدة أو غير ذلك ...
إن وعي المشكلات التي عانت منها الحوزة، و الاحساس بحجم الفتن التي تتهدد العالم الاسلامي في كافة المجالات العقائدية و الاجتماعية و السياسية أديا الى ما تحدثنا عنه من حركة و حيوية. و بهذا كانت الحوزة بعنوانها العام متقدمة ليس على ذاتها فحسب بل على أكثر من يعدون انفسهم متنورين و تقدميين إذ تبين لهم انهم لم يكونوا يرون من صورة الحوزة إلا اطارها الجامد و الجوانب المعتمة التي لا تخلو منها الصورعادة.
و أهم ما في هذا الوعي و الإحساس أنهما لم يقتصرا على مستوى دون آخر في الحوزة فلم يكونا عند المراجع دون كبار المدرسين ولا عند هؤلاء دون طلبة المراحل العليا ولاعند هؤلاء دون العلماء الذين خرجوا من الحوزة الى ساحات و دول لم يكن فيها حوزة بالمعنى التقليدي.
الشهيد مرتضى مطهري واحد من هؤلاء العلماء الذين تفاعلوا مع قضية الحوزة خلال اهتمامه بقضايا العالم الاسلامي من حيث ادراكه لعظمة تأثير الحوزة بما هي الأساس في تهيئة علماء الدين لأخذ دورهم في المجتمع فكتب مقالته الهامة "المشكلة الأساس في جماعة علماء الدين" سنة ١٩٦٣ و هو بسن ٤٥ .
و عندما نريد البحث عن رؤية الشهيد مطهري لدور علماء الدين فإننا ننظر في نفس الوقت الى الحوزة لانها الام و ننظر أيضاً في مفردات أخرى لا تبعد عنها، و لاستكشاف هذه المواضيع في فكر الشهيد مطهري فاننا بحاجة الى متابعته في كل ما طبع له من مؤلفات حتى و ان بدا ان عنوان بعضها أو أكثرها بعيداً عن صلب الموضوع كما في كتابي "الدوافع نحو المادية" و "أجوبة الاستاذ للاستفادة على كتاب مسألة الحجاب ".
نقاط كثيرة أجاب عليها الشهيد مطهري و هي تقع في الطريق الى الدور الاقصى الذي يطلبه الشهيد من علماء الدين لا يتسع المقام لبيانها و لكن اثارتها مهمة من مثل موضوع:
رجل دين أم عالم دين
الزي الديني
العلوم الدينية و غير الدينية
عصمة العلماء والمراجع
التبليغ الديني
التأليف و النشر
هل يؤخذ العلم من أي روحاني
فريضة طلب العلم على المجتمع
وجوب رفع مستوى الناس لفهم اختلاف العلماء.
باختصار شديد إن دور علماء الدين في رؤية الشهيد مطهري يقع بين أحد اثنين : إما الخدمة الاجتماعية و إما الاصلاح , ولكل منهما وظائف تحضيرية ووظائف تنفيذية والاصل عنده ان الدور الحقيقي لعلماء الدين هو قيادة المجتمع نحو الاصلح لانها المهمة الالهية الملقاة على عاتقهم.
و يعتبر الشهيد مطهري أن المواصفات الخاصة للمصلح تجعله نادر الوجود ، يقول :" هل سبق أن خطر ببالكم لماذا عندنا في تاريخ الاسلام أشخاص مبرزون من كل الطبقات في مختلف المجالات حيث عندنا الادباء العظام و الحكماء العظام و الوعاظ و الخطباء العظام و السياسيون العظام...و لكن ليس لدينا مصلحون؟
نعم إننا فقراء في هذا ، صحيح انه قد ظهر بيننا بعض المصلحين و لكن ليس بالقدر المنتظر..إن للمصلح نبوغاً و شخصية و عمق بصيرة و بعد نظر و تضحية تختلف عما للآخرين" .
و يميز الشهيد مطهري بين الإصلاح و الخدمة الاجتماعية بقوله: " الإصلاح الإجتماعي يعني التغيير الاجتماعي نحو الهدف المطلوب" . دواء السرطان خدمة و لكنه ليس اصلاحاً اجتماعياً و مع التقدير لخدمات العاملين الكبار فعمل الشيخ مرتضى الانصاري أحد الفقهاءالكبار , أو صدر المتألهين أحد الفلاسفة الاسلاميين العظام ، خدمة و خدمة كبيرة جداً , أو مثلاً تفسير مجمع البيان , و لكنه ليس اصلاحاً اجتماعياً بل عمل قام به أحد العلماءفي الانزواء الكامل . الصالحون كالمصلحون لهم قيمتهم مقابل خدماتهم و لكن لا يعتبرون من المصلحين" .
و اذا كان التغيير الاجتماعي سينتهي بالثورة فإن كل ثورة تحتاج الى قيادة و قائد , و هنا يرجع الى دور المصلح او جماعة المصلحين لأنه اضافة الى المؤهلات العامة للقيادة فثمة شروط:
1 أن يكونوا عارفين بالاسلام معرفة جيدة
2- أن يكونوا عارفين بالأهداف و الفلسفة الأخلاقية و الاجتماعية و السياسية للاسلام
3- أن يكونوا على معرفة كاملة بنظرة الاسلام الى الحياة
4- ان يستوعبوا الايديولوجية الاسلامة استيعاباً كاملاً.
و من البديهي أنه "لا يستطيع أحدً أن يتحمل قيادة بهذه المؤهلات و الشروط الا أن يكون قد تربى في صميم الفكر الاسلامي و أن يكون عارفاً بالقرآن و السنة و الفقه و المعارف الاسلامية معرفة كاملة و على هذا الاساس ايضاً لا يستطيع الا علماء الدين قيادة الثورة الاسلامية".
و هكذا نرجع معه الى الحوزة التي هي الاصل و المنشأ لهؤلاء العلماء ، والحوزة هي الطلبة والمدرسون و المراجع وهي الكتب و المناهج ، و خريجوها هم الحوزويون الذين تعرضوا ويتعرضون للسهام من كل طرف وعلى تقدير حسن النية فإن البعض قد يتخذ من صورة غير الحقيقي من الطلبة أو من المتزينين بزي العلماء نموذجاً عاماً يدفع الناس عن الاعتماد حتى على العلماء الحقيقيين و هذه الظاهرة مستمرة الى الآن.
و حيث أن الشهيد مطهري يعتبر بحق ممن امتلكوا الثقافة الحوزوية و الثقافة غير الحوزوية فإنه وعن نضج كتب مقالته الشاملة "المشكلة الاساس في جماعة علماء الدين" معتبراً أن طريقة صرف سهم الامام أوجدت سلسلة من المشاكل في الحوزة . وهذا الموضوع كما ذكرنا نشره سنة ١٩٦٣ ، و اقترح حينها جملة من الامور المساعدة على عودة الحوزة الى سابق وضعها .
و عن رأيه في الحوزة قال سنة 1973في رسالته تصحيح وضع "حسينية الارشاد" التي كانت منبراً هاماً له و للدكتور علي شريعتي :
" انني ما زلت و منذ عشرين عاماً اي منذ وصلت الى مرحلة الاستقلال الفكري مناصراً حازماً للحوزة و منتقداً لها في آن واحد ، مناصراً ومدافعاً جاداً عنها و هي أصلي و منطلقي ، ففخري الوحيد هو دخولي هذا السلك ، ففي الحوزة وجدت أشرف و ازكى الاشخاص ، الحوزة هي (نسبياً) وريثة ثقافة ال(١٤٠٠) عاماً الاسلامية ، هكذا ارى الحوزة و أرى نفسي سنبلة في بيادرها العظيمة". "و كنت وما زلت اعتقد ضرورة بقائها و حفظها فلا يمكن لشيئ أن يقوم مقامها واعتبر شعار "إسلام بدون حوزة" شعاراً استعمارياً. " و في الوقت نفسه فإني شخص منتقد لحوزتي ، اعتقد بوجوب احداث اصلاحات فيها ، كثيرون هم غير الكفوئين الذين تلبسوا بزي الحوزويين المقدس ، فلا ينبغي الانقياد الاعمى لأمثال هؤلاء الذين يدعون تمثيل الحوزة قبل الحوزويين الحقيقيين" . "... ووجهة نظري...وجوب و لزوم الاستفادة من الحوزويين الحقيقيين ووجوب و لزوم المقاومة العنيفة للمتلبسين بالزي الحوزوي المقدس الذين استغلوا مزاياه دون أن يمتلكوا شيئاً من العلم و التقوى و هما علامة الحوزويين الحقيقيين".
و الاستفادة من الحوزويين الحقيقيين كانت شرطه ليس فقط للإصلاح الاجتماعي بل حتى في نظم الوسائل المختلفة ، ففي تظيم الحسينية المذكورة اشترط وجود " المجلس العلمائي الاعلى " و ان يكون اعضاؤه معروفين بالتقوى ، عارفين بأحوال و أوضاع الزمان وشؤونه ، مطلعين على مقتضيات العصر و تياراته ، و أن يكونوا من ناحية المقامات في العلوم الاسلامية بدرجة تكون معها شخصيتهم العلمية مورد قبول وتأييد الحوزات العلمية... أي أن تتوافر فيهم درجة الاجتهاد كحد أدنى" .

ألبوم الصور