الأحد، سبتمبر 26، 2010

إلى بعض من أُحِّبْ :

إلى بعض من أُحِّبْ :







إذا كنا لا نُغَيِّر في من نكتب لهم , وإذا كنا لا نُغَيِّر في من نكتب عنهم , وإذا كنا لا نغيِّر في من نكتب عندهم , فلماذا لا نغّيِّر في ما نكتب , أم إنَّه قدر ومكتوب ؟

الأحد، سبتمبر 19، 2010

حكم الردة عن الإسلام والعلاقة بينه وبين مسألة الحرية الدينية - رؤية شيعية


حكم الردة عن الإسلام والعلاقة بينه وبين مسألة الحرية الدينية - رؤية شيعية*

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
8888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888
القطب الراوندي في دعواته : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنه قال للبراء بن عازب : ( الا أدلك على أمر : إذا فعلته كنت ولي الله حقا ؟ قلت : بلى ، قال : تسبح الله تعالى في دبر كل صلاة عشرا ، وتحمده عشرا ، وتكبره عشرا ، وتقول : لا إله إلا الله عشرا ، يصرف ذلك عنك الف بلية في الدنيا ، أيسرها الردة عن دينك ، ويدخر لك في الآخرة الف منزلة ، أيسرها مجاورة نبيك محمد ) صلى الله عليه وآله مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 5 - ص 82
8888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888888
تتعرض بعض أحكام الحدود وبعض الأحكام الأخرى و منها ما يتعلق بالأحوال الشخصية إلى مراجعة نقدية على خلفيات متعددة ومتباينة منذ إطلاق الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 1948 , وكذلك بعد إطلاق سلسلة مقررات دولية منها اتفاقية "السيداو" التي عرفت ب اتفاقية " القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" و كانت قد صدرت عام 1979م وقد أصبحت سارية المفعول في 3/2/1981 ..اتفاقية حقوق الطفل 1989, ثم مقررات مؤتمر بكين للمرأة سنة 1995م وغيرها...
وكانت القضية قد أخذت صورة حادة بعد صدور رواية سلمان رشدي الآيات الشيطانية سنة 1988 وما استدعته من أحكام في العالم الإسلامي بحقه خصوصا حكم الإمام الخميني قدس سره الشريف 1989 بوجوب إعدامه[1].
وفي السنوات الأخيرة برزت قضية حكم الردة في الإسلام وتعارضه مع الحرية الدينية تبعا لإشكالات أثيرت على خلفية بعض الأحكام الصادرة في بعض دول العالم الإسلامي جراء تحول بعض المسلمين إلى النصرانية خصوصا كما في السعودية وأفغانستان ..او ردة البعض عن الإسلام إلى الكفر عموما كما في الإدعاءات في بعض الحالات عليها (قضية عز الدين بليق في لبنان الذي انكر نبوة سيدنا آدم ففرقت المحكمة الشرعية السنية بينه وبين زوجته وقضت بتوريث امواله , وقضية نصر حامد أبو زيد في مصروغيرها في إيران ...
وقد اتسعت دائرة المناقشة و الردود والتعليقات حول هذه المسائل لتشمل مؤسسات وهيئات حكومية بما فيها المنظمات التي تجمع دول العالمين العربي والإسلامي وما يرتبط بها من مؤسسات دينية ومجامع فقهية , فضلا عن المؤسسات الأهلية والأفراد .
وبغض النظر عن إيجابية أن قسما من هذه المناقشات والردود أتى استمرارا لحركة الإجتهاد الفقهي في مسارها الطبيعي – رغم أنها لم تسلم من بعض الملاحظات على هذا الصعيد[2] - فإن قسما آخر أتى تلبية لروح الانهزام أمام الثقافة الغربية[3] ولكنه يستحق النقاش على أية حال , حيث صار من مصاديق الثغور التي يُخشى منها على ثقافة المسلمين .
عنوان الندوة وفق برنامجها " أحكام الردة أو أحكام تغيير المعتقد" عنوان ملتبس ويمكن مقاربته من الجهات التالية :
الأولى - تغيير المعتقد لأفراد المجتمع الاسلامي أعم من كونهم مسلمين إذ فيهم أتباع أديان اخرى وملحدون.
الثانية - تغيير المعتقد للمسلمين خصوصا وهو موضوع مصطلح الردة الفقهي.
الثالثة - تغيير المعتقد لغير المسلمين خصوصا.
ومن البديهي ان مصطلح الردة أو الإرتداد في البحث الفقهي يختص بالمسلمين,ومع وجود أحكام خاصة بتغييرالمعتقد لدى الزراتشتيين واليهود والنصارى من أهل الكتاب, إلا ان فقهاءنا أعزهم الله لم يلاحظوها في مباحثهم الفقهية من هذه الجهة بل درسوها من جهة الإسلام فقالوا ليس كفر أولى من كفر ولم يرتبوا بالتالي على الردة بين غير المسلمين شيئا إلا أن تنجر نوبة البحث إلى إمكانية قضاء المسلمين بينهم على موازينهم وتنفيذها , أو إلى إقرارهم على تنفيذ أحكامهم بحق بعضهم فهاهنا يصير البحث مطلوبا , خصوصا إذا علمنا أنه يمكن الحكم بالقتل على المرتد بينهم وفي هذا إخلال بسيادة الدولة الاسلامية من جهة قضائها ومن جهة رعايتها لحقوق المواطنين فيها بتغيير معتقدهم إلى الإسلام مثلا[4].
ويواجهنا إلتباس آخر في العنوان المفروض: أحكام الردة أو أحكام تغيير المعتقد منشؤه هذه ال"أو" التي توحي بمعان مختلفة تنشأ عن طبيعة العلاقة المنطقية المحتملة بين القضيتين المفهومتين من " أحكام الردة " و "أحكام تغيير المعتقد" التطابق أوالتضمن أوالمغايرة . وباستبعاد البحث الذي يتعرض لتضمن عنوان تغيير المعتقد للردة والذي تحدثنا عنه قبل قليل في الجهتين الأولى والثالثة ,وتبعا لسياق برنامج سلسلة الندوات التي نتحدث فيها نكتفي من هذا الوجه بما قدمناه عن الجهتين الأولى والثالثة,ونترك التفصيل فيه إلى مقام آخر ليبقى أمامنا النظر إلى الردة كمصطلح فقهي وإلى تغيير المسلم معتقده بمعناه العام فنكون أمام إما التطابق أوالتغاير وهما محور إشكالية خاضعة للنقاش والإجتهاد .وبيان الأحكام المترتبة على ذلك خصوصا لجهة علاقتهما بقضية الحرية الدينية.
وبناء عليه حعلت محاور بحث ورقتي هذه وعنوانها " حكم الردة عن الإسلام والعلاقة بينه وبين مسألة الحرية الدينية - رؤية شيعية " وفق الترتيب التالي :
- الرأي الفقهي والكلامي الشيعي.
- عرض مختصر لمسائل الحوار الدائر حول الردة في الفضاء الفكري الشيعي.
- مقاربة نقدية للنقاش وارتباطه بقضية الحرية الدينية.
- خلاصة.

الرأي الفقهي والكلامي الشيعي:

يتداخل "الفقه" و"الكلام" في مسألة الردة تبعا لأن النقل قرآناً وسنةً هما المصدر في تشكيل المصطلح والمفهوم الشرعي , وإنما يتقدم المعنى الفقهي على الكلامي كونه أقرب للتبادر الذهني لما يترتب على الردة من أحكام تتعلق بنفس المرتد وبالمكلفين من حوله . ولأنَّ "الكلام" لايرتب أثرا على المحيط ما دامت الردة في نفس المكلف - وإن قال الفقهاء بترتيبها الأثرعليه شخصيا وفي نفسه في مواضع سنتعرض لها- سأقتصر في هذه النقطة من البحث على بيان الرؤية الفقهية المتضمنة لبعض الاشارات الكلامية دون ما كان رؤية كلامية مستقلة .
يمكننا تتبع حكم الردة في الفقه الشيعي في ثلاثة مواقع : مستقلا في المجاميع الفقهية وحكوميا في الدستور والقوانين الإجرائية التنفيذية حيث يمكن ذلك , ومشتركا مع المسلمين في مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

في المجاميع الفقهية:

بحث الفقهاء عن موضوع الردة وآثاره في الموارد المتعلقة به من أبواب الفقه المتعددة سواء كانت هذه الكتب كتبا روائية مصنفة بحسب التبويب الفقهي المتعارف كما في الكتب الاربعة والوسائل, أو كتبا فتوائية استدلالية أو مجرَّدة .
ويمكن بالتالي الرجوع اليها تحت العناوين التالية :
1 - كتاب الطهارة : أ - النجاسات ، نجاسة الكافر . ب - المطهرات ، مطهرية الإسلام ، الأسئار .
2 - كتاب الصلاة : حكم تارك الصلاة مستحلا ، الارتداد أثناء الأذان ، قضاء ما فات المرتد قبل ارتداده وحينه .
3 - كتاب الصوم : حكم تارك الصوم مستحلا ، والارتداد أثناء الصوم .
4 - كتاب الزكاة : حكم تارك الزكاة مستحلا .
5 - كتاب الحج : حكم تارك الحج مستحلا ، والارتداد أثناء الحج .
6 - كتاب البيع : بيع العبد المرتد .
7 - كتاب النكاح : أسباب التحريم ، الكفر .
8 - كتاب الإرث : موانع الإرث ، الكفر .
9 - كتاب الحدود : حد الارتداد .
وربما يتعرض له في مواطن أخرى ، كالقصاص ونحوه .كما في وقوع المرتد موضوعا لعمل المكلف المسلم - عدا ما ذكر - بيعا ورهنا واعتاقا ومكاتبة وتدبيرا.
و قد افردوه بباب خاص كما فعل كل من الشيخ - في المبسوط والخلاف - والشهيد - في الدروس - كتابا مستقلا للبحث عن المرتد سمياه ب‍ " كتاب المرتد " ، وأضاف الشيخ كتابا سماه " كتاب قتال أهل الردة "[5] .

في الدستور والقوانين الإجرائية التنفيذية:

في دول مثل لبنان, البحرين, العراق حيث لايعتبر المذهب الشيعي مذهب الدولة , تتبع المحاكم الشرعية الجعفرية - حيث تعطى صلاحياتها الإجرائية - فتاوى مرجع التقليد الحي الأعلم .
وفي حين لا ينص دستور الجمهوريةالإسلامية الإيرانية - وهي الدولة الشيعية الوحيدة - في عالم اليوم على أي شئ يتعلق بأحكام الردة أو أهل الذمة[6] فإنه قد ورد في الفصل الاول من نسخة- 1993 :
المادة الثانية عشرة:
الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير.
وأما المذاهب الإسلامية الأخرى، والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية)، وما يتعلق بها من دعاوى المحاكم.
وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة ـ في حدود صلاحيات مجالس الشورى ـ تكون وفق ذلك المذهب، هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى.
المادة الثالثة عشرة:
الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون هم وحدهم الأقليات الدينية المعترف بها، وتتمتع بالحرية في أداء مراسمها الدينية ضمن نطاق القانون، ولها أن تعمل وفق قواعدها في الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية.
المادة الرابعة عشرة:
بحكم الآية الكريمة: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) على حكومة جمهورية إيران الإسلامية وعلى المسلمين أن يعاملوا الأشخاص غير المسلمين بالأخلاق الحسنة والقسط والعدل الإسلامي، وأن يراعوا حقوقهم الإنسانية، وتسري هذه المادة على الذين لا يتآمرون ولا يقومون بأي عمل ضد الإسلام أو ضد جمهورية إيران الإسلامية.

المادة الثانية والعشرون:
شخصية الأفراد وأرواحهم وأموالهم وحقوقهم مساكنهم ومهنهم مصونة من التعرض إلا في الحالات التي يجيزها القانون.
المادة الثالثة والعشرون:
تمنع محاسبة الناس على عقائدهم، ولا يجوز التعرض لأحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة.
المادة الرابعة والعشرون:
الصحافة والمطبوعات حرة في بيان المواضيع ما لم تخل بالقواعد الإسلامية والحقوق العامة، ويحدد تفصيل ذلك بالقانون.
المادة الخامسة والعشرون:
الرسائل والمكالمات الهاتفية، والبرقيات، والتلكس لا يجوز فرض الرقابة عليها، أو عدم إيصالها، أو إفشائها، أو الإنصات والتجسس عليها مطلقًا إلا بحكم القانون.
المادة السادسة والعشرون:
الأحزاب، والجمعيات، والهيئات السياسية، والاتحادات المهنية، والهيئات الإسلامية، والأقليات الدينية المعترف بها، تتمتع بالحرية بشرط أن لا تناقض أسس الاستقلال، والحرية، والوحدة الوطنية، والقيم الإسلامية، وأساس الجمهورية الإسلامية، كما أنه لا يمكن منع أي شخص من الاشتراك فيها، أو إجباره على الاشتراك في إحداها.
المادة السادسة والثلاثون:
لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون، وتختص المحكمة بإصدارها.
المادة السابعة والثلاثون:
الأصل البراءة، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته من قبل المحكمة الصالحة.
المادة الثامنة والثلاثون:
يمنع أي نوع من التعذيب لأخذ الاعتراف، أو الحصول على المعلومات، ولا يجوز إجبار الشخص على أداء الشهادة، أو الإقرار، أو اليمين، ومثل هذه الشهادة أو الإقرار، أو اليمين لا يعتد به.
المخالف لهذه المادة يعاقب وفق القانون.
المادة التاسعة والثلاثون:
يمنع بتاتًا انتهاك كرامة أو شرف من ألقي القبض عليه، أو أوقف، أو سجن، أو أبعد بحكم القانون، ومخالفة هذه المادة تستوجب العقاب.
المادة الأربعون:
لا يحق لأحد أن يجعل من ممارسة حق من حقوقه وسيلة للإضرار بغيره، أو الاعتداء على المصالح العامة.

الموقف الشيعي المشترك مع باقي المسلمين من خلال "مجمع الفقه الإسلامي الدولي" التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:

ينحصرالتمثيل الشيعي في المجمع بالتمثيل الإيراني لأنه يتبع اشتراك الدول في منظمة المؤتمر الإسلامي وقد حرصت إيران على المشاركة بفعالية وبتمثيل علمي عالي المستوى للقيام بتقريب الرؤية الشيعية في كل المسائل التي تعرض على المجمع لإبداء الفتوى فيها من خلال مبدأ الإجتهاد الجماعي الذي أقرَّه وتبنته المنظمة , و يمثل إيران فيه منذ عدة سنوات آية الله الشيخ محمد علي التسخيري . وقد تعرض المجمع للإفتاء في مورد بحثنا مرتين , الأولى مسألة القاديانية في دورته الثانية حيث قررما يلي :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ /22 – 28 كانون الأول (ديسمبر ) 1985م .
بعد أن نظر في الاستفتاء المعروض عليه من مجلس الفقه الإسلامي في كيبتاون بجنوب أفريقيا بشأن الحكم في كل من القاديانية والفئة المتفرعة عنها التي تدعي اللاهورية ، من حيث اعتبارهما في عداد المسلمين أو عدمه ، بشأن صلاحية غير المسلم للنظر في مثل هذه القضية ،
وفي ضوء ما قدم لأعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر في الهند في القرن الماضي وإلية تنسب نحلة القاديانية واللاهورية ،
وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد أن ميرزا غلام أحمد قد ادعى النبوة بأنة نبي مرسل يوحي إليه ، وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل عليه وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله الاعتقاد بنبوته ورسالته ، كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم بالضرورة كالجهاد ،
وبعد أن اطلع المجمع أيضاً على ما صدر عن المجمع الفقهي بمكة المكرمة في الموضوع نفسه ،
قرر ما يلي :
أولاً : أن ما ادعاه ميرزا غلام أحمد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت من الدين بالضرورة ثبوتاً قطعياً يقينيا ًمن ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد وأنه لا ينزل وحي على أحد بعده . وهذه الدعوى من ميرزا غلام أحمد تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام . وأما اللاهورية فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم بالردة ، بالرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنه ظل وبروز لنبينا محمد .
ثانياً : ليس لمحكمة غير إسلامية ، أو قاض غير مسلم ، أن يصدر الحكم بالإسلام أو الردة ، ولا سيما فيما يخالف ما أجمعت الأمة الإسلامية من خلال مجامعها وعلمائها ، وذلك لأن الحكم بالإسلام أو الردة ، لا يقبل إلا إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في الإسلام ، أو الخروج منه بالردة ، ومدرك لحقيقة الإسلام أو الكفر ، ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع : فحكم مثل هذه المحكمة باطل .
والله أعلم
مجلة المجمع – ع 2، ج 1/209
والثانية في الدورة التاسعة عشرة 2009 في ما يخص عنوان الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية والذي خلص إلى ما يلي:
قرارات المجمع الفقهي في دورته التاسعة عشر من 1ــــ 5 / 5 /1430هـ
القرارات والتوصيات
1 مايو 2009
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين
قرار رقم 175 (1/19)
بشأن الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية: أبعادها، وضوابطها
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة) من 1 إلى 5 جمادى الأولى 1430هـ، الموافق 26 - 30 نيسان (إبريل) 2009م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية: أبعادها، وضوابطها،
واستشعاره أهمية مناقشة موضوع الحريات الدينية من قبل المجمع لسدّ الحاجة الماسة داخل دول العالم الإسلامي وخارجه للتعرف إلى موقف المجمع منه باعتباره مرجعية إسلامية، فقهية عامة.
وبعد استماعه إلى الأبحاث المعدة في الموضوع والمناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يأتي:
أولا: الحرية الدينية مبدأ مقرر في الشريعة الإسلامية ينطلق من الفطرة ويقترن بالمسؤولية في الإسلام، ولها ضوابط في الشريعة، وغايتها تحقيق الكرامة الإنسانية.
ثانياً: الحرية الدينية مكفولة في المجتمع، وتجب صيانتها من المخاطر والأفكار الوافدة، ومن كل أشكال الغزو، الدينية أو غير الدينية، التي تستهدف تذويب الهوية الإسلامية للأمة.
ثالثاً: إن المسلمين يلتزمون بالمبدأ القرآني: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقد مارسوا عبر التاريخ التسامح وقبول الآخرين الذين عاشوا في ظل الدولة الإسلامية، ومن الضروري احترام غير المسلمين الخصوصيات الإسلامية، وأن توقف حالات التطاول على e رسول الإسلام والمقدسات الإسلامية.
رابعاً: التنوع المذهبي والفقهي حالة طَبَعية، وتعاون المسلمين على اختلاف مذاهبهم واجب شرعي نص عليه الكتاب والسُنة، والإسلام يدعو إلى عقيدة التوحيد وتوحيد الكلمة على أساس التعاون فيما هو متفق عليه، وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اُختلف فيه.
خامساً: وضع حدّ لإثارة البلبلة حول المسلمات والثوابت الإسلامية وزرع الشكوك فيما هو معلوم من الدين بالضرورة من داخل المجتمع الإسلامي لأن ذلك يشكل خطراً على الدين والمجتمع ويتأكد الردع عن هذه الأساليب المرفوضة التي يتذرع أصحابها بالحرية الدينية، وذلك حماية للمجتمع وأمنه الديني والفكري، ومنعاً لاستغلال ذلك من غير المسلمين.
سادساً: إن الفتوى بالردة أو التكفير مردّها إلى أهل العلم المعتبرين، مع تولي القضاء ما اشترطه الفقهاء من الاستتابة وإزالة الشبهات خلال مدد الإمهال الكافية تحقيقاً للمصلحة الشرعية المعتبرة.
سابعاً: المجاهرة بالردة تشكل خطراً على وحدة المجتمع الإسلامي وعلى عقيدة المسلمين وتشجع غير المسلمين، أو المنافقين، لاستخدامها في التشكيك، ويستحق صاحبها إنزال العقوبة به من قبل القضاء دون غيره، درءاً لخطره، وحماية للمجتمع وأمنه، وهذا الحكم لا يتنافى مع الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لمن يحترم المشاعر الدينية وقيم المجتمع والنظام العام.
ويوصي بما يلي:
•مطالبة الحكام المسلمين بتوفير حاجات أبناء المجتمع الرئيسة ومنها الحرية المسؤولة، وتوفير الغذاء والسكن والعلاج والتعليم وفرص العمل، وسائر الحاجات التي تحصن الجيل من المؤثرات الإغرائية المادية وغيرها مما يستخدم لترويج الأفكار المناهضة لقيم الإسلام.
والله أعلم

عرض مختصر للحوار الدائر حول الردة في الفضاء الفكري الشيعي:

إن تاريخ المسائل الفقهية واحد من أهم مراجع ومصادر الفقيه بما يحمله هذا التاريخ من اختلاف في النظرة والحكم ويساعد في فهم منشأ الحكم. ولذلك لا ينبغي عد اختلاف الفقهاء عيبا ما دام واقعا في دائرة مبانيهم الاجتهادية وهو بالاحرى أن لا يكون سببا لرفع اليد عن أصل الحكم كما في مسألتنا وفق ما يذهب إليه البعض معتبرا أن هذا الإختلاف دليل على عدم وجود أصل نقلي للحكم الدنيوي على المرتد.
وكذلك لا نعيب على الفقهاء أن يعيدوا النظر في مسألة كمسألتنا ولو بطلب من القيادات السياسية وتبعا لتوصيات الحكومات الإسلامية وحتى الغربية لكن ما نعيبه على بعضهم هو أن يسيروا في ركابها فيتحكموا في الإفتاء بما يرضيها ولو خلافا لقناعاتهم الفقهية. هذه المقدمة ضرورية هنا وفي المحور الثالث من الورقة وهو المقاربة النقدية.
يلاحظ الناظر في تاريخ مسألة الردة إمكانية تقسيمه على أكثر من أساس للقسمة والذي يفيدنا في مقام البحث هنا ربطا بين الحرية الدينية وأحكام الردة هو ما أشرنا إليه في بداية البحث عن تعرض بعض أحكام الحدود وبعض الأحكام الأخرى و منها ما يتعلق بالأحوال الشخصية إلى مراجعة نقدية من المسلمين وغيرهم على خلفيات متعددة ومتباينة منذ تأسيس عصبة الأمم المتحدة[7] وإنضمام الدول الإسلامية إليها تباعا , وفي نفس السياق يأتي إنضمام الدول الإسلامية إلى المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى بما فيها منظمة المؤتمر الإسلامي.
إن المراجعات النقدية الناشئة بعد هذا التاريخ لايمكن تجريدها بأي حال عن تأثير قرارت هذه المنظمة و الدول الكبرى الصانعة لتوجهاتها- كما المنظمات الأهلية الرديفة- خصوصا في موردي الحريات والحقوق. ولذلك أقترح أن يكون تقسيم تاريخ مسألة الردة مبنيا على هذا الأساس مما يمكننا من البحث عن قديم ما ورد فيها وهو ما قبل ذلك التاريخ , وجديده وهو ما بعده , ويضاف من جهة اعتبارية أخرى ما نسميه القديم الجديد وهو المشترك بينهما لكن بإختلاف في دافع البحث وإختلاف في أسلوب المقاربة العلمية.
إلى هنا يكون كلامنا عاما في في الفضاء الفكري الإسلامي ومنه ننعطف إلى الفضاء الخاص الشيعي:
تتميز الحوزة العلمية الشيعية بالحركة البحثية المستمرة وعدم الركون الى المشهور من الفتاوى, وإذا أمكن ملاحظة سطوة علمية لأحد عمالقة الفقه والأصول فلم تعدم الحوزة من يأتي بعده ببرهة ليكسر هذه السطوة(الشيخ الطوسي وإبن إدريس مثلا) ويمكن للمتتبع ملاحظة إنعطافات حادة في مسارالاحكام الشرعية بين فترة واخرى سواء بلحاظ تغيُّر تقويم الدليل أو بفعل تأثير المكان والزمان- حيث يتسع المقام- كما في مسألة طهارة الكتابي أوالطواف والصلاة خلف مقام ابراهيم عليه السلام في الحج . وهذا لايعني بحال من الاحوال أن هذه الانعطافة لا تلقى مواجهة قاسية من مدعي القداسة كما أسماهم الامام الخميني "قده" , ولكن خلال الزمان الذي تستنفذه الفتاوى الجديدة إذا صح التعبير من لحظة تقديمها من المجتهد في بحثه الخارج ومجلس المذاكرة ومجموعة البحث الفتوائي الخاصة به تكون قد تعرضت لمراجعة كافية لحسم امره وإظهار رأيه حيث يجب عليه ذلك , وبالتالي تحَمُّلُ ما يرد عليه .
وفي مسألتنا يمكن ملاحظة عناوين كثيرة للإختلاف بين علماء الشيعة أنفسهم فضلا عن الإختلاف بينهم وبين علماء السنة ولذلك سنقدم بيانا للفوارق والمشتركات الرئيسية بين السنة والشيعة بملاحظة خصوصية ارتباطها بقضية الحرية لأنه محور بحثنا دون عرض الاحكام الفقهية كلها ,وقٌّيدت المشتركات بالرئيسية لأنه حتى في هذه لا يوجد إجماع لدى الفريقين بحيث يعدم المخالف قلَّ أو كثر. ثم نستعرض عناوين النقاش الشيعي ضمن الأقسام الثلاثة التي حددناها بالقديم والجديد والمشترك.

بين السُنَّة والشيعة:

يتفق السُنَّة والشيعة على تقسيم المرتد إلى فطري وملي فالأول هو من ولد مسلما بالتبعية والثاني هو من أسلم بعدما كان غير مسلم.
يفرِّق الشيعة بين حكم المرتد الفطري والمرتد الملِّي في الذكور فيقولون بوجوب إستتابة الثاني دون الأول فإن تاب قبل منه وإلا صار حكمه كالفطري : القتل , ولايسري هذا التقسيم عند السنة إذ يقولون بالإستتابة فيهما ثم يختلفون في الإستتابة على أقوال. على أن ثمرة التقسيم إلى ملِّي وفطري تظهر عند السنة في فروع أخرى.
وأما في النساء فيشترك السنَّة والشيعة في الحكم بحبسهن واستتابتهن.
يقول الشيعة بخروج مال المرتد الفطري عن ملكه بالردة وببقائه في الملِّي فتصرفاته صحيحة وللسنة في الأخير أقوال.
يقول الشيعة بأن ما ملكه المرتد حال إسلامه وبعد كفره سواء في أنه لورثته المسلمين ويفترق السنة بين من صيَّره كله فيئا أو خصوص ما اكتسبه بعد كفره.
قال الشيعة السكران لايحكم بإسلامه عن كفر حال سكره ولا بكفره وإرتداده عن إسلام , وقال الشافعي بخلافه وفرَّق أبو حنيفة بين العقود الصادرة منه فأمضاها لأنها لا تحتاج اكثر من النية بخلاف الإيمان فإنه يحتاج إلى نية وإعتقاد , وقال الشيعة انهما يحتاجان إليها جميعا فضلا عن كون نقل الحكم من بقائه على أصل الإسلام أو الكفر يحتاج إلى دليل.
قال الشيعة بأن المرتد الذي يستتاب يقتل في الرابعة لقولهم بذلك في مرتكب الكبيرة , وقال السنة باستتابته ابدا واختلفوا في الحبس والتعزير.

نقاط الخلاف الأساسية القديمة بين علماء الشيعة:

تعريف المسلم الفطري.
العلاقة بين الردة وبين بعض العناوين العملية كاستحلال الحرام أو الفكرية كإنكار الضروري من الدين أو الاجماع , أو الملازمة بين الجحود والكفر.
العقوبة حد أو تعزير؟ وطبيعة كل منهما.
من يتولى مباشرة العقوبة؟
قضية الحرية والارادة والمشيئة وما اليها من مباحث.
حكم الشك او الانكار و كيفية تعيين الضروري من امور الدين ومدى اعتبار الاجماع في المسائل العقائدية.
الردة الجماعية

نقاط الخلاف الأساسية الجديدة بين علماء الشيعة :

التفرقة بين الارتداد وتغيير العقيدة :عدم اعتقاد او الاعتقاد بالعدم.
التفرقة بين الاسلام الكشفي والاعتباري ودخالته في مفهوم المرتد الفطري.
خطأ المستند باعتبار التعارض مع الحرية وعدم وجود دليل قرآني من جهة والاعتماد على احاديث الآحاد من جهة اخرى.
الحكم على المرتد شرعي او سياسي؟
تناقض مع التشريعات والمواثيق الدولية.
رفض مصطلح " المرتد الفطري " لأنه مبني على امر قهري وهو الحكم بالاسلام.
التمييزفي الحالات المعروفة زمن النبي (ص) واعتبار المسالة جريمة سياسية وإجتماعية.
البحث عن الحرية الدينية هل هي حق او حكم؟
تقسيم العالم الى دار اسلام ودار كفر وإضافة دار ردة عليهما.

نقاط الخلاف المشتركة بين القديم والجديد بين علماء الشيعة :

حرية اتخاذ الدين والعقيدة في الاسلام ابتداءا واستمرارا أو ابتداءا فقط وتعارضها مع التهديد بالقتل حال العدول .
اقامة الحدود في غيبة المعصوم.
من هو المسلم؟
العلاقة بين الانكار والجحود.
حكم ذرية المرتدين ونسائهم وأبنائهم بعد قيام الدولة الإسلامية في قطر معين.

مقاربة نقدية للنقاش في قضية الردة وارتباطه بقضية الحرية الدينية:

يجمع علماء المسلمين على عدم اعتبار الاعتقاد بغير الاسلام جريمة يعاقب عليها الانسان في الحياة الدنيا , وعلى اصالة الحرية الدينية تبعا للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية , وأن التوصيف الحقوقي لغير المسلم في المجتمع المسلم خاضع لسلَّم وظائف إجتماعية لا علاقة له بمسألة تقويم الاعتقاد الديني عرضاً على الاعتقاد الاسلامي بل هو من مقتضيات التوصيف المرتبطة بالمواطنية في دار الاسلام .
إذا سلَّمنا بهذا ونظرنا إلى النقاش الدائر في مسألة شبهة التعارض بين الحرية الدينية وأحكام الردة وإصرار البعض على التخلص من أحكام الردة رأسا في محاولة للتوفيق بين الاسلام ومقتضيات "حقوق الانسان وحرياته" بمفهومها الغربي وما يتعلق به من اتفاقيات وعهود وقوانين فإننا نرى في هذه المحاولة تعسفا لا مبرر له علميا أو موضوعيا.وبيان ذلك أن قضية الردة - كما غيرها من القضايا - يمكن مناقشتها وقد نوقشت فعلا في اتجاهات عدة دون الوصول الى مقام التناقض أو التعارض مع قضية الحرية وإلا لوجدنا أنفسنا في مقام إسقاط أكثر أحكام الإسلام تحت سطوة هذه الشبهة خصوصا في قضايا المرأة والأحوال الشخصية الأمر الذي لايريده ولا يرضاه مسلم .
الاتجاه الأول هو الذي يعمل على إعادة النظر في مفهوم "الردة" الفقهي – الحقوقي تضييقا وتوسيعا ولوازم كل منها, ومحاولة البعض التفريق بين الردة وبين تغيير الدين بما يدفع الحاجة إلى تضييق مفهوم الردة أصلا .
الاتجاه الثاني هو الذي يعمل على إعادة صياغة مفهوم الحرية الدينية من خلال منهج تكاملي : كلامي فقهي حيث يلاحظ أن أكثر المفسرين للقرآن الكريم لم يربطوا بين الآيات التي تعلن حرية الاعتقاد وعدم الاكراه فيه مع أحكام الردة حتى في خصوص آية "من يرتد" .
الاتجاه الثالث هو الذي يعمل على إعادة النظر في تصنيف جريمة الردة وموقعها بمعنى هل هي معصية نفسية ذاتية أو إعتداء على الأمن الاجتماعي مع كونها كذلك؟

خلاصة:

بملاحظة التقاش المنشور في المسألة على المستويين السني والشيعي وخصوصا النقاش المستجد توقفت عند الملاحظات التالية:
لم يتم استقصاء موارد الردة من القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية وسيرة الخلفاء وإجماعات الفقهاء في بحث مستقل وكامل. فضلا عن استعراض الجانب التاريخي أعني مواردها في تاريخ الدولة الاسلامية منذ الدولة الاموية إإلى يومنا هذا.
ندرة الكتابة النقدية لتأريخ حروب الردة فضلا عن حصرها بحروب الخلافة الاولى بينما نعلم أن الإمام علي قد حارب المرتدين والقاسطين والمارقين ولم تتسم هذه بحروب الردة.
غياب المنهج التكاملي عند أغلب الباحثين والفقهاء مما أدى إلى ندرة الاستفادة من النظرة الكلامية وإنحصار المناقشة بالجانب الفقهي عند الفقهاء.
استخدام البعض أكثر من منهج بصورة غير محددة المعالم مما أثار ارتباكا في الفهم كما في إستخدام عنوان "الكفر" لمن جحد الإمامة أو أحدا من الأئمة.
تفرق المسائل المتعلقة بالإرتداد على الأبواب الفقهية المختلفة تبعا لمشكلة تصنيف الابواب الفقهية عدا ما وجدته عند الشيخ محمد علي الانصاري والذي لم يتم كما أشار هو نفسه في موضعه.
ندرة المعالجة الجديدة والبناء على القديم في مسألة حكم أبناء المرتدين بعد قيام دولة إسلامية إلا ما وقع إثر بعض الحوادث في إيران وأفغانستان ومصر والأردن والسعودية وما حكي عن إتجاه لتجديد النظر في المسألة في سوريا.



* مداخلة الشبخ علي خازم في الندوة التي حملت عنوان «أحكام الردّة وأحكام تغيير المعتقد» الاثنين 8 شباط (فبراير) 2010من سلسلة ندوات نظّمها «منتدى الفكر اللبناني» تحت عنوان «الحرية بين الإسلام والغرب»، وطرحت النقاش من زاوية المواجهة بين القيم الماديّة والدينيّة .
[1]على أن الحكم بوجوب قتله كان إضافة للحكم بالردة استنادا إلى إعتباره سابا للنبي و مفسدا مصرا على موقفه .
[2] سجالات حادة وساخنة، حول الحريات الدينية، وتحديدًا حد الردة وتطبيقه، شهدتها الجلستان المسائيتان لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في اليوم الأول من دورته التاسعة عشرة، والمنعقدة في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة .... من 30:26 أبريل 2009م.
المناقشات زادت سخونة حين لمز بعض المتداخلين طرح هذا الموضوع على بساط البحث بأنه استجابة لضغوط غربية تتعرض لها الدول الإسلامية، مما جعل د. عبد السلام العبادي- الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي- يكشف النقاب عن أن سبب المناقشة هو طلب كثيرين من وزراء خارجية الدول الإسلامية مناقشة هذا الأمر في المجمع بحسبانه مرجعية فقهية عليا للدول الإسلامية..صحيفة الحياد الالكترونية 28-4-2009
[3] كان ذلك على أيدي جماعة قال عنهم د. محمد سليم العوا : يطلق الغربيون على الباحثين الذين يحاولون عرض أحكام الإسلام بطريقة لا هدف لها إلا إرضاء الشعور الغربي – أو ذلك هدفها الأساسي - لفظ Apologists (الإعتذاريون) وعلى طريقتهم في البحث Apologetic (الإعتذارية).
[4] وهذا يجر إلى الكلام عن موقف النبي في صلح الحديبية مع مشركي مكة ، عندما قال له سهيل بن عمرو : "على أنه لايأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا , ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من جاءهم منا فابعده الله , ومن جاءنا منهم رددناه إليهم,فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا" وما كان من قصة ابي بصير وأبي جندل بن سهيل وهو ما سنتعرض له لاحقا.
[5] الموسوعة الفقهية الميسرة - الشيخ محمد علي الأنصاري - ج 2 - ص 41[5]
[6] كما يسجل عليه محسن كديورالذي يتجاهل عن عمد مجموعة من المواد ذات الصلة والتي ترتدي طابعا دستوريا أدرجناها في النص فيما إن موارد ملاحظته هي قضائية بحتة.
[7] التي ضمت عند تأسيسها عددا من دول العالم الإسلامي وعددا آخر منها لاحقا بعد إستقلالها, مما يعني إلتزام حكومات هذه الدول بمواثيق وقرارات وهيئات هذه المنظمة الأمر الذي رتب تأثيرا على دساتيرها وأحكامها القضائية والتزاماتها الإقليمية والدولية بغض النظر عن كيفية معالجته.

الاثنين، سبتمبر 06، 2010

علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر [5] الشيــعـــة بـــين الـــولايــة والمـــواطــنــة بقلم الشيخ علي خازم

جريدة النهار - الاثنين 06 أيلول 2010 - السنة 78 - العدد 24155
محور
مع رمزية رحيل كامل الأسعد:
علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر [5] الشيــعـــة بـــين الـــولايــة والمـــواطــنــة بقلم الشيخ علي خازم
باشرت "قضايا النهار" محوراً تحت عنوان "مع رمزية رحيل كامل الأسعد: علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر".
بعد تقديم جهاد الزين (طائفة بين ارتباكين... ومغامرة كبرى- 25 /8 /2010)، ساهم طلال عتريسي (ماذا يريد الشيعة من دولتهم- 25 /8 /2010)، وسعود المولى (مشروع الإمام الصدر المستقبلي أصبح هو أيضاً من الماضي- 29 /8 /2010)، ونجاة شرف الدين (سوريــا والشيعــة اللبنانيون – 1 /9 /2010)، وطلال خوجة (لعنة الموقع- 3 /9 /2010). اليوم يساهم الشيخ علي خازم:
من أبسط أسس الثقافة الواحدة للمجتمع اللبناني وجود فهم وإحساس بوحدة وطنية، وهو شعار طالما سمعناه يتردد في الإعلام ولكن المفهوم الذي يراد منه لم يكن - في قراءة تاريخية - واحدا أبدا، والسبب هو الأحداث السياسية التي شهدها لبنان منذ تأسيسه إلى حين إنجاز وثيقة الطائف، والمواقف التي التزم بها الناس تجاهها.
ويضاف إلى ذلك عدم تطوير المؤسسات الرسمية أو الأهلية اجتماعية وسياسية لمباني تشكيلة وطن حديث بالمفهوم السياسي.
يطلق البعض عبارة الوحدة ويريد منها: وحدة المقيمين على الأراضي وضمن الحدود اللبنانية ممن شملهم إحصاء 1932 وأبنائهم ويخصهم بكونهم مسلمين ومسيحيين فالوحدة الوطنية عنده هي وحدة بين المسلمين والمسيحيين.
ويطلق البعض هذه العبارة ويريد منها الأفراد انفسهم ولكن بلحاظ توجهاتهم السياسية فيريد من الوحدة الوطنية وحدة بين أصحاب التوجهات السياسية. فيستبعد قسما من الناس لا يستهان به وعرفنا في العشرين سنة الأخيرة مفاهيم مختلفة لِـ"الوطنية" ضيقت ووسعت من حيز من تنطبق عليهم بحيث صار جزء من أفراد الشعب اللبناني خارج عنوان "الوطنية"، وبالتالي فقد مفهوم "الوحدة الوطنية" إطاره الشامل وصارت الوحدة تعني جزءاً من الشعب الحامل للهوية اللبنانية، وفي المقابل كان المفهوم من"الوطنية" بالسعة التي يمكن معها حال عزل هذه الفئة اللبنانية أو تلك أن يمكِّن من ضم أفراد من شعوب شقيقة وصديقة في المنطقة وخارجها.
مستغرب ومستصعب هذا الكلام: صحيح ولكننا وضمن الرؤية الواقعية التي ننطلق منها بحاجة إلى تجديد البحث وتحديده للتفاهم على أساس نعيش واقعنا من خلاله.
لبنان كيان سياسي حديث، "وطن اتخاذي" - إذا صحت الاستعارة من المفهوم الشرعي الإسلامي - ولم يكن كافيا استعارة المفهوم القانوني للمواطنية من التشريع الفرنسي ليكون الحامل للهوية اللبنانية أو المقيد في سجلات الإحصاء "مواطنا" وكما يحق لبعض المعترضين على طريقة منح الجنسية اللبنانية اخيرا السؤال عن مدى "مواطنية" أو "صلاح" هذا الفرد أو ذاك فان من المحق أيضا توجيه السؤال لا إلى السلطة التشريعية وحسب بل وإلى السلطة التنفيذية عن دورها في صياغة برنامج لإصلاح أحوال حاملي هذه الجنسية وجعلهم مواطنين يستحقون صفة "الوطنية".
"الوطنية" صفة لفرد يلتزم بالانتماء إلى وطن يقابلها اللامبالاة بقضايا هذا الوطن، أو تفضيل وتقديم قضايا بلدان أخرى، وفي آخر السلم يأتي في مقابلها مفهوم "العمالة" بمعنى خدمة قضايا بلد آخر بتخريب مصالح الوطن الذي ينتمي إليه الفرد.
هي إذا روح وليست وثيقة لأن ما تمنحه الوثيقة الرسمية هو عنوان" المواطنة والمواطنية" ولعلي لا أجانب الواقع إذا اعتبرت أن استكمال معنى " المواطنة" في حياة الفرد هو العامل الأساسي لإحياء روح الوطنية فيه إذ لا معنى لكوني مواطنا لبنانيا وغاية ما تفيدني هذه "المواطنة" أن تحدد لي مكان إقامتي القانوني الذي يحصر حقي في الاقتراع لانتخاب نظام سياسي أو أداء الخدمة العسكرية أو محل إرسال الأوراق القضائية وما إلى ذلك من آثار تشريعية ثم لا يكون لي حقوقي في الخدمات التي تقدمها السلطة التنفيذية من تعليم وطبابة وضمانات وتسهيلات، الأمور التي اصطلح عليها منذ فترة بـ"الإنماء المتوازن".
إن أهم عامل في عدم تشكيل روح وطنية سابقا ولاحقا هو الإحساس بعدم الانتماء، ولئن صح أن نعده صفة سلبية في مواطن يتمتع بكامل حقوقه وحاجاته فإن المسؤول عنه عند مواطن لا يتمتع بهذه الحقوق والحاجيات هو السلطة السياسية. وبالتالي فإننا بحاجة إلى استكمال صيغة المواطنة لتشكيل روح الوطنية.
هل يعني كلامنا أن لا وجود لروح وطنية وبالتالي لا وجود لوحدة وطنية، ليست الحال بهذه الصورة من الإطلاق والتعميم ولكنها حيث وجدت ترتبط بمفهوم خاص عن الوطن وقد تصاحبها حال من انعدام فهم لمعنى المواطنة أيضا.
نحن بحاجة لتجديد العهد بمعنى الوطن لأننا غالبا ما نتعامل معه على انه الدولة فقط والدولة حكم وحاكم وهؤلاء كما يقول المثل أعداء نصف الناس إن عدلوا وحيث يمكن الاختلاف مع الحكم والحاكم فإنه لا يمكن ولا يجوز الاختلاف مع الوطن وعليه.
العامل الثاني في إحياء روح الوطنية مع استكمال المواطنية هو الالتزام بالوطن فأين اللبنانيين منه؟ أشرت إلى عاملين مؤثرين في تشكيل الروح الوطنية: مقدمة للوحدة الوطنية الأول هو الإحساس بالانتماء الذي يحتاج مضافا إلى الهوية والقيام بواجبات المواطن قيام الدولة بواجباتها تجاهه إشارة سريعة،وأشرت إلى العامل الثاني وهو الالتزام بالوطن وأنه يقتضي تجديد العهد بمفهوم الوطن.
إن أي عمل سياسي خلافا للعمل الاجتماعي يحتاج إلى تحديد مفهوم للوطن، ونحن في لبنان اليوم لو راقبنا المواقف السياسية التي تصدر عن الأشخاص والجهات أمكننا تحديد خلفية لفهم الوطن متعددة بتعدد المواقف والاتجاهات.
وأخطر ما في هذه التوجهات أن قسما منها ما زال متمسكا بالأسس التي قام عليها الكيان اللبناني من توافق بين المسلمين والمسيحيين وهو يشعر أن الأمور لم تتطور بشكل سليم. وان قسما آخر من اللبنانيين يتجاوز كل الإشكالات والوقائع محاولا التأسيس لدولة تفترض مفهوما واحدا للوطن "يجب" أن يستسلم له الناس لما يراه هو فيه من مصلحة.
وأعتقد أن قسما من الناس بعيدون عن التفكير في هذه المسألة وان قسما آخر يخلط الأمور فلا يميز بين الوطن والدولة فكلما أحس بسوء أداء الدولة حمل هذا للوطن وكفر به.
إذا كان لبنان بحدوده الجغرافية الحالية ليس وطنا تاريخيا كبريطانيا مثلا وإنما شأنه شأن بقية الدول العربية: كيان سياسي قائم على حدود ناشئة عن تقسيم الدولة العثمانية، وأمكن له أن ينشأ بفعل اجتماع إرادة خارجية ونوع من التوافق الداخلي، فإن هذه العلة في الإيجاد لا تكفي وحدها لان يستمر بل يحتاج إلى علة للبقاء، وعلة البقاء والاستمرار يجب أن تصدر عن قوة فاعلة يمكنها مناهضة أي إرادة خارجية للإلغاء أو إعادة التقسيم التي عرفناها خلال الحرب اللبنانية مجتمعة بين إسرائيل وقوة كبرى أو أكثر.
عشرون سنة انقضت حروبا واختلافات فكرية وسياسية من أصل خمسين سنة، أعتقد أنها كانت كافية لا لتشويش صورة الوطن في عقول الناس بل لتدمير هذه الصورة، ولذلك فإنه من الواقعية بمكان فهم حجم الاختلاف الذي حصل حول إقرار "وثيقة الطائف" أو الدستور الجديد بما هو أساس بناء الجمهورية الجديدة.
وأن إقراره في صورته القانونية لم يلغِ ولا يلغِ الاختلاف معه وعليه فان المطلوب اليوم النظر في الجوانب الثلاثة التي تشكل صورة الوطن وتحديد موقف منها:
أولاً: الالتزام وتبني المسؤولية عن الحدود الجغرافية للوطن بحيث أن على اللبناني الذي يعيش في أقصى الشمال أن يهتم لما يجري في أقصى الجنوب، وان يعتني بما يجري فيه اعتناءه بما يجري في منطقته بل في حيه وأن يكون حريصا على حريته وسيادته وعدم ضياعه.
ثانياً: الجانب التاريخي ومنه تشكيل الوطن بحيث ينبغي أن يتعرف المواطن على هذا الجانب بالتفصيل لان العمل السياسي يدور اليوم وخلفية التشكيل هذه حاكمة على عقول الكثيرين ولا يمكن إلغاؤها بتجاوزها أو شطبها أو الدعوة إلى ميثاق جديد لان الأوطان لا يمكن وضعها في خانة احتمال تجديد التوافق عليها كل فترة لان الاحتمال الثاني سيكون التوافق على تدميرها وهو مرفوض.
ثالثاً: الشكل السياسي الحاكم على هذه الحدود الجغرافية، وهذا الشكل وان كان قابلا للتوافق أو الاختلاف إلا انه يمتلك أسسا لا تحتمل المناقشة وهي الأسس التي تحفظ التاريخ والجغرافيا أما ما عدا ذلك فإن الشكل السياسي مجعول لخدمة المواطن لا العكس.
ومن خلال الرؤية الشاملة لهذه الجوانب الثلاثة يمكن تشكيل صورة الوطن والتفاهم عليها والاعتقاد بها لنتمكن من إيجاد الروح الوطنية تاليا وإلا فإن البديل هو الفوضى.
والسؤال الجديد القديم ما هي آراء اللبنانيين في هذه المسائل؟
وفي هذه العجالة سأكتفي ببيان السائد بين اللبنانيين الشيعة كشيعة متدينين وليس كأحزاب تنضوي فيها جماهير شيعية قد تجمع إلى تشيعها أيديولوجيات أخرى أو متبنيات سياسية متفرقة، دون عرض وجهات النظر الأخرى المطروحة.
ارتضى الشيعة لبنان بحدوده الجغرافية الحالية وطنا - بعد التقسيم الذي فرضه الانتداب الانكليزي والفرنسي على المنطقة - وإن كانت لهم رغبة بالانضمام الى سوريا كما السنة. وتعاطوا مع الدولة القائمة بالتزام كغيرهم رغم أن الدولة كانت متجاهلة لكثير من حقوقهم كطائفة تاريخية مؤسسة بما ينعكس على حياتهم كمواطنين مما جعلهم يتحركون في حالة اعتراضية عبرت عنها قياداتهم الدينية من السيد عبد الحسين شرف الدين في رسائله إلى قادة الاستقلال وحتى السيد موسى الصدر في تشكيله للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وحركة المحرومين، وبينهما وإلى جانبهما كانت مجموعة من علماء الدين والملتزمين دينيا.
والشكل الاعتراضي الآخر تمثل بتحول قسم كبير من الشيعة إلى العمل السياسي في أطر حزبية غير دينية لتحقيق حالة مواطنية متساوية، فضلا عن إلتحاقهم بالمقاومة الفلسطينية تعبيرا عن التزامهم القومي.
والجديد الذي شهدته هذه الطائفة بعد انتصار الثوة الإسلامية في إيران هو تشكيل المقاومة الاسلامية و"حزب الله" اللذين باتا يستقطبان القسم الاكبر من الشيعة، ومع إعلان الحزب المتكرر من التأسيس إلى يومنا هذا تبنيه قضية ولاية الفقيه صار مقصدا لسهام النقد والتشويش في هذا الخصوص لجهة زعم التناقض بينها وبين الولاء الوطني.
ولي هنا بعض الملاحظات والتوضيحات:
- في العمل السياسي لـ"حزب الله" لم يسجل عليه أي موقف يتعارض مع المصلحة الوطنية اللبنانية.
- في العمل العسكري للمقاومة الإسلامية كذلك إلى عام 2005 وإغتيال الرئيس رفيق الحريري باستثناء الجهات التي تعاملت مع إسرائيل بشكل أو آخر.
- انقسم المعترضون على التزام الحزب ولاية الفقيه قسمين: قسم من خارج الطائفة وقسم من داخلها، الشيعة المعترضون كانوا في غالبيتهم متبرعين لمصلحة القسم الأول خصوصا من تحدث منهم من الموقع الديني، ولا أقصد من هذا الوصف الإنتقاص من قيمتهم العلمية وفيهم فقيهان أو أكثر كما ان فيهم مثقفين محترمين ولكنني ألاحظ في هذا الوصف ما تضج به كتابات أكثرهم خصوصا بعد حرب تموز 2006.
إن الالتزام السياسي المتمايز عن "حزب الله" سواء إلى تأكيد موقع مستقل على الخريطة اللبنانية أو إلى تبرير الإلتحاق بخط سياسي قائم ناشئ على ليبرالية لهذا القسم من الشيعة على الأقل هو أمر يثير الكثير من الإلتباس للأسباب التالية:
- تجاهل فاضح للعدد الكبيرمن أبناء الطائفة الذي يتبنى ولاية الفقيه.
- فوقية في التعاطي حتى مع الشرائح ذات التعليم العالي والثقافة فضلا عن علماء الدين الشيعة.
- إصرار غير مفهوم على طرح أن القول بولاية الفقيه نادر في وسط الفقهاء الشيعة.
- والأهم هو تعمد وقصد من البعض بإخفاء أن المتدينين الشيعة في لبنان وبحسب تقليدهم إلى زمن آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1899 - 1992) كانوا يحتاجون إلى إجازة المرجعية لتحليل العمل في وظائف الدولة والتصرف في المال المقبوض منها، بمعنى أن هؤلاء في الوقت الذي يخوفون اللبنانيين عموما وبعض الشيعة خصوصا من القول بولاية الفقيه فإنهم يدعونهم إلى أحد أمرين إما الالتزام بالقول أنه لا دولة شرعية قبل الإمام المهدي ومحاولة التفتيش عن موقف يتصالح مع الدولة ويحفظ التدين، وإما الإلتزام بالعلمنة.
وإذا أحسنا الظن وجعلناهم في القسم الأول فإننا نسألهم ثانية لماذا تمنعون إمكانية كون القول بولاية الفقيه مع الإلتزام الوطني مدخلا تصالحيا في الفكر السياسي الشيعي الحديث ويكون لبنان منطلقه؟ ام انكم لا تستطيعون قراءة التجديد بمعاصرته ولا بد لكم أن تروه موقعا بتاريخ قديم لتتحفونا بقراءاتكم التاريخية لتطور الفكر السياسي وهذه نكسة ما بعدها نكسة وجمود على خلاف ما تدعون؟
- والملاحظة الأخيرة: إذا كان هؤلاء يسعون بزعمهم إلى طمأنة فريق من المسيحيين في الوطن وتبديد هواجسهم من تنامي عدد وقوة وحضور المسلمين عموما والشيعة خصوصا لجهة انعكاس التزامهم الديني على الحياة السياسية فإنني أسأل وبصراحة لم يتم المجاهرة بها من قبل: من الذي يطمئن المسلمين من هاجس الخوف أن يكون إصرار بعض المسيحيين على التعبير عن إسرائيل بالجار، والتعاطي معها على أنها "دولة عضو في الأمم المتحدة" ناشئا عن الإلتزام بموقف الفاتيكان وغيره من المرجعيات المسيحية الغربية وما يعنيه من لوازم وتبعات تجاه القضايا الوطنية والقومية والإسلامية؟
وبذلك تكون الهواجس متبادلة وتحتاج إلى كثير من المتابعة في الإتجاهين وليس في إتجاه واحد.
• • •
قال تعالى: ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لمَا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ (السجدة 24). وفي الحديث عن أمير المؤمنين: "لا يتحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمور". وعن الإمام الرضا في صفة الإمام: "مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة". الولاية هي القرب والنصرة وتولي الأمر ولازم الولاية أن الولي يخلف من وليه في تصرفه كولي الميت.
وتدور مسألة الولاية في اتجاهين الأول بمعنى المولوية أو السلطنة والثاني بمعنى التوالي أي الطاعة والمحبة،وهي بالمعنى الأول تحتمل الجبر والالزام وبالمعنى الثاني لا تحتمله بل هي طوعية واختيارية، وإلا فلو لم يكن المعنى الأول يتضمن الالزام والجبر لبطلت الولاية التكوينية والحكومة الإسلامية، ولو لم يكن المعنى الثاني يتضمن الطوعية والاختيار لبطل استحقاق الثواب والعقاب.
ويقترب الأفراد والمجتمعات من الكمال الإنساني أو الاجتماعي كلما أمكن التكامل في تحقيق المولوية فيكون الإنسان عادلا والمجتمع عادلا إذا أعطى من نفسه الطاعة والولاية. ولذلك قالوا إن ولي الله هو الذي لا تتخلل طاعته لله معصية وحيث أن المجتمع متكون من الأفراد فصفاته تكون انعكاسا لأحوال أفراده وسلطانه. قال تعالى: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون﴾ (المائدة 55، 56).
والآية تشير إلى "وحدة ما" في الولاية المذكورة هنا بين ولاية الله والرسول وولي الأمر يقابلها وحدة المتولين جميعا وكونهم حزبا لله لأنهم تحت ولايته فولاية الرسول والذين آمنوا "هي من سنخ ولاية الله" (الميزان ص12 ج6).
والأصل في الولاية أنها كلها لله عز وجل إذ هي ذاتية له ثم هي عرضية في الرسول وأولي الأمر. وقد عرفنا أن له عز وجل الولاية التكوينية بمعنى"ولاية الخلق والإبقاء والإنماء والجزاء" وبالجملة هي ولاية "التصرف في كل شيء، وتدبير أمر الخلق بما شاء وكيف شاء، وقال تعالى: ﴿أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي﴾ (الشورى). وكذلك فإن لله تعالى ولاية النصرة التي ذكرها بقوله تعالى﴿ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم﴾ (محمد).
وقد ذكر الله تعالى لنفسه الولاية التشريعية في ما يرجع إلى الناس من أمور دينهم وأحكام حياتهم وعلاقاتهم قال تعالى:﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ فعرفنا منها أن العبادة هي الدين ولا بد في الدين أن يشتمل على الأحكام، وقال تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾...الكافرون الآيات فعرفنا أيضا أن غير الله ليس له أن يحكم في خلق الله.
وقد قال جماعة من العلماء إن الله جعل شيئا من الولاية التكوينية للأنبياء والأئمة والصالحين.أما الولاية التكوينية للأنبياء والأئمة والصالحين فان المجعول منها لهم على معنيين: الأول انه يجري على أيديهم التصرف في الكون للإعجاز ومواجهة المنكرين فالحاصل عند الأنبياء يسمى معجزة وعند الأئمة والصالحين يسمى كرامة وقد يسمى معجزة تسامحا، واستدلوا له بقوله تعالى على لسان عيسى:﴿وأخلق لكم من الطين كهيئة الطير بإذن الله﴾. والثاني أنه جعل بين الكون المادي وبينهم نوعا من الارتباط لا يمكن تفسيره ويذكرون له مثالا اضطراب الكون عندما استشهد الإمام الحسين عليه السلام بتلك الطريقة المروعة وقد روي في ذلك روايات أقربها ما ذكرته السيدة زينب عليها السلام في خطبتها في أهل الكوفة: " أتعجبون لو أمطرت دما" وقد روى أصحاب السير والتواريخ أنه لم يرفع حجر أو عشب يومها إلا ووجد تحته دم عبيط- يعني لزج- والمشهور من تحول تراب كربلاء في القارورة المودعة عند السيدة أم سلمة(رض) يوم عاشوراء".
هذا، وأما الولاية التشريعية للنبي وأولي الأمر فإنها ليست بمعنى أن لهم حق التشريع من عند أنفسهم وقد قال تعالى:﴿إن الحكم إلا لله﴾ بل هي تفويض القيام بشؤون الشريعة والدعوة وتربية الأمة والحكم والقضاء. قال تعالى: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ إنها ولاية البيان والتذكير والحكومة على الناس بمعنى التصرف في الأموال والأنفس: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ (الاحزاب6).وهذه الولاية للنبي في حياته كانت واضحة وجلية، وكان الالتزام بآية الطاعة ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ لا يشوبه إلا بعض مظاهر النفاق التي ذكرها القرآن الكريم في أكثر من موضع. إلا أن المسألة أخذت بعد وفاة رسول الله (ص) بعدا آخر تجلى في تحديد من هو ولي الأمر وكيف يعين، وهي المسألة التي أثارت الجدل والاختلاف والدم.
على أي حال فان تلك المرحلة شهدت بروز اتجاهات مختلفة لسنا في مورد بحثها وننطلق من الموقف الشيعي الذي اعتبر أن رسول الله (ص) جعل هذه الولاية - ولاية الأمر - وهي استمرار للولاية التشريعية بيد خلفائه من الأئمة المعصومين إلى غيبة ولي الله الأعظم.
ونعرف من التاريخ أن الأئمة فوضوا في حياتهم إلى بعض ثقاتهم أمور الدين والفقه في البلاد البعيدة عنهم بشكل خاص أما في زمان غيبة الإمام، وحيث أن هذه الولاية يجب أن تبقى مستمرة بضرورة استمرار الإنسان فإن الأئمة قد عينوا الفقهاء العلماء نوابا عامين عنهم وفي ذلك روايات كثيرة يتضح منها هذا التعيين ومواصفات الفقيه المعين للنيابة العامة وولاية الأمر.
وهذا الوضوح والبداهة في ضرورة جعل نائب للإمام تبعا لضرورة جعل الإمام توقف بعض الفقهاء فيه: هل إن للفقيه ولاية عامة كما الإمام أو إنها ولاية خاصة؟، إلا أن البحث يؤول إلى عدم الاختلاف في نفوذ تصرف الولي على أكثر الفروع والمسائل الفقهية حتى عند أشد الفقهاء احتياطا.
وبصورة أبسط: لما كان الدين مستمرا والناس تحتاج إلى مراعاة أحكامه في حياتها فإنها بحاجة إلى الحكومة التي تجري هذه الأحكام ومع وجود الفقيه الجامع للشرائط فانه الأولى بها إن لم نقل بأي دليل آخر.قال أمير المؤمنين عليه السلام:" أسد حطوم خير من سلطان ظلوم وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم، وان الناس لا بد لهم من إمرة بر أو فاجر" (البحار ج7 ص 359).
وهكذا فإن الحكومة الإسلامية والولاية للفقيه على شؤون الأفراد والمجتمعات استمرار لحكومة النبي والأئمة بمعنى استمرار الولاية التشريعية في جوانبها المتعددة التي أشرنا إليها. ولكي تكون هذه الولاية التشريعية محققة للغرض الأصلي وهو عبادة الله ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ لا بد من السعي لتنفيذها عبر إيجاد الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الذي يحكم بما انزل الله.
وخلاصة مقتضيات كون الولاية استمرارا للإمامة - بخلاف المرجعية الدينية الفقهية التي شهدت تفويضا من الأئمة في حياتهم لبعض أصحابهم بمعنى قابليتها للتعدد – أن تكون واحدة (مركزية )، وقال آية الله فضل الله بإمكانية تعددها بحسب الأقاليم الإسلامية.
وهنا نصل إلى مسألة مهمة وهي الآثار المتعلقة بمسألة ولاية الفقيه المركزية على المواطن في دولة (لا تحكم بما أنزل الله). الأقرب إلى روح العقيدة الاثني عشرية في الإمامة من خلال البحث أن قضية الولاية عموما قضية إعتقادية وكذلك هي ولاية الفقيه من مسائل العقائد وان كانت آثارها وأكثر جوانبها تبحث في مجال الفقه وهو الجانب العملي من الدين. والمسألة بعد محل بحث علمي.
فقد ذكروا في علم الفقه أن موضوع مسائله هو أفعال المكلفين بينما نرى موضوع مسائل العقائد وعلم الكلام هي أصول الدين وقد عرفنا أن الحاكمية للفقيه والأحكام الشرعية هي استمرار لحاكمية الله وولايته وهي من توابع الأصل الديني الأول: التوحيد.
على هذا يكون المواطن في دولة حكومتها غير قائمة على أساس الشريعة الإسلامية مطالبا بالحفاظ على عقيدته في الدرجة الأولى والإيمان بولاية الفقيه كجزء من هذه العقيدة، وهذا يعني كما أننا لا نتصور مسلما شيعيا لبنانيا يترك الإعتقاد بنبوة سيدنا محمد وإمامة امير المؤمنين علي ابن أبي طالب لأنَّه يعيش في لبنان ويعتبره وطنه، فكذلك لا نتصور هذا المسلم الشيعي اللبناني يترك – على مستوى الإيمان بالحد الأدنى- الإعتقاد بوجوب ولاية الفقيه لشؤون الدولة، نعم الدعوة إليها وتطبيقها أمران آخران، وفي الوقت نفسه فإننا لا نتصور هذا المسلم الشيعي اللبناني خارجا عن عنوان المواطنة والشعور الوطني في هذه الدولة لأنه يعي إلتزامه الديني.
فهذه هي الثمرة الأولى والأساسية: لا تخالف بين المواطنة والالتزام بولاية الفقيه من هذا الجانب، وهو المعبر عنه بالتولي من المكلَّف مقابل الولاية من الفقيه كما مر معنا.
مسألة أخرى قد تثار وهي أن هذا الالتزام يستدعي أولوية تنفيذ أحكام الفقيه على أحكام دولة الوطن مما يجعل المواطن منفصلا عن الوطن ومما يوجد اختلالا في المواطنية مع تعدد الانتماءات فيه فتكون التبعية للاجنبي مؤثرة في إضعاف الكيان السياسي.
إن هذا التصور قائم على عدة أخطاء في فهم ولاية الفقيه أبرزها اعتبار الفقيه رئيسا لدولة أجنبية كأي رئيس حاكم آخر في وطن آخر. وقائم على جهل بأكثر وأهم الأحكام الفقهية خصوصا المتعلقة بالنظام العام مما يستدعي أن يصير الالتزام بولاية الفقيه السيد علي خامنئي مثلا تبعية لدولة أجنبية وما إلى ذلك من أمور تفصيلية كما في عدم اعتبار أهلية للدولة اللبنانية مما يستدعي إسقاط ولايتها على شؤون مثل الكهرباء والماء وعدم الالتزام بقوانين السير.. الخ.
هذا الموضوع من المسائل المهمة التي ينبغي التوقف عندها من وجهتين: الأولى بيان طبيعة دور ولاية الفقيه في هذا الزمان حيث تتعدد الحكومات على ارض الإسلام والثاني بيان طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأجزاء.
إن مركز الفقيه ولي الأمر ليس جزءا من تركيبة الدولة أية دولة فهو ليس رئيسا عاما لها وليس رئيسا للسلطة التشريعية مجلس النواب أو للسلطة التنفيذية حتى ولا السلطة القضائية إنه موقع فوق كل هؤلاء وهو حاكم عليهم وعلى أية دولة يتصور بأن تقوم بإذن الله.
فهو إذا يشرف على استمرار الدولة الإسلامية في اتجاه تحكيم شرع الله، ويفرض - حيث يلزم الوضع - الأمر الشرعي لحفظها ورعايتها في هذا الخط، وتبقى عينه ساهرة على أوضاع المسلمين في الأماكن الأخرى من بلاد المسلمين ويبقى على اتصال بعلمائهم وقادتهم يستطلع شؤونهم وشجونهم وقضاياهم فإذا كان له في ذلك رأي أو حكم فإنه لا يكون إلا ملاحظا لكل خصوصياتهم وأمورهم من خلال ذلك التواصل.
وان التطابق بين ما قد تتبناه جماعة إسلامية هنا أو هناك مع رأي الولي لا ينبغي أن يفهم على انه تدخل أجنبي في شأن داخلي أو انعكاس لمصلحة الدولة التي يقيم فيها.
وهكذا لا يكون الإصرار على المقاومة للعدو الإسرائيلي التزاما بولاية الفقيه قرارا إيرانيا. إنه قرار وطني يتوافق مع الحكم الديني الشرعي. وإنَّ الاختلاف من حول المقاومة لا يجعلها مشروعا مستقلا في مواجهة مشروع الدولة والوطن بل إن في هذه المقابلة تجنيا على المقاومة وعلى الدولة. نعم يمكن المقابلة بين المقاومة والمفاوضة لكن هذا الأمر أيضا هو شأن وطني فقد نصل إلى التوافق على خيار المقاومة من منطلقات مختلفة إسلامية وغيرها وقد لا نصل والفصل في ذلك يكون من خلال الواقع السياسي والدستوري، إلا أن الولاية هنا لا شأن لها إلا التأكيد على الخيار الأقرب إلى الشريعة وإلى الموضوعية.
وأما في شأن آخر وهو شأن الدعوة إلى قيام حكومة إسلامية أو غير إسلامية فإننا كمسلمين سنة وشيعة في هذا الزمان زمان الغيبة مطالبون بإيجاد الحكومة الإسلامية والأمر فيها راجع إلينا تفصيلا ومع عدم تمكننا من ذلك فإننا مطالبون بفريضة أخرى هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي من الضرورات العقلية وليس الشرعية الإسلامية فحسب على أرضية حفظ النظام العام.
ومع تقسيم بلاد المسلمين إلى أجزاء ودول تبقى مسألة الاعتقاد بضرورة "تحكيم الإسلام" في قلوبنا وعقولنا وأن نسعى قدر الإمكان في ترشيد الحكومات القائمة ونتعامل معها على أساس ما ذكرناه من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، سلطان ظلوم خير من فتن تدوم، وقد تصل النوبة إلى الثورة على هذا النظام أو ذاك تبعا للظروف الموضوعية وحجم الظلم والحيف اللاحق بالناس وعدم تأثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالخروج وهذا شأن إنساني أكد عليه القرآن في قوله تعالى: ﴿فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل﴾ (الشورى 36 – 41).

الأحد، سبتمبر 05، 2010

إلى الأخ الأب جورج مسوح ... تمسك بحُلُمِك وبحِلمك فنحن متمسكون بعقلك وبعلمك , تعقيبا على مقالتك "التدين والحرية الشخصية"



نشرته جريدة النهار في صفحة مذاهب وأديان اليوم الأحد 05 أيلول 2010 - السنة 78 - العدد 24154
إلى الأخ الأب جورج مسوح ... تمسك بحُلُمِك وبحِلمك فنحن متمسكون بعقلك وبعلمك
تعقيبا على مقالتك "التدين والحرية الشخصية"
الشيخ علي حسن خازم - بيروت في 29 - 8 -2010
قرأت مقال الأستاذة هيام القصيفي "المطاوعة" في وسط بيروت ! في جريدة النهار في يومها 25- 8 - 2010 فلم يستفززني بل تبسمت منه ونقلته إلى بعض أقاربي في سهرة رمضانية على سبيل التعجب من بعض المسلمين الذين يتخيرون أنواع النبيذ الذي يقدمونه ويستربحون منه في مطاعمهم وصالاتهم ثم يتحرجون ويتاثمون في شهر رمضان . ويبقى أن مقالتها مرًّت كتجربة شخصية لم تتفلسف فيها ولم "تكبِّر" الحكي على حد تعبيرنا اللبناني.
وأتفهَّمُ أن كاتبة مسيحية غير معنية بمقارنة الأديان قد لا تعرف حكم مجالسة شاربي الخمر على مائدة واحدة عند المسلمين وانه يوجب على المسلم - لا على غيره - مفارقة المائدة , وان الأولى له أن لا يدخل هذه الأماكن أما لو اضطر فليختر مائدة ليس عليها خمور.
وكنت قد قرأت مقال الأستاذ جان عزيز في جريدة الأخبار في 19 - 8 - 2010 تحت عنوان من احتكار «المسيح» إلى «إمارة» صيدا وقد سبق الأستاذة هيام القصيفي في استخدام تعبير المطاوعة في قوله : "ما الذي يكفل عدم تطور مشروع «الإمارة» تلك إلى نظام المطاوعة، المطبّق أصلاً في الواقع، في أحياء كثيرة يعرفها العارفون ويسكتون عنها؟"
ولم يستفززني ايضا , لأنه ناقش على أساس مرجعي مشترك هو الدولة وقوانينها والميثاق وإن لامس الفكر الديني في مكان لكنه ظل تحت سقف "الدولة", وفي إطار التساؤل المشروع.
لكن ما قرأته لك وبكل صراحة فقد إستفزني لدرجة الرغبة بالتأكد من نسبة المقال إلى شخصية أعتز بكثير مما تكتبه فأعيد نشره في مدونتي الخاصة بالحالة الإسلامية وأدعو إلى مطالعته , وأما وقد تأكدت النسبة فاسمح لي بالمصارحة والمكاشفة التالية :
أولا : لم تكن بحاجة إلى التمسك بقاعدة الستة وستة مكرر لتناقش قضية الحرية في مجتمع متعدد فتاتي بقضية من عند بعض المسيحيين لتتوازن في أصل هجومك[1] على "بعض المسلمين" تحت عنوان "المتشددين" ولتطال المسلمين المتدينين عموما بعد ذلك مع فارق كبير في حجم المساحة ونمط المعالجة لقضية مسلسل المسيح إذ لم تأخذ سوى ثمان وعشرين كلمة بالعدد من أصل خمسماية وتسع وتسعون كلمة, والموضوعان ليسا سواء بإقرارك... وإذن؟ فالثمانية وعشرون كلمة هي للدلالة على أنك اليوم غيرك !
أما أنك تطاولت على المسلمين عموما فبقولك عن المتدين لا عن المتشدد :
" فلمَ يريد المتديّن من الناس أن يشاركوه في شعائره أو في معتقداته اذا كانوا لا يرغبون بذلك؟"
ثم تكمل اسئلتك:
"ألا يتوجّب على المتديّن احترام المخالف لمعتقداته، طالما هو لا يؤذيه ولا يعطّل فرائضه، بدلاً من أن يفرض عليه السلوك بما يوافق رأيه؟
لماذا يطلب من الآخر احترامه فيما هو نفسه لا يحترم قناعات الآخرين؟
لماذا يطلب من الآخرين ما لا يلزم نفسه به أوّلاً؟ "
هل هذه هي الحرية والمحبة والتسامح التي تصيح بها ؟ ومتى كان المسلمون معك ومع غيرك إلا كما أدبهم ربهم ونبيهم وصحابته وأنت تعرف آيات القرآن والحديث النبوي وسيرة الصحابة وتستشهد بها في احترام المسلمين لغيرهم من أصحاب الديانات والأفكار؟
ثانيا : لم تكن منصفا في نسبة الفعل المثال فتاجر السياحة الذي كانت التجربة في ساحته ليس مسلما فضلا عن أن يكون متشددا , قالت القصيفي في مقالها إنه حدث : " في قلب فندق حديث في وسط بيروت، يملكه ماروني وباركه احد المطارنة بالمياه المقدسة حين ارتفع بنيانه". فما الذي استفزك في هذا الحدث؟
ثالثا : لم نعهد فيك خفة في معالجة القضايا الفكرية والدينية فكيف يستسهل قلمك كتابة في شأن ديني إسلامي بمثل هذه الطريقة التي تشبه العوام من الناس غير اولي العلم حين تقول عن المسلم المتدين :
"ولماذا يريد إكراه الناس على سلوك لا يرتضونه لأنفسهم، والقرآن نفسه يقرّر أن "لا إكراه في الدين"؟
ولماذا يريد من الناس أن ينافقوا خوفًا منه أو مجاملةً له، و"الله لا يحبّ المنافقين"؟
ثمّ ما هو شأن هذا المتديّن في انقطاع بعض المنتمين بالولادة إلى الدين ذاته عن ممارسة الشعائر والفرائض؟"
فما شأنك أنت والإفتاء في مثل هذه الأمور على أنها غير مطروحة عليك لا للفتوى ولا للعمل؟
وصلت إلى هنا في الكتابة ثم شككت مرة أخرى في أن تكون الأب جورج مسوح الذي صدرت منه هذه الكتابة , لكنني عدت وتاكدت من وجودك في المقالة إذ قرأت قولك :
" ويبقى السؤال: على مَن يتوجّب الاحترام؟ نقول وبلا تردّد إنّ على المتديّنين أن يبادروا بالاحترام، هم أولى بأن يظهروا للعالم أنّهم أحرار في خياراتهم، وتاليًا يحترمون حرّيّة الآخرين."
ختاما
أنا مع حُلُمك في الحرية فحِلمُكَ علينا ونحن نحترم حقك في خياراتك ومتمسكون بعقلك وعلمك الذي سيجعلك تقرا بإنصاف هذه الرسالة التي اضطررت لإعلانها لإعلانك.

وهنا المقالات المشار إليها:


جريدة النهار الأحد 29 آب 2010 - السنة 78 - العدد 24147


التديّن والحرية الشخصيّة
عبّرت هيام القصيفي في مقالتها "المطاوعة في وسط بيروت" (النهار، 25 آب 2010) عن واقع مؤلم بدأ يدخل كالنعاس في بلدنا. فقد روت باستهجان حادثة جرت معها في أحد الفنادق الحديثة في وسط بيروت، حيث اعتذر منها النادل عن عدم تقديم النبيذ على المائدة في شهر رمضان. وختمت مقالتها بالتساؤل الذي يحمل في الوقت عينه الجواب: "هل وصلت الشرطة الدينيّة إلى لبنان وإلى قلب الوسط التجاريّ واجهة لبنان الحضاريّ وبدأت ترتدي بذلة أجنبيّة وربطة عنق؟"
تأتي هذه الحادثة بعد حادثة اعتراض عدد من رجال الدين المسيحيّين على عرض مسلسل "السيّد المسيح"، وتراجع المحطّتين اللتين كانتا تنويان عرض المسلسل عن عرضه تلافيًا لفتنة طائفيّة. ولسنا نربط ما بين الحادثتين، إلاّ لنؤكّد ان ظاهرة واحدة تعمّ الديانات والمذاهب والطوائف كافّة، وهي تنامي التشدّد الدينيّ وعدم احترام الآخر في إيمانه ومعتقداته وتقاليده، يضاف إليها عدم احترام الحرّيّة الشخصيّة لكلّ فرد من أفراد المجتمع في أن يختار لنفسه النمط الحياتيّ الذي يناسب عقله وقلبه واقتناعاته الذاتيّة.
ثمّة مقولة شائعة تقول "إنّ حرّيّتي تقف حيثما تبدأ حرّيّة سواي". لكنّ السائد في حالنا هو عكس ذلك تمامًا، فلسان حال المتديّنين المتشدّدين يقول إنّ حرّيّتي لا تقوم إلاّ على إبطال حرّيّة سواي. فلمَ يريد المتديّن من الناس أن يشاركوه في شعائره أو في معتقداته اذا كانوا لا يرغبون بذلك؟ ولماذا يريد إكراه الناس على سلوك لا يرتضونه لأنفسهم، والقرآن نفسه يقرّر أن "لا إكراه في الدين"؟ ولماذا يريد من الناس أن ينافقوا خوفًا منه أو مجاملةً له، و"الله لا يحبّ المنافقين"؟
المشكلة تتفاقم حين يكون المجتمع متنوّعًا دينيًّا وثقافيًّا. فإن أخذنا مثال الخمر الذي هو حلال لدى المسيحيّين إلاّ إذا بولغ بمعاقرته إلى حدّ الثمالة، وهو حرام لدى المسلمين، فبماذا يؤذي دينيًّا الخمر المقدّم على إحدى الموائد الجالسين إلى مائدة أخرى؟ ألا يتوجّب على المتديّن احترام المخالف لمعتقداته، طالما هو لا يؤذيه ولا يعطّل فرائضه، بدلاً من أن يفرض عليه السلوك بما يوافق رأيه؟ لماذا يطلب من الآخر احترامه فيما هو نفسه لا يحترم قناعات الآخرين؟ لماذا يطلب من الآخرين ما لا يلزم نفسه به أوّلاً؟ ثمّ ما هو شأن هذا المتديّن في انقطاع بعض المنتمين بالولادة إلى الدين ذاته عن ممارسة الشعائر والفرائض؟ ويبقى السؤال: على مَن يتوجّب الاحترام؟ نقول وبلا تردّد إنّ على المتديّنين أن يبادروا بالاحترام، هم أولى بأن يظهروا للعالم أنّهم أحرار في خياراتهم، وتاليًا يحترمون حرّيّة الآخرين.
كيف يريدنا المتشدّدون دينيًّا أن نصدّقهم حين يطالبون بحرّيّة ارتداء النقاب أو الحجاب، أو بناء المآذن أو المساجد في هذا البلد أو ذاك، علمًا أنّها بلاد لا تحكمها شريعة مسيحيّة بل علمانيّة وضعيّة، فيما هم يمنعون عن الناس أن يأكلوا أو يشربوا جهارًا في ساعات الصوم، أو أن يبنوا الكنائس أو حتّى أن يرمّموها في بعض البلدان؟ الحرّيّة في هذا المقام استنسابيّة نفعيّة، ومَن يطالب بالحرّيّة غير ممارس لها بدءًا يكون هو نفسه عادم الحرّيّة وعبدًا لذاته وأصنامه لا عبدًا لله.
حاربت الأنظمة الشموليّة الحاكمة إبّان القرن المنصرم الحرّيّات على أنواعها، وانتصرت الحرّيّات في خاتمة المطاف، ولا سيّما الحرّيّات الدينيّة. غير أنّ الوضع اليوم بات على النقيض ممّا كانه سابقًا، حيث أمسى التحرّر من وطأة التشدّد الدينيّ هو الغاية والهدف لدى العديد من الناس. أمّا في بلادنا فيحلّ التشدّد الدينيّ مكان الأنظمة الشموليّة بحيث صارت الحاجة ماسّة ليس إلى تأمين الحرّيّات الدينيّة، بل إلى تأمين حرّيّة غير المتديّنين أو المخالفين في الدين.
ليس العيش المشترك تنازلاً عن الحرّيّة الشخصيّة في هذا الميدان أو ذاك، وليس العيش المشترك نفاقًا مبطّنًا وخطابًا خشبيًّا يخفي نزعة إلى الاستعلاء والاستكبار، وليس العيش المشترك تسامحًا يمنّ به القويّ على الضعيف أو الغالبيّة على الأقلّيّة. العيش المشترك إمّا أن يكون قبولاً أصيلاً بالشريك كما هو يرغب أن يكون منسجمًا مع ذاته، وإلاّ هو نفاق عميم.
الأب جورج مسّوح

.........................................................................................................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010






جريدة النهار الأربعاء 25 آب 2010 - السنة 78 - العدد 24143


"المطاوعة" في وسط بيروت !

حينا نسمع ونقرأ عن الشرطة الدينية (المطاوعة) من اندونيسيا الى السعودية وايران وباكستان وافغانستان... كنا نظن اننا، نحن في لبنان لا نزال في مأمن من هؤلاء. لكن ان نتواجه مع شرطة دينية في قلب فندق حديث في وسط بيروت، يملكه ماروني وباركه احد المطارنة بالمياه المقدسة حين ارتفع بنيانه، فهذا امر لم نظن مطلقا انه قد يحصل.
كنا نستعد لتناول العشاء مساء الاول من امس في مطعم الفندق الحديث، وبعدما طلبنا الطعام والشراب، واصرّ النادل على نصحنا بنوعية قنينة النبيذ، لم يلبث ان عاد معتذرا بخجل ليسحب كؤوس النبيذ ويقول متأسفا "اخجل مما سأقوله، ولكن لا نستطيع تقديم النبيذ لاننا في رمضان".
كانت الساعة الثامنة، والموجودون من جنسيات مختلفة في المطعم يتناولون الافطار او العشاء . لم نستوعب للوهلة الاولى ما يقوله النادل، حاولنا الاستفهام، فأتى المسؤول عن المطعم ليقول مجددا "احتراما لمشاعر المسلمين الموجودين، لا نستطيع تقديم النبيذ". اجبناه بـ"أننا مسيحيون، وعليك احترامنا واحترام الآخرين معا، لاننا لا نخدش الحياء ولا الذوق العام، ونحن في بلد اسمه لبنان ولسنا في بلد اسلامي".
ابلغنا المسؤول ان اوامر الادارة واضحة، فخلال شهر رمضان لا نقدم الخمر، رغم ان لائحة الطعام والشراب لم تتعدل. قلنا له "اذاً علّقوا لافتة في الخارج تعلن منع الخمر في فندقكم". وحين تشبثنا بموقفنا الرافض، حاول المسؤول ايجاد مخرج اعتبره مشرفا لادارة الفندق، اذ اقترح، بكل بساطة ان نستبدل كؤوس النبيذ الشفافة باخرى مموهة زرقاء حتى لا يظهر النبيذ بوقاحته الى العلن امام رواد المطعم، وعرض علينا "رشوة" بتقديم زجاجة النبيذ مجانا!
كانت صدمة الاقتراح المموه اقوى من الرفض الاولي. خبث تجاري متستّر بالمحافظة على العيش المشترك واحترام مشاعر المسلمين. رفضنا بكل بساطة "الرشوة المحرّمة"، فإما النبيذ في كؤوسه او مغادرة المطعم.
والمفاجأة ان جواب المسؤول على نيتنا المغادرة كان عجيبا، اذ قال لنا "لم لا تتفهمون الامر، الرواد الاجانب كلهم يتفهمون؟".
معه حق. لا نستطيع ان نتفهم، لاننا، بكل بساطة، ولدنا وعشنا في بلد ارسى فيه المسيحيون قواعد العيش المشترك المبنية على احترام الآخرين، ولاننا ثانيا لسنا "أهل ذمة"، لا نريد ان تنتقص حقوقنا بحجة تجارية واهية، مموهة بستار ديني وورقة توت لا تخفي المستور.
فهل وصلت الشرطة الدينية الى لبنان والى قلب الوسط التجاري واجهة لبنان الحضاري وبدأت ترتدي بذلة اجنبية وربطة عنق؟ وهل الآتي اعظم؟

هيام القصيفي
mailto:hiyam.kossayfi@annahar.com.lb


.........................................................................................................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010
جريدة الأخبار عدد الخميس ١٩ آب ٢٠١٠ | http://www.al-akhbar.com/ar/node/202798
من احتكار «المسيح» إلى «إمارة» صيدا - جان عزيز
يوماً بعد يوم، عند كل محطة ومفصل، سيتبيّن مدى الخطأ والضرر اللذين رتّبهما تدخل بعض السلطة الكنسية في مجال من مجالات الحريات العامة، كما حصل مع المسلسل التلفزيوني، «المسيح».
أصلاً، يقع التدخل في خانة غير المقبول على ثلاثة مستويات على الأقل: على الصعيد الحقوقي الإنساني أولاً، وعلى الصعيد الميثاقي ثانياً، وحتى على الصعيد الإيماني المسيحي ثالثاً... غير أن تبعات التدخل تظل الأشد وطأة وخطورة.
على الصعيد الأول، أخطأ بعض السلطة الكنسية في تدخله، لأنه بذلك سجل على نفسه مخالفة صريحة لجوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما لمنطوقه الواضح. ومهما كانت آراء الظلاميين من كل جهة، على تناقضهم وتحالفهم الموضوعي، يظل هذا الإعلان، بفلسفته وديباجته وغائيته، الإطار العام للتفكير الحقوقي و«الحرياتي»، للعقل البشري (Eprsteme) المعاصر. وفي هذا الإعلان كفالة عالمية حاسمة للحق في «حرية التفكير والضمير والدين»، كما «حرية الرأي والتعبير». هل مثّل المسلسل التلفزيوني المذكور خرقاً لهاتين الحريتين؟ ليست المرجعية لتحديد ذلك من اختصاص أي مرجعية دينية، ولا يملكها إلّا مبدأ «تحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديموقراطي»... وهو ما قد يجد أي مشترع أو قانوني استحالة في أن يرى أن مسلسلاً تلفزيونياً قد هدّد تلك المقتضيات.
ثم أخطأت السلطة الكنسية بخطوتها هذه، على المستوى الميثاقي اللبناني. ذلك أن الدولة اللبنانية تلتزم في دستورها، وفي نص مقدمته «العضوية» ـــــ بالمفهوم القانوني الدستوري ـــــ الإعلان العالمي نفسه، وبالتالي فإن مرجعيته النظامية أعلى من المرجعيات الدينية، ومن المواد الدستورية الأخرى. لكنها أخطأت أكثر في الجانب العملي لحياة اللبنانيين الميثاقية، ذلك أنه إذا كرّست هذه السابقة في جعل الجهات الدينية مرجعية ضابطة وإكراهية لأطر التفكير والتعبير، فماذا يبقى لحيّز الفضاء الدنيوي والخاص والزمني؟ هل نتصور غداً مثلاً، قراراً كنسياً يلغي أجزاءً من الأدب الإنساني الحي؟ هل علينا أن نتوقع مثلاً حظر «تجربة» كازانتزاكيس، أو حتى «دايم» مارون عبود و«كافر» جبران؟ وهل علينا في المقابل أن نسلّم بصدور فتاوى تشطب من التراث الأدبي العالمي شطحات كاملة من «ملهاة» دانتي إلى «كواكب» محمود درويش؟ وهل تدري السلطة الكنسية أنها بذلك أقرّت للأجهزة الأمنية عمليات دهمها الدورية التي تنفّذ بصمت منذ عقد ونيّف، لمكتبة جامعة الكسليك، مطاردةً لمؤلفات أبو موسى الحريري؟
وأخطأت السلطة الكنسية ثالثاً، حتى على المستوى الإيماني المسيحي. إذ مَن قال لها إن ذاك الثائر الأكبر في التاريخ بات في وضع من الضعف أو الهشاشة ليدافع عنه بالحرم حيناً وبالحظر حيناً؟ مَن سمح لنفسه بأن يوحي أن ذاك الذي انتصر على أعتى إمبراطورية محتلة في العالم، وتغلّب على أقسى استابليشمانت فاسد ومفسد في التاريخ، و«قهر الموت بالموت»، بات اليوم في حاجة إلى بعض المظاهر الفريسية، للذود عنه وعن ألوهيته وتاريخيته؟ هو مَن أصرّ لحظة الموت على «رد السيف»، هل يقبل بسيوف الظلاميات القروسطية، في «زمن الحياة والقيامة»؟
قبل يومين جاء الرد النقيض، والحليف الموضوعي لسلطات التحريم من صيدا، أو من «إمارة صيدا». هناك حيث للوطن «الفريد» جنوب وعاصمة، رفعت لوحات طرقية كبيرة تصوّر شخصاً يشعل سيجارة وفوقه شعار كبير على طريقة راية صدام: «الله أكبر»، ومعه أمر النهي عن المنكر: «إذا كنتَ معذوراً، فاستتر». وإلى التدخين لائحة بالمحرّمات الأخرى: الأكل والشرب و...
مناسبة الإعلان المعلن، حلول شهر رمضان، لكن توقيعه المجهول وصاحبه المغفل، وإمراره من خارج الأصول الإدارية والقانونية لنشر الإعلانات على لوحات الطرق... كل هذه تشي بأبعاد أخرى للخطوة. ما الذي يضمن عدم تحوّلها تدريجاً، وسنة بعد سنة، إلى ممارسة زجرية، كراهية، تحت عناوين التكفير والتحريم، ونقل فعل الاعتذار إلى الإجبار؟ ما الذي يكفل عدم تطور مشروع «الإمارة» تلك إلى نظام المطاوعة، المطبّق أصلاً في الواقع، في أحياء كثيرة يعرفها العارفون ويسكتون عنها؟
مقلقة جداً إرهاصات الأصوليات الدينية في بلدنا. وأخطر ما فيها دفع العقل البشري إلى معادلة مغلوطة ومرفوضة: إمّا أن نقتل الله، وإمّا أن نقتل الإنسان...



[1] واسمح لي باستعمال تعبير الهجوم لأنني قرأت في نصك ما لا يشبهك عندما عالجت قضية شرب الخمور من قبل بعض المسلمين, وانت لا تضع خمورا عندما تستضيف المسلمين على مائدتك.ولا كنت أراك من مسيحيي الستة وستة...

الجمعة، سبتمبر 03، 2010

محور مع رمزية رحيل كامل الأسعد:علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر



قضايا النهار

محور مع رمزية رحيل كامل الأسعد:علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر

الاثنين المقبل 6-8-2010 :مساهمة الشيخ علي خازم الشيعة بين "الولاية" والمواطنة

المحور من إعداد جاد يتيم

ألبوم الصور