اشتكى أحد الأصدقاء تأذيه من إمام صلاة التراويح في المسجد القريب منه والذي يصر على بثها بالمذياع إلى جيران المسجد القريبين والبعيدين , وجوهر الشكوى أن الإمام هذا لا يقيم أحكام القراءة ولا التلاوة للقرآن الكريم وليس بصاحب صوت يسمع .
سماع القرآن الكريم مطلوب والإستماع واجب إذا كان ثمة قارئ , لكن لهما آداب في القارئ وفي المستمع ومن طريف ما سمعت في هذا الباب:
أولا في المستمع ماذكره شيخ عموم المقارئ المصرية الشيخ محمد محمود الطبلاوي في إحدى مقابلاته التلفزيونية عن مستمع أخذه الطرب فصرخ يا رب احشرنا معهم عند قراءة الشيخ قوله تعالى : وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا.
أما في القارئ فما حدثنا به شيخ قراء طرابلس بل لبنان وإن لم يصدر بذلك مرسوم المرحوم الشيخ محمد صلاح الدين كبَّارة في منزله في طرابلس قال إنه دعي للتحكيم في مسابقة قراءة في ليبيا وفوجئ بأحد المتسابقين يقف عند كلمة "فأكله" من قوله تعالى : قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ - يوسف - الآية - 17 فقال له يا بني هل تعرف أن يوسف أكل متاع أخوته ؟ قال لا ,قال الشيخ فإنك بهذا الوقف جعلته يأكله.
يروى أن النبي صلى الله عليه وآله و سلم كان يحب أن يسمع القرآن من الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود لجمال صوته وعذوبته وقد قال صلّى الله عليه وآله : " تَغَنَّوْا بِالْقُرْآنِ , لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ , وَابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْبُكَاءِ فَتَبَاكَوْا " وليس المقصود بالتغني بالقرآن أن يخرج القارىء عن القواعد الأساسية في التلاوة من أحكام وضوابط فالمدود لها درجات والوصل له حكمه و للوقف حكمه، وكذلك الترقيق والتفخيم , وغيرها .أما الألحان والمقامات الموسيقية كالصبا و السيكا و النهاوند والرصد والبياني وغيرها فلا ينبغي لها كما قال المرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أن تخرج اللفظ عن وضعه الطبيعي، فإن "أداء المقامات كاملة لا يستقيم مع الحفاظ على أحكام التجويد في القراءة " ولذلك كان إبداعه بالجمع الخارق بينما كان غيره إما أن يقرأ على حساب المقام أو على حساب الأحكام.
والألحان في القراءة مطلوبة لإحداث التأثير في نفس المستمع ومعروف أن منها ما يؤثر فرحا مع آيات التبشير أو حزنا وخوفا مع آيات الإنذار والوعيد أو تدبرا بالتكرار على نغمة واحدة أو أكثر حيث يراد ذلك من الآية كما في آيات الإعجاز وهكذا .
قال الفارابي في تقسيمه للموسيقى من هذه الجهة إلى ثلاثة أنواع: "فهناك صنف من الموسيقى يُكسِب النّفس لذّة وراحة فحسب وهي الألحان الملذة؛ وهناك نوع ثانٍ هو الألحان المخيّلة لأنّه يُحدِث في نفس الإنسان تخيّلات وتصوّرات ، مثل ما تفعل التّزاويق والتّماثيل المحسوسة بالبصر؛ أّما النّوع الثّالث من الموسيقى، فهو الألحان الإنفعالية، فهي قد تزيل الإنفعال أو تنقصه لأنّ الإنفعال من شأنه أن يزول إذا بلغ أقصى غاياته".
عن الإمام الباقرعليه السلام أنه: إذا وجد (أَخَذَهُ الوَجْد من السماع) أحدكم فليفض (عينه بالدمع).
عن جابر ، عن أبي جعفر (الإمام الباقر)عليه السلام قال : قلت : إن قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم حتى يرى أن أحدهم لو قطعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك فقال : سبحان الله ذاك من الشيطان ما بهذا نعتوا (يعني المستمعين)، إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل .
وقوله عليه السلام " اللين والرقة والدمعة والوجل " يشير إلى وصف حال المستمعين للقرآن الكريم بما ورد فيه كقوله تعالى :
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ - الزمر - الآية - 23
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ - المائدة - الآية - 83
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- الأنفال - الآية - 2
أما اختصاص صلاة التراويح بختمة القرآن الكريم فإنه احتفاء بشهر رمضان وأنه شهر القرآن جرت السنة بختمه في هذه الصلاة والتمس لسهراته خيرة القراء لإحياء حفلات قراءة مميزة لكبار القراء من العالم الإسلامي كما نشهد في لبنان ولكن لذلك آداب ينبغي إيجادها في نفوس المستمعين إضافة للآداب الشرعية المعروفة ومنها تهذيب ذائقة السمع بمعرفة المقامات مما يساعد بالتدريب حتى من لا يملكون صوتا جميلا ان يؤدوا أداء جميلا فلا يعود صاحبنا للشكوى من جاره إمام التراويح .
أخيرا , تحية إلى الصديق والأخ المرحوم القارئ الشيخ محرم العارفي في هذا الشهر , له وللشيخ محمد صلاح الدين كبَّارة ولأمواتنا جميعا ثواب قراءة الفاتحة.
الشيخ علي خازم
الثلاثاء، 16 تموز، 2013
للعلم فإن مالكا ، وأبا يوسف ، وبعض الشافعية كانوا يرون الأفضل أداء التراويح فرادى في البيت ، وإن الشافعي ، وجمهور أصحابه ، وأبا حنيفة ، وأحمد ، وبعض المالكية وغيرهم يرون الأفضل صلاتها جماعة . أماالشيعة فإنهم يصلون التراويح بغير هذا العنوان وحيث أنهم لا يرون صحة صلاة الجماعة في السنن فيؤدونها فرادى وهي عندهم ألف ركعة في ليالي شهر رمضان موزعة على الشكل التالي :
في كلّ ليلة من ليالي العشر الاُولى والثّانية يصلّي منها عشرين ركعة يسلّم بين كلّ ركعتين، ثمان ركعات بعد صلاة المغرب والباقية وهي اثنتا عشرة ركعة تؤخّر عن صلاة العشاء .
وفي العشرة ليال الاخيرة يصلّي منها كلّ ليلة ثلاثين ركعة يؤتي ثمان منها بعد صلاة المغرب أيضاً ويؤخّر الباقية عن العشاء، فالمجموع يكون سبعمائة ركعة.
ثلاثمائة ركعة تؤدّى في ليالي القدر وهي اللّيلة التّاسعة عشرة والحادية والعشرون والثّالثة والعشرون فيخصّ كلّ من هذه اللّيالي بمائة ركعة وبذلك تكمل الألف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق