الثعبان والحية والجان والأفعى وعصا سيدنا
موسى في البيان القرآني
يوم السبت الماضي قتلت خطأ حيَّة من نوع عقد
الجوز السامة كانت تلاحقها هرة حتى ألجأتها إلى تحت سيارتي المتوقفة على شرفة
منزلي في عدلون , ولما تكرر هجوم الهرة وارتدادها وبقاء الحية تحت السيارة ركبت
ونقلت السيارة بعيدا ولما عدت وجدتها مقتولة ولم أجد الهرة . كان رأس الحية مهشما
وذنبها مقطوعا لكنه بعيد عنها أكثر من متر حيث لقيته لاحقا .
جلست أتأملها وأستذكر ما ورد عن الحية في قصة
سيدنا موسى واستكملت التأمل لاحقا فلاحظت أن القرآن الكريم لم يستعمل كلمة أفعى
لأنها تقال للحية والثعبان إذا التفا على نفسيهما في حال السكون لا في حال
الإمتداد كالعصا , وقد استعملهما واستعمل الجان وهي تسمية صغارها كثيرة الحركة لا
الجن مقابل الإنس , وفهمت المعنى وأنا أشاهدها تطوي
نفسها وتندفع مسرعة على بطنها كما وصفها الله في تصنيف الدواب
بحسب مشيها بقوله تعالى : وَاللَّهُ خَلَقَ
كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي
عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
- النور - الآية - 45 .
في التفاسير أن عصا سيدنا موسى كانت من اللوز
المر وفي الحديث استحباب اتخاذها منه وحملها في السفر , وإذا لاحظنا الترتيب
الزمني وتكرار تحول العصا من جماد إلى حيوان حي متحرك وجدناه في ثلاثة أماكن وثلاث
مراحل زمانية لكل منها غرض استعمل فيه اللفظ والعبارة بما يفيده :
أولا في الوادي المقدس طوى ليلا حيث لليل رهبته وسحره
الخاص باستيلائه على المكان ومكان الضؤ من النار على مساحة صغيرة يجعل الناظر
يلاحظ أشد التفاصيل دقة إذ كان الغرض إشعار سيدنا موسى بالإطمئنان إلى دليله في
محاجته للفرعون فاستعمل "حية" و"جان" ووصف التحول إليهما بها
لتمكين المعنى والصورة في نفسه الذي حصل بخوفه وإدبارها عنها كما في سورة طه : إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا
إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ
(١٠) , حيث خاطبه الله تعالى : وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧)قَالَ
هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ
أُخْرَى (١٨)قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (١٩)فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى
(٢٠) , وفي سورة النمل : وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا
رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى
لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) .
ثانيا بدون تعيين للزمان ليلا أو نهارا أو ربطا بمناسبة
خاصة إنما في مكان معتم من مُلك فرعون
قصره أو غيره حيث يكون فيه مع نخبة قومه وقد دخل عليه سيدنا موسى يبلغه رسالة ربه ,
واحتملت كونه معتما لمكان ظهور بياض اليد ونورها كمعجزة ثانية , هنا أجرى سيدنا
موسى معجزة التحويل مقبلا ومطمئنا رغم وصف
العصا المتحولة ب" ثعبان مبين " وهو أضخم من الحية والجان التي خاف منها
سابقا : وَقَالَ مُوسَى
يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٤)حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا
أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ
مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٠٥)قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦)فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
(١٠٧)وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨)قَالَ الْمَلأ مِنْ
قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩)يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ
أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (١١٠)قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ
حَاشِرِينَ (١١١)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ
قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (١١٣)قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ
لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤).
ثالثا يوم الزينة صباحا كما في قوله تعالى :
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى - طه - الآية - 59 , ونلاحظ هنا الوضوح وعدم الإبهام في تعيين
الزمان , ليس أي يوم بل هو يوم عيد معين وضحى على كون المراد منها الوقت فهو بعد
شروق الشمس أو أن يراد منها وصف الناس في حشرهم فهو أن يكونوا في مكان عراء من
معوقات الرؤية ومكشوفين بحيث لا تحول عتمة بينهم وبين مشاهدة مجريات التحدي , هنا
بادر السحرة كما في سورة الأعراف : قَالُوا
يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥)قَالَ
أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا
بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ
تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (١١٧)فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(١١٨)فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩)وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
(١٢٠).
وهنا لم يعد لإسم المتحول إليه (حية أو ثعبان ) حاجة بل
البيان بالفعل يكون أظهر وأوضح :
" أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
" . ويتأكد المعنى من سورة طه : وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ
سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى
الآية - 69
هل رأيتم أجمل من هذا البيان (جمالاً وإجمالاً) ؟
ع.خ,الثلاثاء، 06 تشرين الأول، 2015
حية عدلون عقد الجوز السبت 3 - 10 - 2015 |
عصا لوز مر قديمة يقارب عمرها المئة سنة جعل لها مالكها السابق قبضة على شكل رأس حية |
عصا لوز مر غير مقشورة بقاعية حديثة هدية سماحة العلامة الشيخ علي العفي |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق