الحلقة الأخيرة من مفردات الإحياء العاشورائي
9 - التفرّغ للإحياء يوم العاشر وتعطيل الأعمال:
"يوم العاشر" هو يوم المصيبة حيث يتلى المصرع الحسيني من أحد
الكتب المعتبرة قبل أو بعد خطب بالمناسبة ثم تتحرك المسيرات بالنوح واللطم إلى حين
صلاة الظهر التي كانت آخر صلاة صلاها الإمام الحسين عليه السلام في من بقي معه وبها تنتهي
المراسم الحسينية الأساسية وكان يعرف في لبنان ب"يوم الفلَّة" وغابت هذه التسمية التي
ترجع إلى أحد معنيين كسر في حد السيف أو
التفرق والمغادرة.
عرف العاشر من المحرَّم أو "يوم العاشر" على المستوى الشعبي
بأنه مناسبه دينية لكن المراد منه اختلط بالتحريف الأموي ليصير عيداً أو يوم فرح وسرور
عند بعض المسلمين ومدعاة لبعض الاعمال الشعبية كما في عملية تفوير الحليب اعتقاداً
بأنه يوم رست فيه سفينة سيدنا نوح بعد فوران التنور بداية للفيضان وبالتهنئة وتوزيع
الحلوى كما في بعض البلاد العربية.
تعطيل الاعمال وترك التكسب
في هذا اليوم والتفرغ لمظاهر الحزن على الامام الشهيد عند الشيعة يستند الى الروايات
ولكنَّه لم يتهيأ لهم بسهولة , وبحسب ما بين يدي فإن التعطيل الرسمي في العالم الاسلامي
يشمل لبنان وايران والعراق والبحرين والصومال وزنجبار وباكستان والهند وكشمير ولكن
يتميز أهل زنجبار بالتعطيل يوم 21 رمضان ذكرى استشهاد الامام علي (ع) وأهل كشمير بذكرى
استشهاد الامام العسكري في 8 ربيع الاول, وينقل البعض أن البحرين كانت تعطل رسمياً
يوم التاسوعا وأن العراق كان يعطل كذلك يوم الاربعين . إضافة لدول ترينيداد وطوباغو وجامايكا في القارة الأمريكية.
الجزائر هي البلد السني الوحيد الذي جعل عاشوراء عطلة رسمية وأهل
الجزائر لا يعرفون السبب إلا أنه تقليد قديم , وهذا منذ الاستقلال في عهد الرئيس أحمد بن بلّة حيث صدر
القانون رقم 63-278 المؤرّخ في 26 جويلية 1963 المعدّل
والمتمّم المتضمّن قائمة الأعياد القانونية.
قد يجهل البعض من الشيعة اللبنانيين أنه وبصورة رسمية لم تعتبر الحكومات
اللبنانية المتعاقبة يوم العاشر عطلة رسمية إلاَّ في سنة 1393هـ/ 1973م , وأنَّ الاسر
الشيعية الملتزمة كانت تعتذر بأشكال مختلفة لتتمكن من التفرغ لأعمال العاشر وأنا شخصياً
أذكر أنه في سنة 1966 تقريباً كانت مدرستي في حارة حريك غير ملتزمة بالتعطيل وقد شكلنا
وقتها مجموعة وقمنا برشق المدرسة بالحجارة لاجبارها على التعطيل , وقد استدعى المدير
أهلنا محاسباً على هذا العمل.
وينقل العلماء الكبار والمؤرخون
أنَّ الضغط العثماني والاضطهاد اللاحق بالشيعة بعده ايضاً كان يستدعي إقامة الذكرى
سراً في بعض السنوات كإدعاء وفاة أو أسبوع أو السهر للسمر.
ما يعنينا هنا أنه جرت في
لبنان محاولة قبل عدة سنوات لجعل التعطيل في عاشوراء اختيارياً تحت عنوان التخفيف
من أيام العطل السنوية , وتذكرون أنه جرى اختصار ايام العطلة الرسمية في عيدي الفطر
والاضحى فغاب التعطيل في "وقفة العيد" الذي كان يشملها بحيث كانت عطلة الفطر
أربعة أيام وعطلة الاضحى خمسة أيام ومن باب التنبيه والتذكير فإن ايران الشيعية شهدت
منعاً للاحياء بين سنتي 1926و1941 من قبل الحكم البهلوي, والهند سنة 1927 منعت المواكب,
وأما العراق الحديث فقد شهد أول منع سنة 1935 ثم حصره بمنع المواكب فمنع جمع التبرعات
لها سنة 1947, وتشهد دول الخليج تضييقاً كبيراً على الاحياء. وهو أمرٌ قد يستعاد في لحظة
ما وإن بدا بحسب صورة الوضع الحالي مستبعداً لكن الاحتياط يقتضي التنبه الى المسألة
, والعلة التي لاجلها نؤكد على كون التفرغ للاحياء مهماً عدا الجانب الشرعي الديني
هو ما للاحياء الشعبي الواسع من تأثير في النفوس في مجال التبليغ لدعوة الاسلام والتشيع
وما يترتب عليه من تحصين الشيعة ولو من جهة الطقوس والعادات والمراسم.
ع.خ, الجمعة، 23 تشرين الأول، 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق