العقل العربي من العلم إلى الخرافة
من " كَبِيكَجْ " إلى " يا كبيكج إحفظ "
من مخطوطات مكتبة الشيخ علي خازم
من مركز ودود للمخطوطات
كنت أراجع أرشيفي اليوم فوجدت ملفا لما كنت جمعته
تحضيرا للكتابة عن مصطلح يعرفه مقتنو المخطوطات والمهتمون بها ونجده في الصفحة
الأولى وأحيانا مضافا في الأخيرة وهو ما صورته " كبيكج " أو "
بكبيكج إحفظ " أو " يا كبيكج إحفظ " , وأذكر أنني توقفت عن الكتابة لمَّا
وجدت دراسة معمقة بالإنكليزية[1]
للأستاذ آدم غتشك ADAM GACEK التشيكي الأصل عن الموضوع وفكرت بتعريبها ولاحقا وجدتها
معربة بواسطة الأستاذ عصام محمد الشنطي[2]
الخبير في معهد المخطوطات العربية في القاهرة.
أعدت القراءة والتفتيش فتوقفت عند ثغرة في البحث أفضت إلى العنوان
الذي وضعته . وقبل ذلك وجدت جديدا يشير إلى الإستمرار في قبول الخرافة وفي
استعمالها نقلا عن بعض الشيوخ على بعض المواقع الإلكترونية العلمية الدينية مع الأسف , ولشيخي الشيخ زهير
الشاويش رحمه الله كلام لطيف[3]
في الموضوع , كذلك لاحظت خروجها من عالم الكتاب والمخطوط إلى حفظ المنازل والبيوت من
الأرضة والحشرات في ما ذكره الأستاذ إبراهيم عبدالله مفتاح في
صحيفة عكاظ [4] .
وبالعودة إلى الثغرة المذكورة يقول آدم غتشك في دراسته :
" ويخبرنا بكرالإشبيلي (توفي 628أو 629ه/ 1231- 1232م) في الفصل
الأخير من كتابه "التيسير في صناعة التسفير" عن دور طائر الهدهد وريشه
في حفظ المخطوطات. كما يذكر نقلا عن شخص يدعى محمد السميري أنه إذا كتب أحدهم
"يا كيكتج" على الورقة الأولى والأخيرة من الكتاب، فمن المؤكد أن
الديدان لن تهاجمه. " .
وبمراجعتي للكتاب المذكور[5]
وجدت أن محقق الكتاب الأستاذ عبدالله كنون قد ذكر ما نقله غتشك ولكن بعد الفصل
الأخير وتمام الكتاب تحت عنوان "
ضميمة " وهما إضافتان على أصل الكتاب لا يعلم نسبتهما إلى المؤلف بعد أن أوضح
في تقديمه للتحقيق أن الأصل المخطوط جاء في مجموع لعدة كتب وكتابنا جاء فيه وقد جمع بطريقة تخللت بين الورقتين الثانية عشرة والثالثة عشرة منه إثنتان
وعشرون ورقة مختلفة والأصل محفوظ فيالمكتبة العامة بتطوان .
هذا أولا , وثانيا : إن الإضافتان فيهما واحدة علمية (بغض النظر عن مصداقيتها ) أغفل التركيز عليهاغتشك عمدا وهي
تقول :
" باب طرد الأرضة عن
الكتب
يبخر بأعضاء الهدهد وريشه فإنه
يقتل الأرضة . ه . والأرضة بفتح الراء " .[6]
والثانية ما نقلها غتشك .
وللتأكيد على تعمده إغفال الجانب العلمي وتظهيره للجانب الخرافي في
القضية فإن عدم الأمانة العلمية تتجلى في إغفاله أي إشارة إلى ما ذكره بكر
الإشبيلي في " باب الأغرية " ص 12 من التحقيق المذكور وهي مواد اللصق وما
يقترحه من إضافات في طبخها لمنع الأرضة بخلاف ما هو متداول من إضافات محببة إليها
كالمواد الحلوة . والإشبيلي يتحدث بصورة علمية تماما بالأسلوب العصري بغض النظر عن
فعاليته .
أخيرا وبالرجوع إلى الكبيكج وهو من فصيلة البقدونس نبات يشبه
(الكرفس البري) يسمى أيضاً: كف السبع، شجر الضفادع، عين الصفا.. وهو من السموم القتالة،
كان أطباؤنا القدامى يعالجون به الأمراض الجلدية . فإن دراسات
أخرى أشارت إلى أن الورَّاقين العرب
استعملوه لحفظ المخطوطات من الحشرات، كالأرضة والسمكة
الفضية وغيرها، في عملية تشبه ما نسميه اليوم (التبخير) . ولتمييز المخطوطة التى تم تبخيرها، كان يُكتب على صفحتها عبارة : كبيكج
لتكون علامة للمشتري أو مقتني المخطوطة على أنها مُعالجة بهذا النوع من النبات فيتحرز
عن التسمم بها .
ثم جاء من نقلها إلى بعدها الخرافي جهلا منه بمعناها ودلالتها ظانا أنه
بذلك يقدم تفسيرا لكلمة مجهولة.
هذا نموذج للإرتكاس بالعقل من العلم إلى الخرافة وما زال موجودا مع
الأسف .
الشيخ علي خازم , الأحد،
20 تشرين الأول، 2013
[2] نشرت بمجلة تراثيات، التي
يصدرها مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية بعنوان: كبيكج في المخطوطات العربية
لآدم كاتشك. ترجمة عصام محمد الشَّنْطِي. تراثيات، 8 (2006): 87-93. وتجدها على الرابط : http://www.alriyadh.com/2007/12/21/article303124.html
[3] قال رحمه الله : "منذ أن وقعت بين يدي بعض
المخطوطات منذ خمسين سنة، وجدت في بعضها الأرضة تفتك بها، ووجدت أنَّ في بعضها
كلمات مكتوبة لا يعرف لها معنى مثل "كاكم"، وقد ظننتها أولاً أنَّها اسم أعجمي محرف عن "كاظم".
وبعدها وجدت كلمة "كيكج"، ولم أدرك لها من معنى مفهوم، وأحيانًا يكتب كل
حرف على حدة، وبعد ذلك وجدت كلمة أخرى.
ولكثرة ورودها شغلت بالي، إلى أن وجدت في بعض الكتب أنَّها تدخل ضمن
جملة منها:
"يا كبيكج"
احفظ هذا الكتاب، وكلمات بنفس المعنى.
وعندها عرفت أن هذا "الكبيكج"
ومثله
"كاكم"
و"عفروت" وغيرها
هي عند كاتبها
"ملائكة"
تحفظ الكتب، أو أنَّها عفاريت وشياطين مسخرة لهذا الغرض.
ومن عجائب هذه الطرفة أنَّ أغلب هذه الرموز والكلمات مكتوبة بِخطوط
علماء كبار، ومؤلفين بالعقائد أحيانًا، وهم بِحالة غفلةٍ عمَّا في مثل هذه العقائد
ما يخالف الإيمان بالله والاعتماد عليه جل شأنه.
ومن عجائبها أيضًا: فإنَّني لا أذكر أني وجدت - غالبًا - كتابًا ذكرت فيه هذه الكلمات،
إلا والأرضة تعبث به فساداً: صعوداً وهبوطاً، وطولاً وعرضاً وعمقاً. " !!
[5] رابط لتنزيل كتاب التيسير في
صناعة التسفير
[6] ويعرف المختصون
بالترميم أهمية التعقيم بالتبخير في الآلات الحديثة التي تستخدمها المراكز
المتخصصة.
هناك تعليق واحد:
It's very great
إرسال تعليق