مقام ساري في بلدة
عدلون
يطالعك في آخر أبنية
بلدة عدلون إلى يمين الأتوستراد باتجاه مدينة صور قبة ومئذنة لمقام ومسجد تم تجديدهما
وينسبان إلى " ساري " وقد اشتهر في المنطقة بأنه من أنبياء بني إسرائيل،
وأكّد هذا الإعتقاد ما نقله مَن شَاهد جنود الإحتلال الإسرائيلي في اجتياح 1982 يفتحون
خريطة أمامه ويخلعون أحذيتهم قبل دخول المقام وينقل أنهم قالوا إنها خريطة مقامات أنبيائهم
في لبنان.
وشهرة المقام وصاحبه
وبركته في تحقق النذور تعدّت المنطقة المحيطة به في جبل عامل إلى ساحل المتن الجنوبي
في جبل لبنان وبرج البراجنة خصوصاً، ومن ذلك أن والدتي رحمها الله كانت تذكر له جملة
كرامات منها أنّ والدتها بعد إنجابها ثلاث بنات نذرت لله شيئا إذا رزقت بصبي فجاءها
خالي يوسف رحال رحمه الله.
عدلون و ساري
عدلون هي إحدى القرى
اللبنانية من قرى قضاء صيدا في محافظة الجنوب وهي بلدة ساحلية ترتفع حوالي 100 م عن سطح البحر، مساحتها 8.7 كلم2، تبعد 61
كلم عن بيروت و 20 كلم عن صيدا، سكانها ما يقارب الستة آلاف نسمة، تحدها من الشمال
والشرق بلدة انصارية ومن الجنوب منطقة أبو الأسود، تشتهر بمغارتها والمدافن التاريخية
التي تعود إلى عصور قديمة كما وتتميز بسهلها الفسيح المليء ببساتين الحمضيات والموز
ومواسم البطيخ وهو من سهول لبنان الكبيرة المعدودة.
تتحدث الأسطورة عن
وجود نفق يربط المقام بشاطئ البحر في منطقة تسمى العواميد وهي بقايا تماثيل صخرية عبر
مغارة عدلون المشهورة هناك ويستدلون لذلك بأن ديكا فقد في محيط المغارة ووجد في المقام.
ويقال إنّ الولي المنسوب إليه المقام كان يتنقل بين البحر ورأس التلة مستترا في عبادته.
ويقع المقام في أعلى
تلة هي أرض وبساتين تتبع اوقاف المسلمين الشيعة، وتُعَد المنطقة المحيطة به مستقلة
عقاريا عن عدلون ولا تتبعها إلا بلديا وتعرف باسم منطقة ساري العقارية.
عرفت كتب الجغرافية
العربية القديمة عدلون باسم عَذنون ذكرها ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله
(574 - 626 هـ = 1178 - 1229 م) صاحب معجم البلدان. وقد
ذكر في كتابه عدة بلدات باسم سارية وساري لكنه
لم يذكر بلدة باسم ساري في المنطقة التي نتحدث عنها (ولم أجد أحدا غيره فعل).
ومما ينبغي
الإشارة إليه أن في بلدة الغازيّة (جنوب لبنان) مقاماً آخر في وسطها بنفس الإسم،
وأنّ في فلسطين قرية ومقاما في محافظة الرملة باسم النبي ثاري (ساري) ، جاء في موقع فلسطين في الذاكرة [1]:
" هي مزرعة أو عزبة أقامها مزارعون من رنتيس وقُوله، أقيمت في موقع أثري فيه
بقايا قلعة وكنيسة بيزنطية، أقيم فوقها في القرن الرابع عشر مقام النبي (ثاري)،
واصل الاسم من إله الحرب الكنعاني (ساري) الذي يُعتقد أنه كان له معبد في
المكان. بقي من القرية مقبرتها ومدرستها
وشوارع مرصوفة".
وبالعودة إلى ياقوت
بن عبد الله الحموي[2]
فإنّه نقل عن ابن عساكر[3]
" قال في تاريخ دمشق: عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد المليباري المعروف بالسندي
حَدَّثَ بعذنون مدينة من أعمال صيداء من ساحل دمشق ".
أما عبد الله بن عبد
الرحمن أبو محمد المليباري المعروف بالسندي ( من بلاد الهند ) - ولم أجد له تاريخا
- إلا ما زاده ياقوت في تعريفه عند الحديث
عن مليبار[4]:
" حَدَّثَ بعذنون مدينة من أعمال صيداء على ساحل دمشق عن أحمد بن عبد الواحد بن
أحمد الخشاب الشيرازي، روى عنه أبو عبد الله الصوري ". ووجدتُ أنّ "أبو
عبدالله الصوري" كنية مشتركة بين عدد من العلماء من الفريقين والمراد منه هنا
هو من ذكره الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء[5]: " الْإِمَامُ
الْحَافِظُ الْبَارِعُ الْأَوْحَدُ الْحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَحِيمٍ الشَّامِيُّ السَّاحِلِيُّ " وهو توفي في بغداد
ودفن فيها فليس مدفوناً في عدلون، وقال عنه: " كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ
السُّنَّةِ "، فلا يُشتبه به وعدّه مع أصحاب الكنى من علماء الشيعة.
ومن الجمع بين النصوص
يظهر أن عدلون شهدت نهضة علمية بحيث كانت فيها مدرسة للحديث النبوي، ولعل المقام كان
هو محل التدريس بعيدا عن وسط القرية وضجيجها، في المطل الرائع على البحر والميناء الذي
كان من المرافئ المهمة على الساحل اللبناني حتى منتصف القرن الماضي.
وقد كشفتُ بنفسي على
الضريح قبل البناء عليه وترميمه مع المسجد فلم أجده موافقاً لبناء قبور اليهود بجعل
القَدَمين في اتجاه القدس مما يدفع احتمال دعوى كونه من أنبياء بني إسرائيل، بل
وجدته موافقاً لأحكام الدفن الإسلامية في الإتجاهات حيث كانت لوحة صخرية تقف كشاهد
عند الرأس غربا وليس عليها ولا على الضريح أيّ نقش، ولم أجد في كل البناء القديم ما
يدلّ على صاحب المقام وتاريخه.
لذلك كله أحتملُ حتى
اليوم أن المليباري " السندي " هو المدفون هناك وجرى تصحيف الإسم إلى "ساري"
ما لم أجد له ترجمة تبيّن مدفناً آخر له، إلا أن يكون الضريح والمقام سابقين على
زمان تدريسه في عدلون "عذنون" وصارا مدرسة دينية لاحقاً والله أعلم.
الشيخ علي خازم ،
الجمعة، 11 تشرين الأول،2013 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق