من آداب الحوار خفض الصوت والسؤال استفهاما لا تعنتا
حتى لا ندخل في حوار الطرشان
مذيعة لبنانية على قناة فضائية , وفي محاولات حسبتها تذاكيا للحصول على معلومة , تمادت في رفع صوتها وتحريك يديها في الهواء بوجه ضيفها الديبلوماسي حتى أحرجها في لحظة بقوله لها لن أجيب على الأسئلة الاستفزازية .
وكنت أثناء متابعة الحوار قبل هذه اللحظة قلت في نفسي أما من أحد يخبرها أن السفير أجنبي لكنه ليس أطرشا , وهذه الملاحظة مستفادة من جواب أحد الأصدقاء الظرفاء لمن كان يحادثه بصوت مرتفع : خَفِّض صوتك ! أنا أعمى لكنني لست أطرشا .
آداب الحوار المباشر وحقوق الجليس كثيرة ومنها خصوصا ما يتعلق بمستوى الصوت في التحاور والتخاطب , ومنها ما يتعلق بطبيعة وأسلوب طرح الأسئلة.
في موضوع الصوت :
حكى القرآن الكريم من وصايا سيدنا لقمان لابنه : وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ - لقمان - الآية - 19حتى من جاز له الجهر بالقول أشار الله إليه بتجاوزه إلى الصوت المنخفض بصفته سَمِيعًا عَلِيمًا في قوله تعالى : لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا - النساء - الآية - 148
وتوعَّدَ القرن الكريم " الصيحة " وهي الإماتة من صعقة الصوت للمخاصمين بالباطل في الدنيا [1]:
مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ - يس - الآية - 49 فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ - يس - الآية - 50
وقد ورد في الشريعة استحباب خفض الصوت ، وقد وردت روايات كثيرة في هذا الجانب ، قال رسول اللَّه « صلى اللَّه عليه وآله وسلم » : ( يا أبا ذر إخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن ) .
وفي رواية عن ابن عباس يصف أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( وقد رأيته يوم صفين وعليه عمامة بيضاء وكأن عينيه سراجان وهو يتوقف على شرذمة شرذمة يحضهم ويحثهم إلى أن انتهى إلى وانا في كنف من المسلمين . فقال : معاشر الناس استشعروا الخشية وأميتوا الأصوات وتجلببوا ) .
في موضوع السؤال والمحادثة :
لاحظ آداب السؤال بين العبد الصالح وسيدنا موسى في رحلتهما : قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا - الكهف - الآية - 70 قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا - الكهف - الآية - 76
جعل الله تعالى السؤال مدخلا للوصول إلى اليقين حتى عند النبي صلى الله عليه وآله : فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ - يونس - الآية - 94
وعن أنس قال كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتكلم بكلام فصل لا هزر ولا نزر ويكره الثرثرة في الكلام والتشدق فيه.
وقَالَ أمير المؤمنين ( ع ) لِسَائِلٍ سَأَلَه عَنْ مُعْضِلَةٍ : سَلْ تَفَقُّهاً ولَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً , فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيه بِالْعَالِمِ , وإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيه بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ .
وقال الإمام الحسن بن علي عليهما السلام لابنه:
يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك .
ويقول ابن المقفع :
تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ؛ ومن حسن الاستماع : إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه . وقلة التلفت إلى الجوانب . والإقبال بالوجه . والنظر إلى المتكلم . والوعي لما يقول .
الشيخ علي حسن خازم , الإثنين، 02 أيلول، 2013
----------------------------------------------------------
[1] لم أجد مبررا لجعل الصيحة عامة للبشرية كما قال سيدنا الطباطبائي قده : قوله تعالى : * ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة
تأخذهم وهم يخصمون ) * : النظر بمعنى الانتظار ، والمراد بالصيحة نفخة الصور الأولى بإعانة السياق ، وتوصيف الصيحة بالوحدة للإشارة إلى هوان أمرهم على الله جلت عظمته ، فلا حاجة إلى مؤونة زائدة ، و " يخصمون " أصله يختصمون من
الاختصام بمعنى المجادلة والمخاصمة ( ج17 , ص 98 ) . لإن السياق لا يتوقف هنا فالآية متعقبة بقوله تعالى : فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ - يس - الآية - 50 القاطعة للسياق الأول عن التالي الذي يتحدث عن : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ - يس - الآية - 51 . زد على ذلك أنني لم أفهم تفسير الصيحة بالنفخة إلا أن تكون نفخة في بوق كما فسَّر بعضهم " الصُّور " بالبوق : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيه أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ ) * زمر : 68 وهو بعيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق