]فضل
الجهاد[
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الجِهَادَ
بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ
لِباسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الحَصِينَةُ، وَجُنَّتُه[1]
الوَثِيقَةُ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ[2]أَلبَسَهُ
اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ البَلاَءُ، وَدُيِّثَ[3]بِالصَّغَارِ
وَالقَمَاءَةِ[4]،
وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالاْسْهَابِ[5]،
وَأُدِيلَ الحَقُّ مِنْهُ[6]
بِتَضْيِيعِ الجِهَادِ، وَسِيمَ الخَسْفَ[7]،
وَمُنِعَ النَّصَفَ[8].
أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ
إِلَى قِتَالِ هؤُلاَءِ القَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلاَناً،
وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ
قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ[9]
إِلاَّ ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ [10]وَتَخَاذَلتُمْ
حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغَارَاتُ[11]،
وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الاْوْطَانُ.
وَهذَا أَخُو غَامِد قَدْ وَرَدَتْ
خَيْلُهُ الاَنْبَارَ[12]،
وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ البَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ
مَسَالِحِهَا. [13]
وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ
مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالأخْرَى المُعَاهَدَةِ[14]،
فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا [15]وَقُلْبَهَا[16] وَقَلاَئِدَهَا،
وَرِعَاثَهَا[17]،
ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ[18]،
ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ[19]،
مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ[20]،
وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا
أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.
فَيَا عَجَباً! عَجَباًـ وَاللهِ ـ
يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى
بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً[21]، حِينَ صِرْتُمْ
غَرَضاً[22]يُرمَى:
يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْرُونَ، وَيُعْصَى
اللهُ وَتَرْضَوْن!
فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ
إِلَيْهِم فِي أَيَّامِ الحَرِّ قُلْتُمْ: هذِهِ حَمَارَّةُ القَيْظِ[23] أَمْهِلْنَا
يُسَبَّخُ عَنَّا الحَرُّ[24]،
وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ: هذِهِ
صَبَارَّةُ القُرِّ[25]،
أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا البَرْدُ، كُلُّ هذا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ
وَالقُرِّ; فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ
وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ
رِجَالَ! حُلُومُ الاْطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ[26]،
لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللهِ ـ
جَرَّتْ نَدَماً، وَأَعقَبَتْ سَدَماً[27].
قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلاَتُمْ
قَلْبِي قَيْحاً[28]،
وَشَحَنْتُمْ[29]صَدْرِي
غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ[30] التَّهْمَامِ[31] أَنْفَاساً[32]،
وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن، حَتَّى قَالَتْ
قُريْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلْكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ
بِالحَرْبِ.
للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ
مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً[33]، وَأَقْدَمُ فِيهَا
مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أناذا
قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ[34]! وَلكِنْ
لا رَأْيَ لَمِنْ لاَ يُطَاعُ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق