الجمعة، أبريل 11، 2014

الضرب بين المنع والتشريع - 1 و 2 - حكم التعدي في التأديب بالضرب


الضرب بين المنع والتشريع - 1 -
ألغى المشرع اللبناني (مجلس النواب) أمس مادة من قانون العقوبات تجيز ضرب الطلاب في المدارس , وكان قد أصدر تشريعا يتعلق بالعنف الأسري ومنه ضرب الزوجة والأبناء.
المشهور عند الفقهاء أن ضرب الزوجة وضرب الأبناء وضرب المعلم لصغار الطلاب ثلاثتها خارجة عن باب القضاء الشرعي والرجوع إلى الحاكم وداخلة تحت عنوان التأديب المرتبط بالقوامة في الفقه الإسلامي , لكن كان للحاكم الشرعي عند كل الفقهاء تدخل في ما إذا تعدى التأديب حدوده المرسومة بوضوح , ووصل حد التعنيف الجنائي بوقوع أذى مادي على جسد المعنَّف فحكم بعقوبات متفاوتة بحسب الأذى الحاصل.
وكان لبعض الفقهاء عبر التاريخ تحفظ على ضرب الزوجة وغيره دون الرجوع إلى الحاكم الشرعي إلى حد أن يقول أحد فقهاء جبل عامل الشهيد الثاني (المتوفي 966 هجرية 1559 ميلادية) في كتابه مسالك الأفهام الجزء 8 الصفحة 355 :
"بقي في المسألة أمور ينبغي التنبيه عليها :
...
الثاني : ليس من النشوز (في الزوجة) ولا من مقدماته بذاءة اللسان والشتم ، ولكنها تأثم به وتستحق التأديب عليه .
وهل يجوز للزوج تأديبها على ذلك ونحوه مما لا يتعلق بحق الاستمتاع أم يرفع أمره إلى الحاكم ؟
قولان تقدما في كتاب الأمر بالمعروف .
والأقوى أن الزوج فيما وراء حق المساكنة والاستمتاع كالأجنبي وإن نَغَّصَ ذلك عيشه وكَدَّرَ الاستمتاع .".
لاحظ معي قوله " وإن نَغَّصَ ذلك عيشه وكَدَّرَ الاستمتاع" وما فيه من إشارة للتربية على الصبر في العلاقة الزوجية.
الغرض من الكلام عن العنوان هو البحث لإيجاد مشترك يؤسس للمواءمة بين التشريع المدني والفقهي يجعل الإلتزام الأخلاقي بالإمتناع عن الضرب أساسا لتجريم الضرب والمنع منه وإلا فلا فائدة.
للبحث صلة تتبع..
ع.خ,الخميس، 10 نيسان، 2014

 الضرب بين المنع والتشريع - 2 -
يستعجلني بعض الأصدقاء سواء في التعليقات أو في رسائلهم الخاصة في الاستيضاح عن بعض التفاصيل فأرجو منكم الصبر والتأني في القراءة والمتابعة حتى النهاية لأن الموضوع يحتاجها فلست في مورد نقل الفتاوى ولا الإفتاء , وإن عرضت بعض الفتاوى فلدخالتها في أصل الموضوع وأخشى إن أجبت الوقوع في إيهام القراء بشئ دون آخر. فضلا أن الفايس بوك على التلفون لا يحتمل الإطالة مما سيضطرني إلى الإحالة على المدونة .
أتابع اليوم مسألة إلغاء المادة القانونية التي كانت تجيز ضرب الأساتذة لطلابهم وهذه هي كما كانت في قانون العقوبات اللبناني:
" المادة ١٨٦: لا يعد جريمة الفعل الذي يجيزه القانون.
يجيز القانون:
١- ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم وأساتذتهم على نحو ما يبيحه العرف العام ."
وقد جرى تعديلها بحذف الأساتذة والإبقاء على استثناء الآباء مع تقييد التأديب بعبارة " على ان لا تترك اي اثر على جسد الاولاد أو تحدث ضررا في صحتهم الجسدية أو النفسية".
وها هنا إبهام في أمور لجهة تعيين السن في المراد من الأولاد , وتعيين العقوبة بعد افتراض أن للقاضي الاستعانة بأهل الخبرة (الطب الشرعي والنفسي) في تحديد وقوع الأثر , وتعيين العرف العام في التأديب.
هذا الإبهام مرفوع في الفقه والقضاء الشرعي (ولا أعني المحاكم الشرعية الرسمية لأنها مختصة بالأحوال الشخصية) لجهة السن فالمراد من الولد من كان دون سن التكليف وبإجازة وليه , وفي طبيعة التأديب من الأب والمعلم فليس لهما الزيادة عن ثلاث ضربات في الأدب في المقام الواحد على أن لا يكون الضرب على الوجه, وفي الأثر المادي بما دون احمرار الجسد أو اخضراره أو اسوداده فضلا عن الجناية على الأعضاء بتعطيلها أو النفس بازهاقها فإن ذلك تَعَدٍّ يخرج عن تعريف التأديب .
جاء في سيرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إنه " ألقى صبيان الكُتَّاب ألواحهم (التي يكتبون عليها) بين يديه ليخير بينهم (المفاضلة بوضع العلامات كما تصحيح الفروض المدرسية اليوم) ، فقال : أما إنها حكومة (قضاء) والجور فيها كالجور في الحكم ، أبلغوا معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أقتص منه".
بهذا الإلتزام يرتفع عن المؤدب وليا أو معلما الإثم في نفسه الموجب لعقوبة الآخرة والجناية الموجبة للقصاص في الدنيا.
وقد كان الإختلاف بين النواب بل بين نائبين من كتلة واحدة كما أوردته قناة الجديد أحدهما (السيد نواف الموسوي) مع إلغاء المادة كليا والآخر(الحاج علي عمار) مع إبقاء ما يتعلق بالأهل دلالته المهمة في اختلاف النظرة إلى واقع ومستقبل العملية التربوية وهي جوهر الموضوع.
ومما ينبغي التأكيد عليه أن الحكم الشرعي هو جواز التأديب بالضرب وليس الوجوب والتفصيل على المدونة :
حكم التعدي في التأديب بالضرب

حكم التعدي في التأديب بالضرب

     يعد الجانب الجزائي في اي منظومة حقوقية, جانبا اساسيا في تحقيق العدل والانصاف وحفظ الحقوق والكرامة الانسانية في أي علاقة بين طرفين ولو لم تاخذ الطابع المعاملاتي البحت, بل كانت تملك بعدا انسانيا كانشاء الزوجية او حصول الابوة والامومة او التفويض بالتربية والتعليم.
     وقد ورد الضرب التأديبي لا الجنائي كخيار ارتبط بنوع من القيمومة في القرآن الكريم والحديث الشريف لبعض اطراف المعاملات تكليفيا كان كتربية الأبناء ,أو وضعيا بمعنى نشوؤه عن حكم تكليفي كما نقول عن حق النفقة الناشئ  عن الحكم التكليفي بالزوجية.
هذه الاشارة تضع التأديب بالضرب في حيزها النسبي من كامل المنظومة الحقوقية التي تقع بدورها في حيزها الواسع من منظومة الاخلاق والتربية والقيم الاسلامية.
 وقبل بيان الحكم في التعدي بالضرب للأبناء والزوجات وللطلاب دون سن التكليف ولو تاديبا ينبغي الالتفات الى عدة عناوين:
اولا: ان النصوص اعتبرت الضرب للزوجة او الاولاد او التلميذ تاديبا لا عقوبة وقد اخرجته من باب العقوبات الذي يختص اجراؤه بالحاكم. وياتي التأديب من باب القوامة والمسؤولية.
ثانيا جعلت النصوص الشرعية له شروطا منها:
أ: العدد ثلاث ضربات  فعن رسول الله ص:"لا تضربن أدبا فوق ثلاث فانك ان فعلت فهو قصاص يوم القيامة.
ب: ومنها صفاء المزاج عند المؤدب بان لا يكون عن غضب قال الامام علي عليه السلام :"لا ادب مع غضب".
ب:ومنها الموارد الخاصة:فعن رسول الله ص:أدب صغار اهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور,فاذابلغوا عشر سنين فاضرب ولاتجاوزثلاثا. وعن الامام الصادق عليه السلام:يؤدب الصبي على الصوم ما بين خمسة عشر سنة الى ست عشرة سنة و تؤكد فكرة الموارد الخاصة للضرب ما روي عن بعضهم "قال شكوت الى ابي الحسن موسى (يعني الكاظم عليه السلام) ابنا لي فقال لاتضربه واهجره ولا تطل"
ثالثا جعلت النصوص الشرعية مندوحة قبل اللجوء الى هذا الخيار ودعت الزوج او الاب الى ملاحظة نفسه اولا كما في الحديث عنه ( صلى الله عليه وآله ) : إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها وعن الإمام علي ( عليه السلام ) - فيما أوصى ابنه الحسن ( عليه السلام ) - : لا يكن أهلك أشقى الخلق بك  .
 ومما جاء في الصبر على سوء خلق الزوجة - رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله تعالى بكل يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب ( عليه السلام ) على بلائه ، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج  .
وقد اعتبرت الروايات اللجؤ الى خيار الضرب انتهاء للاضطرار الى مواجهة "الجانب البهيمي" في الانسان كما يعبر الفلاسفة بعد العجز عن التعامل مع "الجانب العقلي".
عن علي ( عليه السلام ) : إن العاقل يتعظ بالأدب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب  . وفي خبر : لا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بالغت في إيلامه ، فإن العاقل يتعظ بالآداب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب. و عنه ( عليه السلام ) : إذا لوحت للعاقل فقد أوجعته عتابا و عنه ( عليه السلام ) : عقوبة العقلاء التلويح ، عقوبة الجهلاء التصريح وعنه ( عليه السلام ) : التعريض للعاقل أشد عتابه .
ومنها ان الشريعة الاسلامية جعلته جائزا وغير واجب فالعجب ممن يعرف انه بالضرب الجائز قد يتعدى الى الحرام ثم يحوم حوله.
فلو حصل ووصل اثر الضرب الى درجة الاحمرار فالاخضرار فالاسوداد كان الحكم باداء الأرش (التعويض عن الضرر) إلى الولد المضروب وفق تقسيم بين الوجه وسائر البدن أعرضه في الجدول التالي , وفقا للقول بأن الدينار الشرعي يساوي نصف ليرة عثمانية وهي من الذهب الخالص وأن الغرام منه يساوي 42 دولارا أميركيا و43 سنتا بسعر اليوم  :
جدول تعويض الولد عن أثر الضرب
مكان اللطمة:


لون اللطمة:
في الوجه
في البدن
دنانير شرعية
غرام
ليرات ذهبية عثمانية 

دولار
اميركي تقريبا
دنانير
 شرعية
غرام
ليرات ذهبية عثمانية
دولار
اسوداد
6
25,5
3
1081,965
3
12,75
1,5
540.9
اخضرار
3
12,75
1,5
540.9
1,5
6,375
0,75
270,49
احمرار
1,5
6,375
0,75
270,49
0,75
3,1875
0,375
135,24

 ولو تعدى الى شج الرأس أو الى جرح البدن يرجع الى الحاكم في تقدير الديات او الاقتصاص من غير الوالدين.
    
وقد ميَّز بعض الفقهاء بين الولي وغير الولي كالمعلم فقالوا في الاخير انه لابد له من اذن الولي في القاصر وغيره ان لم يعد الضرب من ابواب النهي عن المنكر.
واما العنف غير الجسدي كاللفظي او غيره او السلوكي فانه خلاف الرفق والرحمة والمرؤة وما اليها من آداب الاسلام وبعضه يستحق الحد كما في السب والقذف (الإتهام بالزنا) ,وبعضها يسقط الفاعل عن الاعتبارات الحقوقية لسقوط عدالته بفسقه من جهة ارتكابه لهذه الفواحش.

............................................................

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور