عاشوراء اليهود، عاشوراء الشيعة، عاشوراء السنة[1] ..
القاضي عبدالجبار
أحب قبل أن أخوض في
الموضوع أن أنبّه إلى أن لفظة (عاشوراء) وهي على وزن فاعولاء، إنما هي مستوردة من
(العبرانية) كما هو مذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي، فليست هي عربية أصالة، ولا هي
من التراث الجاهلي.
في كل سنة من هذه الأيام
تضج المنابر ووسائل الإعلام المختلفة بالتذكير بصيام عاشوراء وفضله، على قنوات أهل
السنة، كما تضج منابر ووسائل الإعلام الشيعية المختلفة بالتذكير بمأساة عاشوراء التي
استشهد فيها الحسين رضي الله عنه بطريقة بشعة جدًّا سنة 61 هـ في عهد يزيد بن معاوية
بن أبي سفيان.
وليوم عاشوراء منزلته
التي لا تنكر في كافة بلدان العالم الإسلامي، فهو ليس مجرد يوم للصيام فقط، بل هو
أشبه بالعيد الذي تجري فيه التهاني، ولقد نشأنا على الاحتفاء بهذا اليوم صيامًا، منذ
طفولتنا وكان أشبه بالواجب علينا على الرغم من كونه نافلة.
ولم أسمع في حياتي كلها
أن هذا اليوم شهد مقتل الحسين إلا بعد أن جاوزت الثلاثين!! بسبب الثورة الإعلامية
والمعلوماتية التي حصلت في السنين الأخيرة.
الحق أني مدعو على الإفطار
عند أحد الأصدقاء في يوم عاشوراء القادم، ولقد اعتذرت متعللاً بأسباب واهية لئلا أذهب،
لأني ـ أصدقكم القول ـ لم أعد أصوم هذا اليوم بعد أن تبين لي تضارب الأحاديث فيه،
بل تجاوز الأمر لدي إلى الاعتقاد بأن صيامه مسألة سياسية لا دينية لإشغال الناس عن
جريمة قتل الحسين، وكرد فعل على لطميات الشيعة.
وسأذكر الأحاديث تباعاً
وأعلّق عليها، وسأحرص على ألا تكون إلا من البخاري ومسلم
توقيت تشريع الصيام:
عن عبد اللَّه بن عباس
رضي اللَّه عنهما قال: " قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود
تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني
إسرائيل من عدوهم، فصامه،فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" .
وفي رواية: " فصامه
موسى شكراً، فنحن نصومه" .
وفي رواية أخرى:
" فنحن نصومه تعظيماً له" .
أخرجه البخاري
(4/244) ح(2004) ، ومسلم (1130).
واضح في هذا الحديث
أن مناسبته هي أن رسول الله عندما هاجر رأى اليهود تصوم عاشوراء، فصامه وأمر بصيامه،
ويفيد هذا الحديث أن رسول الله لم يكن يصومه قبل ذلك.
لكن هذا الحديث مناقض
لحديث آخر روته عائشة:
عن عائشة رضي اللَّه
عنها قالت: " كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن
شاء أفطر".
وفي رواية : "
كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه
في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء،
فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" .
أخرجه البخاري
(4/244) (ح2001) ، (2002) ، ومسلم (1125( .
وهذا الحديث يفيد أن
صيام عاشوراء إنما كان يصام في الجاهلية! مناقضاً للحديث السابق الذي يفيد أن رسول
الله إنما بدأ بصيامه بعد الهجرة!.
وهناك حديث آخر يناقض
كل ما سبق!
عن ابن عباس رضي اللَّه
عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن
التاسع" .
وفي رواية قال:
" حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا:
يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
: فإذا كان العام القابل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام
المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " .
رواه مسلم (1134).
فهذا يدل على أن اكتشاف
أنه يوم تعظمه اليهود (والنصارى!) بعد أن صامه!
وحين صامه وأمر بصيامه
قال لأن حييت إلى قابل لأصومن التاسع! ولكنه لم يعش إلى العام المقبل!
وهذا يفيد أن الأمر
بالصيام إنما كان قبل وفاة النبي بعام!
وكل ما سبق يتناقض مع
حديث ابن مسعود:
عن علقمة بن قيس النخعي،
أن الأشعث بن قيس دخل على عبدالله بن مسعود، وهو يطعم يوم عاشوراء، فقال: يا أبا عبدالرحمن
، إن اليوم يوم عاشوراء، فقال: "قد كان يُصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك،
فإن كنت مفطراً فاطعم" . وفي رواية لمسلم: " كان يوماً يصومه رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تركه" .
أخرجه البخاري
(8/178) (ح5403) ومسلم ()1127.
وهذا يفيد أنه (كان
يصام) قبل رمضان فلما نزل رمضان ترك! أي أنه لم يعد مهمًا وأنه لا يستحق كل تلك الجلبة
والضوضاء التي نسمعها كل حين!
بينما نجد حديثًأ آخر
عن أبي قتادة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صيام
يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله" .
أخرجه مسلم (1162( ...
فهو يوم مهم جدّا إذن
وفيه تكفير وغفران لسنة كاملة ... ! فكيف يكون هيّنًا جدًّا عند صحابي جليل صاحب عبادة
ونسك مثل ابن مسعود إلى هذه الدرجة؟!
كل ما سبق هو اضطراب
يضعف الأحاديث ويجعلني أشك في أهمية هذا اليوم، بل أشك في مشروعية صيامه أصلاً.
الجدير بالذكر أن اليهود
لهم يوم عاشوراء يعظمونه، بحسب السنة اليهودية، فاليهود يؤرخون لعبادتهم بالسنة اليهودية
وليس بالسنة الهجرية!
ولهم نظام بديع في هذا،
فشهورهم قمرية وسنينهم شمسية، ولمّا كان هناك فرق من الأيام بين السنة القمرية والسنة
الشمسية، فهم يجمعون تلك الأيام ويضيفون شهرًا لتكون السنة الكبيسة مكوّنة من ثلاثة
عشر شهرًا!!
يصوم اليهود اليوم العاشر
من الشهر الأول في كل سنة جديدة، وهو العاشر من (تشري) عندهم.
ويسمونه يوم الغفران
فيصومونه ويعتقدون أن الصائم تكفر له سنة ماضية! تماماً كما يعتقد أهل الحديث في يوم
عاشوراء.
ويوم الغفران هذا مختلف
تمام الاختلاف عن عيد النجاة الذي يحتفلون به ويصادف ذكرى نجاة موسى من فرعون وهو
أسبوع كامل لا صيام فيه وليس كما ورد في الحديث المشهور أنهم كانوا يصومونه!، بل هو
على التحقيق زمان أكل وشرب وفرح ولعب، وليس زمان صيام!
فهذا هو يوم عاشوراء ...
إنه يوم صيام ومغفرة
عند أهل السنة واليهود كل حسب تقويمه المعتمد.
وهو يوم حزن ولطم عند
الشيعة!
ختاماً:
أزعم ولا أؤكد أن هذا
الصخب الذي نسمعه في التذكير بصيام عاشوراء عبر وعاظ المساجد ابتدأ بعد مقتل الحسين
لينشغل الناس عن التغيظ على يزيد والأمويين بذكر فضائل صيام عاشوراء والانشغال به،
بدلاً من تعبئة المشاعر بالحقد على الأمويين، لا سيّما وأنه قد كان للقص (أي الوعظ) دور مهم أيام
الأمويين يُسْتقرأ من النصوص.
والحاصل أن مسألة الاهتمام
بصيامه وشغل الناس بالحديث عن ذلك في المساجد إنما هو ـ فيما أظن ظنا قويًا ـ حيلة
أموية عن طريق القصاصين لشغل الناس عن ذكر الجريمة السياسية التي ارتكبوها بحق سبط
رسول الله ..
لست موافقًا ـ البتة
ـ على جعل عاشوراء موسمًا للطميات والنواح بهذه الطريقة المقززة التي نشهدها، ولكننا
مع انتهاز أي مناسبة للحديث عن العدل كقيمة إنسانية مطلقة.
وللسياسي تأثير عظيم
في توجيه الدين ولذلك شواهد لا تنكر عبر التاريخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق