الخميس، ديسمبر 11، 2008

الحج والوحدة الإسلامية

الحج من العبادات التي نص القرآن الكريم على بعض عللها وغاياتها,حيث يمكن للمسلمين التحقق من استكمال القيام بها بمراقبة مستوى تحقق هذه الغايات وان لم يتعلق اداء هذه الفرائض بها فهي امور تعبدية غير معلقة على الغايات المجعولة لها كثمرة بخلاف الشروط والاركان التي تتقوم بها العبادة فان ارتفعت لم يتحقق للعبادة صورة بل ولا معنى .
قال تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ {الحج/27} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ {الحج/28} ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ {الحج/29}.
وتتنوع المنافع المذكورة كما يتنوع شهودها. فان يشهد الحجاج منافع لهم يعني ان تحضرعندهم تلك المنافع حضورا يعيشونه على تنوعها بين المادي والمعنوي من جهة,وما ينعكس من اجتماعهم على العالم الخارجي بما يعود تاثيره عليهم من جهة اخرى.
ولعل ابرز تلك الآثار ما يظهر من حجم الحضور البشري في الحج على اختلاف في الجنس والعمر والجنسية والعرق والموقع الاجتماعي , وما يلحق بهذا الاجتماع الهائل من اتساق مدهش في اداء مناسك الحج حتى يخال الناظر اليه انه يراقب سيلا لا يد لافراده فيه.وهذا اهم مظهر لوحدة الامة الاسلامية.
ولا يتاتى هذا المظهر عفوا بل هو مطلوب قد نصت عليه ايات وروايات قال تعالى :
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ {البقرة/197} لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ {البقرة/198} ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {البقرة/ 199} فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ {البقرة/200} وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة/201} أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {البقرة/202}وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {البقرة/203}
في هذه الايات نص على ثلاثة مواقع يجتمع فيها الحجيج وتتجلى صورة الوحدة فيها باجلى معالمها:الوقوف في عرفات والافاضة منها ثم التاكيد على الافاضة من حيث افاض الناس الذي الغى ما كانت قريش وحلفاؤها يميزون به انفسهم عن بقية الحجيج فقد ذكر المفسرون ان قريشا وحلفائها وهم الحمس كانوا لا يقفون بعرفات بل بالمزدلفة وكانوا يقولون : نحن اهل حرم الله لا نفارق الحرم فأمرهم الله سبحانه بالافاضة من حيث افاض الناس وهو عرفات.
وقد اكدت جملة من الاحاديث على معنى الوحدة والقوة في مناسك الحج فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"حجوا تستغنوا" وقال:"الحج ينفي الفقر" وتفسير ذلك ما يلقاه المسلمون من رعاية بعضهم البعض في قضاء حوائجهم ليكونوا مصداق حديثه صلوات الله عليه كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا او يتداعى بعضهم لبعض بالسهر والحمى فيكونون بذلك جسدا واحدا او امة واحدة .وعن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السَّلام :
" ... جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ عَلَماً ... "
و يقول ( عليه السَّلام ) في حديث آخر :
" فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ ، وَ الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ ، وَ الزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ ، وَ الصِّيَامَ ابْتِلَاءً لِإِخْلَاصِ الْخَلْقِ ، وَ الْحَجَّ تَقْرِبَةً لِلدِّينِ ... " نهج البلاغة : 512 ، طبعة الشيخ صبحي الصالح .
أي أن الحج سببٌ لتقارب الأمة الإسلامية و تماسكها و وحدتها و رَصِّ صفوفها ، و قد نُقِلَ هذا الحديث بلفظ آخر هو : " ... وَ الْحَجَّ تَقْويَةً لِلدِّينِ ... ، أي أن الحج منشأ قوة الدين الإسلامي و حيويته .و مما جاء في خطبة السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) :
" ... فجعل اللّه الإيمان تطهيرا لكم من الشرك ، و الصلاة تنزيها لكم عن الكبر ، و الزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، و الصيام تثبيتا للإخلاص ، و الحج تشييداً للدين ... " .
الحج والوحدة:
اتباع مذهب معين,واختلاف المسلمين في موارد متعددة في ايامهم العادية امر شائع ,لكننا لو حاولنا تتبعه في اعمال الحج فاننا بالكاد نستطيع ملاحظته خاصة اذا ما نظرنا الى الحجيج في اثناء اداء المناسك فالطواف حول البيت واحد وفي اتجاه واحد والصلاة واحدة والسعي بين الصفا والمروة كذلك ثم لايتخلف احد عن الوقوف بعرفات او المشعر حتى رجم الشياطين والتضحية والحلق او التقصير يقوم بها المسلمون ويقدمون لبعضهم العون دونما سؤال عن مذهب او خلاف ومن يتيسر له الاطلاع على مشاهد الحجيج من مواقعمشرفة يدرك صحة المقولة:"ويل للمسلمين اذالم يعرفو معنى الحج, وويل لاعداء الاسلام اذا ادرك المسلمون معنى الحج".
في الحج ترجع المذهبية الى صورة الطريق الموصل الى الله وهي الصورة التي يقبلها العاقل اللبيب فلا رفث ولافسوق ولا جدال في الحج ,وغاية ما يبحثه المسلم مع اخوانه ان تيسر لهم التفاهم اللغوي ان يتعرف كل منهم عن بلاد المسلمين وما تعيشه من قضايا حيوية وان يراجعوا صورة الامة في الكون وهذا المعنى من معاني المنافع خاصة اذا كان الحوار بين اولي الامر من سياسيين وعسكريين واقتصاديين وعلماء في كافة الاختصاصات, فتحضر قضايا الامة الكبرى كالقضية الفلسطينية ومتعلقاتها في الاراضي العربية الاخرى المحتلة,كما الاحتلالات الواقعة في اماكن اخرى من العالم الاسلامي.وتحضر ايضا قضايا التنمية والحرية والمساواة ويستفاد من تجارب الشعوب لاصلاح عام يسهم في تعميم المنافع ليشهدها العالم كله مسلما كان او غير مسلم.

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور