الثلاثاء، مايو 22، 2018

"علامة القراءة".. من ورق الورد وريشة الطاووس إلى صناعة فإبداع فني






"علامة القراءة"[1]..  من ورق الورد  وريشة الطاووس إلى صناعة فإبداع فني
الصناعة من المظاهر الثقافية المتقدمة للشعوب في كيفية حلها للمشاكل التي تواجهها، قد تبدأ الحلول على صورة بدائية بسيطة بالاستفادة من المحيط الطبيعي على أصله، لكن العبقرية تركّب من هذا المحيط آلة ويأتي الفنان ليبدع في تشكيل هذه الآلة فيعطيها صورة الكمال الذي يبقى إرثا ثقافيا يميز هذا الشعب وتلك الأمة.
"علامة القراءة" مثال على ذلك، وتطورها التاريخي في الحضارة الإسلامية من الاستفادة من الموجودات الطبيعية كما هي إلى الصناعة إلى الفن في الصناعة جعل منها علامة مميزة في تراث الإنسانية.
البداية
 احتاجَ المسلم إلى علامة يضعها في الكتاب – المصحف حيث يتوقف عن القراءة ليبدأ منها دون ان يهدر وقتا في تقليب الصفحات فماذا صنع؟
قادني إلى هذا السؤال محاولتي للكتابة عن عنصر من العناصر التي جمعتها في البحث الذي أهيئه لمعرض القرآن الكريم، وهذا العنصر هو "الفهرس" حيث وجدت إشارة إلى الموضوع في تصنيف ويكيبيديا "مصطلحات الكتب" بعنوان "فواصل الكتب"[2] ، وهو أيضا من مواضيع المعرض تحت تصنيف "متعلقات المصحف الشريف" ونموذجه عندي هو "ريشة النعام" التي رآها معظمنا في مصاحف آبائنا وأمهاتنا ورأيت في صورة لمصحف مخطوط  قديم ريشة طاووس طبيعية موضوعة على احدى صفحتيه ما يعني أن هذا الاستعمال قديم.
لم أجد حتى اللحظة بحثا عربيا مستقلا خاصا بالموضوع غير ما نشرته ويكيبيديا مختصرا وهو عبارة عن تعريف وتأريخ استعماله في الغرب فقط في القرون الوسطى مع إحالة الى كتابين انكليزيين في الموضوع.
لكنني وجدت في كتاب معجم مصطلحات المخطوط العربي[3] إشارة أولى انطلقت منها عبارة عن تعريف بسطر واحد لمصطلح "علامة القراءة" مع إحالة إلى كتاب تحدث عن مجموعة من العلامات هو "منهج البحث وتحقيق النصوص" ووجدت منه نسخة الكترونية لكنني لم أجد فيه شيئا عن موضوعنا .
ووجدت في المعجم  نفسه إشارة ثانية تحت مصطلح "الطِيبْ" بالقول " كان يجعل في المصاحف أو بين صحائفها"[4] مع إحالة إلى المُحْكَم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني فراجعته ولم أجد غير قوله " عَن مُجَاهِد انه كره التعشير وَالطّيب فِي الْمُصحف " لكنني وجدت نصا من كتاب المرحوم الشيخ صبحي الصالح مباحث في علوم القرآن يذكره حيث يقول: " ثم كان بين التابعين من كره حتى تطييب المصاحف بالطيب أو وضع أوراق الورد بين صحائفها"[5] فرجعت إليه بحثا عن مصدر لوضع أوراق الورد ووجدت أنه قد أحال القول في الحاشية (كما رووا عن مجاهد: "انظر المحكم 15") ويقصد كتاب المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني[6] وقد علمت ان الداني لم يذكر أوراق الورد البتة فقلت لعل في حاشية الكتاب التحقيقية ما ينفع لكنني وللأسف وجدت أن المحقق في الحاشية قد قال بلا أي توثيق :" وذلك أنهم كانوا يطيبون المصاحف بالطيب، أو يضعون بين صحائفها أوراق الورد وغيره من الأزهار" ولو أنه ذكر لنا نصا عن الورد لكان ثمة احتمال أن لا يكون وضعه لمجرد التطييب بل للاستفادة منه في جعله علامة على موضع انتهاء القراءة.
وقد وجدت في كتاب منية المريد للشهيد الثاني[7] ذكر مصطلح "الرَدَّة" والنصيحة باستعمال ورقة لطيفة كعلامة على حيث وصل في القراءة في جملة نصائحه للتعامل مع الكتاب قال:" ولا يكثر وضع الرَدَّة (لسان الغلاف) في أثنائه (الكتاب) لئلا يسرع تكسرها" ثم أضاف:" ولا يطوي حاشية الورقة أو زاويتها، ولا يُعَلِّم بعود أو بشئ جاف، بل بورقة لطيفة ونحوها، وإذا ظفّر فلا يكبس ظفره قويا".
لجأت إلى صديقنا الباحث جوجل مرة ثانية وصغت عنوانا عبارة عن جملة "العلامة التي توضع لمعرفة أين انتهى القارئ" وجاءت مجموعة من النتائج منها استفتاء عن الحكمة من وضع ريشة الطاووس في المصحف وجواب فجّ ان لاحكمة فيها[8]، ولم أجد شيئا مفيدا آخر.
أثقلت وأطلت عليكم بهذه المقدمة؟ لا بأس سيستفيد منها من آمل أن يقوم أو تقوم بالبحث عن الموضوع وإيفائه حقه.
الخلاصة
بدلا من طي زاوية الورقة العلوية وما تحدثه الحاجة اليها مرات كثيرة من تخريب في جسم الكتاب لجأ قارئ ذكي إلى الطبيعة فاستعار منها ما وضعه حيث وقف في القراءة وردة إن ثبت ذلك أو ريشة طاووس كما هو ظاهر في صورة المصحف المخطوط مفتوحا على بداية سورة الفرقان في بيت القرآن بالمنامة ـ البحرين[9] .
أفترض أن اختيار ريشة الطاووس كان اختيارا لعلية القوم  وأن من هم دونهم لجأوا إلى خيارات أخرى منها ريش النعام. وأفترض أيضا أنّ حاذقا من صًنّاع التصحيف أو التسفير الذي يعرف اليوم بتجليد الكتب انتبه إلى حاجة الناس هذه ومع تطور صناعة التجليد صارت جزءا من الغلاف الخلفي يمتد الى الامام بقطعة مستطيلة تنتهي بمثلث يدخل في صفحات المصحف أو  الكتاب ويترك حيث ينتهي القارئ ويقال له الرَدَّة كما مرّ معنا أولسان الغلاف بتعبيرنا المعاصر.
وتحوّلت صنعة التجليد من مجرد صناعة تسد حاجة إلى فن راق يمكن ملاحظة نماذجه البديعة الرائعة في آثار صناع التجليد الايرانيين والترك، ولصناعة وفن وحرفة وتذهيب الأغلفة بحث آخر يأتي ان شاء الله.
ثم صارت علامة القراءة - توفيرا للكلفة العالية للجلود الطبيعية -  تأتي كشريط قماشي مخيط مع قماش كعب المصحف أو الكتاب وتجعل حيث شاء القارئ، ونظرا للسعي إلى مزيد من التوفير باعتماد طريقة تجليد لا تسمح بإضافة حتى هذا الشريط القماشي عادت الحاجة إلى مُرَبعّها الأول ولم يبق امام القارئ إلا العودة إلا ما يجده متاحا لجعله علامة، وهنا تفتق الذهن الإنساني عن حل جديد وهو عمل بطاقة مستقلة عن الكتاب صارت حديثا عملا فنيا أو دعائيا من الجلد أو القماش أو الكرتون يباع أو يهدى بل صارت صناعتها هواية يجري تعليم عمل نماذج منها من مكونات مختلفة[10] .
وأختم بالدعوة إلى البناء على هذا النص في اتجاهين الأول توثيقي وتأريخي يجعل صناعتنا على لوحة تاريخ هذا الفن وهي جزء منه، والثاني إيجاد متحف خاص بهذه العلامات أو جامع بينها وبين الأغلفة  ولا أقل من عمل كاتالوج صور يجمع ما تناثر منها  على صفحات الانترنت.
"حدا فاضي من الشباب والصبايا؟ أرونا همتكم كما فعلت الشقيقتان أسماء وإيمان أبو صبرة في غزة في مشروع "أرجوان"[11].
ع.خ،‏الثلاثاء‏، 22‏ أيار‏، 2018


[1] أو "فواصل الكتب" في المصطلح المعاصر وبالانكليزية : bookmark
[3]  صفحة  162 , معجم مصطلحات المخطوط العربي (قاموس كوديكولوجي)، أحمد شوقي بنبين ومصطفى طوبي, الطبعة الأولى فبراير 2003، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.
[4] م.ن:صفحة 152 .
[5]  صفحة 95 -  مباحث في علوم القرآن للشيخ صبحي الصالح، دار العلم للملايين،الطبعة الرابعة والعشرون، كانون الثاني/ يناير 2000 .
[6] صفحة 15 - المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني،تحقيق الدكتور عزت حسن. دار الفكر، بيروت ودمشق، الطبعة الثانية, 1997 .
[7] منية المريد في أدب المفيد والمستفيد تأليف الشيخ زين الدين بن علي العاملي قدس سره المعروف بالشهيد الثاني (911 - 965 ه‍) تحقيق رضا المختاري، ص (٣٤٥)
[11] المصدر السابق نفسه.

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور