الخميس، أغسطس 15، 2013

" مَدْح السَيّْدِه " وحصول المطلوب




" مَدْح السَيّْدِه " وحصول المطلوب


 يحتفل المسيحيون في مثل هذا التاريخ 15 آب من كل عام  ب " عيد السيدة " والمقصود به ذكرى وفاة السيدة مريم بنت عمران عليهما السلام وعودتها إلى باريها بالروح والجسد كما يعتقدون .

 بينما يذكر المسلمون الشيعة في تقاويمهم الدينية أن وفاتها كانت في 25 من شهر صفر بعد ارتفاع ولدها السيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام إلى الله بخمس سنوات , ويتميز شيعة البحرين بإقامة مجلس عزاء يحيون ذكراها فيه بحزن في هذا اليوم ويخصص للرجال وفي السادس والعشرين يخصص للنساء (1), ولم أجد - إلى الآن - أصلا ولا تفسيرا لذلك , علما أن لا وجود مسيحي معتد بعدده بين أهل البحرين في التاريخ .

كنت أسمع تعبيرا بالعامية اللبنانية يقول : " والله لو بتِمْدَحْ السَيّْدِه" , وكان يستعمل في موردين الأول في معرض عدم تصديق وقبول كلام المُخَاطب , والثاني في معرض الحكم بعدم حصوله على مطلوبه . والمدح في عاميتنا في ساحل المتن الجنوبي كان يستعمل بمعنيين : المدح المعروف في اللغة وهو ذكر المحاسن على وجه الإخبار عن الواقع ,والثاني في تحريك سرير الطفل الخشبي الهزاز أو في تحريك " المَرْجوحة " سواء المخصصة لنوم الأطفال , أو للعبهم في أيام العيد , وهي السرير الخشبي المربوط بحبال تجتمع في السقف أو في أعلى " السيبَة الرباعية الأرجل".

والإستخدام الثاني له أصله في اللغة أيضا فهو من المدح بمعنى التوسعة وبيان ارتباط مدح " المرجوحة " بالتوسعة يظهر في أن مدحها يوسع في المساحة التي تحتلها من الفضاء المتحركة فيه إلى الأمام وإلى الخلف عما كانت عليه وهي واقفة ساكنة .

فيكون التفسير لقولهم : " والله لو بتِمْدَحْ السَيّْدِه" على المعنى الثاني كناية عن لو أنك استطعت تحريك تمثال السيدة مريم على صعوبة تحريكه بنحو المدح المذكور لما حصلت على مطلوبك , وفي ساحل المتن الجنوبي أكثر من تمثال حجري لها أكبرها تمثال سيدة خلدة يستحيل " مدحه " على هذا المعنى.

أما على المعنى الأول فيكون المعنى كناية عن الحكم على القائل بالكذب من جهة القائل لا من جهة المقول , فما يقال عند المسلمين في مدح السيدة العذراء ينطلق من القرآن الكريم وهو أصدق القول عن الباري عز وجل , ومن ذلك أنها المرأة الوحيدة التي سميت سورة باسمها وذكرها الله باسمها فيه.

وهذه سيرتها سلام الله عليها باختصار من القرآن الكريم :

ولادتها

رُوي أنّ حنّة زوجة عمران كانت عاقراً لم تلد، إلى أن عجزت، فبينما هي في ظلّ شجرة أبصرت بطائر يطعم فرخاً له، فتحرّكت عاطفتها للولد وتمنّته فقالت: يا ربّ إنّ لك عليّ نذراً، شكراً لك، إن رزقتني ولداً أن أتصدّق به على بيت المقدس فيكون من خدمه. {ربِّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً فتقبّل منّي إنّك أنت السميع العليم} [آل عمران:35]. وقداستجاب لها الله سبحانه، فحملت، وأثناء حملها توفي زوجها عمران. أولى الامتحانات أن أمها، التي كانت ترجو أن ترزق غلاماً لتهبه لخدمة بيت المقدس رزقت بنتاً، والبنت لا تقوم بالخدمة في المسجد كما يقوم الرجل، وأسفت حنّة واعتذرت لله عزّ وجل فقالت: {ربّ إنّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى}[آل عمران:36]. لكن الله سبحانه وتعالى قبل هذا النذر، وجعله نذراً مباركاً وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم: {فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسن وأنبتها نباتاً حسناً..} [آل عمران:37].

نشأتها

ولدت مريم يتيمة فقد توفي والدها عمران وهي في بطن امها. فكانت امها لا تستطيع تربيتها لكبر سنها. فكان كل شخص يريد هو ان يكفلها (عمران أبو مريم كان هو معلمهم وكان يدرسهم). فإتفقوا أن يقفوا على مجرى النهر ويرموا اقلامهم (اختاروا القلم لأن أبو مريم كان يعلمهم بالقلم). اخر قلم يبقى في النهر دون أن ينجرف هو الذي يكفلها. فرموا اقلامهم وجُرفت اقلامهم ووقف قلم زكريا اي انه لم يكن اخر واحد ولكن وقف تماماً في النهر. فرموا مرة ثانية وحدث نفس ماحدث في المرة الأولى اي ان قلم زكريا وقف في النهر. رموا المرة الثالثة فوقف القلم في النهر مرة أخرى. {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}[آل عمران:44] فآواها الله عند زوج خالتها نبي الله زكريا، وكان هذا من رحمة الله بمريم ورعايته لها، قال تعالى: {وكفّلها زكريا} [آل عمران:37].

شبّت مريم وبيتها المسجد، وخلوتها فيه، وبلطف الله بها كان الطعام يأتيها من الغيب، وكلما زارها النبي زكريا، وجد عندها رزقاً، فكان يسأل عن مصدر هذا الرزق لأنه هو كافلها، فتقول له: {هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} [آل عمران:37] وطوال تلك المدة كانت مريم، وهي المنذورة المقيمة في المحراب، فتاة عابدة قانتة في خلوة المسجد تحيي ليلها بالذكر والعبادة والصلاة والصوم.

نزول الملائكة وجبريل

تحضيرا لمريم لتلقي هذه المعجزة. بدأت الملائكة تكلمها وهذا اصطفاء آخر (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)آية (43) آل عمران ثم نزول جبريل وهي معتكفة تعبد الله على هيئة رجل ليبشرها بالمسيح ولدًا لها (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) [مريم: 17] ففزعت منه، (قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا). (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا). (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا). (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَى هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) [مريم:18-21].

حمل مريم بالمسيح ووضعه

بعد أن حملت مريم ، وبدأ الحمل يظهر عليها، خرجت من محرابها في بيت المقدس إلى مكان تتوارى فيه عن أعين الناس حتى لا تلفت الأنظار (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا) [مريم:22]. فجاءها المخاض إلى جذع النخلة وهي وحيدة، فتضع حملها ولا أحد إلى جانبها يعتني بها ويواسيها (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم:23] وقد اجتمعت كل هذه الهموم والمصاعب على السيدة مريم، وهي من هي في عالم الايمان والتقوى، حتى وصل الأمر بها إلى أن تتمنّى الموت كما أشار القرآن الكريم: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} [مريم:23]. الله سبحانه وتعالى لا يترك من آمن ولجاء اليه خاصة سيدتنا مريم التي اصطفاها الله عز وجل بهذه المعجزة.فأنطق الله وليدها وكان أول مانطق به عيسى بأن تنظر تحتها فتجد عين ماء جارية.{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم:24] وأن تنظر لأعلى فتجد في النخل رُطباً { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:25] وهذه من المعجزات فهذا جدول ماء رقراق يفجّره الله لها، وها هي، وهي ضعيفة من آثار الولادة، تستطيع أن تهزّ جذع النخلة فيتساقط عليها الرطب جنياَ.

رجوعها بالمسيح إلى قومها بعد وضعه

وانطلقت إلى قومها. (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) [مريم: 27]، (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا)[مريم: 28- 29] فأنطق الله بقدرته المسيح (قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم:30-33]. فَعَلَتِ الدهشةُ وجوهَ القوم، وظهرت براءة مريم، فانشرح صدرها، وحمدت الله على نعمته.





 (1 ) : كتبت رملة عبد الحميد في صحيفة الوسط البحرينية - العدد 1652 - الجمعة 16 مارس 2007م الموافق 26 صفر 1428هـ : ان المآتم النسائية في البحرين تحي ذكرى وفاة مريم بنت عمران السادس والعشرين من صفر، ويعتمد النساء في قراءة الذكرى على كتاب قديم جاء في مقدمته: (فيقول الفقير المذنب الأسير الفاني محمد بن أحمد ابن ابراهيم المقابي البحراني اني أسرد في هذا الكتاب الجليل بعض فضائل صاحب الانجيل وما جرى له)، القصة التي رواها المولف مطابقة لما جاء في القرآن الكريم، الا انه يتفرد برواية خاصة بمولد المسيح اذ يقول (فلما كمل لمريم ستة أشهر وقرب وقت وضعها اشتد بها الطلق وأدركها المخاض... فأقبلت مريم تمشي من دمشق فناداها جبرئيل وقال يامريم عليك بموضع النخلة فهي خير بقاع وأشرفها... فلما أصبح الصباح وكان ذلك يوم سوق فاستقبلها الحاكة وكانت الحاكة أنبل صناعة في ذلك الزمان فقالت لهم مريم أين النخلة اليابسة التي في أرض كربلاء فاستهزوا بها وزجروها... ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة عند ضريح الحسين... فوضعت في موضع قبر الحسين)، معتمداً على ما اشارته الاية الكريمة «فحملته فانتبذت به مكانا قصيا»، لكن التفاسير الشيعية كتفسير الميزان في تفسير القران للعلامة محمد حسين الطباطبائي و مجمع البيان في تفسير القران للعلامة الفضل بن حسين الطبرسي اتفقوا على ان المكان القصي هو المكان البعيد، الذي لم يحدد موقعه، اما المخاض فكان عند جذع نخلة والتعبير بجذع النخلة دون النخلة لكونها يابسة غير مخضرة .

عندما سألت النسوة لم تحيون ذكرى وفاة مريم؟ اشارت احداهن نظراً لقداستها وعبادتها وطاهرتها، وقالت الاخرى لانها تشبه السيدة فاطمة الزهراء في طهارتها وقدسيتها وماجرى على ابنيهما من ظلم من الامة، وقالت اخرى ربما لان موضع ولادة المسيح هو موضع استشهاد الامام الحسين (ع)، لكن جميعهن اشرن الى ان انها عادة موروثة من الامهات، تستوجب النذورات الخاصة بما كانت تأكله مريم من فواكه وعشب الارض، لتعاد الذكرى في كل عام، ومعها تبقى مريم العذراء في النفوس، شاهداً على انها للجميع .


  


ذكرى وفاة السيده مريم بنت عمران في المنامة هذه السنة 1434هـ

خطيب السيرة

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور