الزواج المدني في لبنان مشكلة وليس حلا بقلم : الشيخ علي خازم , ألقي هذا النص في ندوة منتدى الفكر والقلم – جمعية البشرى الخيرية الإجتماعية ثم نشر في مجلة البلاد 18 - 10 – 1997 القسم الأول ليس العنوان بجديد، ولا الموضوع كذلك ، وهو لن يكون الأخير في هذا المجال لكننا نأمل أن نخرج منه بإضافة جديد إلى المناقشة في المنهج وفي المعالجة. الزواج المدني مسالة مطروحة في ساحات المناقشة اللبنانية ، وغالباً ما تأخذ أية قضية تحتمل النقاش في لبنان أبعاداً ، وتتصور لها خلفيات ، اعقد بكثير مما قد يكون في ذهن من أثارها . وأجدني هنا بفعل لبنانيتي مدفوعاً لعدم الاقتصار في دراسة المسألة على بعدها القانوني التشريعي ، وهذا التوسع مبرر موضوعياً كذلك لأنه يطال مسألة مركبة في طبيعتها ، ولا تقتصر على جانب واحد كما يتوهم البعض ، أو يريد لنا أن نتوهم. إن الزواج مسألة أبعد من كونه صيغة تعاقدية لأن مفاعيله وما يلزم عنه تتجاوز الزوجين في قضية الانطلاق في الشراكة من واقع الحاجة والحرية الشخصيين . (( قانون الزواج المدني الاختياري)) مشروع مطروح أمامنا كجزء من مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية في لبنان الذي يتضمن في شقه الآخر إلحاق المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية بوزارة العدل ، وهو ككل يقع في اطروحة عامة(غير معلنة) لتعديل الدستور اللبناني . إن علاقة شبه دائمة تلاحظ بين طرح تعديلات دستورية لجهة صلاحيات السياسيين في الدولة اللبنانية وبين طرح تعديل قانون الأحوال الشخصية ، تكفي وحدها لإثارة النقاش حول الغرض الأقصى من هذا الاقتراح ، ولا يخرج عن هذه الملاحظة اقتراح نقيب المحامين سنة 1952 نجيب الدبس لأنه كان أيضاً رجل سياسة ، وبهذا تنتفي الموضوعية والتجرد عن أن يكونا وحدهما وراء هذا الاقتراح ، بما يؤكد أهمية الاستقصاء في أكثر من جانب حول هذا المشروع. بداية أود الإشارة إلى نقطتين: النقطة الأولى تتلخص في ثلاثة أسئلة ما هي المشكلة التي يبحثون لها عن حل؟ وما هو حجمها كحاجة اجتماعية؟ ، وأين تقع في سلم أولويات حاجات الشعب اللبناني؟ النقطة الثانية هي بعض الملاحظات السلبية التي يجب التخلص منها ليكون النقاش جدياً ومثمراً فعلاً. **** النقطة الأولى ما هي المشكلة التي يبحثون لها عن حل؟ وما هو حجمها كحاجة اجتماعية ، وأين تقع في سلم أولويات حاجات الشعب اللبناني؟ باستقراء اطروحات المؤيدين من خلال وسائل الإعلام يمكن تسجيل قرابة ثلاثين جواباً يعبرون بها عن مشكلة يعتبر الزواج المدني حلاً لها ، وهذه المشكلات يمكن تصنيفها بأكثر من طريقة وعلى أكثر من أساس للتصنيف ، لكن إن اعتمدنا أساس الحاجة الفردية لتشريع مريح أمكن تصنيف هذه المشاكل تحت عناوين مشاكل شخصية ومشاكل جزئية ومشاكل عامة . مثال المشاكل الشخصية: ارتفاع كلفة الزواج المدني من حيث الاضطرار للسفر إلى قبرص . ومثال المشاكل الجزئية : إن القانون المدني الفرنسي يوجب الإحالة إلى جهاز خاص للإصلاح بين الزوجين في حال طلب التفريق وهذا الجهاز غير موجود في لبنان . ومثال المشاكل العامة : انعدام المساواة بين المواطنين أمام القانون ، الأمر الذي يناقضه حق تعدد الزوجات عند المسلمين والمنع منه عند المسيحيين. المشاكل موجودة ولا يمكن نفيها لكن القانون اللبناني تكفل بحلها ، قد تكون هناك صعوبات لكن التشريع لا يمكن أن يتكفل حل مشاكل الأفراد ، فهذه مهمة القضاء وليست مهمة المشرّع الذي يعطي القانون صفة عامة قد تتعارض أحياناً مع المصلحة الشخصية. السؤال الثاني: هل بلغت المشاكل حداً تحولت معه إلى حاجة اجتماعية ؟ الاستفتاءات والاستطلاعات والتحقيقات والأبحاث المنشورة في الإعلام تؤكد كلام الدكتور ملحم شاول أحد أساتذة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية (( إن الزواج المدني ليس مطلباً لبنانياً بحسب الأبحاث السوسيولوجية)) هذا فضلاً عن مبلغ صدقية هذه الاستطلاعات، مع ما نعرفه عن عوامل التوجيه غير المباشر فيها واحتمالات الخطأ. والمستغرب لجوء بعض وسائل الإعلام إلى أساليب واضحة الانحياز باللعب على اللغة ، أو تضخيم العناوين كلما تعرض الزواج المدني للسقوط في اختبار. لاحظ مثلاً استطلاع (جريدة النهار 1/1/1997): ((غالبية 83،83% من كل الطوائف تتفق على تفضيل الزواج الديني)) مباشرة إلى جانب هذه النتيجة عنوان كبير "مؤيدو الزواج المدني موسرون ومتعلمون وشباب" ولم تكتفِ بهذا فأعادت في 17/1/ 1997 الاستطلاع تحت عنوان آخر: (( مبادرة الهرواي لإباحة الزواج المدني ماذا يقول فيه الأكاديميون والمثقفون؟ إجماع على احترام حق الإنسان في اختيار النظام المناسب وتأمين الآلية )) ، لاحظوا ( إجماع) وقارنوها بالغالبية في غضون أسبوعين فقط . ولن أطيل في الأمثلة فهي كثيرة ولكن غرضها واحد وهو تحويل الزواج المدني إلى مطلب اجتماعي تمهيداً لتشريعه . ومن الملاحظ أيضا أنه يتم في أحيان أخرى اللعب على الوتيرة الطائفية التي يدعى العمل للابتعاد عنها. إن سعي الدعاة إلى تطبيق قانون الزواج المدني طبيعي في ظل ما يحملونه من ايديولوجيات وأفكار، لكننا نطالبهم بالوضوح في عقيدتهم والإنصاف في النقاش والتخلي عن مجاملتنا في قضية احترام الدين والابتعاد عن التدليس في القضايا الدينية. السؤال الثالث: وأما دعوى المساواة أمام القانون فإجمال القول فيها أننا نعيش في بلد ميثاقي قدم أفراده تنازلات ليتشكل على صورته الحالية فلا تحركوها ، ونعيش قانونياً حالة فيدرالية شخصية ( مقابل الفيدرالية الجغرافية) تطبق فيها على الفرد قوانين معتقده وهذه الفيدرالية مطبقة في قبرص وبلجيكا ولسنا نافرين فيها. وإن تحقيق المواطنية الكاملة يرتبط الآن بإلغاء الطائفية السياسية والوظيفية لا بإلغاء قانون الأحوال الشخصية. النقطة الثانية هي بعض الملاحظات السلبية التي يجب التخلص منها ليكون النقاش جدياً ومثمراً فعلاً. يسجل على منهجية مناقشة الموضوع وعلى المعالجات المطروحة أمور منها: ملاحظات على المنهج: 1- الانطلاق من مفردة جزئية والتأسيس عليها للوصول إلى حكم عام وهذه الملاحظة تشمل المؤيدين والمعارضين- في ما توفر لدي- من ذلك الانطلاق من قضية جزئية أو شخصية أو عامة حتى، لكنها غير منفكة عن قضايا عامة أخرى ينبغي مراعاتها فالانطلاق من القرار 60 ل. ر. 1936 مثلاً ، لا يمكن فكه عما لحقه في قانون أصول المحاكمات المدنية 1983، ولا يمكن إغفال قضية ما يرد عليه من مسائل النظام العام اللبناني . كذلك عند المعارضين وقف البعض عند قضايا جزئية مثل صحة وبطلان العقد المدني وما إليها.والمفروض معالجة الموضوع بشكل متكامل وكلي فالدخول في التفاصيل يضيع البوصلة . 2- التعميم في التأييد أو المعارضة بدون مقدمات بما يوقع في شبهة إتباع الهوى أو وجود غرض ومصالح. 3- إدخال عملية التشريع والتقنين تحت خانة الذهنية اللبنانية في تمرير المشاريع ، وهذه القضية ليست الأولى ، ولاحظوا قضية مثل قضية رئاسة المحكمة الشرعية الجعفرية ومتاهة التعديلات التي أجريت للمجئ برئيس ثم لإقصائه . 4- تعمد الإثارة وعدم كشف المشروع التفصيلي لكسب الوقت وإدانة أي اعتراض مبدئي فيما هو نفسه لا يزال عرضاً مبدئياً (في وقت الندوة ثم تم نشره لاحقا ولكن بصورة مبدئية ). ملاحظات على طبيعة معالجة الموضوع وأما ما يسجل على طبيعة معالجة الموضوع فمنها : 1- التلطي تحت شعار احترام الأديان فيما يتم السعي الحثيث في عملية استبدال القيم الدينية بغيرها ونحن نعرف أن الدين في لبنان مكوّن أساس في بنية الثقافة العامة ، وأن الإلحاد شأن غريب كما كل القيم الناشئة عنه أو حوله تحت عناوين علمانية محايدة أو علمانية مؤمنة. 2- بروز موقف سلبي واضح اتجاه الأحكام الشرعية الإسلامية خصوصاً في شؤون المرأة والطلاق. 3- تراخٍ وصل بعض الأحيان إلى حدود المجاملة ( بتهذيب) من قبل بعض رجال الدين من كل الطوائف حدود أن يقول الأستاذ أوغست باخوس إن المشكلة فقط مع بعض ((المشايخ السنة)). هذه الملاحظات لا تنفي وجود معالجات جادة وشاملة عند الطرفين لكنها عند دعاة الزواج المدني تقف على حدود مسألتي السر وإمكانية التفريق عند المسيحيين فيما تصطدم بنظام تشريعي كامل عند المسلمين لتعود المسألة إلى مواجهة مع الدين ككل. أما عند المعارضين للزواج المدني فقد بيَّنه بإجمال بيان المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى فيما وحده البطريرك هزيم أعطى موقفاً وتمنع البطريرك صفير عن التعليق على الموضوع أيضا الى حينه لأنه عاد الى اعطاء موقف لاحقا) . موانع الزواج المدني: خلاصة القول، إن مقالة كهذه- مهما طالت- لا تساعد على الإحاطة بجوانب الموضوع كله لكن يلزم تحديد أسس رفض مشروع الزواج المدني الاختياري، وكذلك مشاريع الحلول الوسط المقترحة ومن هذه الأسس أنه لا يمكن لبننة قانون مدني للزواج لتعارضه مع: أ- الأحوال الشخصية الشرعية والروحية. ب- النظام العام اللبناني الذي يعتبر الدين أساساً في تكوين ثقافة المجتمع عامة ويعتبرالزواج شأناً دينياً. ج- الدستور والقانون اللذان كفلا عدم تطبيق القانون 60 ل.ر. 1936 على المسلمين. د- الاستقرار الاجتماعي والسياسي للدولة حتى لو كانت العملية من داخل مجلس النواب ، لأننا بتعبير الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين (( لم ننتخب مجلس النواب لاتخاذ قرارات كهذه تريد إدخال السلطة الزمنية في ساحات ليست لها)). فضلاً عن أن الفيدرالية الشخصية التي تعطي حق تطبيق القوانين المنبثقة من معتقدات الفرد هي الأساس في تشكيل (( الكيان اللبناني)) مع الأسف للرجوع إلى هذا المصطلح. وتبقى أمامنا شبهات كثيرة ينبغي إزالتها بالحوار. إنه حل لمشكلة غير المؤمنين على حساب الوطن وغالبية الشعب ، وهو مشكلة كبرى لأنه مشروع استبدال القيم الدينية بأخرى مادية. القسم الثاني الزواج المدني الاختياري:(( هل يعرف المعارضون ما هو الزواج المدني؟ ولماذا يحاربونه قبل وضع قانون تفصيلي له؟)) مجموعة من الشبهات تثار لوضع كل المعارضين في خانة واحدة هي خانة الجهل والتعصب ، ولا بد من إزاحتها في هذا التمهيد من خلال عدة نقاط قبل الخوض في تفصيل الموقف من الزواج المدني. أ- الزواج شأن ديني وليس شأناً مدنياً. تختلط المفاهيم تحت المصطلحات فيتدافع الناس في المناقشة كل ينطلق من تصوره لدلالة المفهوم ، فيكون طبيعياً والحال كذلك أن لا يتوصلوا إلى تفاهم ، فضلاً عن إمكانية الوصول إلى نتيجة حاسمة وملزمة. والأصعب في إثارة الإشكالات عند ذلك ، عدم الإحاطة بما يلازم هذا التعريف أو يتعلق به كدعوى البعض أن الزواج ليس شأناً دينياً بل هو شأن يخضع للحاجة الاجتماعية والتطور في الشكل يلازم التطور الاجتماعي ، وهو خاضع للحرية الشخصية فلا إلزام به . ويستندون في ذلك إلى كون الزواج عند المسيحيين وحدهم سراً من أسرار الكنيسة يتعين معه حضور الكاهن لإضفاء الشرعية عليه ، بينما هو في الإسلام عقد بين ذكر وأنثى لا يحتاج إلى رجل الدين إلا لتصحيح صيغة العقد وتوثيقه ، والزواج عند اليهود لا يشترط وجود الرِّبي. ومن هذا المنطلق يستغرب هؤلاء استنكاف علماء الدين المسلمين عن القبول بالزواج المدني من جهة عدم الاختلاف مبدئياً بين صيغته إسلامياً ومدنياً دون ملاحظة مشكلة صيغة العقد في جانبها الإجرائي(اللفظ و القبول والإيجاب الخ ... )، ويقوى هذا الاستغراب بالتراخي الذي تبديه الكنيسة عموماً إزاء الزواج المدني تحت عناوين غريبة . لاحظ الأب مونس، لطيف، خضر ومسألة قابلية التصحيح عند المسيحيين عموما. المسألة الأولى التي يجب توضيحها إن الإسلام يضع النكاح فقهياً في صنف الأحكام التكليفية ، إذ يدرجه تحت عنوان الاستحباب المؤكد ، ويترقى إلى الحكم بوجوبه على من يحتاج إليه ويخشى على نفسه الوقوع في الحرام ، وإن هذا الجانب هو مما يعبر عنه فقهياً بالمعاملات وما يترتب عليها من أحكام وضعية فالزواج مثلاً عقد يترتب عليه حكماً وجوب الإنفاق على الزوجة . أكثر من ذلك فإنه جعله في مصاف العبادات التي تقترن بنية القربى إلى الله كما يشير إليه الحديث النبوي الشريف: (( أيأتي أحدنا امرأته ويكون له أجر..)). وبخلاف المسيحية التي اعتبرت النكاح استكمالاً ل " خطيئة آدم" وينبغي الابتعاد عنه ما أمكن لولا الحاجة إلى الإنجاب ، فإن اليهودية تعتبره واجباً على كل رجل إسرائيلي (( ومن تأخر عن أداء هذا الفرض... كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل)). إن اعتبار الزواج سراً رغم ما أشرنا إليه عند المسيحيين ، يجعل الزواج شأناً دينياً عند كل الأديان ، والقول الفصل فيه عند المسلمين يرجع إلى العلماء وليس إلى كل من أخذ من بعض العلوم بطرف تحت دعوى أن لا رجال دين في الإسلام ، لأن هذا شيء آخر غير شأن الإفتاء بغير علم المنهي عنه والمحذر منه. ب - اختلاف الوصف لا يغير من آثار الموصوف إذا كان نفسه . إن الاختلاف أو التطور في تحديد صفة الرباط الزوجي الديني من كونه عقداً أو عهداً لا يخرجانه عن ارتباطه بالدين وعن عدِّ أي علاقة خارجة عنه علاقة زنا حتى لو كانت عقدية ، نعم يصحح المسلمون العقد إجرائياً في المحاكم الشرعية تحت عنوان إثبات الزواج إذا كان العقد قد وقع صحيحاً مستوفياً للشروط وخالياً من الموانع ولو تم دون حضور عالم الدين المأذون ، وتصححه الكنيسة على أية حال بعقد زواج كنسي لاحق ، والفارق أنه لو لم يقع العقد صحيحاً عند المسلمين فإنه يدور بين أن يكون " وطأ شبهة" أو زنا فيترتب عليه إما اعتبار الولد ولد شبهة أو ولد زنا مثلاً ، فيما لا تقيم الكنيسة أثراً للزنا بعد العقد الكنسي فتعطي الولد صفة الولد الشرعي . والثمرة النهائية هنا تتعلق بما يترتب على هذا الاعتبار فولد الزنا لا يرث عند المسلمين مثلاً ، وعلى هذا فإن الدعوة إلى زواج غير ديني هي دعوة إلى نوع من العقود التي لا تقع صحيحة في غالبها وستولد جيلاً من أنكحة فاسدة بنظر المسلمين الذين يرون صحة عقود زواج أهل الكتاب الدينية ومفاعيلها إبتداءاً لا تصحيحاً لنتائج فاسدة , فلو تزوج مسيحي بمسيحية مدنيا ثم أنجبا ولدا فإنَّ الكنيسة تعتبر العلاقة الجنسية بينهما خطيئة والمتولد منها ابن خطيئة ولا يمكن تعميده حتى يكللهما الكاهن في الكنيسة. فالزواج المدني بين الكتابيين زنا وعقد الزواج المدني الصحيح شرعاً زواج إسلامي يفرض مفاعيله في النفقة والطلاق والنسب والإرث وغيرها فهل يرضون بهذا ؟ ج- الزواج المدني: حاجة غربية وتعبير غربي ضد الدين وضد الفوضى: إن عبارة (( الزواج المدني)) يقابلها تعبيران أولهما (( الزواج العرفي)) بصورتيه والثاني ((الزواج الديني)) ذلك أن الغرب المسيحي عموماً ظل يعترف بالزواج العرفي بصورتيه: الزواج الإقراراللفظي ذي الأثرالحاضر أو اللاحق وفي هذا الأخير للطرفين حق إلغاء اتفاقهما قبل حدوث الاتصال الجنسي بينهما (I marry you) , (I will marry you) وكان الزواج الكنسي يأتي لاحقاً لهذا الزواج. وقد منعت بريطانيا الزواج العرفي سنة 1753 فيما حافظت على صحته اسكوتلندا، ويبدو أنه مقبول فيها إلى الآن حيث تجد في المعاجم الانكليزية Scotch marriage ويقابلها زواج غير قانوني . وقد ألغت الولايات المتحدة وكذلك الدول الأوروبية الأخرى هذا الزواج كما فعلت فرنسا بعد العلمنة واعتمدت (( الزواج المدني)) ولتقصي تفاصيل هذه المسألة مقام آخر. وأما في العالم الإسلامي فلم نعرف (( الزواج المدني)) مقابلاً للزواج الديني في القانون إلا في تركيا بعد العلمنة ، أو مع التشريعات التي سنتها لنا الدول المستعمرة ، وما يقال اليوم عن تونس فهو تغرب ، أما مصر وسوريا وإيران وغيرها من الدول الإسلامية فليس إلا من جهة أنها أدرجت الأحكام الشرعية في قوانينها العامة ومن ذلك نزاع سجّل سنة 1955 بين محكمة بيروت الشرعية الجعفرية وإحدى المحاكم الإيرانية على الاختصاص حيث ان قانون الأحوال الشخصية الإيرانية كان يقع تحت عنوان (( القانون المدني)) فيما هو فعلاً مجموعة الأحكام الشرعية الجعفرية . والأمر في سوريا هو نفسه وليكلف المهتم نفسه أو معاونيه شأن المطالعة وليسأل لماذا لا يذهب من يريد الزواج المدني إلى سوريا وهي أقرب وكلفة السفر إليها أقل من كلفة السفر إلى قبرص لو كان الأمر كما يدعون . إلا أن يكون المقصود مرجعية وزارة العدل للمحاكم الشرعية أو إلغاءها مطلقاً، فلنا فيه كلام آخر. وهذه النقطة تساعدنا على فهم الموقف الحاد الذي وقفه رجال الدين عموماً في لبنان والذي بلغ حدّه الأقصى بإعلان الحرم الكنسي على نقيب المحامين نجيب الدبس سنة 1952 بعد إصراره على علمنة قانون الأحوال الشخصية. إذ أن هذا المصطلح (( الزواج المدني)) يستبطن- مهما زينوه وبهرجوه- إساءة إلى الدين نفسه باعتبار الزواج المنعقد على أساسه عقبة ومشكلة في حياة الإنسان الاجتماعية ، ويستبطن كذلك دعوة لتشريع العلمنة الملحدة المخالفة للنظام العام في لبنان ، بل أنه وعلى حد تعبير رئيس المحاكم الشرعية السنية الشيخ ناصر الصالح يمكن من تشريع عبادة الشيطان ، وأما العلمنة المحايدة أو العلمنة المؤمنة فما فهمناه عنهما لا يطمئن المسلمين . د- الطابع الروحي أو الطابع التجاري الفردي الأناني وغير الطبيعي. تعددت تعريفات الزواج بتعدد الأديان ، واختلفت بين غير المتدينين، لكن تعددها عند أتباع الأديان السماوية الثلاثة لم يبعدها عن اشتراكها في إعطاء الزواج طابعها الروحي المرتبط بالله والذي يحوط مؤسسة الأسرة المنتجة عنه بقداسة ورعاية ، بينما وصل الأمر في تعريفه عند غير أولي الدين حد القول في موسوعة الانكارتا الأميركية : (( اليوم، تعتبر- أكثر الولايات - الزواج هو أساساً شراكة اقتصادية بين الزوجين)) وبلغ الاختلاف حده الأقصى بالتجاوز عن كونه شراكة بين زوج وزوجة الى القول بين الزوجين بما يشمل كونه بين ذكرين أو أنثيين. ومع الإمعان في تعزيز الروح الفردية والرأسمالية والإباحية ها هي أميركا وأوروبا تشكو في سلوكها الاجتماعي من آثار الزواج المدني والأحوال الشخصية فيها سلباً على الأسرة وعلى القيم الاجتماعية وتثقل كاهل الدولة بأعباء ليست في قدرتها ولا من اختصاصها اجتماعياً ونفسياً وصحياً ، وتراها مضطرة للاعتراف بزواج المثليين فماذا تريدون؟ هـ- الحلول الوسط والحل الاختياري لعبة أمر واقع: إن عقد الزواج هو واحد من مسائل الأحوال الشخصية المتعددة ، والتبسيط المشبوه بالدعوة إلى تجربة الزواج المدني اختيارياً دون مسألة الإرث وغيرها (دعوة أطلقت في حينه ) دعوة إلى خلق مشكلات حقيقية لا تحل إلا باستكمال التشريع المدني في مسألة الأحوال الشخصية كالطلاق وتحديد المحارم وشروط صحة العقد والموانع منه إلى ما هنالك ، وبذلك يتم تجاوز موقف المؤمنين المعارضين بحكم الأمر الواقع الذي نعرفه جيداً في لبنان. أما الحلول الأخرى المطروحة فلا يمكن فيها التطابق بين جميع الأحوال عند كل الطوائف. و- لا مصالح شخصية أو نوعية لرجال الدين وراء الرفض: تشكل نسبة القضاة من رجال الدين المسيحيين أو علماء المسلمين رقماً لا يحسب له أي حساب إذا ما قيس بالمجموع العام لرجال الدين، ولا يشكل هؤلاء الكهنة والعلماء المسلمين عبئاً على خزينة الدولة إلا إذا تعلق الأمر بقضاة الشرع المسلمين الذين لا يزيد عددهم في كل الأراضي اللبنانية عن اثنين وسبعين قاضياً شرعياً ( 30 سنة، 30 شيعة، 12 دروز-1997) مقابل آلاف العلماء السنة الرقم الرسمي لعلماء السنة 2300، الشيعة والدروز لا إحصاء. الخـــــــلاصــــة: خلاصة لما تقدم فإن معارضتنا المبدئية للدعوة إلى (( الزواج المدني)) لا تنطلق في وجه شيء مجهول وعلى أساس إن الإنسان عدو ما يجهل ، ولا مصلحة شخصية وراءها ، بل هي معارضة لموضوع واضح ومخاطره جلية أمامنا في كل الدول التي تمارسه ، ولا معنى للبننته كما يطلب البعض. نحن مسؤولون أمام الله عن رعاية شؤوننا الدينية وشؤون الأجيال اللاحقة . ولنا كل الحق في هذه المعارضة ونستغرب نحن استغرابهم لها فيما يدَّعون أن لهم الحق في الطرح وفي السعي إلى إلزامنا به أو إضافته إلى التشريعات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق