الثلاثاء، نوفمبر 05، 2013

إحياء عاشوراء في الواقع الشيعي المعاصر



إحياء عاشوراء في الواقع الشيعي المعاصر ‏ ‏

(دراسة اجتماعية للاحياء العاشورائي في كل بقاع العالم والمقارنة بين أساليب احيائها بحيث نستبين سلبيات وايجابيات ‏كل منها . بحث قدِّمته إلى مؤتمر المجالس الحسينية وآفاق الدور المنشود ‏ 16 – 19 – ربيع الثاني 1420 / 29 تموز – 1 آب - 1999‏). ‏

كتب الدكتور جوزيف الفرنسي في جريدة حبل المتين التي كانت تصدر في الهند باللغة الفارسية مطلع القرن التاسع ‏عشر: 
"اليوم لا توجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة إلا ويقيمان فيها المأتم, ويبذلان المال والطعام, ‏رأيت في ميناء "مارسل - فرنسا" في الفندق شخصاً واحداً, عربياً, شيعياً من أهل البحرين يقيم المأتم منفرداً, جالساً ‏على الكرسي, بيده الكتاب يقرأ ويبكي, وكان قد أعدَّ مائدة من الطعام فرقَّها على الفقراء".

جغرافية الاحياء:

إن دراسة إجتماعية للاحياء العاشورائي في كل بقاع العالم للمقارنة بين أساليب احياء كل منها تقضي بداية عرضاً ‏كاملاً واسعاً لصور الاحياء في وقت واحد, ونحن نواجه صعوبة في ذلك من جهة التعدد والتنوع في المكان الواحد ‏أولاً, ومن جهة التغير والتبدل اللذان يلحقان بأسلوب الاحياء بين فترة زمنية وأخرى, والجهة الثالثة في الصعوبة أننا ‏نتحدث عن احياء لعاشوراء في ما يقارب الأربعين دولة يتم فيها الاحياء بصورة كاملة مستبعدين الدول التي يندر فيها ‏من جهة حجم المشاركين وحجم الاحياء فلا يشكل خصوصية, فغالباً ما يكون انتقائياً من مجموعة أشكال إذا تعددت ‏جنسيات الجالية الشيعية او يكون نسخة عن الاحياء في البلد الأم بمراعاة الظروف الاجتماعية والسياسية الخاصة. 
بين يدي- وثائقياً لا ميدانياً- وصفٌ للاحياء في الدول الآتية: العراق, سوريا, لبنان, اليمن(حضرموت), ‏الحجاز(الاحساء القطيف), الكويت, البحرين, الامارات العربية, عمان, قطر, مصر, المغرب, الصومال, إيران, ‏تركيا, أفغانستان, تركستان(اذربيجان), القفقاز, التبت, الصين, الهند, باكستان, بنغلادش, اندونيسيا, الفلبين, مالطا, ‏جاود, انجلترا, اسبانيا, أميركا(ترنيتو). 

منهج البحث: 

ومع ان البحث يقتصر على القرن الاخير من جهة الزمان فان سعة الرقعة الجغرافية وكثرة مفردات الاحياء وشيوعها, ‏وحرية الاحياء عوامل تستدعي مطولات والموضوع يستحق ذلك لكن مؤتمراً كهذا لا يتحمله , فسأقتصر والحال هذه ‏وأركز على الصورالمميزة في الاحياء مع ملاحظة خصوصية لبنان من جهة التعدد الطائفي الثقافية. 
ولأننا في هذا المؤتمر نبحث عن احياء ايجابي بعيد عن السلبيات فإن المنظور إليه هو الفرد من جهة والاجتماع من ‏جهة أخرى , فلذلك ينبغي أن نتوجه الى الاحياء من زاويتي علم النفس وعلم الاجتماع على ضوء الحكم الشرعي, بعد ‏ملاحظة الحركة الاجتماعية في تفاصيلها الاساسية, ونختم بتسجيل ملاحظات شخصيات غير شيعية و غير مسلمة ‏عمَّا لمسته من آثار وما استقرؤوه وحصل فعلاً بتمادي السنين.

حرية الاحياء:

الحرية في الاحياء العاشورائي هي حرية في أصل اجراء الاحياء ويقابلها منع السلطات الحكومية وما يستدعيه من ‏مواجهة شعبية وهي أيضاً حرية في شكل التعبير يقابلها الاضافة أو المنع الشرعيين والقسم الثاني هو موضوع بحثنا. 
يتصف الاحياء العاشورائي عموماً بالعفوية والارتجال رغم الخطوط العامة , والسبب الأول لذلك أن المشّرع ترك ‏الباب مفتوحاً في هذا المجال وهو أمرٌ دعا بعض المصلحين للوقوف على ما نقل عن المعصومين , فقد كتب المقدس ‏السيد محسن الامين في المجالس السنية: 
" فعلى من يريد التقرب الى الله تعالى ونبيه(ص) وأوليائه بالبكاء والحزن لمصاب الحسين(ع) أن لا يتعدى ما رسمه ‏الرضا(ع) نقلاً عن أبيه عليهما السلام مما مرَّ وإلا كان من الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم ‏يحسنون صنيعا". 
ويقابل هذا التمسك بالنص مسلكان واحد نخبوي انتقائي وآخر شعبي انتقائي أيضاً, لكن الفارق بينهما أن انتقائية الاول ‏واعية وفردية الى حد ما, بينما انتقائية الثاني توظيفية اجتماعية. انتقائية المسلك الاول يمكنك التعرف الى أصحابها ‏وأغراضهم الشرعية والعقلانية , أما انتقائية الثاني فليس في حساب الممارس لها أهمية لمعرفة مصدر للشعائر بل إن ‏ما يهمه منها هو أن توصل حاجاته النفسية والاجتماعية الى حالة الاشباع. 
والسبب الثاني لهذه العفوية والارتجال اقتضاء عدم التعبدية في مراسم الاحياء لرفع يد أي سلطة إلا استثناء فلا ترى ‏في أي دولة من التي ذكرنا مواجهة رسمية واحدة تضبط الاحياء في صورة تأسيسية خاصة ليلتزم بها الشيعة بل ان ‏الجهات الرسمية أو حتى الشرعية تقع في لحظة ما تحت ضغط الجمهور الذي يخرج من مجالسها الى ما يناسب مزاجه ‏من أساليب تعبيرية تفتقدها , وما قامت به وزارة الداخلية الايرانية مؤخراً بعد حكم ولي أمر المسلمين بعدم جواز ‏التطبير وبعض الممارسات هو منعٌ وضبط وليس تأسيساً, والتأسيس المهم الذي أرساه السيد القائد الخامنئي حفظه الله ‏هو حفظ واحياء صلاة الجماعة ظهراً وعصراً التي بمكن القول معها بأنتهاء عهد التهاون مع صلاة الظهرين في وقتها ‏يوم العاشر للانشغال بالمراسم كفائدة أولى وثانياً تشجيع غير المداومين على الصلاة وتذكيرهم بأنها الاصل في أية ‏عملية احياء وان العواطف وحدها غير كافية , وهو تأسيس سيذكره تاريخ الاحياء وشكره على الله. 
وبعد بيان مثال الانتقائية النخبوية الواعية, نأتي الى بيان مثال الانتقائية الشعبية التوظيفية ولنلاحظ بدايةً في مفردات ‏اللطم على الصدر الذي لا نعرف له صورة تفصيلية تاريخياً وبعد الفراغ عن كونه خارج البيان الشرعي نجده خاضعاً ‏لانوع المقام الموسيقي حزناً أو حماساً بين أفراد مجتمع معين , ويتباين بتباين الاساس الثقافي , ونحن اليوم نميز ‏اللطميات على أساس جغرافية مصدرها , وليست وحدة اللغة كافية في توحيد النغمة بل لا بد من وحدة الاساس ‏الشعوري دون نفي قابلية التأثير لكننا نتكلم عن الانتقاء في الاستخدام ولا يكفي أن يكون النغم الهندي أو الباكستاني ‏مؤثراً فينا لنتبين طريقتهم في انشاء الردات أو النياحة , بل لا بد من الاشتراك في اساس معين لنتمكن كلبنانيين من ‏قبول اضافة معينة من أسلوب الاحياء العراقي مثلاً كما في العتابا والمواليا المشتركة نظماً والمختلفة إنشاداً فحيث أن ‏العتابا اللبنانية أخذت مقاماً موسيقياً لم يعد حزيناً وشجياً قبلنا العتابا العراقية لفظاً ونغماً استعادةً للأصل المشترك في ‏التعبير عن الحزن من جهة اللفظ والنظم. 
وكذلك فإن الشيعة الهنود ولاحقاً الباكستانيون( الهنود أصلاً) قبلوا أو أدخلوا معهم اساليب التعبير عن الندم لتصير ‏أساليب تعبير عن المواساة , فاستخدموا السلاسل الحديدية التي تنتهي بشفرات حادة للطم ظهورهم , وركضوا على ‏الجمر. 
كما أضاف الشيعة الاذربيجانيون التطبير وحمل الهودج ذي الوزن الهائل في مسيراتهم كما كان يفعل المسيحيون في ‏بلادهم في اسبوع الآلام وعذابات السيد المسيح حيث يجرحون أنفسهم في مواضع المسامير التي يدّعي صلب المسيح ‏بعدما حمل صليبه الضخم جداً الى التل. 
هذه الاضافات الانتقائية ومن وجهة نظر اجتماعية تأتي مقبولة وعنونتها بالاضافات مجازية فلا تستدعي شعبياً على ‏الاقل أي إستغراب لكونها جزءاَ من ثقافة الشعب التعبيرية , وإنما يقع الاستغراب والدهشة أو الرفض إذا أريد نقلها ‏وإضافتها على سلوك شعب آخر دون أي تحوير يطوعها لتتماشى مع ثقافته الشعبية الأصلية ولذلك رأينا أن سلوك ‏التطبير الذي جرى في مطلع القرن الاخير في لبنان لم يصل الى حد القبول الاجتماعي العام , فلم يتجاوز عدد ‏المطبرين في النبطية سنة 1973 الاربعماية شخص بين كبير وصغير رغم فعالية دعاة جوازه مقابل المحرمين الى ‏ذلك التاريخ وبعده وهو اليوم يتضائل بعد طفرة ارتبطت بوجود الاحتلال الاسرائيلي, وما يزيده رفضاً المسلك الذي ‏اندفع اليه قلة بتحريك "تطبير النساء" الذي ليس له شبيه في أي بقعة من بقاع العالم الشيعي.



مفردات الاحياء العاشورائي:

قد يكون التعبير بـ"المراسم الحسينية" أقرب الى الواقع لجهة ما يوحيه عنوان ‏"الاحياء العاشورائي" من ارتباط زمني ‏بالعاشر من محرم فيما تتجاوزه عملية الاحياء فتقع اضافة اليه قبله وبعده على امتداد السنة حيث صارت قراءة شيء ‏من السيرة الحسينية ومجالس الابكاء سنَّة في احياء ذكرى أي ميت شيعي فضلاً عن المسنون شرعاً والخاص ببعض ‏الايام والليالي المباركة. 
وكذلك فإن الاحياء أعم من الزماني فيشمل ما يتعلق بالمكان كما في شأن تعظيم وتكريم تربة كربلاء وماء الفرات , ‏وما يتعلق بالشهداء الحسينيين من أهل البيت والصحابة الكرام. 
وعلى الرغم من الثبات النسبي في عدد من مفردات الاحياء إلا ان الواقع الشيعي يشهد تغيراً في التفاصيل أو بعضها ‏يرتبط بالخصوصية الثقافية لكل شعب وإن كان تطور عالم الاتصالات ومن قبله التطور في وسائل ووسائط النقل ‏أسهما في تشكيل صورة شبه موحدة للاحياء إضافة الى التوجيه الشرعي من علماء الشيعة ومراجعهم كما في دعوة ‏ولي أمر المسلمين السيد القائد الخامنئي الى إقامة صلاتي الظهر والعصر يوم العاشر جماعة في نهاية المسيرة ‏العاشورائية. 
وأهم مفردات الاحياء العاشورائي: 
1- الزيارة والدعاء والاعمال الخاصة بالايام والليالي , وتكريم تربة كربلاء وماء الفرات. 
2- ‏ مجلس العزاء والبكاء المتضمن للرثاء وذكر المصيبة نثراً وشعراً بالفصحى والعامية وما يضاف إليه من لطميات ‏ومجالس وعظ وارشاد. 
3- ‏ تشكيل الهيئات والمواكب: مواكب العزاء واللطم والسلاسل والتطبير والشبيه. 
4- ‏ تأسيس التكايا والحسينيات والاستفادة من الاماكن العامة (ساحات, طرق, مدارس, مساجد... الخ). 
5- ‏ التعزية أو تمثيل الواقعة أو التشابيه. 
6- ‏ التفرغ للاحياء يومي العاشر والأربعين والثامن من ربيع الاول وما يتعلق بالتفرغ عن تعطيل رسمي. 
7- ‏ تأليف وتوزيع المقاتل والمجموعات الشعرية الخاصة بالرثاء والنوح واللطم. 
8- ‏ الاطعام وتقديم الضيافة وبعض الرسوم والعادات الخاصة وعموم مظاهر الحزن في عاشوراء. 
ويندرج تحت كل عنوان من هذه العناوين مفردات ومصطلحات.

1 - الزيارة والدعاء والاعمال الخاصة بالأيام وتكريم تربة كربلاء وماء الفرات:


" الزيارة" مصطلح إسلامي أعم من الاستخدام الشيعي, وهو يعني السفر الى أحد الاضرحة المقدسة ونفس صيغة ‏السلام والزيارة , وقد استعمله المسلمون عامة وأساسه زيارة قبر النبي(ص) وقبور الشهداء من الصحابة , وكان شائعاً ‏ولا يزال في أوساط اخواننا السنَّة , لكن الحركة الوهَّابية وتداعياتها السلفية العربية أثرت في مدى شيوع المصطلح , ‏لكن العمل يبرزه بين عامة المسلمين خصوصاً أيام الحج . وتعرف كتب السنَّة نصوصاً خاصة لزيارة النبي (ص), ‏واتباع الفرق الصوفية تعرف المصطلح وتؤدي الزيارة إلى أضرحة الأولياء ومشايخ الطرق. 
وتعبر زيارة الامام الحسين ومقامه في كربلاء واحدة من مفردات الاحياء في العراق والعالم الشيعي وفد أثرت الحرب ‏العراقية على الجمهورية الاسلامية وعوامل أخرى على توقيف الزيارة فترة من الزمن , لكنها والحمد لله قد عادت , ‏فينبغي التوقف عند ما يتعلق بها من مظاهر ترسمها لدى الزوار أنفسهم ومن يتعلق بهم. 
وإذا رجعنا الى الروايات عن المعصومين عليهم السلام فإننا نلاحظ أنها تؤسس حركة احيائية من عدة جهات, فهي: 
أولاً: تشجع على الزيارة وترغب فيها وتربطها بأنواع من الاجر وبالشفاعة المخصوصة. 
ثانياً:تربط بعض المناسبات الاسلامية العامة والواقعة في غير شهر محرم في الحديث كما في استحباب الزيارة ‏المخصوصة بالاربعين الواقع في العشرين من شهر صفر, والاول من رجب والنصف منه والثالث من شعبان" مولد ‏الامام الحسين" والنصف منه وأول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف والليلة الاخيرة منه وكذلك ليالي القدر وليلة ‏عرفة ويومها وفي العيدين وغيرها من الايام والليالي الباركة. 
ثالثاً: تعطي الزوار شكلاً خاصاً من حيث طريقة السفر ونوع الثياب والزاد وعلاقة الزوار ببعضهم وما ينبغي لهم أن ‏يفعلوه في كربلاء. 
رابعاً: تشكّل "الزيارة" كنص لغوي والادعية الخاصة من الائمة للزوار وخصوصاً دعاء الامام الصادق عليه السلام ‏مادَّة مؤثرة في تحريك العقول والعواطف, وأهم ما ينبغي التأكيد عليه في هذا المقام فرصة الزيارة عن بُعد والزيارة ‏الخاصة يوم الاثنين والمضامين العقائدية والعرفانية وغيرها. 
خامساً: تكريم ماء الفرات بالتأكيد على الوضوء والاغتسال منه والذكر الخاص عند بلوغه فانها بنفسها توجد حركة ‏شعبية عند ضفة النهر. 
سادساً: تكريم تربة كربلاء باستحباب اتخاذ السجدة والسبحة منها واستحباب ملاقاة الزوار قبل ان ينفضوا غبار سفرهم. ‎‎
وبملاحظة الواقع الاجتماعي فإن "الزيارة" كنص مقروء أو مكتوب أو مسجل في لوحة فنية أصبح مادة من مواد إحياء ‏ذكرى عاشوراء ومع تعاظم النفوذ الاجتماعي والسياسي يصبح جزءً من المادة الاعلامية في الراديو والتلفزيون ‏فينبغي أن تكون الاستفادة منها على أعظم وجه أداءً وشرحاً وتوجيهاً. 
وكذلك في ما يتعلق بتأكيد استحباب حمل السجدة واتخاذ السبحة من تربة الامام الحسين, وقد لاحظنا أثر ترك التقية ‏فيهما باتضاح مرادنا من السجود على التربة عند إخواننا السنة حتى في الحدود السعودية عند السفر للحج وان السجود ‏عليها يعطي فرصة للشيعي يذكر فيها لغيره قصة إستشهاد الامام الحسين وإبلاغ الحجة. 
وفي خصوص الاستفادة من "الزيارة" كنص مقروء في الاذاعة أو التلفزيون أرجو أن يحرص القيمون على إفصاح ‏الكلمات ليفهمها الشيعي وغير الشيعي مع الاداء المؤثر عاطفياً. ومما ينبغي لفت الانظار اليه النهي الصادر عن الامام ‏الصادق عليه السلام من ترك الزيارة خوفاً وهو يشمل الزيارة عن بعد وعليه يتأكد الاهتمام بقراءة الزيارة في كل ‏مناسبة يتم فيها احياء مراسم عاشورائية...




2 - مجلس العزاء والبكاء المتضمن لذكر المصيبة والرثاء نثراً وشعراً بالفصحى والعامية وما يتعلق به من ‏وعظ وارشاد وغير ذلك   :

 

لعل مجلس العزاء والبكاء على الامام الحسين وأهله وأصحابه هو أول أشكال المراسم الحسينية تأسيساً وهو اليوم ‏الجامع المشترك في الاحياء الشيعي لذكرى الامام الحسين عليه السلام, وقد نشأ بتوجيه مباشر من الائمة سلام الله ‏عليهم ولا تخلو محلة فيها شيعة من إقامة المجلس الحسيني على الاقل في عشرة محرم. 
وقد إختلف تنظيم المجلس شكلاً ومضموناً في القرن الاخير خصوصاً فضلاً عن اختلافه بين منطقة شيعية وأخرى ‏بحسب معطياتها الثقافية وعزلتها أو تواصلها مع المناطق الشيعية الاخرى أو مع غير الشيعة من المسلمين أو ‏المسيحيين وغيرهم... فوجدنا مجلساً يملأه الجانب العاطفي والبكاء الى أقصى الحدود ومجلساً آخر ليس فيه إلا النظر ‏الفكري , والرؤية التاريخية أو الابداع الادبي , ووجدنا مجلساً خاصة بالشيعة ومجالس مشتركة مع السنة أو غير ‏المسلمين , لكن الغلب على المجالس اليوم أنها تجمع بين الاحياء العاطفي لإسالة العبرة والاحياء الفكري لاتخاذ العبرة ‏ويؤدى ذلك بالجمع بين القارىء والعالم أو كون القارىء نفسه عالماً دينياً متمكناً. 
والجامع الاساسي بين المجالس الحسينية هو ذكر المصيبة والتمايز يكون بالشكل والاسلوب والحجم ومقتضياتها ‏وكذلك تحديد أيام اقامتها بدءاً وإنتهاءً عدا ما يقام لنذر أو تكريم أو طلب ثواب. وسنتعرض لمكان اقامتها عند الكلام ‏على النقطة المتعلقة بتأسيس التكايا والحسينيات. 
ولنبدأ بملاحظة الاختلاف في البداية الزمانية لاقامة المجالس الحسينية فبينما يبدأ العالم الشيعي مجالس العزاء في الاول ‏من محرم الذي صار مناسبة تشبه العيد عند السنَّة يتأخر شيعة الهند للبدء في الاحياء الى الخامس منه في كشمير التي ‏تعد عاصمة الشيعة , وفيما تنتهي المجالس في اليوم العاشر من المحرم كما كان يسمى عندنا "يوم الفلَّة" تتأخر في بلاد ‏أخرى الى الاربعين ويتميز أهل الهند وباكستان باستمرارها الى السابع أو الثامن من ربيع الاول وهو يوم وفاة الامام ‏العسكري عليه السلام آخر أيام الائمة الشهود الذي يكون أول أيام إمامة الحجة الغائب عجَّل الله تعالى فرجه ويعدّ ‏عندهم أكثر الايام حزناً. 
بينما يعتمد بعض فرق الصوفية والعلويون في الاناضول شهر تشرين الاول موعداً للإحتفال بالذكرى ويسمونها (يزر ‏قرباني) أي ضحية الصيف. 
وإذا أردنا ملاحظة المجالس من حيث الشكل فانها تتفاوت بين أن تتشكل من الخطيب الحسيني وحده مع الجمهور أو ‏بتعدد المتحدثين الى الجمهور, ومما ينبغي ذكره وشكره هنا أن مجالسنا في لبنان كانت قبل رعاية حزب الله لها وفيما ‏عدا الشاذ النادر تبدأ بقراءة مسجَّلة للقران الكريم وهي نقطة لم يتعرض لها الاصلاح للمجالس وحسناً ما جرى ونرجوا ‏أن يستمر مع اضافة قراءة الزيارة آخر المجلس إنشاء الله. 
والمتحدثون الى الجمهور اليوم فضلاً عن الخطيب الحسيني أحد العلماء يتبعهما الرادود الحسيني وبعض المجالس ليس ‏فيها رادود وقد يضاف على القارىء والعالم أحد الشعراء فضلاً عن عريف الاحتفال أو مقدمه. 
تقام المجالس وتدار من قبل هيئات أو أفراد ويقيم العلماء الكبار والمراجع مجالس يديرها وكلاؤهم ومعاونوهم وبتفاوت ‏مكان وحجم المجلس تتفاوت طريقة الجلوس ويبدو أن طريقة الجلوس على الارض هي الاقرب الى التأثير في نفوس ‏المستمعين , لكن بعض المجالس تحتاج الى اعتماد الجلوس على الكراسي وبينما تحرص بعض المجالس على توجيه ‏الحاضرين الى القبلة تتسامح مجالس أخرى في المسألة وهذا شأن ينبغي التركيز عليه. 
تنقسم المجالس عادة الى مجالس عامة ومجالس خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء , ويتعين توقيت المجلس تبعاً ‏لعوامل متعددة باختلاف اوضاع المنطقة التي تقام فيها بحيث لا تعمل النساء كون مجالسهن صباحية وخاصة وقد ‏تكون المجالس مشتركة لكنها تقام قبل غروب الشمس وعلى أي حال فالاولى رعاية المسألة حتى لا تكون مورداً ‏للشبهات الشرعية والإجتماعية كما لاحظ البعض في تأخر وقت المجلس ليلا , ومما ينبغي الفات النظر اليه هنا ‏ضرورة الاستفادة من العناصر النسائية المميزة ثقافياً في إلقاء الكلمات ونقل ذلك عبر الاذاعة والتلفزيون وغيرها. 
من حيث مضمون القراءة التي يقدمها الخطيب الحسيني سنأخذ بالعناوين فقط لان الكلام على المحتوى تكفل به بحث ‏آخر, فنشير الى أن اساس المجالس قد تشكل في العراق وانتقل منها الى بقية العالم الشيعي لكن باختلاف يسير بحسب ‏الناقل والمكان المنقول اليه لكن عموماً بقي الالتزام بطريقة تقسيم القراءة على الليالي وترتيب المجلس , فقد ذكر ‏المقدّس السيد محسن الامين العاملي عند وصفه لدراسته الاولية في بنت جبيل سنة 1301هـ ووصول الشيخ موسى ‏شرارة اليها من النجف الاشرف في تلك السنة بقوله:" وأحيا- أي الشيخ موسى- اقامة العزاء لسيد الشهداء ورتَّب لذلك ‏مجالس على طريقة العراق", ويستطرد واصفاً المجالس العزائية التي تقام ليلاً في هذه المدينة ويقول:" وفي اليوم ‏العاشر منه تعطَّل الأعمال الى ما بعد الظهر ويقرأ مقتل أبي مخنف ثم تزار زيارة عاشوراء"... "وأما القرى التي ليس ‏فيها نسخة المجالس فيقتصر على قراءة المقتل يوم العاشر ويقرأ منه في ليلتين أو ثلاث قبل ليلة العاشر حتى يكون ‏الباقي الى يوم العاشر خاصاً بالمقتل وحده...وكانت المجالس التي أنشأها الشيخ موسى على ما فيها من عيوب أصلح ‏بكثير مما تقدمها وكانت مبدأ الاصلاح لمجالس العزاء الحسيني". 
وقد جرت العادة ان يقرأ في كل يوم من الايام العشرة شيئاً من السيرة فتكون اليوم الاول لذكرى الحر وحبيب وغيره ‏من الانصار حتى اليوم الخامس الذي يخصص لقصة استشهاد مسلم بن عقيل والسادس لقصة إستشهاد علي الاكبر ‏والسابع لقصة استشهاد القاسم بن الحسن والثامن لاستشهاد الطفل الرضيع والتاسع لاستشهاد أبي الفضل العباس ‏والعاشر لقراءة جامعة أو خصوص استشهاد الامام الحسين. 
وتتميز بعض المجالس العامة الكبرى في العراق منذ اليوم السابع من محرم "بمشاهد تمثيلية فردية وبسيطة حيث ‏يدخل الى المجلس صبي بزي عربي وهو يحمل سيفاً ويقوم بأداء دور "جاسم" وهو القاسم بن الحسن (ع) وأحياناً ‏يدخل ومعه صبية صغار يحملون أطباقاً نحاسية مملوءة بأغصان الآس (الريحان) وبينها الشموع والحناء, كما يدخل ‏في أحيان أخرى فارس يمثل دور العباس بن علي وهو يحمل على كتفه قربة من الماء وفي يده راية الحسين (ع) ‏الخضراء... 
وتختتم المجالس عادةً بلطمية من قيام الرجال ومن جلوس النساء على الصدور أو الركب ويقود هذه اللطمية الرادود ‏للرجال والمُلاية للنساء, ويكون مضمون القصيدة الفصيحة أو العامية متعلقاً باليوم الذي تنشد فيه , وقد عرف العراق ‏ولبنان نماذج من الردَّات ذات مضمون سياسي يتعلق بالقضايا العامة كقضية فلسطين والحروب الاسرائلية العربية أو ‏جهاد المقاومة الاسلامية كما ظهرات ردات تتعلق مضامينها بالاوضاع الاجتماعية الخاصة وبرز في العراق والبحرين ‏ولبنان ردَّات خاصة بقضية وحدة المسلمين آخرها ما جاء به الرادود صالح الدرازي في قصيدة :يا أبا الزهراء خذنا" ‏ومما جاء فيها-على أخطائها-: 
انه العلم يرهب الوحدة ليس يبغيها فهي أخطار هددته كيف كيف يحميها ‏
قفوا يا رفاقي في خط لا يُفلَّ وقولوا سلاماً لجهل ان ولَّى ‏
فشيعي وسنيٌ ذراعٌ ما شلَّ لصفٍ موحّد نقول يا أهلا ‏
وخلافاً لما شهده لبنان سنة 1994 من القاء متفجرات على أحد المجالس في بيروت الغربية من قِبَل عناصر حاقدة وما ‏تشهده بعض المجالس من عراك شهدت العراق أمثالها بين الشيعة أنفسهم فإن العراق والهند وباكستان في بعض ‏مناطقها ولبنان في فترة الاحتلال الاسرائيلي شهدت مجالس مشتركة بين الشيعة وغيرهم . 
في هذه النقطة أنقل ما ذكره الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الذي سأعود إليه عند ‏الحديث عن "الموكب" فقد أورد أنه سنة 1920 شهد العراق ظاهرة لم تكن مألوفة هي نبذ عوامل الاختلاف بين ‏الشيعة والسنة , وتوحيد صفوفهم , وقد تميز ذلك التقارب في إقامة إحتفالات دينية تجمع بين المولد النبوي على ‏الطريقة السنية ومجلس العزاء الحسيني في ظاهرة يمكن تسميتها "المولد العزاء", وقد أقيمت تلك الاحتفالات حتى ‏نهاية شهر رمضان من تلك السنة وقد أثار ذلك التقارب مخاوف الانكليز الذين حاولو مراراً إثارة النعرات القومية ‏والطائفية... وقد ظهرت تلك المخاوف على لسان المس بيل المستشار الانكليزي في بغداد حينذاك في رسالتها الى ‏والدها في انكلترا المؤرخة في 1 حزيران 1920 حيث وصفتهم بأنهم يعيشون حالة "هياج عنيف" ويشعرون من ‏جراء ذلك بالقلق وقالت : "وان المتطرفين اتخذوا خطة من الصعب مقاومتها وهي الاتحاد بين الشيعة والسنَّة أي وحدة ‏الاسلام , وهم يستعملون ذلك الى اقصى الحدود". 
وسننقل في آخر المقالة أقوال أجانب آخرين, وبالعمل على هذا النهج نستجلب اخواننا السنَّة للمشاركة في المجالس ‏شعبياً لا علمائياً فقط بصورتها الانتقائية. 
ومن المفردات التي ينبغي التمسك بها في المجلس الحسيني إهداء الثواب في آخره للمؤسس وموتى الحاضرين وكذلك ‏طلب الشفاعة وقضاء الحوائج لتعلق القلوب بها لان ساعة اختتام المجلس ساعة يكون الحاضر فيها قد فقد كل ارتباط ‏بالماديات وتوحَّد مع سيرة أهل البيت عليهم السلام . 
وباختصار شديد فإن أبرز السلبيات في المجالس إنما تتأتى من جهة المضامين لا من جهة الشكل بل لعل الشكل هو ‏العامل الايجابي الأبرز الذي يجلب المشاركين في هذه الايام مما يستدعي الاهتمام به فنياً ومتابعته وتطويره والاحتياط ‏للسنوات القادمة التي ستشهد ازدحاماً اكبر وستشهد في الوقت نفسه مطراً وبرداً وهو أمر سنتحدث عنه في موضوع ‏إقامة الحسينيات.

3 - تشكيل الهيئات والمواكب: مواكب العزاء ومواكب اللطم ومواكب السلاسل ومواكب التطبير ومواكب ‏الشبيه:

 

بعد انتهاء الاستماع الى المجلس الحسيني وتمام الاحتفال , وفي الايام الاخيرة من عشرة المحرم ويوم الاربعين ‏خصوصاً ينطلق الشيعة في ما يسمى بالموكب أو المسيرات الحسينية وفق تنظيم خاص , "والموكب" أو "الهيئة" ‏يطلق على مجموع المشاركين وعلى المنظمين . في العراق وإيران تشكل المدن والبلدات مواكب وهيئات باسمها - ‏وهي حالة يفتقدها لبنان - ويختص بالمجالس والمواكب الحزينة وتتشكل أيضاً مواكب خاصة بأصحاب الحرف ‏والتجَّار والجمعيات , ولكل موكب رئيس ومساعدون ويتكون الموكب عادة من أربعة مواكب هي موكب العزاء الذي ‏يشبه موكب الجنازة وموكب اللطم وموكب السلاسل الحديدية وموكب التطبير يضاف عليها يوم العاشر ويوم الاربعين ‏‏"موكب الشبيه". 
تجري مواكب اللطم والسلاسل عادة في المساء, أما موكب التطبير فيكون يومي التاسوعا والعاشورا مساءً وصباحاً. 
موكب اللطم هو موكب يضم الرجال والصغار تلطم صدورها ورؤوسها بالأيادي وتشكَّل من مجموعات صغيرة تدعى ‏‏"جوكات" في العراق تردد مع اللطم ردة أو ردات مختلفة بوزنها الشعري الخاص ونغمات وبتغير النغم يتغير ايقاع ‏اللطم, ولبعض المدن أنغامها الخاصة بها. وقبل الثورة الاسلامية في إيران شهدت مدينة مشهد مواكب لطم نسائية ولم ‏تكن معروفة من قبل. 
يتميز موكب اللطم في الايام الاخيرة في إيران والعراق بحمل هودج ضخم أو مشعل ضخم أو ما يسمى بلسان الشمر ‏وهو قطعة حديد مرنة تتمايل للامام والخلف على هيئة لسان الكلب , ويفترض أن يصل الموكب الى ساحة واسعة ‏حيث يقف الرادود على منبر متشح بالسواد وفي العراق تحيط به حلقة دائرية كبيرة من ذوي الصدور المكشوفة ‏ويأخذون في اللطم الشديد بما يستغرق نصف ساعة تفريباً ويسمى "الوقفة" ثم تليها "القعدة" ينشد خلالها الرادود قصيدة ‏ثانية من دون أن يلطم الجالسون على صدورهم بل يكتفون بترديد "الرده" وهي عجز من البيت الاخير في المقطع ‏الشعري بعدها يقومون ثانية بالوقفة الثانية التي تستمر نصف ساعة حتى يصل اللطم الى ذروته وحين ذاك يأخذ ‏الرادود بخفض صوته رويداً رويدا ويختم بالدعاء. 
ولن نتحدث عن موكب السلاسل والاقفال والتطبير تأدباً وإن كان البحث الاجتماعي يسمح بذلك. 
يتصدر الموكب عادةً عدد من الخيول المدماة والاعلام والبيارق المتعددة الاشكال والالوان حيث يكون لكل محلة أو ‏حهة العلم الخاص بها وفي العراق مواكب مشهورة كموكب طويريج –وهو موكب بني أسد وعمره ثلاثمائة سنة ‏تقريباً- وفي الكاظمية موكبان متميزان احدهما "عزاء الغرباء" ينطلق به مجموعة صغيرة باللباس الاسود وبدون ‏إضاءة وينتهي بما يشبه التشرد في الازقة وموكب آخر يسمى "عزاء الملائية" ويتشكل من علماء الدين المعممين ‏خاصة , وقد عرفنا في لبنان مؤخراً نموذجاً غير مكتمل لما يسمى في العراق بموكب الشبيه وكان مختصاً بيوم ‏الاربعين وهو عبارة عن تمثيل لهيئة إخراج الاسرى والسبايا إلى الشام , وكان العراق يشهد موكب "قافلة السبايا" ليلة ‏العاشر وتشهد أغلب البلاد الشيعية ما يسمى بموكب عرس القاسم للنساء والأطفال. 
المواكب عموماً في البلاد الشيعية لا تختلف إلا في التفاصيل , فلدى الهنود ما يدعونه "زيارات" وهي مواكب عزاء ‏وعروض مسرحية شعبية سيَّارة تحمل الاعلام والرايات حيث توضع في رؤوس أعمدتها قبب صغيرة مذهَّبة أو ‏فضية أو نحاسية وتوضع أيضاً كف ذهبية أو نحاسية تدعى "بنجه" ترمز الى كف العباس المقطوعة ولها تفسير ‏خاص سنتحدث عنه لاحقاً. 
وتحمل المسيرات الهندية والباكستانية "الضريح" وهو حجرة صغيرة لها قبة ترمز الى عرس القاسم وأمامه وحوله ‏خيول مطهمة وأعلام سوداء ثم يأتي جواد الامام الحسين "ذو الجناح" وهو أبيض اللون ذو سرج ثمين وملون بألوان ‏زاهية, وهو جواد حي لا تمثال كالذي نراه في مسيرة صورفي لبنان, وتتميز مواكب باكستان بتقديس هذا الجواد ‏فيغطى أثناء سيره بأكوام الزهور ويتبركون به ويتمسحون به ويعادل تقديسهم له تقديس البقرة عند الهند. 
بعض المواكب تحمل الى جانب "الضريح" "التابوت" وهذا يشمل الكثير من البلاد الشيعية ويرمز الى قبر الامام ‏الحسين أو جدِّه عليهما السلام . 
أما في بنغلادش فيتقدم المواكب جوادان واحد للامام الحسين (ع) هو "ذو القنا" وآخر للقاسم بن الحسن يسمى "دلول" ‏وهذه الاحصنة تشبه الوقف فهي لا تستخدم إلا في المواكب الحسينية. 
تمر المواكب الحسينية في الهند وباكستان أمام حفرة مستطيلة أو دائرية في الارض مؤججة بالنيران يأخذون من ‏جمرها وخشبها المشتعل ما يتباركون به في كي أجسادهم أو المشي عليها وأعمال أخرى عجيبة لا أصل لها. 
المواكب في الهند وباكستان وبنغلادش جميعاً تكون يومي التاسع والعاشر وتختص بنغلادش بموكب اليوم الثاني أما ‏الهند وباكستان فتخصص بمواكب الاربعين والسابع والثامن من ربيع الاول. 
بعد الانتهاء من المراسم يوم العاشر تنطلق المواكب في دكا عاصمة بنغلادش باتجاه البحيرة حيث ترمى فيها الاعلام ‏والبيارق وكذلك في الهند وباكستان تنتهي المواكب عند نهر أو بحيرة. 
وتتميز مدينة "لكنو" في الهند بأن أعظم مواكبها يكون يوم الثامن من ربيع الاول. 
ونقل أحد الصحافيين المصورين في ريبورتاج عن جزيرة ترينيداد في البحر الكاريبي قرب كوبا أن المسلمين في ‏عاصمتها بورث اوسباين يقومون بإعداد هودج كبير مطعَّم بالذهب والفضة وملون بألوان زاهية يحملونه في مسيرة ‏كبيرة يوم عاشورا تحف بهم الطبول والآلات الموسيقية بألحان حزينة تنتهي بالقاء الهودج في البحر, وأوضح أن ‏البحر والأنهار هنا ترمز الى الفرات. 
وتكمن قيمة المواكب في الهند والباكستان وحتى في العراق في فترة ما الى أنها تشتمل كما مجالسها على غير الشيعة ‏من المسلمين وغيرهم وما ذكرناه عند الحديث من المجالس بخصوص العراق يأتي بنفس الحجم في موصوع المواكب ‏‏, فقد وصل في تلك السنة 1920 موكب أهالي الاعظمية يتقدمه الشيخ أحمد الشيخ داوود الى الكاظمية حيث استقبلهم ‏السيد محمد الصدر وكان أهل الاعظمية السنَّة يرددون: 
جـيـت أنـاشــدكــم يـا شـيــعـة صـدق زيـنـب سـلـبـوهـا ‏
ثم يجيبهم أهل الكاظمية : 
اي وحـق جـدهــا وأبـوهـا حـتـى الـخـيـم حـرقـوهـا ‏
ومن آثار هذه القيمة تحوَّل البدو في إيران وكثير من سنَّة العراق الى التشيع وهو شأنٌ تنبَّه إليه باحثون أجانب ‏وعراقيون . 
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي" عند إشارته الى التوزيع الطائفي في منطقة ‏ديالى:"..وليس في النادر أن نرى محلة سنية تشارك محلة شيعية في بعض مواكبها ومجالسها الحسينية وقد تشاركت ‏أيضاً في تقديس مراقدها وأئمتها, ففي مدينة الناصرية أخذوا- أي أفراد الطائفة السنية- يشاركون في مواكب الشيعة ‏ويحضرون مجالسهم وربما أخرج بعضهم مواكب خاصة بهم, وهذا يدل على أنهم سائرون في سبيل التشيع تدريجياً". ‎‎
وينقل جعفر الخليل في موسوعة العتبات المقدسة عن المستر توماس لايل الذي اشتغل في العراق معاوناً للحاكم ‏السياسي في الشامية والنجف بين 1918-1921 من كتابه دخائل العراق بعدما شهد مواكب العزاء ولطم اللاطمين فيها ‏‏(ولم يكن هنالك أي نوع من الوحشية أو الهمجية ولم ينعدم الضبط بين الناس, فشعرت- وما زلت أشعر- بأنني ‏توصلت في تلك اللحظة الى جميع ما هو حسن وممتلىء بالحيوية في الاسلام , وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك ‏الناس والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما ان يهزا العالم هزاً فيما لو وجها توجيهاً صالحاً, وانتهجا السبل القويمة, ولا ‏غرو, فلهؤلاء الناس عبقرية فطرية في شؤون الدين).
وبناءً على هاتين الملاحظتين وباستقراء واقع المواكب في لبنان وتنظيمها فإني أرجو الاستفادة القصوى من النواحي ‏التعبيرية فيها والحرص على رقابة الردات وتحسين الأداء لما لذلك من تأثير جاذب للشيعة وغيرهم كما نلاحظ من ‏إيجابيات في مسيرة العاشر في بيروت الغربية.

4 - ‏ تأسيس التكايات والحسينيات والاستفادة من الاماكن العامة (ساحات, طرق, مساجد, مدارس, ‏ملاعب...الخ)‏:

تنوع وتبدل مكان اقامة الشعائر الحسينية تاريخياً ولكنه استقرَّ في القرن الاخير اضافة الى البيوت والمساجد والمقامات ‏في التكايات والحسينيات وحيثما ازداد عدد المشاركين تم اللجوء الى الساحات والطرقات العامة وما شابهها , ويعرف ‏العالم الشيعي مصطلحات لمكان إقامة المجالس الحسينية هي "تكية" , "حسينية" و"امام بارة" وتختلف الوظائف ‏الاضافية على قراءة المجلس في التكية و"امام بارة" فهي مصممة بطريقة تسمح بأداء التمثيلية يوم العاشر أو عرس ‏القاسم وهي عادة أكبر من الحسينية , وهي منطلق للمواكب ومقر دائم للهيئات والتجهيزات. 
وأشهر التكيات التي أقيمت للشعائر الحسينية في إيران هي "تكية دولت" في طهران التي أقامها ناصر الدين شاه على ‏غرار دور الأوبرا في اوروبا بعد زيارته لها , وهناك عدد من التكايا الكبيرة في ايران وتركيا والعراق وباكستان ‏والهند وفي هذه الاخيرة عدد من ال"امام بارة" ابرزها:( شاه نجف) التي تضم تقليداً لضريح الامام علي (ع) واخرى ‏في (شاه جلال بور) تضم تقليداً لضريح الامام الحسين(ع), ومن خصائص احدى الحسينيات في (جلال بور) أنها ‏بنيت بمبالغ جمعت من حاكة البلد ونساجيه بعد أن فرضوا على كل قطعة من منتوجاتهم مبلغ "بيزة" واحدة. 
وتوجد الحسينيات ايضاً في العراق والكويت ونقل البعض أن في البحرين وحدها ثلاثة آلاف وخمسماءة خسينية ‏ويسمونها هناك "مآتم" وتوجد الحسينيات كذلك في عُمان وسوريا وغيرها , وأما في لبنان فقد ذكر السيد محسن الامين ‏في كتابه (خطط جبل عامل):" حسينيات جبل عامل - جمع حسينيه- وهي بمثابة تكية منسوبة الى الامام الحسين(ع) ‏السبط الشهيد لأنها تبنى لاقامة عزائه فيها , وأصل الحسينيات من الايرانيين والهنود بنوها في بلادهم وبنوها في ‏العراق أيضاً , ووقفوا لها الاوقاف وجعلوا لكل منها ناظراً وقواماً وهي عبارة عن دار ذات حجر وصحن فيها منبر ‏يأوي اليها الغريب وتُقام فيها الجماعة وينزلها الفقراء ويقام فيها عزاء سيد الشهداء في كل اسبوع في يوم مخصوص ‏وفي عشرة المحرم وتختلف حالتها في الكبر والصغر والاتقان وكثرة الريع باختلاف أحوال منشئيها وهذه لم تكن ‏معروفة قبل عصرنا في جبل عامل... وأول حسينية أُنشئت في جبل عامل هي حسينية النبطية التحتا ثم أنشئت عدة ‏حسينيات في صور والنبطية الفوقا وكفر رمان وبنت جبيل وحاروف والخيام والطيبة وكفر صير وغيرها ...‏(  
وهذه المباني موقوفة عادة لاقامة النياحات والتعزية بالامام الحسين (ع) ويستفاد منها أيضاً لاقامة مجالس الفاتحة ‏والتأبين والمناسبات الدينية والاجتماعية الأخرى. 
وحيث ازداد عدد المشاركين في المراسم الحسينية سنوياً فان اللجوء الى الاماكن العامة تتهدده بعض المخاطر كالمنع ‏الذي هو بيد الحكومات كما حصل بالنسبة لبعض المدارس في لبنان أو إثارة الفتن والقلاقل شعبيا وغيره كما قبل ‏سنوات في لبنان والباكستان أو طبيعياً كما ستشهد السنوات القادمة لجهة المطر مما يعزز ضرورة العمل على إنشاء ‏المزيد من الحسينيات أو الأماكن العامة المغلقة لاستيعاب الجماهير الكبيرة بغض النظر عن مصطلحات مجلس ‏مركزي ومجلس فرعي.



5 - ‏ التعزية أو تمثيل الواقعة أو التشابيه :



هي مصطلحات مترادفة والمراد منها واقعة كربلاء بصورة مسرحية تختصر الأحداث ‏, ويبدو أن أول عرض ‏مسرحي من هذا القبيل قد جرى في ايران في مدينة شيراز يوم عاشوراء 1011هـ/1602 م, أي في عهد الصفويين, ‏وقد سجَّل وصفها السائح الأسباني انطونيو دي جوفيا بحيث اقتصرت على مبارزة بين مجموعتين من المقاتلين ‏يتساقطون فيها صرعى ثم تطورت لتشتمل على حوار ورثاء كما وصفها السائح الايطالي بيترو دبلاقيل سنة 1027 ‏هـ/1618م. 
ومما ساهم في تطوير مسرح العزاء فتاوى العلماء بإجازته كالفتوى التي أصدرها الميرزا أبو القاسم الجيلاني المعروف ‏بالقمي سنة 1230هـ/ 1815م , وكان من أشهر المجتهدين في العهد القاجاري معتبراً ذلك "من أكبر الاعمال الدينية". 
وبين منع تمثيل دور الامام الحسين والامام زين العابدين وإباحته بصورة مقيدة بغطاء الوجه والاشارة الى المعصوم ‏حين نقل كلامه , استقرَّت التعزية في ايران على مسرحية كربلاء وعرس القاسم وانتقلت إقامة هذه المسرحية التمثيلية ‏الى العراق وباكستان ولبنان, وأوَّل ما أقيمت المسرحية في لبنان كان سنة ‏1921 وكانت تؤدى بواسطة شخصين ‏ايرانيين وباللغة الفارسية الى أن ترجم الطبيب ابراهيم مرزا الحوار الى اللغة العربية سنة 1927 حيث صار اللبنانيون ‏يشاركون فيها بصورة موسَّعة ثم انتقلت بعد ذلك الى عدد من القرى والبلدات وتشكَّلت لهذا العمل فرق خاصة أهمها ‏فرقة الشهيد خليل وهب في بلدة مجدل سلم وقد أقيم العرض مرتان في بيروت وكان له أثر كبير في نفوس الحاضرين ‏ولا ندري سبباً للتوقف عن احياء وتعميم هذا التقليد الفعَّال والتربوي. 
وفي العراق كانت "التشابيه" تقام في المكان نفسه الذي يعتقد بأنه موقع المخيم في كربلاء وفي العديد من المدن ‏الكبرى. 
ومسرح التعزية عموماً مسرح شعبي وعفوي وهو على تلك العفوية والبساطة مؤثّر وفعَّال , وأقترح الاستفادة من ‏الخبرات الواسعة التي صار المؤمنون يمتلكونها لتطوير هذا المسرح والاستفادة منه مباشرة وتسجيلاً تمثيلياً كما ‏شهدت ايران ذلك في عدد من المسلسلات والافلام. 
وأسجل هنا الشكر لتلفزيون المنار على البرنامج الخاص الذي قدمه السنة "احكموا بالعدل" على رغم ما خلفته السرعة ‏في الانجاز من بعض الاشكالات الفنية إلا انه تمكن من تقديم صورة علمية للحدث أثرت في الممثلين غير الشيعة ‏فضلاً عن التأثير الشعبي العام.

6 - ‏ التفرّغ للإحياء يومي العاشر والاربعين والثامن من ربيع الاول وما يتعلق بها:

عرف العاشر من المحرَّم أو "يوم العاشر" على المستوى الشعبي بأنه مناسبه دينية لكن المراد منه اختلط بالتحريف ‏الأموي ليصير عيداً أو يوم فرح وسرور عند بعض المسلمين ومدعاة لبعض الاعمال الشعبية كما في عملية تفوير ‏الحليب اعتقاداً بأنه يوم رست فيه سفينة سيدنا نوح بعد فوران التنور بداية للفيضان وبالتهنئة وتوزيع الحلوى كما في ‏بعض البلاد العربية. 
تعطيل الاعمال وترك التكسب في هذا اليوم والتفرغ لمظاهر الحزن على الامام الشهيد عند الشيعة يستند الى الروايات ‏ولكنَّه لم يتهيأ لهم بسهولة , وقد يجهل البعض من الشيعة اللبنانيين أنه وبصورة رسمية لم تعتبر الحكومات البنانية ‏المتعاقبة يوم العاشر عطلة رسمية إلاَّ في سنة 1393هـ/ 1973م , وأنَّ الاسر الشيعية الملتزمة كانت تعتذر بأشكال ‏مختلفة لتتمكن من التفرغ لأعمال العاشر وأنا شخصياً أذكر أنه في سنة 1966 تقريباً كانت مدرستي في حارة خريك ‏غير ملتزمة بالتعطيل وقد شكلنا وقتها مجموعة وقمنا برشق المدرسة بالحجارة لاجبارها على التعطيل , وقد استدعى ‏المدير أهلنا محاسباً على هذا العمل. 
وينقل العلماء الكبار والمؤرخون أنَّ الضغط العثماني والاضطهاد اللاحق بالشيعة بعده ايضاً كان يستدعي إقامة ‏الذكرى سراً في بعض السنوات كإدعاء وفاة أو أسبوع أو السهر للسمر. وبحسب ما بين يدي فإن التعطيل الرسمي في ‏العالم الاسلامي يشمل لبنان وايران والعراق والبحرين والصومال وزنجبار وباكستان وكشمير ولكن يتميز أهل ‏زنجبار بالتعطيل يوم 21 رمضان ذكرى استشهاد الامام علي (ع) وأهل كشمير بذكرى استشهاد الامام العسكري في 8 ‏ربيع الاول, وينقل البعض أن البحرين تعطل رسمياً أو كانت على الاقل يوم التاسوعا وأن العراق كان يعطل كذلك ‏يوم الاربعين. 
ما يعنينا هنا أنه جرت في لبنان محاولة قبل عدة سنوات لجعل التعطيل في عاشوراء اختيارياً تحت عنوان التخفيف ‏من أيام العطل السنوية , وتذكرون أنه جرى اختصار ايام العطلة الرسمية في عيدي الفطر والاضحى فغاب التعطيل ‏في "وقفة العيد" الذي كان يشملها بحيث كانت عطلة الفطر أربعة أيام وعطلة الاضحى خمسة أيام ومن باب التنبيه ‏والتذكير فإن ايران الشيعية شهدت منعاً للاحياء بين سنتي 1926و1941 من قبل الحكم البهلوي, والهند سنة 1927 ‏منعت المواكب, وأما العراق الحديث فقد شهد أول منع سنة 1935 ثم حصره بمنع المواكب فمنع جمع التبرعات لها ‏سنة 1947‏, وتشهد دول الخليج تضييقاً كبيراً على الاحياء. وهو أمرٌ قد يستعاد في لحظة ما وإن بدا بحسب صورة ‏الوضع الحالي مستبعداً لكن الاحتياط يقتضي التنبه الى المسألة , والعلة التي لاجلها نؤكد على كون التفرغ للاحياء ‏مهماً عدا الجانب الشرعي الديني هو ما للاحياء الشعبي الواسع من تأثير في النفوس في مجال تبليغ دعوة الاسلام ‏والتشيع وما يترتب عليه من تحصين الشيعة ولو من جهة الطقوس والعادات والمراسم.

7 - تأليف وتوزيع كتب المقاتل ودواوين الشعر الخاص بالرثاء والنوح واللطم وما اليها من فنون:

 

من المفردات الهامة في الاحياء ذكر المصيبة والنوح اللذان يقتضيان نصوصاً مضبوطة مضموناً وشكلاً , وعلى ‏الرغم من وجود كم هائل من الشعر الحسيني فقد ندر النثر عدا بعض المقاتل المشهورة وتأخر جمع هذين الصنفين الى ‏القرن الحالي الذي شهد موسوعات ومجموعات ومؤلفات حديثة , ونذكر هنا بمسألتين هامتين كانتا إلى وقت قريب : ‏الاولى انتشار الامية في العالم الشيعي بنسبة كبيرة , والثانية مضايقة الانظمة السياسية . وقد نقلنا سابقاً عن المرحوم ‏السيد محسن الامين ان عدداً من قرى جبل عامل لم يكن فيها نسخة مقتل كاملة أو ما يناسب القراءة , وهو حال جبل ‏العلم فكيف بنا إذا نظرنا في فلوات الباكستان والهند والافغان وغيرها.. ويذكر البعض منا مصطلح "السفينة" وهو ‏مخطوط يتعلق بذكر عاشوراء نثراً وشعراً يجمع من أعلى صفحات مخيطاً مجلداً أو غير مجلد وكان شائعاً إلى فترة ‏قريبة بين "القرَّاية" وخاصة بين النساء ونادراً بين عامة الشيعة. 
وقد شهدت السنوات الاخيرة مع ارتفاع نسبة التعليم والوعي الديني أشكالاً متنوعة من التأليف والتوزيع , فعدا كتب ‏المقاتل أو الدراسات المتعلقة بعاشوراء فقد ظهرت إضافة الى المجموعات الشعرية عدة مسرحيات مطبوعة لمؤلفين ‏عربا وعجما , وأسهم ظهور الصوتي والمرئي بانتشار واسع لمادة الاحياء العاشورائي , إضافة إلى انواع الفنون ‏التشكيلية المختلفة. 
وقد تميَّزت ايران في القرن الاخير بالرسم العاشورائي الذي يعدّ فيها فناً خاصاً قائماً بذاته , ويزيّن أغلب المحافل فيها ‏خصوصاً المقاهي الشعبية التي تشهد جدرانيات لا يعرف العالم الشيعي لها مثيلاً. 
وبعد إنتصار الثورة الاسلامية ظهرت أناشيد تصحبها موسيقى حتى وصل الامر الى عمل أوبرا خاصة أسمها "أوبرا ‏عاشوراء" كتبت عنها أغلب الصحف التي شارك مندوبوها في ذكرى وفاة الامام الخميني (قده). 
إن الاستفادة التي تمَّت في هذه المجالات في لبنان كانت الى الآن تقليداً للأصل الايراني ونرجو أن يشهد المجال الفني ‏ابداعاً ورعاية كما شهد الجانب الادبي والتاريخي والفكري , لأن اللغة الفنية لغة عالمية من جهة وإنسانية من جهة ‏أخرى , وكما ذكرنا في مثال المسلسلات والأفلام فإن في جانبي الرسم والموسيقى بل وفي مجال النحت فرصة ‏لإظهار مأساة كربلاء التي تستدعي التزام جانب المظلوم ضد الظالم كمفردة تبليغية الى غير الشيعة في لبنان والمدى ‏الذي يؤثر فيه عربياً وعالمياً وبين أفراد الشيعة اللبنانين ملتزمين دينياً أو غير ملتزمين ممن تبنوا هذا الاتجاه , فنأمل ‏رعايتهم وإبراز أعمالهم في المناسبات الخاصة والعامة.




8 - ‏ الاطعام وتقديم الضيافة وبعض الرسوم والعادات الخاصة وعموم الحزن في عاشوراء:

 

رغم إلتزام الشيعة عموماً بالامساك عن المأكل والمشرب يوم عاشوراء إلى ما بعد ما يسمى "بفك المصرع" ودعوة ‏الروايات للاقتصار فيها على ما يناسب أهل المصيبة , فإن جانباً شرعياً آخر يدعو لإعداد المأكولات والمشروبات , ‏وهو ما اشتهر عن النبي (ص) من دعوته "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنهم قوم مشغولون بالمصيبة" , وقد عرفت ‏البلاد الشيعية والعلوية أنواعاً خاصة من المأكل والمشرب إضافة الى بعض العادات السُنِّية في هذا اليوم ويتم توزيع ‏وتبادل هذه الآكل والمشارب طلباً للأجر والبركة. 
وهذه العادة لا تقتصر على يوم العاشر وحده بل هي تشمل كل مناسبة يقام فيها ذكرى الامام الحسين عليه السلام فضلاً ‏عن أيام محرم التسعة ويوم الاربعين. 
فمن جهة المأكل عرف لبنان عمل توزيع الهريسة باللحم أو الدجاج أو هريسة الطحينة والسكر والبسكوت والراحة , ‏إضافة الى كعك العباس أو المحلَّى ولم تُعرف ضيافة المشروبات الحارة أو الباردة عدا الماء إلاَّ في المجالس المميزة , ‏وكذلك عادة تقديم الدخان , وقد ذكر السيد محسن الامين (رض) وصفاً لأعمال يوم العاشر بعد زيارة عاشوراء:"ثم ‏يؤتى بالطعام الى المساجد وفي الغالب يكون من الهريسة فيأتي كل إنسان بقدر استطاعته فيأكل منه الفقراء ويأكل منه ‏قليلاً الاغنياء للبركة ويفرَّق منه على البيوت , كل ذلك تقرّباً إلى الله تعالى عن روح الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع)". ‎‎
والعلويون في لبنان يوزعون الحلوى باعتبار يوم الشهادة يوماً مباركاً لا يوماً حزيناً كما ذكر الشيخ أسد عاصي في ‏مقابلة مع مجلة المسيرة. 
وفي جزيرة جاوه كما في أعيان الشيعة (أندونيسيا) فلهذا اليوم المعظَّم تقدير خاص وعوائد خاصة إذ تطبخ الشوربا ‏على نوعين من اللونين الأحمر والأبيض ثم يجمع الاولاد وتقسم عليهم. 
أما في العراق فإنه يقدم بعد المجالس أنواع الأرز والمرق والهريسة وخلال المجلس تقدم المياه والشربات والشاي ‏و"الجورك" و"البقصام" وهي أنواع من الكعك العراقي ويختص اليوم السابع بتوزيع خبز العباس وهو خبز محشو ‏بالجبن والنعناع أو الريحان. 
وفي ايران جرت العادة بتقديم الطعام أيضاً بعد المجلس ويوم العاشر يطبخ ويوزع "آب كوشت". 
أما الهند وباكستان فيقدمون خلال الاحتفالات مأكولات ومشروبات باردة تسمى "تبريكات". 
وفي تركيا يوزعون الشاي والتمر والخبز والجبنة على بعضهم في مقبرة أوكو دار في بلدة "شيخ علي ادبسي". 
أما في أدرنه فيصوم البكتاشيون التسعة أيام ويمسكون في العاشر أما العلويون فيصومون اثتا عشر يوماً لكل إمام يوم ‏وبعض العلويين لا يعتبرونه يوم حزن ولا يوم فرح وهم يفطرون في مقبرة من مقابرهم ويمتنعون عن اللحوم ‏والبيض ويسمون الأكل منها "لعنة يزيد". 
وللبكتاشيين طقوس خاصة بعمل الهريسة المؤلفة من الحنطة والفاصوليا والجوز واللوز والزبيب والسكر فانهم ‏يجتمعون حول قدر كبير ليلة العاشر وينشد لهم خلال عملية الطبخ ال"بابا" وهو كبيرهم مرثية حسينية. 
أما في البلاد السُنِّية فإن أهل حلب مثلاً في عاشوراء يصرفون على الاطعام من ريع أوقاف مشهد الامام الحسين ‏بعنوان أنه يوم عيد كما ذكر السيد الأمين , وكذلك في فلسطين وما يسمى اليوم بالاردن فانهم يطبخون حساءاً خاصاً ‏يتألف من بعض البقولات والحبوب والبصل وتوزع على البيوت وتعرض للعابرين والجميع يأكلون منها للبركة ‏والثواب. 
وفي المغرب يلبسون طيلة الشهر للعزاء ثياباً بيضاء ويتركون التجمل ويوم العاشر يصنعون أكله خاصة يسمونها ‏هريسة عاشوراء وفي لبنان وسوريا ومصر ايضاً اكلات تسمى بهذا الاسم , وفي مصر خصوصاً توزع بعد جلسات ‏الذكر يوم العاشر قطع من الخبز "العيش" الممزوجة بقليل من تربة السيد احمد البدوي. 
وفي شمال افريقيا عموماً يحتفلون بعاشورا على أنه عيد , ففي تونس مثلاً يجمع الأطفال الحطب والأخشاب ويشكلون ‏حولها دائرة ثم يشعلون النار فيها ويهتفون عاشورا عاشورا. 
من الرسوم والعادات في العشرة أيام من المحرم وخصوصاً يوم العاشر ترك تنظيف البيوت أو غسيل الثياب وكذلك ‏الامتناع عن أكل النقولات والمسليات كأنواع المكسرات والعلكة وترك تقليم الاظافر والحلاقة حتى ممن يحلق ذقنه في ‏العادة ولبس السواد ورفع الرايات والستائر السود في الاماكن العامة والخاصة... 
ومن عادات الايرانيين في العاشر من محرم كما نقلت موسوعة العتبات المقدسة من كاتبة انكليزية انهم في الكويت ‏يأخذون الاطفال الى المُلآ ليمرر تحت ذقونهم سكيناً كبيراً دلالة على فروض التضحية والفداء. 
ومن العادات العامة أيضاً لبس السواد والنذر بالباس الاطفال السواد سواء في طلب الأولاد أو في طلب سلامتهم ‏وعافيتهم من بعض الأحوال. 
ومن العادات في ايران والعراق ولبنان وضع حباب الماء أو عمل سبيل خاص لشرب المارة. ومن عادات الباكستانيين ‏خاصة وهي لا تتعلق فقط بأيام المحرم انهم يرفعون كف العباس بشكل دائم ونقل البعض أن بنازير بوتو كانت تضعه ‏على مكتبها أيام رئاستها للوزارة الباكستانية. 
أما في الهند فإن من عاداتهم تسبيل ماء الورد وصنع تماثيل خشبية أو ورقية للأضرحة المقدَّسة يطوفون بها الى ‏العاشر حيث يدفنونها في مياه الانهار. 
والسبب في تكثر الرايات والاعلام في الهند وباكستان  طلب البركة من "البنجة" أو الكف المعدنية التي كانت تعلو علم ‏الحسين عليه السلام بكربلاء وهي محفوظة في مكان شيّد لها خصيصاً , وقد ذكر في موسوعة العتبات المقدسة عن ‏كتاب تاريخ الشيعة في الهند للدكتور هوليستر قصة وصولها الى لكنهو وهي بإختصار أن أحد الحجاج الهنود رأى في ‏منامه في مكة العباس بن علي عليهم السلام حامل لواء الحسين ودلَّه على مكانها المدفونة فيه في كربلاء فتوجه اليه ‏فوجدها ونقلها الى هناك وسلَّمها الى عساف الدولة حاكم لكنهو واليوم الخامس من المحرم يشهد أكثر من 50 الف علم ‏تأتي ليلمسوها أعلامهم ويعودون بها. 
وثمة رسوم وعادات أخرى تذكر في نقطة الهيئات والمواكب وعندك الكثير مما لا يتسع له المجال. 
وما يعنينا هنا ملاحظة أن هذا الجانب من الاحياء وان اتخذ شكل الطقس إلا أن فيه دلالات اجتماعية مؤثرة جداً في ‏حفظ القضية الحسينية مهما كان مستوى الالتزام الديني وهو أمر ينبغي الحفاظ عليه كجزء من التراث من جهة ونقطة ‏بداية واعية من جهة أخرى , فإن الوحدة الاجتماعية التي يظهرها التمسك والتعاون لأداء هذه الطقوس غير ‏المنصوص عليها يشبه الى حد بعيد ما تؤسسه حركات الحجيج والجماعة والصيام والافطار وما اليها.

‏هل يمكن تأسيس احياء عاشورائي يكون بعيداً عن السلبيات ومشتملاً على كل الايجابيات؟ ‏

ينبغي تحديد الأغراض المقصودة من الاحياء على المستوى الدنيوي والمرتبط طبعاً بالآخرة وما يتعلق بهذه الاغراض ‏لتكون الاجابة واضحة ومفصَّلة لأن الاحياء العاشورائي عموماً يصل بالانسان- في هذه الدنيا- إلى نتائج وآثار نفسية ‏واجتماعية غالباً ما يكون غافلاً عن ارادتها لتعلق مشاركته بالجانب الأخروي. 
وان التفكير الذي نمارسه اليوم لايجاد احياء ايجابي بعيد عن السلبيات من موقعنا كعلماء وطلبة علوم دينية وبحثنا في ‏الوسائل المتعددة انطلاقاً من كونها طرقاً للاحياء وبوصفها شعائر تفترض شرعية للوصول الى اغراض شرعية ‏وعقلائية كل هذا يجعلنا نقوم بعملية تدخل ثقافي , تسهم في ايجاد وحذف اشياء وقيم وسلوك على مستوى الثقافة ‏الشعبية "طرق الاحياء العاشورائي جزء منها) من موقع ثقافة النخبة المنحازة لا النخبة الغربية أو المتغربة , وهكذا ‏فإن عملية التحليل التي نمارسها لن تؤدي الى الالغاء كما يحصل عند ممارسة ذلك مع نماذج الثقافة الشعبية ‏‏"الأسطورة"ومفرداتها الاخرى , فمثلاً ان تفسيرنا لتمييز الهنود والباكستانيين بشيوع استعمال الرايات وكثرتها بكون ‏‏"البنجة" أو الكف التي كانت على رأس راية العباس عليه السلام قد اكتشفها هندي في كربلاء ونقلها الى الهند بحسب ‏دعواه , وهم يلتمسون البركة منها بلمس رؤوس راياتهم بها, لن يلغي نظرة القداسة التي يحملها الموالي لكفي العباس ‏المقطوعتين , فهذا شأن تاريخي وهو أيضاً شأن ديني في بعده الواقعي المعبرّ عن شدة الالتزام وانضباطه من جهة ‏العباس عليه السلام وقمة الغدر والنذالة في الجهة المقابلة. 
وهذا التحليل بعيد عن التحليل والتفسير الذي يطال الاسطورة فيلغي الطقوس المتعلقة بها كما في تفسير ظاهرة طوفان ‏النيل التي أنشأت طقس التضحية ببكر انثى ثم لما اتضح معنى الفيضان العلمي بطلت الطقوس. 
إن التحليل والدراسة هنا يحملان غرضاً اساسياً هو مواجهة حرب التضليل التي بدأها يزيد بن معاوية وما زالت ‏مستمرة والتي واجهتها السيدة زينب والامام السجاد عليهما السلام بشكل أساسي وعلينا الاستمرار على نفس الخط ‏والنهج بحيث تكون معركتنا ومواجهتنا متسلحة بكل عوالم الانتصار وقادرة على التقاط كل ثماره في مجال الدعوة ‏وبيان حقيقة مذهب أهل البيت , ومستبعدين لكل عوامل الفشل المؤدية الى اظهارنا تارة خارجين عن الاسلام وطوراً ‏متخلفين عن التطور الحضاري الانساني العام . 
والطقس العاشورائي على هذا الاساس مستمر لأنه اتخذ صفة الشعيرة الدينية الحرَّة وما دام كذلك فإنه يمتلك صفة ‏الحياة والحي من الشعائر يطوّر عوامل البقاء والاستمرار فكيف إذا كانت هي ذاتها حاجات الفرد والمجتع على حد ‏سواء . 
إن الشخصية السويَّة تملك الاحساس بالطمأنينة الباطنية والشعور بالعطاء والأمل والوفاء والعشق والاهتمام بالآخرين ‏والارادة الهادفة. 
وعلى المستوى الاجتماعي فإن المجتمع السوي هو مجتمع يمتلك مواصفات الكفاية والعدل والقوة اللازمة لحمايته ‏داخلياً وخارجياً. 
وكما كانت هذه الصفات على المستوى الشخصي متوفرة في الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه كانت صفات المجتمع ‏السويّ الشخصي الفردي والاجتماعي وهو ما يظهر معنا عند دراستنا لمفردات الاحياء العاشورائي فضلاً عن الفوائد ‏الجمة الأخرى , بل إنه يجب في كل مفردة من مفردات الأحياء ولو مقتصراً على البعض من هذه الصفات والعكس ‏سيكون مجلبة لكل السلبيات وأخطرها ان نتحول الى شين على أئمتنا لا زيناً لهم. 
وإن المحذور الأساسي الذي ينبغي التنبه الدائم له أن لا تسمح الحرية في الاحياء بايجاد وقبول اشكال مخففة تحمل ‏قدرة على توليد أشكال سلبية من أشكال شبه ايجابية ولذلك فإن استمرار الرقابة منا جميعاً أمرٌ مطلوب وهو بأكمل ‏صورة المسؤولية مطلوب وموجود بالفقهاء العظماء مراجع الامة وخصوصاً ولي أمر المسلمين السيد علي خامنئي دام ‏ظله وبملاحظة إمام الزمان الحجة المنتظر عجَّل الله فرجه.



ختاماً : أثر إحياء عاشوراء في إيصال رسالتها الإنسانية :

وعدت في أول الكلام على منهج البحث أن أختم بتسجيل ملاحظات شخصيات غير شيعية و غير مسلمة عمَّا لمسته ‏من آثار لثورة الأمام الحسين وإحياء عاشوراء وما استقرؤوه وحصل فعلاً من آثار إحيائها بتمادي السنين: 

مسلمون : 

الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: 
في دراسة تحت عنوان "رحلة الدم الذي هزم السيف" ونشرت هذه الدراسة في مجلة المختار الإسلامي العدد رقم 21 ‏السنة الثانية 1981، قال فيها: 
"لأن الإمام الحسين كان رمز الثورة وجذوتها المشتعلة فقد اعتمدت بوعي رؤيته للثورة والتزمت بها، وأعلنت أن ‏الثورة عمل غير مؤجل، وأن الوجوب فوق الإمكان، وأن مهادنة العدو والهرب من مواجهته حتى تكتمل ما تسمى ‏بالقدرة المتكافئة هو وهم يشل الحركة ويقتلها". 
في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي بتاريخ 14/2/1993 ألقى الشهيد ‏الشقاقي كلمة قال فيها: 
"في ذكرى شهيد فلسطين نؤكد على تمسكنا بفلسطين من بحرها لنهرها، نؤكد رفض شعبنا القاطع لمفاوضات الذل ‏والعار ونقول للجميع إن بديلنا هو الصمود والثبات واستمرار خط الجهاد والنضال، في ذكرى رحيل السيد الكربلائي ‏الحسيني الخميني الفذ نؤكد أن كربلاء خالدة في ضمائرنا، إن الحسين باقٍ في دمنا ووجداننا، إن الخميني لا زال حياً ‏في واقعنا وأيامنا كأنه لم يفارقنا بعد، رحل السيد الذي قالوا له لا تذهب جنوباً .. لا تذهب الى جبشيت كما قالوا لجده ‏العظيم أبي عبدالله الحسين لا تذهب شمالاً..لا تذهب إلى كربلاء ولكنه ذهب ليهبنا بموته الحياة وليزرع في صحرائنا ‏الأمل، فبوركت أيها الفدائي العظيم، بوركت ذكراك، بورك حزب الله يستشهد أمينه العام، إنه حزب لا يموت، إنه ‏حزب ينتصر، ألا إن حزب الله هم الغالبون". 
الشيخ عبد الله العلايلي : 
جاء في أخبار الحسين: أنّه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّ (صلى الله عليه وآله) ‏إشعاعة غامرة من حبّه، وأشياء نفسه، ليتمّ له أيضاً من وراء الصورة معناها فتكون حقيقة من بعد كما كانت من قبل ‏إنسانية ارتقت الى نبوّة (أنا من حسين) ونبوة هبطت الى إنسانية (حسين منّي) فسلام عليه يوم ولد
عباس محمود العقّاد: 
مثل للناس في حلّة من النور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان، غير مستثنىً ‏منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث، فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم اُسرة الحسين عدّة وقدرة ‏وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تأريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين
محمد علي جناح، مؤسس دولة باكستان: 
لا تجد في العالم مثالاً للشجاعة كتضحية الإمام الحسين بنفسه واعتقد أن على جميع المسلمين أن يحذو حذو هذا الرجل ‏القدوة الذي ضحّى بنفسه في أرض العراق ‏


غير مسلمين : 

المستشرق الألماني ماربين: 
قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، ‏وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع ‏البشر ان الظلم والجور لا دوام له. وان صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلا انه لا يعدو أن يكون أمام ‏الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح. 
الكاتب الإنجليزي المعروف تشارلز ديكنز: 
إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ ‏إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام. 
المستشرق الإنجليزي السير برسي سايكوس: 
حقاً ان الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، كانت على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء ‏عليها لا إراديا. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد. 
الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس: 
لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة. 
الكاتبة الإنكليزية فريا ستارك: 
إن الكاتبة الإنكليزية القديرة فريا ستارك كانت قد كتبت فصلاً صغيراً عن عاشوراء في كتابها المعروف باسم (صور ‏بغدادية) صفحة (145- 150) طبعة كيلد يوكس1947م، وقد يسمى كتابها (مخططات بغداد)، وتبدأ هذا الفصل ‏بقولها: إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم ‏الأولى كلها.. وتأتي المس فريا ستارك على ذكر واقعة الطف ومصيبة أهل البيت وإحاطة الأعداء حول الإمام الحسين ‏‏(ع) ومنعهم إياه عن موارد الماء فتقول: 
على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب ‏مخيمه.. بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه. وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس ‏في يومنا هذا كما كانت قبل (1257) سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ‏ما لم يقف على شيء من هذه القصة لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص ‏القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء.. 
المستشرق الألماني كارل بروكلمان : 
في كتاب: تاريخ الشعوب الإسلامية. 
الحق أن ميتة الشهداء التي ماتها الحسين بن علي قد عجلت في التطور الديني لحزب علي، وجعلت من ضريح الحسين ‏في كربلاء أقدس محجة.. 
الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس: 
في كتاب: الرحلة إلى كلدة وسوسيان. 
لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة. 


الباحث الإنكليزي جون أشر: 
كتاب: رحلة إلى العراق. 
إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي.. 
المستشرق الهنغاري أجناتس غولدتسيهر: 
كتاب: العقيدة والشريعة في الإسلام. 
قام بين الحسين بن علي والغاصب الأموي نزاع دام، وقد زودت ساحة كربلاء تاريخ الإسلام بعدد من الشهداء.. ‏اكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهراً عاطفياً.. 
المستشرق الهولندي رينهارت دوزي: 
كتاب: تاريخ مسلمي أسبانيا. 
لم يتردد الشمر لحظة في الإشارة بقتل حفيد الرسول حين أحجم غيره عن هذا الجرم الشنيع.. وإن كانوا مثله في الكفر.. ‎‎
المستشرق الفرنسي هنري ماسيه: 
كتاب: الإسلام ‏
في نهاية الأيام العشرة من شهر محرم طلب الجيش الأموي من الحسين بن علي أن يستسلم، لكنه لم يستجب، واستطاع ‏رجال يزيد الأربعة آلاف أن يقضوا على الجماعة الصغيرة، وسقط الحسين مصاباً بعدة ضربات، وكان لذلك نتائج لا ‏تحصى من الناحيتين السياسية والدينية.. 
الكاتب الإنكليزي توماس لايل : 
ذكر مستر توماس لايل الذي اشتغل في العراق معاوناً للحاكم السياسي في الشامية والنجف بين سنتي 1918- 1921 ‏ومعاوناً لمدير الطابو في بغداد وحاكماً في محاكمها المدنية في كتابه (دخائل العراق ص57-76) بعد أن شهد مجالس ‏الحسين ومواكب العزاء.. 
...ولم يكن هناك أي نوع من الوحشية أو الهمجية، ولم ينعدم الضبط بين الناس فشعرت في تلك اللحظة وخلال مواكب ‏العزاء ومازلت أشعر بأنني توجهت في تلك اللحظة إلى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الإسلام، وأيقنت بأن ‏الورع الكامن في أولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم، بوسعهما أن يهزا العالم هزاً فيما لو وجها توجيهاً صالحاً ‏وانتهجا السبل القويمة ولا غرو فلهؤلاء الناس واقعية فطرية في شؤون الدين.. 
الآثاري الإنكليزي ستيون لويد: 
كتاب: تاريخ العراق من أقدم العصور إلى يومنا هذا/ أو الرافدان. 
حدثت في واقعة كربلاء فظائع ومآسٍ صارت فيما بعد أساساً لحزن عميق في اليوم العاشر من شهر محرم من كل ‏عام.. فلقد أحاط الأعداء في المعركة بالحسين وأتباعه، وكان بوسع الحسين أن يعود إلى المدينة لو لم يدفعه إيمانه ‏الشديد بقضيته إلى الصمود ففي الليلة التي سبقت المعركة بلغ الأمر بأصحابه القلائل حداً مؤلماً، فأتوا بقصب وحطب ‏إلى مكان من ورائهم فحضروه في ساعة من الليل، وجعلوه كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب وأضرموا فيه ‏النار لئلا يهاجموا من الخلف.. وفي صباح اليوم التالي قاد الحسين أصحابه إلى الموت، وهو يمسك بيده سيفاً وباليد ‏الأخرى القرآن، فما كان من رجال يزيد إلا أن وقفوا بعيداً وصّوبوا نبالهم فأمطروهم بها.. فسقطوا الواحد بعد الآخر، ‏ولم يبق غير الحسين وحده.. واشترك ثلاثة وثلاثون من رجال بني أمية بضربة سيف أو سهم في قتله ووطأ أعداؤه ‏جسده وقطعوا رأسه.. 


العالم الانثروبولوجي الأمريكي كارلتون كون: 
كتاب: القافلة.. أو قصة الشرق الأوسط. 
إن مأساة مصرع الحسين بن علي تشكل أساساً لآلاف المسرحيات الفاجعة.. 
المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن: 
كتاب: نهضة الدولة العربية. 
بالرغم من القضاء على ثورة الحسين عسكرياً، فإن لاستشهاده معنى كبيراً في مثاليته، وأثراً فعالاً في استدرار عطف ‏كثير من المسلمين على آل البيت ‏(ع).. 
المستشرق الإنكليزي د. ج. هوكارت: 
كتاب :الجزيرة العربية. 
دلَّت صفوف الزوار التي تدخل إلى مشهد الحسين في كربلاء والعواطف التي ما تزال تؤججها في العاشر من محرم ‏في العالم الإسلامي بأسره، كل هذه المظاهر استمرت لتدل على أن الموت ينفع القديسين أكثر من أيام حياتهم مجتمعة.. 
الباحثة الإنكليزية جرترود بل : 
في كتاب : من أموراث إلى أموراث. 
لقد أصبحت كربلاء مسرحاً للمأساة الأليمة التي أسفرت عن مصرع الحسين.. 
الكاتب المؤرخ الإنكليزي السير برسي سايكس: 
قال في كتابه (تاريخ إيران) ص542‏. 
إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا ‏وإكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا.. 
العالم الإيطالي.. الدومييلي: 
قال في كتابه (العلم عند العرب)‏.. 
نشبت معركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي، وخلفت وراءها فتنة عميقة الأثر، وعرضت الأسرة الأموية في ‏مظهر سييء.. ولم يكن هناك ما يستطيع أن يحجب آثار السخط العميق في نفوس القسم الأعظم من المسلمين على ‏السلالة الأموية والشك في شرعية ولايتهم.. 
المستشرق الأمريكي غوستاف غرونيبام : 
وهو أستاذ ألماني الأصل هاجر إلى الولايات المتحدة ‏
ذكر في كتابه (حضارة الإسلام) بأن: 
الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبر عن عواطف وانفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس قبل ذلك ‏بقرون عديدة، وأضاف قائلاً: إن وقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثَّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل ‏النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى.. 



المؤرخ الإنكليزي جيبون.. 
نسب إليه الأستاذ الهندي (سيد أمير علي) في كتابه (مختصر تاريخ العرب) هذا القول: إن مأساة الحسين المروّعة - ‏على الرغم من تقادم عهدها - تثير العطف وتهز النفس من أضعف الناس إحساساً وأقساهم قلباً.. 
وأضاف سيد أمير علي تعقيباً على رأي جيبون قائلاً: 
إن مذبحة كربلاء قد هزت العالم الإسلامي هزاً عنيفاً، ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية.. 
غاندي، محرر الهند : 
قال غاندي في كتابه (قصة تجاربي مع الحقيقة): أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلست أعرف كثيراً عن الهندوسية، ‏وأني اعتزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي. 
وقال: لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين.. 
وبعد دراسة عميقة لسائر الأديان عرف الإسلام بشخصية الإمام الحسين وخاطب الشعب الهندي بالقول المأثور: 
لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء وإتضح لي أن الهند إذا ‏أرادت إحراز النصر، فلابد لها من إقتفاء سيرة الإمام الحسين. 
وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين تأثراً حقيقياً وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز ‏المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق.. وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين ‏بقوله: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر.. 
تشارلز ديكنز - الكاتب الإنجليزي المعروف: 
إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ ‏إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام. 
توماس ماساريك: 
على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع ‏المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين (ع) لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم. 
موريس دوكابري: 
يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ ‏لتسلط ونزوات يزيد، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة ‏الذليلة. 
الأديب جورج جرداق : 
حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، وكانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحسين فكانوا ‏يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين نديك ونقتل مرة أخرى أيضاً. 
انطوان بارا : 
لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم ‏الحسين. 
الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون : 
هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى ‏الأبد، وتذكر على الدوام. 
المستشرق الإنجليزي ادوار دبروان : 
وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح ‏التي وقعت هذه المعركة في ظلها. 
الكاتب المسيحي كرم قنصل: 
"سيرة الحسين مبادئ ومثل وثورة أعظم من حصرها ضمن الأطر التي حصرت بها، وعلى الفكر الانساني عامة ان ‏يعيد تمثلها واستنباط رموزها من جديد لأنها سر السعادة اليشرية وسر سؤددها وسر حريتها وأعظم ما عليها امتلاكه" 
المطران الدكتور برتلماوس عجمي: 
"من أجدر من الحسين لأن يكون تجسيدا للفداء في الاسلام؟" 
الشاعر بولس سلامة: 
"ان ملحمة كربلاء هي ملحمتي الذاتية كفرد انساني" 
الفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي توماس كارليل: 
أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله،وقد أثبتوا بعملهم ذاك أن ‏التفوق العددي لا أهمية له حين المواجهة بين الحقّ والباطل والذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلّة الفئة التي ‏كانت معه إدوارد براون، المستشرق الإنجليزي: 
وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتّى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح ‏التي وقعت هذه المعركة في ظلّها ‏
فردريك جيمس: 
نداء الإمام الحسين وأي بطل شهيد آخر هو أن في هذا العالم مبادئ ثابتة في العدالة والرحمة والمودّة لا تغيير لها، ‏ويؤكد لنا أنه كلّما ظهر شخص للدفاع عن هذه الصفات ودعا الناس إلى التمسّك بها، كتب لهذه القيم والمبادئ الثبات ‏والديمومة ‏
ل . م . بويد: 
من طبيعة الإنسان أنه يحب الجرأة والشجاعة والإقدام وعلو الروح والهمّة والشهامة. وهذا ما يدفع الحرية والعدالة ‏الاستسلام أمام قوى الظلم والفساد. وهنا تكمن مروءة وعظمة الإمام الحسين. وأنه لمن دواعي سروري أن أكون ممـن ‏يثني من كل أعماقه على هذه التضحية الكبرى، على الرغم من مرور 1300 سنة على وقوعها.

مراجع ومصادر البحث والفائدة ‏

- الشهرستاني, السيد صالح: تاريخ النياحة على الامام الشهيد الحسين بن علي (ع), 1974‏. 
- الأمين, السيد محسن: المجالس السنية. 
- الأمين, السيد حسن: دائرة المعارف الإسلامية, مادة تعزية وعند التعريف بالدول. 
- الخليلي, جعفر: موسوعة العتبات المقدسة , قسم كربلاء. 
- الحيدري, ابراهيم : تراجيديا كربلاء. 

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور