الخميس، نوفمبر 21، 2013

بمناسبة عيد الإستقلال .. من ذكرياتي في الجيش اللبناني




ليتهم يعيدون الخدمة العسكرية الوطنية الإلزامية ولو على الطريقة الألمانية التي لا تضيع معها الدراسة  .

أوائل آب صيف عام 1975 إلتحقت بالخدمة العسكرية في الجيش اللبناني بصفة طالب إحتياطي حيث كانت الخدمة العسكرية الإلزامية وقتها مفروضة على الطالب المقيم في لبنان الذي أنهى الدراسة الثانوية ولم يلتحق بإحدى الكليات الجامعية كالهندسة والطب التي كان طلابها يمكنهم تأجيل الخدمة حتى إنهائها وكذلك الطلاب المقيمين في الخارج .
قدمنا أوراقنا إلى مكتب مديرية التعبئة - جبل لبنان في ثكنة شكري غانم , الفياضية وسلمنا أنفسنا بعد يومين حيث جرى إلحاقي بكتيبة مقر عام الجيش - مديرية التعبئة واستلمنا بزَّة العمل العسكرية والتجهيزات وجمعناها في الكيس البحري المخصص أو في الشنط لمن توفرت له وكذلك بندقية الفال مع مماشطها من مخزن الكتيبة في اليرزة وبانتظار نقلنا إلى ثكنة حمانا للشروع بالدورة التدريبية قضينا حوالي عشرة أيام في ثكنة الفياضية كان تدريبنا فيها مقتصرا على الرياضة والنظام المرصوص وكانت أقسى حركة علينا أيامها "مشية الوزة" وهي المشي في وضعية القرفصاء رافعا بكلتا اليدين البندقية إلى الأعلى في ملعب المدرسة الحربية .
تولى تدريبنا في ثكنة حمانا الملازم المغوار إلياس إلياس من الشوف وكان ينوب عنه الملازم أول يوسف الطحان وكان يعاونهما الرقيب أول مطانوس الذي صدف أنه كان هو الذي يتولى تدريبنا في ثانوية برج البراجنة وكانت حصة التدريب العسكري مادة من البرنامج الدراسي في الثانويات وكانت من المواد التي يمتحن فيها الطلاب وتدرج العلامة في جدول العلامات وقد تقدمت لهذا الإمتحان في مدرسة القتال في حارة حريك الملاصقة للمعهد العالي للرياضة العسكرية الذي كان مدخله من جهة طريق المطار بينما كان مدخلها من الشارع الداخلي .
كان الملازم الياس قاسيا في تدريبه وأبلغنا حينها أن بعض التدريبات خاصة بالمغاوير ولكنه يرغب لدورتنا أن تكون مميزة ومنه تعلمت قاعدة هامة في الحياة , قال لنا : "حاولوا أن تحفظوا كل ما سيواجهكم من صعوبات لأنها ستصير ذكريات بعد نهاية التدريب وهذا سيساعدكم في تخطي الصعوبات نفسها وسيبقى في ذاكرتكم طيلة حياتكم " .   
ولن أنسى قبل أن ينهكنا في أول مسير نهاري مميز أمره لنا "ضعوا كل ملابسكم وأغراضكم في الشنط والأكياس التي ستحملونها على ظهوركم" حيث اكتشفنا لاحقا أنه سيزيدها ثقلا بإنزالنا في بركة مياه آسنة لتغمرنا فوق رؤوسنا إلى أن يطمئن من تخللها إلى كل ما على ظهورنا ثم إلى ضهر البيدر صعودا في الجبل .
الجولة الهوائية أيضا لم تكن من تدريبات طلاب الإحتياط فقط الجولة الأرضية كانت مفروضة وكان بعضنا لا يطيقها فضلا عن أن بعض حركاتها كتسلق الحبل كان مستحيلا مثلا لطالب من آل عيد ضخم الجثة بحيث أنه بقي إلى نهاية الشهر الأول من الدورة حتى تسلم حذاءه العسكري "التوصاية" لأن قياس رجله 54 . وكان معنا طالب من بيروت يصاب بالصرع ويتخشب بدنه من الإرهاق .
لا أنسى "اللوتنان الياس" ولا نصيحته وسأطالبه بعددين من مجلة عالم الفكر الكويتية "التاريخ" و"الإنسان والجريمة" صادرهما مني في جولة تفتيش مسائية على أغراضنا.
ولا أنسى صراخ الرقيب أول صباحا "يلا عالدابو" وهي من بقايا اصطلاحات الجيش الفرنسي مخلوطة باللبناني وتعني هيا إلى الإصطفاف , وكذلك كلمة "مْمَنِّك" وتعني المتخلف عن الرجوع من المأذونية في الوقت المحدد أو الهارب بدون مأذونية .
أجمل أيام الدورة كانت يوم الخميس للذين يقع عليهم قرعة الخدمة في المطبخ من أفراد الدورة , رغم التعب من تنزيل وترتيب المؤن المعلبة والخضار والفاكهة إلا أنها كانت أهون من الرياضة ويتخللها "ترويقة غير شكل" من فرن المطبخ قطع اللحم المشوية مع البصل والبندورة والخبز الطازج ...
عندما اشتدت أعمال الخطف والقتل منعت المأذونيات خارج نطاق حمانا والشبانية فكنا نهرب أحيانا إلى بحمدون بعد الظهر ونرجع قبل إجتماع التعداد المسائي نحضر السينما أو نجلس لشرب الشاي والقهوة في إحدى المقاهي القديمة التي يرتادها العجائز خوفا من دوريات الشرطة العسكرية ...
 في بداية الدورة جاء مصور خاص مكلفا من قيادة الجيش ليصورنا للبطاقة العسكرية ولكننا استدرجناه لتصويرنا في أوضاع متعددة وكانت منها الصور المرفقة التي حصلنا عليها منه في الأستوديو الخاص به فوق سينما المتروبول في بيروت.
عندما كنا في الفياضية زارني أهلي أكثر من مرة وكانوا يأتون إلي بالأكل المطبوخ بالزيت أو المقلي بحيث يمكن حفظه يومين أو ثلاثة ولكن حمَّانا كانت بعيدة فكنت أنزل إليهم في مأذونية.
بعد انتهاء الدورة التحق كل منا بمركزه وكنت مع عدد من زملاء الدورة وفيهم صديق من الثانوية وصديق من جباع صرنا جارين لاحقا ممن ألحقوا بمديرية التعبئة وكان مديرها بالوكالة العقيد أنطوان خليفة الذي انفرجت أساريره عندما عرف أني من برج البراجنة وسألني عن المُقدَّم (وقتها) محمود منصور وحكى لي عن تميزه برماية المدفعية وعن تأخر ترقيته بسبب عناده مع بعض رؤسائه .
النقيب جورج معيكي استدعاني وأبلغني أن قريبي النقيب(وقتها) سمير عثمان قد أوصاه بي .
 كان مركزالمديرية  آخر عين الرمانة من جهة فرن الشباك في بناية ملاصقة لمبنى مديرية الشؤون الجغرافية ويشاركنا فيها الدفاع المدني .
اختارني المعاون أول حنا حنا لأكون معه في مكتب المدير حيث كان يشغل أمانة السر ومنه تعلمت الكثير ولا أنسى عندما وصل طرد مربوط بخيط سميك وكان عدد من الرتباء والعسكريين موجودا وكنت جديدا في المكتب نظر إلي وقال : " يا علي عطيني سكينتك " فسحبتها من جيبي وناولته إياها بعفوية . سأله أحدهم كيف عرفت أن معه سكينا ؟ فأجابه " كل متوالي بيحمل سكينة " .... لاحقا سمعت ما ينسب  للإمام علي عليه السلام "تسلحوا ولو بشبر من حديد".
هل عرفتم أصل كلمة "شبرية" ؟
أصعب أيام الخدمة في المديرية كانت بعدما قام أحد العسكريين بقتل عدد من طلاب الإحتياط الأرمن في ثكنة فخر الدين في منطقة الأونيسكو ببيروت ثأرا وكانت الحرب الأهلية اشتعلت فصرنا نسمع تلميحات وتهديدات ولم يكفنا جواب العقيد خليفة "بقوصو بالساحة اللي بيتعرض لكم" عندما اشتكينا إليه وكنا ستة مسلمين فقط وقلنا له إننا قلقون لدرجة أننا نظمنا نوبات حراسة خاصة إضافة لما كنا ننفذه من حراسة على المديرية بعدما حاول أحد الأحزاب اليمينية التعرض للمبنى .
بعد ظهر نهار العاشر  من آذار 1976 تركنا أغراضنا في غرفتنا وبنادقنا في مخزن الأسلحة وغادرنا المبنى بهدوء أنا واثنان فيما أصر الآخرون على البقاء . أعلن قائد منطقة بيروت العميد عزيز الأحدب الإنقلاب العسكري مساء الحادي عشر , وعانى العقيد خليفة في مواجهة الهجوم العسكري المليشيوي على المبنى لكنه كان وفيا لكلمته فبذل جهده لإيصال الرتيب والعسكريين المسلمين أحياء إلى وزارة الدفاع ثم إلى بيوتهم .
سبعة أشهر وعشرة أيام انقضت من سنة الخدمة ...
جرى تسريحنا مع عفو عن الجرائم (الهرب من الخدمة ,تضييع السلاح .. ) بقرار عام لاحقا ولم نتسلم بطاقات الإحتياط التي كان ينبغي أن توضع عليها الصورة الملتقطة في ثكنة حمانا...ونداء الإلتحاق عند طلب الإحتياط لحاجة الجيش إلى عديد...


الشيخ علي خازم , ‏الخميس‏، 21‏ تشرين الثاني‏، 2013 










ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور