الخميس، نوفمبر 28، 2013

الفراغ بين الفكر والواقع ,القسم الثاني - هل الفراغ موجود وأين؟




الفراغ بين الفكر والواقع ,القسم الثاني -  هل الفراغ موجود وأين؟





ثبت حتى في علم الفلك أن الفراغ موجود في الفضاء بمعنى خاص[1] , ولن أدخل في بحث المقابلة بين الوجود والعدم الآن على أنه موضوع قائم بيني وبين أحد الأخوة الفضلاء في مذاكرة تستعيد البحث التاريخي في الفلسفة وعلم الكلام عن أصالة الماهية أو أصالة الوجود ؟
قلت في القسم الأول إن الفراغ لغة هو الخلاء أو الخلو وبيَّنت أنَّه في بعض الإستعمالات يمكن التجريد وفي بعضها نحتاج إلى الإضافة وأورد الآن أمثلة لذلك .
 في التجريد عن الإضافة يتضمن الإسم الموصوف بالفراغ ومرادفاته دلالة لغوية أو إلتزامية على طبيعة ما لا يحتويه  نقول معدة فارغة وصحراء قفر أي من الطعام في الأولى ومن العمران والنبات في الثانية دونما حاجة لبيانهما.
لكنننا نحتاج الإضافة البيانية في موارد أخرى ومنها وصف الإنسان بالفارغ إذ لا بد من بيان طبيعة فراغه من أي شئ , وكذلك في ما يحتمل شغله بأكثر من صنف لبيان عن أيها قد خلا .
وهذا كله لأن الفعل فرغ يُستعمل إمَّا لازما : فرغ الرجل مات لخلو جسده من روحه وفرغ الإناء خلا , أو متعديا بأحد الحروف من وعن ول وفي ....
استعمل الفعل فرغ في الكتاب العزيز بمعان متنوعة[2] وما يناسب بحثنا منها قوله تعالى :
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  - القصص - الآية - 10 .
الملاحظة الأولى أن الوصف "فارغا" متعلق بالفؤاد المضاف إلى أم موسى إضافة حقيقية مما يجعل وصفها (أم موسى) بالفارغة مجازا إلا أن تضاف قرينة لفظية فنقول : أم موسى فارغة الفؤاد , وقد مر معنا القول على الدلالة الإلتزامية واللغوية ومَثَّلنا لها ب"معدة فارغة".
ويظهر بدوا معنى "فراغ الفؤاد" في "الطمأنينة" بالوقف في الآية على الجملة التامة  "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا" كما تقول العرب "فلان خالي البال" , وأن ما بعدها مستقل عنها في البناء اللغوي وإن كان دخيلا في المعنى , وهو ما أتبناه في اختلاف المفسرين .[3]
الملاحظة الثانية بناء على الأولى إن وصف الإنسان بالفارغ مجردا عن الإضافة على أصل اللغة هو وصف محايد ليس فيه دلالة على الذم أو المدح , ويكون الإستعمال وكثرته والتسالم فيه مُحَيِّزاً الدلالة إلى أحد الطرفين .
السؤال الآن بعدما رأينا وصف معدة الإنسان وفؤاده بالفراغ هل توجد فراغات أخرى ؟
ما هو محلها منه وما هي طبيعتها؟
....يتبع
الشيخ علي خازم , ‏الإثنين‏، 18‏ تشرين الثاني‏، 2013


[1] راجع : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_6963000/6963783.stm
http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID=18440
 
[2] الصب : وهو الإفراغ ويتعدى إلى مفعوله بحرف في أو على أو ل :
وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ  - البقرة - الآية - 250 
وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ  - الأعراف - الآية - 126 
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا  - الكهف - الآية - 96 
وبمعنى القصد وترك كل الأمور الأخرى : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ  - الرحمن - الآية - 31  وهو هنا استعارة كما قاله الراغب الإصفهاني في مفرداته " من قول الرجل لمن يتهدده سأفرغ لك أي سأتجرد للايقاع بك من كل ما يشغلني عنك حتى ‏لا ‏يكون لي شغل سواك" . وقال الراغب أيضا :
 "وقيل: * (سنفرغ لكم) *  أي سنحاسبكم بالفراغ مجاز عن ‏الحساب  .
وبمعنى أتممت أعمالك كما في قوله تعالى : فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ  - الشرح - الآية - 7 " .
 وبمعنى كشف نقل الراغب : "وفي قراءة فُرِّغَ بدل فُزِّعَ في قوله تعالى : وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ  - سبأ - الآية - 23 " .
                                                                                      
[3] راجع كتب التفسير

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور