الاثنين، سبتمبر 23، 2013

أخيراً قَبِلَتْ زينب بعَرْضي وبدأ قلقي على التخشيبة







أخيراً قَبِلَتْ زينب بعَرْضي وبدأ قلقي على التخشيبة

والتخشيبة يا كرام هي غرفة ملحقة بالبيوت القديمة في بلدات ساحل المتن الجنوبي وفي بيت جدي في برج البراجنة كانت تخفي و تفصل المنزول من البيت عن بيت الخلاء الذي كان يثير رعبنا فقد كان معتما وكرسيُّه من الموزاييك على الطراز القديم الذي يمتد في باطن الأرض لأكثر من نصف متر وبعرض لا نحتمله صغارا فنخشى الوقوع فيه.

وهي (التخشيبة ) كانت تبنى من الخشب المفروز في طرفه ليتعشق كل لوح بالآخر بصورة متراكبة وتسمى العملية " دف الخشب " فتمنع دخول المطر , ويكون الدف مرتفعا على أساس حجري مستطيل لا يرتفع عن الأرض إلا بمقدار نصف متر أو أقل , وسقف التخشيبة من القرميد عادة وشباكها صغير يفتح إلى الخارج أما بابها فباب عكا ومفتاحه بيد الوالي وحده ولا نسخة احتياطية منه .

التخشيبة بخزائنها ورفوفها مستودع كل ما لا يحتاجه البيت في يومياته ومجمع عدة شغل صاحب البيت , أما تخشيبة جدي فلم تقتصر على هذين الصنفين بل صارت مجمعا لكل ما يحتمل جدي الحاج محمد يوسف رحال رحمه الله أن يحتاجه يوما ما , فإضافة إلى عدة العمل في المقالع الصخرية وعدة الجمَّالين (الذين ينقلون البضائع على الجِمال ) كانت أجزاء من الحيطان تحمل المناشير الخشبية المشدودة بالحبال وشئ من عدة النجارين , وقرب الباب خزانة الجلود والنعال وسكاكين وسندان الإسكافي وشواكيش ومسامير وبراغي بأحجام مختلفة ...هذه الخزانة ظلت عندي فترة طويلة إلى أن بدأت الحشرات تنخرها فخفت على الكتب منها ورميتها وإلا فلا والله ما خرجت ,عدة البيطرة بقية عدة الجمَّال , بابان من خشب القطران السميك جدا , جذع شجرة زنزلخت طويل ومستقيم بانتظار جفافه تماما ليعمل منه جانبي تخت يدوم قرونا من الزمن وهكذا ...لكن صنفان فقط لم يكونا فيها عدة الكهربائي وعدة السنكري , أما كل ما وصل سالما أو شبه سالم إلى يده رحمه الله فكان يتحول إلى التخشيبة.

وذكرت في غير موضع عشقه للكتب والأنتيكات لكن هذه لم تكن التخشيبة محلها , وذكرت أنني ورثت منه هذا العشق كله لكن بطريقة عصرية فحولت البيت كله تخشيبة على طريقتي .

كانت المرحومة الحاجة أم عصام تتصرف معي كما كانت أمي وخالاتي يتصرفن مع جدي تخفي الشئ فترة فإذا لم أسأل عنه " أَرْدَفَتْهُ " يعني رمته بالفصحى, فنتعاتب وأغضب وثالث يوم يمشي الحال , نعم كنت هنيا لكن لم أكن هينا معها فلكل شئ حسابه واستطرادا كنت إذا حَاولَتِ التمسكن والتعلل بالمرض لتسكين غضبي أثور قائلا مرضك في جسمك وليس لي ولا لك دخالة فيه لكن عقلك لي وكان غالبا لي أما قلبها فتَضَخَّم من حضوري فيه.

طالت الحكاية ولم أذكر قصة قَبُول زينب إبنتي بِعَرْضي, زينب هي إبنتنا لكن فيها من أمها الكثير وفيها مني ما يهمني , وأخيراً قَبِلَتْ أن تدير لي مكتبي ومتحفي ومكتبتي الورقية والإلكترونية وأرشيفي يعني بالمختصر قَبِلَتْ أن تدير تخشيبتي , وهنا مكمن القلق ومبدؤه , القلق على التلَّافة الكهربائية التي سيحمى رأسها والقلق على الناطور الذي سيخصص لنا وقتا لإنزال ما سيرمى والقلق كلما تذكرت أنها في التخشيبة وماذا تراها تصنع الان ؟.

أما لماذا صرت مهملا فبصراحة كانت المرحومة أم عصام تخيفني ب"كبساتها "المفاجئة لمكتبي حتى بعد أن أقعدها المرض كليا فأخاف أن تصنع بي ما كانت تصنعه به زوجة المرحوم الدكتور عمر فروخ وقد حكيت لها قصته وخلاصتها أنه كان يستعمل طاولة السفرة في البيت مكتبا يفرد عليه مراجعه الكثيرة التي ينقل منها لأبحاثه , وحيث إن السفرة مع الصالون فكانت إذا خرج تجمعها عن الطاولة كيفما اتفق خوفا من مفاجأة ضيوفهم رحمهم الله وولدهما الشهيد أنس الذي قضى أثناء مشاركته في مسيرة تأييد للمقاومة الإسلامية نتيجة قصف عليها من المنطقة الشرقية من بيروت في الثمانينات.

الحل بسيط سآخذ عطلة طويلة " سنة سابعة " كما يفعل أساتذة الجامعات وأبقى فوق رأسها حتى لا تزيد على ما كانت عليه أمها فترمي كل شئ ولا تكون مثلي فتزيد على ما عندي وأحتاج إلى تخشيبة جديدة .

هذه هي القصة وليست ما تصورتم يا محبين !!! , هي قصة وضع كل شئ في محله وفق تخطيط دقيق من لحظة وروده , فالورقة التي تبقى عشرة أيام على سطح المكتب دون أن تستعملها يجب أن تُضَم إلى ملفها , والملف الذي لا تحتاجه ستة أشهر يجب أن يحول إلى الإرشيف ,وكل قطعة هدية تريد الإحتفاظ بها يجب أن تعمل لها بطاقة هوية ,وهكذا عندها لن يكون البيت تخشيبة ولن تحتاج إلى أورغانايزر وغراندايزر بشري لإدارتها ولو كان زينب إبنتي.

السلام عليكم

الشيخ علي خازم , بيروت ‏الإثنين‏، 23‏ أيلول‏، 2013




ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور