الاثنين، سبتمبر 02، 2013

من آداب الحوار خفض الصوت والسؤال استفهاما لا تعنتا




من آداب الحوار خفض الصوت والسؤال استفهاما لا تعنتا

حتى لا ندخل في حوار الطرشان

مذيعة لبنانية على قناة فضائية , وفي محاولات حسبتها تذاكيا للحصول على معلومة , تمادت في رفع صوتها وتحريك يديها في الهواء بوجه ضيفها الديبلوماسي حتى أحرجها في لحظة بقوله لها لن أجيب على الأسئلة الاستفزازية .

وكنت أثناء متابعة الحوار قبل هذه اللحظة قلت في نفسي أما من أحد يخبرها أن السفير أجنبي لكنه ليس أطرشا , وهذه الملاحظة مستفادة من جواب أحد الأصدقاء الظرفاء لمن كان يحادثه بصوت مرتفع : خَفِّض صوتك ! أنا أعمى لكنني لست أطرشا .

آداب الحوار المباشر وحقوق الجليس كثيرة ومنها خصوصا ما يتعلق بمستوى الصوت في التحاور والتخاطب , ومنها ما يتعلق بطبيعة وأسلوب طرح الأسئلة.

في موضوع الصوت :

حكى القرآن الكريم من وصايا سيدنا لقمان لابنه : وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ - لقمان - الآية - 19

حتى من جاز له الجهر بالقول أشار الله إليه بتجاوزه إلى الصوت المنخفض بصفته سَمِيعًا عَلِيمًا في قوله تعالى : لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا - النساء - الآية - 148

وتوعَّدَ القرن الكريم " الصيحة " وهي الإماتة من صعقة الصوت للمخاصمين بالباطل في الدنيا [1]:

مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ - يس - الآية - 49 فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ - يس - الآية - 50

وقد ورد في الشريعة استحباب خفض الصوت ، وقد وردت روايات كثيرة في هذا الجانب ، قال رسول اللَّه « صلى اللَّه عليه وآله وسلم » : ( يا أبا ذر إخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن ) .

وفي رواية عن ابن عباس يصف أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( وقد رأيته يوم صفين وعليه عمامة بيضاء وكأن عينيه سراجان وهو يتوقف على شرذمة شرذمة يحضهم ويحثهم إلى أن انتهى إلى وانا في كنف من المسلمين . فقال : معاشر الناس استشعروا الخشية وأميتوا الأصوات وتجلببوا ) .

في موضوع السؤال والمحادثة :


لاحظ آداب السؤال بين العبد الصالح وسيدنا موسى في رحلتهما : قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا - الكهف - الآية - 70 قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا - الكهف - الآية - 76

جعل الله تعالى السؤال مدخلا للوصول إلى اليقين حتى عند النبي صلى الله عليه وآله : فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ - يونس - الآية - 94

وعن أنس قال كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتكلم بكلام فصل لا هزر ولا نزر ويكره الثرثرة في الكلام والتشدق فيه.

وقَالَ أمير المؤمنين ( ع ) لِسَائِلٍ سَأَلَه عَنْ مُعْضِلَةٍ : سَلْ تَفَقُّهاً ولَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً , فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيه بِالْعَالِمِ , وإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيه بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ .

وقال الإمام الحسن بن علي عليهما السلام لابنه:

يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك .

ويقول ابن المقفع :

تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ؛ ومن حسن الاستماع : إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه . وقلة التلفت إلى الجوانب . والإقبال بالوجه . والنظر إلى المتكلم . والوعي لما يقول .

الشيخ علي حسن خازم , ‏الإثنين‏، 02‏ أيلول‏، 2013

----------------------------------------------------------


[1] لم أجد مبررا لجعل الصيحة عامة للبشرية كما قال سيدنا الطباطبائي قده : قوله تعالى : * ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة
تأخذهم وهم يخصمون ) * : النظر بمعنى الانتظار ، والمراد بالصيحة نفخة الصور الأولى بإعانة السياق ، وتوصيف الصيحة بالوحدة للإشارة إلى هوان أمرهم على الله جلت عظمته ، فلا حاجة إلى مؤونة زائدة ، و " يخصمون " أصله يختصمون من
الاختصام بمعنى المجادلة والمخاصمة ( ج17 , ص 98 ) . لإن السياق لا يتوقف هنا فالآية متعقبة بقوله تعالى : فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ - يس - الآية - 50 القاطعة للسياق الأول عن التالي الذي يتحدث عن : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ - يس - الآية - 51 . زد على ذلك أنني لم أفهم تفسير الصيحة بالنفخة إلا أن تكون نفخة في بوق كما فسَّر بعضهم " الصُّور " بالبوق : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيه أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ ) * زمر : 68 وهو بعيد .

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور