السبت، فبراير 01، 2014

ثقافة المرأة : عملية استمرارية



ثقافة المرأة : عملية استمرارية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله الطاهرين
     يشكو الكثيرون من توقف النساء بعد الاضطلاع بمسؤولية الزواج و تشكيل الأسرة من تراجع عملية التحصيل الفكري أو المتابعة للإهتمامات الفكرية العالية في مجتمعنا , و هذه الشكوى ان اريد بها انصاف المرأة , و محاولة تأمين سبيل لها يجمع بين قيامها بما تحتاجه منها أسرتها  ولا يمكن لغيرها القيام به خصوصا وبين تحصيلها الثقافي, فهي صرخة ايجابية نافعة ان شاء الله , و إلا فإن الأساس ان هذه المشكلة تعم الرجل والمرأة في ظل الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية التي نعيشها , و لعل الاستقراء و الاحصاء يساعدان على تأكيد دعوى العموم هذه .
     ان المجال المطلوب لتأمين التحصيل الفكري و تطويره هو الوقت  بعد الانتهاء من فرض سلامة الذهن و تحصيل التعليم الاساسي , وان العامل المطلوب للحث على تهيئة الوقت الكافي لتلك العملية هو الاحساس بأهميتها أولاً , و الحاجة الى كونها عملية استمرارية تالياً و يبقى بعد ذلك توفر الظرف الاسري المساعد من جهة و الظرف الاجتماعي المؤمن لموارد التحصيل تلك من جهة أخرى .



عامل الوقت

     نفتخر عادة بكون المسلمين هم الذين قدموا أداة متطورة لمعرفة الوقت , و إن أحكامنا الشرعية تعلمنا في كثير من عباداتنا الالتفات الى تحديد الوقت و تعيينه. و لكن المشكلة تظهر في اننا لا نستفيد من هذه القضية في حياتنا الاجتماعية فترانا نسرف في ساعات عمرنا و نهدرها على اعمال تحتاج الى أقل بكثير من الوقت الذي نصرفه عليها , ثم نشكو أننا لا نجد وقتاً كافياً لأعمال أخرى .
هذه المشكلة التي نعيشها في حياتنا العملية تنقلب من إسراف محض الى عنوان جديد هو الخيانة إذا كنا موظفين لعمل ما , و هي خيانة لأنفسنا في حياتنا الشخصية , فضلاً عن كونها من مصاديق الاسراف . يقول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام : " شرّ ما شغل المرء وقته الفضول " , وهو الزائد عن الحاجة في القول و العمل , و ان الاقتصاد فيهما بمعنى الاقتصار على الحاجة يحفظ للمرء قوته الفكرية و الجسدية للقيام بما يحتاج اليه , و ذلك سواء في المرأة و الرجل من حيث تساويهما في القيمة الاجتماعية كإنسان مكلف .

أهمية التحصيل الفكري و استمراريته

     اذا كان عامل الوقت مشتركاً بين الرجل و المرأة كمجال للتحصيل الفكري فهل ان قيام المرأة بشؤون الاسرة الخاصة بها يعفيها من لزوم التحصيل الفكري واستمراريته,ويحصر ذلك بالرجل؟
 ان الواقع الاجتماعي يدلنا ان من يتخلى عن التحصيل الفكري رجلاً كان أو امرأة يتراجع في مستوى أدائه العلمي العام في الحياة لكن المغالطة الاجتاعية تكمن في اغتفار هذا التراجع في النساء بحجة قيامها بشؤون الاسرة و عدم  اغتفار ذلك في الرجل بحجة أهمية حضوره الاجتماعي. فيما لو دققنا النظر لوجدنا ان لا مبرر لذلك فيهما معاً بل لأمكن أن  لا نغتفر ذلك في النساء خاصة .
و بيان ذلك أنه لا يطالب الرجل - عادة - بأكثر من قيامه بالأعمال التي تعينه على الانفاق الواجب لمن وجبت عليه نفقتهم , بينما تتولى المرأة و إلى مدى طويل , أمر تربية و تدبير شؤون اسرتها و أطفالها و رعايتهم الى ما بعد البلوغ في سني تعلمهم و مباشرتهم للحياة الاجتماعية , فهي اذا مسؤولة عن جانب من الغاية الاساسية في الزواج و هي " السكن " .
فكيف لها أن تكون سكناً لزوجها و مربية لأطفالها بعيداً عن استمرارها في تحصيل و تطوير معارفها و ثقافتها بما يعينها على ايجاد جو الانسجام و الوئام داخل المنزل و تحصيل القدرة على مواجهة المشاكل و الأعباء التي تواجه أسرتها ؟
ان تعليم الاناث و تربيتهن و توجيههن عملية تقع ويجب ان تسير في اتجاه محدد و الى غاية معينة. و لذلك تختلف النساء المتزوجات بعد الزواج بحسب الاتجاه و الغاية اللذان نشان عليها.ومع الاسف فاننا ما زلنا نشهد عبثية في الاتجاه والغاية مع توسع أفق التعليم فضلاً عن أننا و بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية مرة أو سوء التدبير المنزلي مرة أخرى , نشهد في أيامنا هذه و رغم شبه مجانية التعليم ارتجاعاً الى تفضيل تعليم الذكور والاكتفاء بمستوى تعليمي معين في الاناث .
و بعيداً عن النظام الحقوقي الخاص بمؤسسة الزوجية بين الزوج و الزوجة , و مع الاقرار بشكل أو بآخر بوظيفة المرأة - الزوجة كمسؤولة عن شؤون المنزل مثل الغذاء و الرعاية الصحية و الحضانة و التربية و لو بنحو الادارة لها فيما لو توفر للأسرة مستوى اجتماعيا يسمح باستخدام من يقوم بهذه المهام , فإن عملية تطوير المعارف و الثقافة و المهارات الادارية تبقى على أهميتها القصوى اذا ما كان الغرض العام و الغاية الاساسية ايجاد مجتمع مؤمن بالله ومجتمع تقوائي ومجتمع عادل و مجتمع قوي شجاع , كيف ؟
     ان المجتمع المؤمن بالله تعالى وبرسالة الاسلام هو المجتمع القادر على مواجهة كل الشبهات التي تثار وتحرك لاضعاف الاعتقاد.ولن يمكن رد هذه الشبهات بالاكتفاء بمعرفة ضبابية لاصول الاسلام او بعض الشبهات الكلاسيكية والردود عليها.
اننا نواجه في كل لحظة هجوما شرسا ومن الاف الابواب وخدعا تحاول صرفنا عن ديننا مباشرة او مداورة, وما لم نكن على اضطلاع مستمر بتطوير معارفنا ومعلوماتنا فاننا لا نستطيع الصمود فضلا عن المواجهة والرد. وكما ان اطلاق الشبهات عملية مستمرة كما توعدنا الشيطان(لاغوينهم اجمعين) ينبغي للمعرفة واالمواجهة ان تكونا كذلك (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) 
  ان المجتمع الواجد لصفة التقوى هو مجتمع ينبغي له ان يدرك أسباب الفساد المتطورة و المستمرة  ليتمكن من تجنب الوقوع في الاخطاء و ارتكاب الذنوب من حيث تشتبه عليه كثير من الامور فيخلّ بالنظام العام في مجالاته الكثيرة .
و ان المجتمع العادل كذلك يحتاج لقيامه بالواجبات و ترك المحرمات التي تتكثر عناوينها و تتغير باستمرار.
أضف الى ذلك, ان قيام مجتمع قوي و شجاع في وجه الاعداء يحتاج الى نساء كالسيدة خديجة و السيدة صفية بنت عبد المطلب  و السيدة فاطمة الزهراء و السيدة زينب عليهن السلام  والخيرة من الصحابيات و المؤمنات. و الى منع و دفع تشكيل شخصيات كما الكثرة من نساء الكوفة بالمقابل .

هل المسؤولية عن هذا المجتمع تقع على عاتق الرجال وحدهم ؟

هذا السؤال يساعدنا في ايجاد الحس بالمسؤولية بعد معرفة الأهمية .
لا نحتاج الى كثير من العناء لمعرفة أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع رجالاً و نساءا , و أن التفاوت إنما يكون بحسب الاهلية فلا يتساوى الرجال بينهم و لا النساء بينهن و لكن السؤال يستمر أيضاً:
من المسؤول عن الأهلية التي تعيشها المرأة المتزوجة في هذا المجال ؟
لا شك أن من أوصلها بالتعليم يتحمل جزءاً من المسؤولية , لكن هل يعفيها ذلك من المسؤولية عن تطوير نفسها و تأهيلها بعد الاحساس بأهمية تطوير المعرفة و الثقافة ؟ بالطبع لا , لكننا هنا نرجع الى أهمية تأمين الظرف الاسري المسؤول عنه الزوج بالدرجة الأولى , و ذلك يكون بالتعاون مع الزوجة في حسن تدبير الوقت و الاستفادة منه باقصى ما يمكن ثم تأتي مسؤولية تأمين المجتمع للمؤسسات التي تعين على هذه العملية .






ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور