الجمع بين منهجين في تحديد بداية الشهر العربي -2-
ليس لجدول محمد بن طلحة الذي عرضته أية خصوصية تميزه وهو واحد من جملة
أعمال شبيهة وقد أوردته مثالا على جهد العلماء في تقديم فكرة التقويم السنوي من
مبدأ الهجرة النبوية الذي نشأت الحاجة إليه في صدر الإسلام .[1]
بعد ثبوت وقوع الإستفادة من منهج الحساب الفلكي لتحديد إمكانية الرؤية
لهلال الشهر و زمانها ومكانها في الأفق , هل يمكن اعتماد فقه المقاصد للجمع بين
منهجين في تحديد بداية الشهر العربي منهج الرؤية لتأمين حرمة صيام العيدين
واستحقاق المسلمين في كل الكرة الأرضية ليلة القدر كاملة لا جزء منها ومنهج الحساب
الفلكي للوفاء بحاجة الدولة والأفراد للتقويم السنوي في جانب المعاملات وفي عمل
تقويم هجري قمري موحد لكل الدول الإسلامية بدلا من التقاويم المتفرقة ؟فتكون
الرؤية للهلال خاصة بشهر رمضان ويكون الحساب الفلكي عاما لبقية الأشهر بما فيها
شهر رمضان في جانبه الإداري لا العبادي؟
وهل يمكن تأمين وحدة المسلمين في صورة مناسك الحج التي دفعت بعرب الجاهلية
إلى تثبيت زمان الحج لئلا يترك بعض التجار الموسم المتغير صيفا وشتاء كما
ذكره الرازي في تفسير قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ
وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ
أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ - التوبة - الآية - 36 .
لم يرد نص قرآني بخصوص بداية شهر مضان , و"الشهود" في الآية لا
علاقة له بالرؤية بل هو الحضور في الوطن وما بحكمه : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن
شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ - البقرة - الآية - 185
أما عن الحج فقال تعالى
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ
وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ
اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي
الأَلْبَابِ - البقرة - الآية - 197 لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً
مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ - البقرة - الآية - 198 ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ
وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ - البقرة - الآية - 199
فالآية لا تدل على كيفية بل على منفعة الناس , واختيار حصر الحج من
العبادات فيها ملفت والقصد وقوعه في الشهر الخاص به والقصد من "الأهلة" تحديد
أشهر الحج لا تحديد بداياتها . ولاحظ وقوف عرفة و حدود المشاعر وأن الإفاضة
الواحدة زمانية ومكانية (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ).
هنا يأتي سؤال : مع حكم مذهب واحد لا على التعيين ألن يرجع إلى حكم الحاكم
كما يجري اليوم (مع وجود خلاف)؟
بينما نجد في آية الأهلة : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ
اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - البقرة
- الآية - 189
هُوَ الَّذِي
جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ
عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ
يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - يونس الآية - 5
ومن الآية الأخيرة
خصوصا عرف المسلمون أن التقويم المطلوب هو المعتمد على مبدأ دورة القمر حول الأرض
, ذلك أن الكثير من العبادات والأحكام مبنية عليه كتعيين بداية ونهاية شهرالصوم
والوقوف بعرفة في الحج وتعيين أشهر عدة
النساء وإحدادها , دون اغفال اعتماد حركة الشمس في غيرها من العبادات
كالصلاة والخراج وما اليها .
سؤال : إذا كان القرآن الكريم لم يعين الرؤية فهل توجد رواية صحيحة باعتماد
الرؤية لبقية الشهور ؟ الظاهر أنه لا توجد هكذا رواية.
وهنا يأتي سؤال آخر
: كيف صحح الفقهاء
المسلمون مع اختلاف مذاهبهم اعتماد السنة الشمسية في الماليات (الخمس والزكاة وخراج الأرض) مع أنها تضيِّع
ثمرة أحد عشر يوما على المستحقين؟
والقول جوابا إن الحاجة إلى نظام ثابت تؤمنه حركة الشمس لا القمر فيه نقاش
أبسطه ما بينته دقة الجداول والأزياج التي عملها الفلكيون المسلمون فلماذا لم يؤخذ
بها ؟
إن البحث الفلكي القديم أيد ثبات السنة القمرية وهو ما بنى عليه المرحوم الشيخ
محمد كاظم حبيب في دعوته لاعتماد التقويم
الذي توصل إليه وأثبت فيه خطأ اعتماد بعض التقاويم الإسلامية الرسمية على منجزات الأكاديمية
البحرية الملكية البريطانية ومؤسسة وكالة ناسا الفضائية ومرصد البحرية الأمريكية .
وأختم بنداء االشيخ
رحمه الله داعيا إلى : " العودة ِ إلى طريق الصواب ، لإنقاذ الأمة ِ من
محنتها المزمنة ، وتوحيد صفوفها المبعثرة ، واجتماع كلمتها المشتتةِ على تقويم ٍ
واحدٍ قويم ٍ ، وحساب ٍ يقيني ٍ سليم ٍ تحت شعار : ربٌ واحد ، دينٌ واحد ، قمرٌ
واحد ، صومٌ واحد ، عيدٌ واحد".
ليست
صدفة أن هذا الشيخ فلسطيني.
ع.خ , الجمعة، 02 رمضان، 1436 - 19 حزيران، 2015
الصورة لاسطرلاب من خزانتي الخاصة بأدوات معرفة الوقت والجهات |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق