أماكن الإحياء وتأسيس الحسينيات
وفقا للمرويات الخطية النادرة والشفاهية الكثيرة
التي سُجّلت لاحقا، كان إحياء الشعائر الحسينية وخصوصا يوم العاشر من محرّم أيام
الحكم العثماني (١٥١٦ – ١٩١٨م) ممنوعا على "المتاولة"
اللبنانيين باعتبارهم (المتاولة) من التابعية العثمانية وسمح به في العام 1919
للعائلات الإيرانية فقط وهي المقيمة في جبشيت والنبطية بناء على طلب من الطبيب
الايراني ابراهيم ميرزا خريج الجامعة الأميركية في بيروت إثر مفاوضات بين وزارتي
الخارجية الايرانية والعثمانية.
يُبرّر الدكتور غسان طه[1]
عدم ذكر الإحياء العاشورائي عند المؤرخين والباحثين في العهد العثماني سواء الشيعة
أو غيرهم بقوله: "واللافت في تاريخ مجالس التعزية الحسينيّة أنّها لم تحظَ بتدويناتِ المؤرّخِين والباحثِين في ذلك العهد، سواء كانوا من الشيعة أو من غيرهم. ويُفهَم من هذا الحال، لدى علماء ومثقّفي الشيعة، اتِّخاذهم سبيل الحيطة في التدوين لكيفيّة ممارسة تلك الشعيرة، منعًا للتعرُّض للمُلاحقة أوتعريض من يقوم بها للخطر ولا سِيّما بسبب المنع الشَّديد والذي كان من مظاهره تِجوالُ الشُّرطة في الأزِقّة والأحياء خلال الأيّام العشرة الأولى من شهر محرّم في حين لم يكن للمُدَوِّنين من غير الشيعة القدرة على تدوين مُشاهداتِهم بسبب خصوصيّة إقامة المناسبة في ظلّ القمع العثمانيّ".
وينقل الدكتور غسان طه[2]
أيضا عن عبّاس حسن وهبي ما ينفرد به في كتابه النّبَطِيّة في الفلَكَين المحلّيّ
العامليّ والإقليميّ [3]
دون ذكر مستند أو تفصيل قوله: "لكن
العامليين، كانوا يحولونها بعض الأحيان - إلى مجالس علنيّة خصوصًا في زمن ناصيف
نصّار الذي حكم جزءًا من بلاد عاملة" بعد موت والده سنة 1749 حتى استشهاده 1781 م.
الكلام عن تاريخ قراءة العزاء وإحياء الشعائر
الحسينية في لبنان يضعنا أمام إشكالية خلاصتها: كيف نجمع بين منع السلطة العثمانية
للإحياء وبين الترخيص ببناء الشيخ عبد الحسين صادق أول حسينية في النيطية؟ وما
يُعَقّد البحث الإختلاف في تعيين السنة التي بنيت فيها (1909 أو 1910) فضلا
عن الكلام بأنّ السيد عبد الحسين شرف الدين أقام في صور إحياءً عامّاً للّيالي
العشر سنة 1908 بعد إنشاء حسينيتها في السنة السابقة !!
ثمّ كيف نوفِّق بين إحياء الإيرانيين في النبطية
وجوارها للعاشر من المحرّم بالسماح به في العام 1919 للعائلات الإيرانية فقط إثر
مفاوضات بين وزارتي الخارجية الايرانية والخارجية العثمانية وبين تأريخ جلاء
العثمانيين سنة 1918؟ [4] علماً
أننا بمقارنة التاريخ نجد أنّ العاشر من المحرم سنة 1919 م يقع في سنة 1338 هـ
وتحديداً الخامس من تشرين الأول 1919م وهو الشهر الذي عيّنت فرنسا أول مندوب سامي
لها على لبنان هنري جوزيف أوجين غورو.
والغريب أيضاً أنّ محمد رفيق بك ومحمد بهجت بك في كلامهما عن النبطية
كناحية تتألف منها ومن أربعين قرية وتفصيلهما لكل شئ عنها ذكرا مسجدها القديم[5]
ولم يذكرا الحسينية وكان جديرا بهما ذلك لأنهما في كلامهما على مدينة صور والقرى
المحيطة بها ذكرا الحسينيات كما سترى عند كلامنا على الحسينيات.
ويبقى في السؤال عن المنع من إحياء الشعائر وتبرير الدكتور غسان طه لعدم
ذكرها عند المؤرخين والباحثين، أنه يتعارض مع إصلاحات الشيخ موسى شرارة وإقامته
للمجالس بين 1880 و1886 كما ذكرها السيد محسن الأمين ولم يشر اطلاقا الى سريتها بل
الظاهر من كلامه علنيتها، فضلا عن إقامة السيد شرف الدين للذكرى سنة 1908 م مضافا
إلى بناء حسينية النبطية على تقدير التاريخ الأبعد سنة 1910 م أي قبل ثمانية سنوات
من سقوط السلطنة العثمانية. وزد على ذلك ما ذكره محمد رفيق بك ومحمد بهجت بك سنة
1916 عند كلامهما على العادات الإجتماعية لدى الصيداويين وأنقله كما هو بأخطائه مع
النقاط في الفراغ الذي يدل على نقص أدى الى استغراب ما وصفا به الشيعة ولم نعرفه
مطلقاً في أفراحنا إلا إذا كان قصدهما أن العمل من عادات الشيعة مطلقا لا بخصوص
الأفراح:" ..وان قسماً من هذه العادات مختص بالسنيين مثل قرائة المولد الشريف
.... فيتلون غالباً قصة المولد الشريف بعد عقد النكاح وبعد حفلة الختان، اما
الشيعيون فيقرأون (مرثية الحسين) ويسمونها (تعزية)." [6].
ومن المفيد في استكمال البحث متابعة الفكرة التي طرحها ستيفان وينتر عن
"ذرائعية" السلطنة العثمانية في تعاطيها مع غير السُنّة من رعاياها ما
لم يشكّلوا خطرا سياسيا على الدولة[7]،
وهو وإن لم يتحدث عن تفاصيل عملية الإحياء لعاشوراء إلا أنّه توقف عندها في موضعين
من كتابه: الشيعة في لبنان تحت الحكم العثماني
:
1-
عن "الذين يحتفلون بعاشوراء إحياء لذكرى
شهداء الشيعة " أنّهم اعتبروا مخالفين لقوانين الدولة العثمانية يجب
"التحقيق بشأنهم"[8]
ومعاقبتهم ويحدد تاريخاً لذلك "النصف الثاني من القرن الساس عشر في أثناء حكم
السلطان سليمان القانوني" [9] حين
بدأت إضافة تدوين التهمة إلى " أوامر
مهمه دفترلري = تسجيلات الأوامر المهمة "، وهذا لا يعني عدم المعاقبة قبل
ذلك.
2- عن "الإحتفال بعاشوراء" كمظهر من جملة أمور كانت السلطة تغض
النظر عنها أحياناً في بعض أراضي السلطنة التي تشتمل على تنوع ديني ومذهبي ما لم تكن
فيها حالات تمرد أو ثورة، حيث توجّه فوراً تهمة " الهرطقة وضد الدين
المستقيم" إلى "العثمانيين المتعاملين مع الثوار" استناداً إلى
فتوى شيخ الإسلام أبي السعود أفندي.
كان
الإحياء إلى ما قبل إنشاء الحسينيات وانتشارها أوائل القرن العشرين يجري في البيوت
والمساجد، قال محمد كرد علي عن الشيعة في بلاد الشام[10]:
" تجتمع الشيعة في أيام عاشوراء، فتقيم المآتم على الحسين بن علي شهيد كربلاء
عليه السلام، وعهدهم بذلك بعيدٌ يتصل بعصر الفاجعة، وأول من رثاه أبو باهل الجمحي
بقصيدة يقول فيها: تبيت النشاوى من أمية نوّما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها، والظاهر
من سيرة ديك الجن الحمصي في كتاب " الأغاني " أن هذه الاجتماعات للمآتم
كانت معروفة في زمانه ".
ويبيّن السيد محسن
الأمين في خططه مكان الإجتماع عند كلامه عن نشأة الحسينيات في جبل عامل، قال:
" وإقامة التعزية تكون في الدور والمساجد ". [11]
ويفصّله عند كلامه عن" الشيخ موسى شرارة واصلاحاته "[12].
[1] طه، غسان: يومُ
الفداء مقاربة اجتماعيّة تاريخيّة لإحياء
شعيرة عاشوراء في لبنان بين ١٨٦٠ – 1975 . الطبعة الأولى 2015 دار المعارف
الجكمية،. ص 19
[2] م.ن. ص 20
[3] النّبَطِيّة في الفلَكَين المحلّيّ العامليّ والإقليميّ، دار المحجّة
البيضاء ، بيروت،. ج 1 ص 601
[4] هذا هو التاريخ المشهور لكن ها هنا سؤال مشروع هل استمر الحكم العثماني حتى
تشرين الأول من سنة 1919 حين عيّنت فرنسا أول مندوب سامي لها على لبنان وهو هنري
جوزيف أوجين غورو؟
[5] رفيق بك،محمد و
بهجت بك، محمد: ولاية بيروت . القسم الجنوبي
ألوية بيروت و عكا و نابلس، دار لحد خاطر الطبعة الثالثة 1987 عن طبعة
مطبعة الإقبال 1916: ج 1 ص 174 الى ص 176 .
[6] م.ن. ج1 ص 164
[7] وينتر، ستيفان: الشيعة في لبنان تحت الحكم العثماني، ترجمة محمد حسين المهاجر، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى 2016 م. ص 74 :" فإن السلطات العثمانية كانت تختار على نحو ذرائعي إغماض الحقيقة أو إنكارها وفوق كل شئ تجاهل الهوية الشيعية لأفراد بالخصوص أو لمؤسسات".
[8] م.ن. ص 44 و 45
[9] م.ن. ص 44
[10] كرد علي، محمد: خطط الشام، الطبعة الثانية، 1403 –1983. مكتبة النوري ، دمشق،
ج 6 ص 250. مما يجدر الإشارة إليه أن الكتاب صدر سنة 1925 بعدما بدأ الإعداد له سنة
1899 م.
[11] الأمين، السيد محسن: كتاب خطط جبل
عامل، تحقيق السيد حسن الأمين، الطبعة الأولى، الدار العالمية، لبنان 1403 هـ -
1983 م. ص 181
[12] الأمين، السيد محسن:أعيان الشيعة، تحقيق السيد حسن الأمين، 1403 هـ - 1982
م، دار التعارف بيروت. ج 10 ص 343. لم استطع الوصول
الى تاريخ كتابته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق