عن النُسَخِ الورقية للمصحف الشريف وتمايزها: الأخيرة - 6 -
مسألة كتابة الفاتحة وآيات من سورة البقرة أول المصحف
وجهت هذا السؤال
إلى خبير إيراني كان دليلنا في استعراض النسخ الشريفة النادرة والمميزة في متحف
القرآن الكريم في مشهد الإمام علي إبن موسى الرضا عليه السلام فأجابني بأن التتبع
التاريخي يدل على أن أي مصحف توجد فيه صفحتان متقابلتان تشتمل اليمنى على سورة
الفاتحة والثانية على أوائل البقرة مع تزييناتها فهو مكتوب بعد سنة 400 هجرية ولا
عكس بمعنى إمكانية كون تاريخ النُسَخ التي لا تراعي هذا الشأن بعدها بنفس احتمال
كونها مكتوبة قبلها , والفصل في ذلك يعتمد على عوامل أخرى كالورق والحبر والأصباغ
والخط وما إليها.
وهذا الجواب لا
يكفي حتى من هذه الجهة فأنا أعمل منذ مدة على تتبع نسخ المصاحف على أساس فرضية
قيام أحد كبار الخطاطين بابتداع هذا التنسيق واستحسانه من المتذوقين ليصير مدعاة
لتقليده وانتشاره وإلى الآن لم أصل إلى شئ جدي على الصعيد الفني .
نعم وجدت مرجحا
دينيا قد يكون مؤثرا في حصول الفرضية السابقة .
ولكن قبل عرضه لا
بد من البدأ بحل الإشكال الذي يظهر للقارئ المقارن بين نسخ متعددة من المصحف
الشريف التي اعتمدت الموازنة بين سورة الفاتحة وبدايات سورة البقرة وهو اختلافها
في الآية الأخيرة المكتوبة في الصفحة فبعضها يقف عند قوله تعالى : والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ , وبعضها يقف عند : أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
ويوجد اختلاف آخر
بين من كتبوها إلى قوله تعالى "المفلحون" في وضع الرقم "4" أو
"5" بعدها.
وتوضيح هذا
الإشكال يظهر بمعرفة الإختلاف في عد الآيات وبيان كل آية بين مدرستين فعدد آيات سورة البقرة مائتان وخمس وثمانون آية عند أهل العدد بالمدينة ومكة
والشام، وست وثمانون ومائتان عند أهل العدد بالكوفة والخلاف في عد "الم"
آية أو لا في الإختلاف بين الرقم "4" أو "5" .
وهذا البيان هو المدخل لتفسير اختصاصها
بالكتابة بموازاة سورة الفاتحة في أول المصحف الشريف , فقد ثبت بين القراء أن
النبي صلى الله عليه وآله قال «أفضل الأعمال إلى الله تعالى (عمل) الحال المرتحل الذي إذا ختم القرآن
عاد فيه» وأن الحسن بن أحمد المقري نقل عن إبن عباس رواية فيها ذكر العدد دون
بيان الآية وهي التي من طريق "علي بن القاسم بن إبراهيم المقري"
والثانية من طريق "أحمد بن عبد الله الحافظ" كما نقلهما إبن الجزري في
كتابه النشر في القراءات العشر تحقيق الشيخ علي محمد الضباع الجزء الثاني ص 441
فما بعد ففي الأولى جاء النص "... فلما ختم ابن عباس قال : استفتح بالحمد وخمس
آيات من البقرة ، هكذا قال لي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين ختمت عليه
". وفي الثانية : " ... قال : وقرأ ابن عباس على أبي ، وقرأ أبي على رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقال : إنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح
الحمد ثم قرأ من البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ، ثم دعا بدعاء الختمة" .
بهذا نكون قد أثبتنا فرضية الأصل الديني
لاختيار هذه الآيات من سورة البقرة وجعلها مناظرة لسورة الفاتحة ففي ذلك تيسير لمن
ختم ويريد الشروع في ختمة جديدة أن ينظر فيهما معا.
ويبقى البحث أنه إذا كان هذا الأصل موجودا
فمن الذي فطن إليه واستفاد منه في تزيين الصفحات الأولى وفقه ليجري بعده الخطاطون
على منواله , أعمل على استكشافه وأعينوني في هذا العمل ولكم الأجر.
أخيرا وعلى هامش البحث فقد وجدت نسخة تقف عند قوله تعالى
"هم" السابقة ل"يوقنون" . ونسخة أخرى تستقل بالبقرة على الصفحة
اليمنى وتنتهي ببداية الآية السادسة " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ " , وهما
فريدتان وليستا مورد بحثنا الآن.
هل أعدت بعضكم إلى النظر في مصحفه بحيث لم
يعد مهجورا , آمل ذلك.
ع.خ,الإثنين، 01 حزيران، 2015
======================
نسخة إلكترونية لمخطوطة تظهر فيها بداية سورة البقرة على الصفحة اليمنى مما يعني استقلال الفاتحة قبلها |
نسخة إلكترونية لمخطوطة تظهر فيها تتمة بداية سورة البقرة على الصفحة اليسرى إلى قوله تعالى "المفلحون" |
نسخة إلكترونية لمخطوطة فريدة تنتهي ببداية الآية السادسة من سورة البقرة "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ " |
من نسخة الخطاط البوسنوي أشرف قواتشهفيتش المطبوعة سنة 1997 |
الإنتهاء عند المفلحون في نسخة عثمان طه الشائعة |
نسخة إلكترونية لمخطوطة فريدة تنتهي عند "هم" السابقة ل "يوقنون" |
من نسخة محمد علي بيضون دار الكتب العلمية , لبنان 1982 |
في نسخة مصرية من الستينات |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق