الثلاثاء، يناير 08، 2013

ليلة في "عين التينة" : أمن الوطن النهائي وأمان المواطنين العابرين







ليلة في "عين التينة" : أمن الوطن النهائي وأمان المواطنين العابرين


تحية إلى أهل عين التينة في البقاع الغربي وإلى كل شريف على طرقات الوطن يبذل جهده في إغاثة متضرري العاصفة كتبت هذه المقالة ونشرتها في مثل هذه الأيام من عام 2007


بقلم الشيخ علي حسن خازم


وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ {سبأ/18}‏


هل أحاطت بك الثلوج يوما وداهمتك عاصفة قطبية ذات مساء كانوني فحوصرت في جبل يرتفع ألفا وثلاثمائة متر وعلى طريق ضيق, غير مؤهل للتنقل الداخلي بين مجموعة قرى فضلا عن ان يصير في كل مناسبة كهذه بديلا للطريق العربي الدولي؟‏

لا انارة كافية, ولاتعبيد كما يجب, ولا حيطان دعم من الانهيارات الجبلية او واقية من التردي في المنحدر الموازي .لا اشارات ضوئية ولا فوسفورية, لا تجهيزات لقوى الامن الداخلي غير خبرتهم الشخصية ومبادرتهم المشكورة لتنظيم المرور, ولا تملك البلديات فيها ما يؤهلها لفتح الطريق...‏

هل أحسست بالخوف من البقاء وحدك مع ابنك الصغير او عائلتك او مع ركاب حافلتك الصغيرة في درجات حرارة تتدنى تحت الصفر والجليد يقتحم عليك سيارتك فيحكم اغلاق ابوابها ولا تستطيع فتحها الا بصعوبة؟.‏

هل غدرك الوقت و حفرة في مثل هكذا طريق فانقطع الجنزير الاول الذي ركبه ابنك بمساعدة مسافر عراقي ابن صحراء يستغرب احتياجك لخبرته وانت اللبناني ابن الجبال, وينثقب الاطار فتجبر على تغييره؟ ثم يطير لك الجنزير الاخر فلا تستطيع ايجاده في غمرة الثلج والعتمة؟‏

هل عرفت رعب ان لا تستطيع الشاحنة التي تسبقك في طلعة ان تتقدم بجنزير واحد بعدما انحل الجنزير الثاني وسرقه احدهم في هذه الحشرة واخذت تتمايل على صفحة الارض المتجلدة من شدة الهواء الذي يضرب بسرعة وقوة بحيث يمكن ان ترجع لتصدمك وتقذف بك الى ما لا ترى من منحدرات: أشدد حزام الامان يا صالح!‏

اذا حصل معك مثل الذي وصفت لك فجدد قولك لا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون, وتصبر, واسأل الله ربك ان تكون الطريق تلك هي طريق قرية عين التينة في البقاع الغربي من لبنان.ثم صل على النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله واسأل ربك مزيدا من الشرف والعز للذرية النبوية الشريفة خصوصا السادة آل هاشم من اهل عين التينة وبقية عائلاتها الكريمة أهل الحمية والمرؤة الذين خرجوا يقاومون العاصفة بايديهم وما ملكت لينقذوا العالقين في جيرتهم .‏

اذا لم تعرف معنى الذي ذكرت لك فلن تعرف معنى ان يخرج هؤلاء الشباب من دفء بيوتهم ومن حول مواقد الحطب والجلسة المؤنسة مع صغارهم وكبارهم الى خطر ان ينجرف بعضهم الى المهوار مع الجرافة التي يحاول السيد مالك هاشم ان يدفع بها الجليد ثم يقطر الشاحنة من وسط الطلعة مرة بعد مرة. ولن تعرف معنى سعة الصدر والصبر على بعض الكلام المؤذي من سائق اشتد به الخوف من البقاء مع حمولة شاحنته في الخلاء فلم يعد يلاحظ عباراته حتى يسأله السيد علي هاشم بأدب: كم دفعت لنا اجرة؟ فيخجل ويعود الى وعيه من حالة الهلع....‏

"يا مولانا خليك الليلة عندنا" فلما اصررت على المسير اعطوني ارقام هواتفهم" واذا احسست انك ستغامر ولو بخمسين بالمئة توقف واتصل" وهكذا كان فلم يتأخروا... لحقوا بي في أول" ميدون" واستضافني وابني صالح مشكورا السيد محمد هاشم في بيته "تصرف وكأنك في بيتك"... ثم يجتمع الشباب بعد الاطمئنان الى عدم بقاء احد عالقا في الشارع: ركاب الفان الازرق في بيت فلان و... في بيت... وتمتد السهرة بعد طعام العشاء الى الواحدة والنصف مع الشاي والقهوة والمسامرة في مواضيع مختلفة,لاأشغال في مثل هذا الوقت من السنة,"ولولا تعبك يا مولانا لنسهرك للصبح". وأين تعبي من تعبكم ست او سبع ساعات في الزمهرير تعالجون بأيديكم السيارات والشاحنات!.‏

"هكذ ا كل سنة" يخبرني مع ترويقة الكشك بقاورما و المناقيش على الحطب صباحا الاب السيد هاشم هاشم والد الشهيد في المواجهة مع الاسرائيلي وعملائه:" ربينا مع الوالد على ذلك وابناؤنا يستمرون ,لا تعلمهم المنيح اعمله امامهم فقط وهم يبادرون"‏

"منين جبتو الملح وفرشتوه؟ ومين اللي طلب منكم تشيلوا المطب ؟ "هذا يعني ان الاب المشحون بالتجارب وخبرة الحياة كان موجودا ويراقب اعمال الانقاذ ..تطمئن اكثر على العالقين في الموسم القادم:"الآن بداية الموسم وفي الايام القادمة تكون سماكة الثلج اكثر, السنة الماضية وصلت الى اربعة امتار في بعض انحاء البلد والمشكلة دائما في هذا الجزء من الطريق"‏

شيء من سيرة الشهيد السيد محمود هاشم يرويه الوالد:"كان عمره عشر سنوات لما صحح لنا صلاتنا أنا وأمه ... في فتوته يطمئن والدته: بارودتي باتجاه تومات نيحا حيث العدو الحقيقي اسرائيل والعملاء وليست في أي اتجاه آخر".‏

هذا البيت من "عين التينة" افتداني وأمن لبنان بابنه شهيدا للتحرير من الاحتلال والخطر الاسرائيلي, وآمنني من خطر الحصار الثلجي عابرا الى بيروت مع ابني صالح.‏

مع "عين التينة" وبيت السيد هاشم هاشم وابنائه, ومع مالك ورفاقه : أمن الوطن نهائي, والمواطنون العابرون في امان.‏





ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور