الدرس الحوزوي: العلاقة بالأستاذ والزملاء (تقرير الدرس والمباحثة),علاقة الأساتذة ببعضهم (المذاكرة) والإمتحانات 5 / 6
جرت العادة أن يُبتعثَ الطالب أو يُصطحَب إلى
عالم من أهل بلده, سواء كان الدرس في البلد - الدولة أو إلى مقيم في الحوزة في
دولة أخرى, فيصير "الشيخ" بمثابة الأب الروحي للطالب يتعهده وينصحه
ويعينه. وكان لكل أهل بلد كبيرهم من المتقدمين في الدرس الحوزوي, يؤنس وحشتهم
وغربتهم عن الوطن, ويكون مقدمهم في العلاقة بالمراجع, ومتابعا لتحصيلهم, وناصحا
لهم بالأساتذة, بل قد يتقدم بالنابغ منهم إلى بعض الأساتذة الذين يحصرون درسهم بمن
يختارونه للحضور, بخلاف الدروس العمومية التي يمكن لأي كان حضورها.
ولا تقتصر العلاقة على الجانبين العلمي والروحي
بل تتعداهما إلى الجانب الإجتماعي فيكون لهذا الكبير مجلسه المفتوح أسبوعيا فيلتقي
عنده أبناء بلده وفي الأعياد, أو عند وصول
خبر وفاة أحد متعلقي الطلاب العزاب خصوصا.
تحكم العلاقة بين الطالب والأستاذ جملة من
الآداب تدرس في كتاب منية المريد[1],
وأتحدث هنا عن خصوص العلاقة الدرسية فكما يأتي الأستاذ إلى درسه بكتابه وقد قام
بتحضيره, فإن الطالب يكون قد اشتغل هو وزملاؤه بالمباحثة في الدرس الذي تلقوه,
وتكون المباحثة بأن يجتمع الطلاب ويأخذ أحدهم دور الأستاذ فيقرأ شيئا من الدرس ويشرحه ويتناقش
زملاؤه معه في ما فهموه وما لم يفهموه, وبهذا يتهيأ للطلاب امتلاك روح الجرأة
للتدريس وللخطابة.
يكتب الطلاب الدرس بأساليب مختلفة باختلاف
المرحلة الدراسية, فمرة يقيد شرحا لما استغلق من فهم عبارة, ومرة يختصر المطلب,
وبعضهم يكتب تمام الدرس ثم ينسقه ليخرج كتابا مستقلا وهو ما ذكرناه بعنوان
التقريرات في البحث الخارج.
وتعرف الحوزة تقليدا يشبه المباحثة بين الطلاب
لكنَّه يختص بالأساتذة, ويلجأ إليه العلماء خارج الأجواء الحوزوية حيثما وجدوا
للإبقاء على الروح العلمية, فبينهم قاعدة مشهورة تقول : "العلم وحشي, إن
تتركه يمشي" وتطبيقها أن إمامة القرى والبلدات كانت تحصر العالم في المسائل
اليومية فيحتاج إلى تجديد العهد بالمسائل العلمية,وصورة المذاكرة إجتماع في موعد
محدد يقرر له في كل مرة مطلب علمي, فيعود كل منهم إلى كتبه وتقريراته ويأتي عارضا
ومناقشا, وقد تنشأ عند أحدهم قضية تحتاج إلى بيان وتشخيص موضوعي أو حكمي يعرضها
على زملائه, فالفارق بين المباحثة والمذاكرة صار واضحا وهو حضور صورة الأستاذ
وغيابها.
أما الإمتحانات التي تحدثت عنها في التمهيد فلها
أكثر من صورة بحسب الغرض منها, فامتحانات الأستاذ في المدرسة تأخذ صورة الإمتحان
الكتابي كأي امتحان آخر خصوصا في مرحلة المقدمات, أما الإمتحان لتعيين المستوى
الدراسي مهما كان غرضه, فهو امتحان شفهي وصورته أن يُعيِّن العالم المُمْتَحِنُ
للطالب صفحات من الكتاب الذي سيمتحنه فيه ويمهله بعض الوقت لمطالعته, ثم يطلب منه
قراءة وشرح مطلب يحدده له ويسأله فيه بعض الأسئلة.
وأغراض الإمتحان متعددة فمنها أن يكون الإمتحان
للنظر في استحقاقه التشرف بالعمامة والزي الديني, ومنها أن يعدل راتبه الشهري الذي
يتفاوت بحسب المرحلة الدراسية, ومنها كما كان في حوزة قم لتسجيلها (المرحلة) في
ملفه في إدارة شؤون الطلبة الأجانب حيث كان القرار الحكومي بإعطاء تخفيضات خاصة
على أسعار تذاكر السفر, وربط إعطاء تأشيرة الإقامة لطلبة العلوم الدينية بالتحقق
من كونه طالبا في اتجاه لعدم السماح بالإقامة تحت ذريعة الدرس. وقد تشرفت بأن أكون
أول الطلبة الأجانب المتقدمين لفتح ملف عندها سنة 1980 فكان رقم ملفي التسلسلي هو
1 وقد جددته سنة 1986. وكانت دراستي النظامية في المدرسة الرضوية بإشراف وإدارة آية
الله الشيخ محمد على التسخيري.[2].
[1] مُنية المريد في
آداب المفيد والمستفيد, الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الشامي وقد مر
التعريف به
[2] المدرسة الرضوية من أقدم المدارس في قم, وتنسب
إلى الإمام الرضا عليه السلام لنزوله في بقعتها حيث كانت منزلا لزكريا بن آدم الأشعري القمي, وهو
من أصحاب الأئمة الصادق و الكاظم و الرضا و الجواد (عليهم السلام)، وكان موضع اعتمادهم
وإجلالهم, ثم تحولت إلى مسجد ومدرسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق