الجمعة، ديسمبر 06، 2013

مقدمة موسوعة علماء الشيعة في لبنان بقلم مؤلفها الحاج محمد حسين مروة "أبو هادي"





بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى جميع الأولياء والصالحين منذ آدم الى قيام يوم الدين.

" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"

     هم العلماء، أمناء الرسل، وورثة الأنبياء، باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، وإحياء ذكرهم هو إحياء للإسلام العظيم الذي صنع أمثال هؤلاء العلماء وغيرهم في مختلف أصقاع الأرض، وما سمو هؤلاء الا من سمو هذا الدين، إذ ان احدى علامات سمو وعظمة عقيدة او دين ما هي الشخصيات التي تربيها تلك العقيدة او ذلك الدين.
     من هؤلاء العلماء، الذين رباهم هذا الدين، علماء المذهب الشيعي ومنهم علماء جبل عامل الذين بذلوا الغالي والنفيس وتجرعوا الغصص والمرارات، كما تحملوا الأسر والنفي والسجن والأذى والمضايقات حتى القتل والشهادة في سبيل الدفاع عن مقدساتهم الدينية والوطنية. يقول العلامة السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة في الجزء الرابع الصفحة 266 خلال ترجمة أحد علماء جبل عامل: "هذا يعطينا صورة صادقة عما كان عليه أهل جبل عامل في تلك الأعصار من الاهتمام بالدين والعلم والمثابرة على تعليم أولادهم العلوم الدينية وتحملهم المشاق في ذلك فيعلمونهم القرآن الكريم والكتابة بأنفسهم بصورة شاقة وطريقة صعبة ثم يرسلونهم إلى بلاد الغربة في بلادهم مع عدم السعة وعدم توفر أسباب المعيشة ثم إلى بلد الغربة في البلاد النائية مع صعوبة المواصلات ويصبرون على فراقهم عشرات السنين". هذا وقد تميز علماء جبل عامل بغزارة التأليف والتصنيف وتركوا خلفهم المئات من الكتب والمؤلفات وأبدعوا دينا ودنيا، أدبا وفقها، نثرا وشعرا.
     وهؤلاء العلماء، بالرغم من التراث العظيم والضخم الذي تركوه والذي يحتوي على الكثير من العبقرية والإبداع، قد ظلمهم التاريخ وتم إبعادهم عن كل البرامج التربوية من الابتدائية حتى الجامعية، فلا تسمع لهم ذكرا، وأظهرت آخرين قد يكونون أقزاما بالنسبة لهؤلاء العمالقة. فرأيت ان أقل الواجب علينا تجاه هؤلاء العلماء هو إحياء ذكراهم ودرس أحوالهم ونقل خصائصهم الى الأجيال الجديدة، إذ ان بقاء الأمة ببقاء عظمائها.
     أما البلد فهو لبنان وفيه جبل عامل، وما أدراك ما جبل عامل، تلك البقعة الطيبة الطاهرة التي بارك الله فيها والتي عرف أهلها بانتمائهم للعترة الطاهرة لرسول البشرية (ص) منذ فجر الإسلام الى يومنا هذا، والتي أنبتت مجموعة وافرة من رجال العلم والفضل والأدب والمقاومة، واستمرت في الخط الطليعي لمواجهة أعداء الدين والإنسانية الى يومنا هذا، إذ لولاها لكانت اسرائيل اليوم في عمق عالمنا العربي، وأرى لزاما علي ان أقف وقفة إجلال وإكبار وتقدير لتلك الأرض المعطاء ولترابها الزكي وأهلها الشرفاء.
     وقد أعجبني كثيرا ما ذكره الحر العاملي عن الأسباب التي حدت به الى تقديم علماء جبل عامل على سائر العلماء المتأخرين في كتابه امل الآمل وملخصها هو: قضاء حق الوطن، ودخول جبل عامل في الأرض المقدسة او الإتصال بها، وأقدمية تشيع أهالي جبل عامل بالنسبة الى غيرهم، وكونها بلاد مباركة، وكون طائف قطعة منها، وكثرة من خرج من جبل عامل من العلماء والفضلاء والصلحاء وارباب الكمال، وكثرة من دفن فيها من الأنبياء والأوصياء والعلماء والصلحاء.
و بعد،
     فإني ما ان انتهيت من إصدار كتابي الأول "كشكول أبو هادي" وانا في الثمانين من العمر حتى عزمت على البدء بتأليف الجزء الثاني منه. إلا أنني، ومنعا للتكرار، أردته مختلفا قليلا عن الجزء الأول من خلال إدراج عدد كبير من ترجمات علماء جبل عامل بين طياته. ولكن الفكرة تطورت تدريجيا من كشكول الى كتاب آخر كليا يحوي تراجم علماء جبل عامل فقط، ثم تبلورت الفكرة أكثر على يد الصديق العزيز سماحة الشيخ علي خازم حيث انتهت الى إصدار موسوعة عن علماء الشيعة في لبنان مصدرها الأساسي كتاب أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين على ان تكون مرتبة بحسب القرون الهجرية وليس ترتيبا أبجديا كما هو الحال في كتاب الأعيان.
     وقبل البدء بالعمل بحثت في دور النشر عن كتاب مخصص فقط لتراجم علماء الشيعة وجبل عامل حتى نهاية القرن الرابع عشر، ولما لم أجد مثل هذا الكتاب توكلت على الله عز وجل وعزمت على البدء بإصداره وبدأت رحلة طويلة من العمل الشاق استغرقت ثلاث سنوات كاملة وصلت معها الى سن التسعين. أما مراحل المشروع الخمسة فكانت كالتالي:
1-    تصميم الإستمارة: الخطوة الأولى تمثلت بتصميم إستمارة تحتوي الحقول المطلوبة للترجمات كما يظهر في الشكل المطبوع.
2-    تصوير الترجمات: لما كان عدد أجزاء الأعيان وحجمها كبيرا قمت بتصوير ترجمات العامليين من الأجزاء وبذلك استغنيت عن العمل بمجلدات الأعيان من هذه المرحلة وصعودا.
3-    ملء الاستمارة: الخطوة الثالثة كانت ملء استمارة لكل ترجمة، وهذه هي الخطوة الأساسية في المشروع.
4-    مكننة الإستمارات: في الخطوة الرابعة قمت بإدخال مضمون الاستمارات الى برنامج "إكسل". ولم يكن قد خطر ببالي من قبل قط أنني سأضطر في يوم من الأيام أن أعمل على هذا الجهاز الصغير الذي يسمونه الكمبيوتر، ولكن شغفي لإصدار الكتاب ألزمني بالتعلم عليه مستعينا بنظارات سميكة ومجهر حتى استطيع ان اميز بين الحروف.
5-    تصميم برنامج كمبيوتر: الخطوة الأخيرة تمثلت بتصميم برنامج كمبيوتر لطباعة الكتاب من "إكسل" مباشرة الى برنامج "وورد" جاهز للطباعة.

     أشير الى ان التراجم المذكورة في هذا الكتاب هي للفترة الواقعة بين القرن الخامس للهجرة ونهاية القرن الرابع عشر للهجرة الموافق سنة 1979 م. وبما أن العلاَّمة الأمين لم يدرك أواخر القرن الرابع عشر للهجرة فقد تم استكمال التراجم الى هذا التاريخ من مصادر أخرى مثل مستدرك الأعيان للسيد حسن الأمين (إبن السيد محسن الأمين) وكتاب نقباء البشر للطهراني وكتاب علماء ثغور الإسلام للسيد عباس علي الموسوي.
     البداية كانت من القرن الخامس للهجرة لأن احوال علماء شيعة لبنان تكاد تكون مجهولة قبل هذا التاريخ. ولكن هذا لا يعني عدم وجود علماء في لبنان وجبل عامل قبل هذا القرن لأنه، وكما يعتقد العلامة الأمين، ان هذا العدد الكبير من العلماء في القرن السادس وما بعده لا يمكن ان يوجد في مدة قصيرة فلا بد ان يكون منهم في القرن الخامس والرابع وقبله عدد وافر.
     وقد تعمدت في كتابي هذا التوقف في الترجمات عند نهاية القرن الرابع عشر للهجرة كون القرن الخامس عشر يؤرخ لمرحلة جديدة من حياة البشرية ومن حياة علماء الإسلام سيما علماء جبل عامل. ففي بداية القرن الخامس عشر للهجرة انتهت الى حد بعيد حياة الفقر والجوع ومقاساة حر الصيف وبرد الشتاء ومعاناة الظلم وشظف العيش التي عاناها الكثير من علماء جبل عامل خلال القرون الماضية، فقد عانى علماء جبل عامل، كما يقول العلامة الأمين، الكثير من المشاق التي تنوء بحملها الجبال. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فقد توفر لهذا الجيل من العلماء مع بداية القرن الخامس عشر ما لم يتوفر لعلماء القرون الماضية، بل لم يكونوا ليحلموا به أصلا، ألا وهو تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات التي اختصرت الزمان والمكان وقدمت لهم خدمات جمة وفرت وستوفر عليهم الكثير من العناء والجهد والوقت والمال، وأصبح في مقدورهم الحصول بدقائق على ما كان يتطلب جهودا كبيرة وأشهرا كثيرة لدى علماء القرون الماضية لكي يحصلوا عليه، وهذا الأمر يعتبر من جهة حجة على علماء هذا العصر، ومن جهة أخرى حافزا لهم للمزيد من الإنتاجية والإبداع والعطاء لما فيه مصلحة الدين الحق ومصلحة البشرية بشكل عام. بالمحصلة، يحتاج القرن الخامس عشر وما بعده الى تأريخ جديد مستقل عن القرون الماضية للأسباب التي ذكرنا.
     وهنا بعض الملاحظات تبين المنهج الذي اتبعناه في الكتاب :
1-    الطبعة المعتمدة: بدأت العمل بنقل التراجم من الطبعة القديمة من كتاب الأعيان البالغة حوالي خمسة وثلاثون جزءا، ولما لم أكن أملك جميع الأجزاء فقد استعنت ببعض أجزاء الطبعة الجديدة البالغة عشرة أجزاء. ثم تبين لي لاحقا وجود اختلاف في بعض الترجمات بين الطبعتين فعدت واعتمدت الطبعة الجديدة كليا كمرجع للتراجم.

2-    في الشكل: بعد إسم العالم مباشرة تم وضع مكان وتاريخ الولادة بين هلالين. بعده يأتي نبذة مختصرة عن أحواله تضم مكان الدراسة وأبرز المحطات في حياته، ثم مشايخه وتلامذته ومؤلفاته ووفاته والمصادر التي ذكر فيها.

3-    شمول علماء البقاع وطرابلس: تم إدراج علماء البقاع والهرمل واعتبارهم من جبل عامل توسعا كما فعل العلامة الأمين في الأعيان وكما فعل الحر العاملي في الأمل. وأضفت علماء طرابلس ليكون شاملا لكل لبنان المعاصر .

4-    نسبة العلماء الى القرون الهجرية: نسبة العالم الى قرن معين يعتمد على تاريخ وفاته، أي أنه ينتمي الى القرن الذي توفي فيه. في حال عدم وجود تاريخ الوفاة ووجد تاريخ الولادة، قمت بإضافة 75 سنة على تاريخ الولادة (كمعدل عمر وسطي) من أجل تحديد القرن المحتمل وفاته فيه ثم نسبته الى هذا القرن. أما في حال عدم وجود تاريخ الولادة أيضا، فقد قمت بالبحث عن أي قرينة او مؤشر تدل على القرن الذي عاش فيه، كشخصية معاصرة مثلا، وتم نسبة العالم الى هذا القرن.

5-    ترتيب الأسماء:  التراجم مرتبة ضمن كل قرن وفق الحروف الهجائية. يوجد عدة طرق للترتيب ولكن تم اختزال الكنى والألقاب واعتمد الإسم الأول، وفي حال تكرر الإسم يضاف اسم الأب في الأسماء القديمة والشهرة في الاسماء الحديثة.

6-    الترتيب الذي اعتمده العلامة الأمين في أعيانه حيث يذكر الأسماء مرتبة على حرف المعجم بحسب الحروف الأول والثاني وما بعده وبحسب أسماء الآباء والأجداد والألقاب والأوصاف فادم بن إسحاق مقدم على آدم بن الحسين، من كان اسمه مركب يذكر باعتبار جزئه الأول ويعتبر جزأه الثاني بمنزلة اسم الأب فمحمد باقر ومحمد بن باقر سيان.

7-    الترقيم: تم ترقيم العلماء بشكل تسلسلي من بداية الكتاب الى نهايته، واستفدت من هذه الأرقام في بناء الفهارس.

8-    تحويل الهجري الى الميلادي: لمزيد من الفائدة للقراء قمت بتحويل جميع التواريخ الهجرية، الواردة في الولادة والوفاة او ضمن أحوال العلماء، الى التاريخ الميلادي. هنا واجهتني مشكلة، إذ كل سنة هجرية يمر بها سنتين ميلاديتين، فأي سنة ميلادية أضع مقابل السنة الهجرية؟ لقد كان الأمر سهلا في التواريخ الهجرية التي تحتوي على شهر، أما تلك التي لا تحتوي على شهر فقد قمت باختيار السنة الميلادية التي تحتوي على أكبر عدد من الشهور الواقعة في السنة الهجرية. وقد واجه الزركلي في كتابه "الأعلام" نفس المشكلة إلا أنه اختار الترجيح مع فقد المرجح.

9-    حذف السرد التاريخي للقرى والأنساب: تم إزالة ما وضعه العلامة الأمين في أعيانه من أشعار وعرض لتاريخ بعض القرى والعائلات والأنساب.

10-         حذف الأشعار والألقاب المسجعة: تم اختصار او حذف الكثير من الألقاب المسجعة التي كان يورد بعضها العلامة الأمين ولكنه كان ينتقدها كثيرا ويقول أنها لا تأتي من الاطلاع على أحوال العلماء بفائدة.

11-         إختصار الترجمات الطويلة: الترجمات الصغيرة وضعتها بكاملها في أغلب الأحيان (مع بعض التصرف)، أما الترجمات الطويلة فقد تم اختصارها بما يفي بالمطلوب.

12-         حذف بعض التراجم: تم استثناء تراجم العامليين الموجودين في الأعيان ممن هم من غير العلماء كالأمراء والوجهاء وأعيان القوم وغيرهم.

13-         إزالة التكرار: وجدنا تكرارا في بعض الترجمات (ولعلها أضيفت سهوا من قبل العلامة الأمين) فقمنا بإزالة ما هو مكرر منها. على سبيل المثال، السيد محمد بن علي بن حيدر بن نور الدين الحسيني الموسوي العاملي المكي (ج10\ص11) مكرر مع السيد محمد بن حيدر بن نور الدين علي اخي صاحب المدارك بن علي بن ابي الحسن الموسوي العاملي (ج 9\ص 272).

14-         الإحصاءات: وضعنا في بداية كل قرن إحصاءات رقمية بشكل رسوم بيانية مما يعطي بعض المؤشرات على توزيع العلماء على العائلات او البلدان او مكان الدفن. أشير الى ان هذه الإحصاءات لا تشمل جميع العلماء بسبب عدم القدرة على معرفة الشهرة او مسقط الرأس او مكان الدفن لكل العلماء، فتم الاقتصار في الإحصاءات على ما تم معرفته.

أخيرا، أعتذر من القراء الكرام عن أي زلل او خطأ او هفوة غير مقصودة في هذا الكتاب إذ للتسعين سنة حق، فقد انطوت صفحة العمر وتألق صبح المشيب ووهنت قوى البدن واستولى الضعف على السمع والبصر... فأسأل الله اللطيف المتعال ان يتقبل مني هذا العمل المتواضع راجيا ان يكون لي، بشفاعة هؤلاء العلماء، نورا في القبر وشفيعا يوم الحشر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

كلمة شكر
     بداية أشكر الله شكرا كثيرا ان من بتوفيقه علي وأطال عمري وهداني ووفقني لإخراج هذا الكتاب الى العلن، ومن بعدها أشكر جميع من ساهم في إصدار هذا الكتاب وأخص بالذكر من ساهم من أولادي وأحفادي في جمع هذا الكتاب. لقد كانوا حقا خير سند لي وعملوا كفريق متجانس، فمنهم من ملأ استمارات ومنهم من صف على الكمبيوتر ومنهم من دقق وراجع ومنهم من عمل على تحويل التواريخ ومنهم من صمم برامج كمبيوتر فأشكرهم جميعا من كل قلبي وأسال الله ان يبقيهم لي جميعا ولا أراني الله فيهم مكروها أبدا. والشكر الجزيل لزوجتي الحاجة ام هادي ولإخوتي جميعا لتشجيعهم الدائم لي، وكذلك أشكر الصديق العزيز سماحة الشيخ علي خازم الذي واكب هذا العمل حتى نهايته فأرجو الله له جزيل المثوبة وحسن الختام.

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور