عكس السير في المكان والزمان .... ولكن للتاريخ
سؤال : لماذا سمي تفجير 9 تموز، 2013 ب"تفجير بئر
العبد" و15 آب 2013 ب"تفجير الضاحية"؟
من تصوير عدنان الحاج علي |
شرفني المرحوم المؤرخ الأستاذ السيد حسن الأمين صاحب دائرة المعارف
الإسلامية الشيعية وغيرها من التصنيفات المهمة بزيارة إلى منزلي في ساقية الجنزير
بصحبة من هو في مقام الوالد الحاج محمد حسين مروة (أبو هادي) أمده الله بالعافية صاحب
كتاب الكشكول وهو شقيق الأستاذ كريم مروة , وكانت الزيارة بعد استماعه إلى مشاركتي
في مؤتمر احياء
تراث علماء جبل عامل عن الشيخ محمد بن الحسن، الحر العاملي الذي
عقد في 20 و21 /7 / 1998. حيث أبلغني
أنه قرر إضافة بحثي المذكور إلى الطبعة الجديدة من دائرة المعارف مع قسم من كتابي
مدخل إلى علم الفقه عند المسلمين الشيعة الصادر سنة 1993 , واتفق معي على أن أكتب
بنفس المنهجية عن عدد من الكتب الشيعية .
في هذه الجلسة
فاجأني رحمه الله بأمرين في سياق واحد هو ندرة الكتابات المعمقة بين علماء
المسلمين الشيعة اللبنانيين في تلك المرحلة وتخلفهم عن ما كان عليه سلفهم الصالح
ولجوئهم إلى بهرجة الألقاب العلمية وإطلاقها على أنفسهم و خلافا لسيرة السلف
الصالح أيضا , قال :
" انتظر
الشيعة سبعة قرون حتى أطلقوا وصف " المحقق " على أول شخصية علمية مميزة[1] ولم يعرف بهذا الوصف في تاريخ التشيع سوى عدد
قليل بينما تجد اليوم في (بلدة) " الغبيرة " وحدها اربعة أو خمسة يطلقون
على أنفسهم هذا الوصف " .
وكان أبوه العلامة السيد محسن الأمين (قده) قد سبقه إلى ما يشبه هذا المعنى
عندما كتب في ترجمة والد الشيخ البهائي الشيخ محمد حسين المدفون في البحرين في موسوعته
المعروفة أعيان الشيعة :
" وفي تلك الأعصار التي كان فيها البهائي وأبوه وغيرهما مشائخ الاسلام
في هرات وأصفهان كان الشهيد الثاني الذي هو أعلم منهم واجل قدرا يحرس الكرم في جُبَع
(جباع من قرى إقليم التفاح قرب جزين) وفي مضيعة العلماء جبل عامل وينقل الحطب على حماره
لعياله بالليل , ويبني مسجده في جبع بيده , ويتجر بالشريط كما ذكره ابن العودي لتحصيل
قوته , ويسافر في تجارته مع الجَمَّالة إلى الأمكنة البعيدة كالقسطنطينية وغيرها ولا
يعامله الجَمَّالة معاملة أحدهم بل يتعدون عليه .
وفي الوقت الذي كان فيه المحقق الكركي شيخ الاسلام بأصفهان نافذ الأمر مفوضة
اليه جميع أمور السلطنة ويخرج في موكب الملوك كان سميه ومعاصره المحقق الميسي ينقل
الحطب على حماره ليلا لتلاميذه في ميس (الجبل) ويعيش عيشة القناعة والفقر ويكون عند
اهل جبل عامل أقل قدرا من بعض المتفقهة ." .
محل الشاهد في ما تقدم مع الإشارة إلى تغير إيجابي في موضوع الكتابات
المعمقة هو إصراره على تسمية المحلة التي أراد الإشارة إليها باسمها لا بوصفها جزء
من " الضاحية الجنوبية " , وكان رحمه الله يكره تسمية "الجنوب
اللبناني" كذلك , ولتشدد المؤرخ في هذه المسألة دلالاته الهامة خاصة مع معرفة أنه قضى مع والده في الغبيرة شطرا من حياته حتى استقل ببيته في محلة البربير في بيروت .
لا يزال قسم من أهالي بلدات " ساحل المتن الجنوبي " - أول إسم
جغرافي جامع لها - يعبرون عن بلداتهم ب"الضيعة" و في ذلك ما فيه من
استحضار للجامع الجغرافي البشري بين ابنائها , واستقلال كل واحدة منها بميزات
وخصائص تصل حد اختلاف اللهجة وطريقة الكلام بين أول برج البراجنة من جهة حارة
حريك وآخرها من جهة المطار وصحراء الشويفات مثلا .
إن تسمية الجنوب أو الضاحية الجنوبية كما غيرها من التسميات بالجهات ليست
تسمية متمحضة في الطبوغرافيا بل لها دلالاتها السياسية بالإعتبار إلى المركز
العاصمة وغيرها , ولها دلالاتها الإجتماعية وحتى البشرية . ولها بالتالي آثار
عديدة كما لاحظنا في لبنان بما يتعلق بالتنمية في الجهات الثلاث شمالا وجنوبا وشرقا
.
وما يعنيني هنا ما صارت إليه الدلالة البشرية على تسمية الضاحية الجنوبية واقتصارها
في الدلالة على " تجمع سكاني شيعي " وهذه
الدلالة مجافية للواقع تماما . ففي برج البراجنة مثلا لاحصرا حيَّان للمسلمين السنة حي آل العرب وحي الأكراد فضلا عن مخيم الفلسطينيين
و محلة الرويس التي وقع فيها التفجير الأخير هي من
أحياء بلدة حارة حريك كما حي بئر العبد وتضم اليوم خليطا من السكان الأصليين
مسيحيين وسنة وشيعة (كان من ضحايا التفجير الأخير بعض من آل العيتاني المالكين
لأكبر مساحة عقارية في المحلة المذكورة ) مع الوافدين قديما وحديثا .
وهي ليست كما يظن البعض محلة مغلقة تعتمد على ذاتها في حركتها الإقتصادية بل هي مقصد الكثيرين من
أبناء مناطق مختلفة وقد تبين ذلك من اسماء عائلات الضحايا شهداء وجرحى من غير سكان
المحلة .
السؤال المهم الآن لماذا اختار الإعلام ووافقه بعض من لا ينبغي له ذلك على
الرضى بالتسمية ابتداء وانتهاء ولم يتنبه لخطورة المسألة في أصلها سوى طرفان الأول
هو الأستاذ نبيه بري عندما قرر - بوعي - في الثمانينات تسمية محيط حي السُلُّم بحي
الكرامة في خطاب شهير متبنيا كلاما للإمام موسى الصدر بهذا الخصوص , والطرف الثاني
رؤساء بلديات المنطقة الذين استبدلوا تسمية اتحادهم من اتحاد بلديات الضاحية إلى
اتحاد بلديات ساحل المتن الجنوبي .
إن كل "ضاحية " في لبنان شمالية أو جنوبية تعني استلحاقا بمركز ,
وإن كل تقسيم جهوي له ما بعده في الدلالات وتاليا في الواقع , ألسنا نقول
"لكل امرئ من اسمه نصيب" ؟ وهذا هو قد انطبق على المناطق بأسمائها الجديدة .
ألم تتحول تسمية "بيروت الشرقية" للدلالة على تجمع
سكاني مسيحي تقابله "بيروت الغربية" بتجمع سكاني إسلامي ؟
ألم تتغير دلالة تسمية "البلد"على محيط ساحة الشهداء في بيروت
بعدما صارت "الوسط أو الداون تاون" من كونها مجمعا للبنانيين إلى
صيرورتها مجمعا للغرباء .
لو قيل إن الإنفجار وقع في حي الرويس من بلدة حارة حريك لكان له برأيي
دلالة مختلفة لو أننا لم نرض من الأساس بتسمية الضاحية الجنوبية ...هذا الكلام ليس
شوفينيا فأنا إبن عائلة قدمت إلى برج البراجنة واستقرت فيها نهاية القرن الثامن عشر.
ورغم كل التعاطف الذي أظهرته الكثير من الجهات والشخصيات والأفراد مع
المنطقة والضحايا إلا أنه وللأسف بدا تعاطفا مع " الشيعة " لا مع "
اللبنانيين " المقيمين والمارين , وبدا في جانب منه خوفا من الفتنة المذهبية .
ولعل في ذلك إجابة على السؤال الذي طرحته في أول الكلام :
متفجرة بئر العبد كان ضحاياها عدد
بسيط من الجرحى ودمار محدود بينما هذه بدت موجعة أكثر ومؤدية لغرض الفاعل المجرم بالفرز
المذهبي فضلا عن الديني والسياسي .
هذا الكلام متأخر شيئا ما لكنه كلام للتاريخ .
1 - المحقق الأول جعفر بن حسن
الهذلي ,602-676 هجرية
2 - فخر المحققين محمد بن الحسن بن علي بن المطهر الحلي , 682 - 771 هجرية
.
3 - المحقق الميسي معاصر للكركي , ... - 938 هجرية
4 - المحقق الكركي ... - 940 هجرية
5 - المحقق الأردبيلي , ... - 993 هجرية
6 - المحقق الخراساني . 1255 - 1329 هجرية
7 - المحقق النائيني , 1274 - 1355
هجرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق