الأربعاء، مارس 30، 2016

المعرض الألماني وحفَّار القبور وبضاعتنا التي ردت إلينا.

المعرض الألماني وحفَّار القبور وبضاعتنا التي ردت إلينا.
عند حدود حارة حريك الجنوبية لجهة برج البراجنة يقع حي بعجور على اسم عائلة تقطنه, وتوجد فيه مجموعة دكاكين تدخل ألمانيا في أسمائها بصيغة أو بأخرى, والنسبة إلى ألمانيا في أسماء هذه الدكاكين تتصل بتجارة البضائع المستعملة المستوردة من ألمانيا وهذه البضائع تتنوع بين ما نحتاجه في استعمالاتنا اليومية وبين ما هو للزينة.
كنت فارغا من أي التزام فقررت التوقف عند أحد هذه الدكاكين للنظر في ما تحتويه ولم أزر واحدة منها لزمن طويل, والدكان لفظ محبب رغم أن السياسة أفسدت تذوقه العفوي البسيط الذي كنا نستسيغه: "رايح عالدكان وجبت من الدكان", وكذلك فعل التفرنج إضافة للسياسة فصارت الدكان سوبر ماركت ولا أظن المسألة تنتهي بالمولات .
وبعيدا عن الاستطراد يا سادتي الكرام دخلت الدكان فوجدت صاحبه يأكل اللحم بعجين ومعه صديق مشترك هو حفَّار القبور في بلدتنا برج البراجنة ومقبرتنا جبانة الرادوف وحولهما رفوف وخزائن تعرض كل قديم في أصناف عديدة, ومن زاوية أحد الرفوف حيث كانت مجموعة من الكتب القديمة ومعها مجموعة جرائد أشارت إلي أن تقدم يا فتى –عفوا- يا شيخ لمصافحتي.
مصاحف قديمة من مصر وسوريا , تفاسير وسيرة, أدب, وجرائد ألمانية أحدثها عمرا من سني...ما دخل غير الجرائد بألمانيا؟ بل ما دخل كل المعروضات وهي بأغلبها صناعتنا العربية أو الشرقية؟ أجابني صاحب الدكان: هي كذلك لكننا نستعيدها من هناك, ربما ضاق بها أحفاد من اشتراها من هنا وأخذها معه, وربما ضاقت بهم الدنيا فيبيعونها ونأتي بها نحن فتكون بضاعتنا ردت إلينا.
طال الحديث والاستعراض للكتب حتى إذا ارتفع صوت القرآن مؤذنا باقتراب صلاة الظهر وصديقي حفَّار القبور يستمع وينظر إلينا التفت ُّإليه منتبها أنني نادرا ما التقيته خارج الجبانة فسألته:"شو اليوم عطلة؟", ضحك وأجابني: "أي مولانا, اليوم ما في حدا"...
غادرت الدكان وأنا أتمتم إن لم يكن اليوم فغداً وكما في كل مرة يقول تراب الجبَّانة للقادمين: هذه بضاعتنا رُدت إلينا.
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿30﴾ سورة يس.
ع.خ,الأحد، 27 آذار، 2016

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور