بين كشكولين
شرَّفني الحاج محمد حسين مروة بكتابة تقديم
كشكوله الثاني فاحترت في اختيار الكتابة عن الحاج أو عن الكتاب . الترجمة الكلاسيكية لحياته
موجودة أمدَّ الله في عمره وعافاه , لكن لحياته نفسها وإلى الآن صورة حامل
"الكشكول" ,
ولئن توقف عن الجمع لعجز السن فإن في "المخلاة"
ما يغني المسافر معه عن حمل كشكول , والحاج أبو هادي سخي جواد كريم .
المتتبع
لتواريخ الصور والنصوص التي اختارها وحفظها لنا في الكشكولين
يلاحظ امتدادها الزمني على مسافة عمره المبارك , فيدرك فيه نهم القارئ الناقد
بفطرته والمتواضع بعدم التعليق , تاركا للحصيف من القراء الاستنتاج والتوسع في
ملاحظة أبعاد مختاراته .
أول ما خطر ببالي عند التفكير بالتقديم عن
الحاج محمد حسين مروة هو هذا التقارب في الاسم بين العاملي صاحب الكشكول الأول وهو
الشيخ البهائي وبين العاملي صاحب الكشكول الأخير , فالشيخ البهائي هو محمد بن حسين
ومؤلفنا هو محمد حسين بن أحمد , وكلاهما من عائلة عاملية علمية دينية عريقة .
للشيخ البهائي كتابان في نفس النوع من
التصنيف أسماهما "المخلاة" و "الكشكول" وإذا كانت المخلاة حقيبة المسافر في أيامنا
هذه فالكشكول هو شنطة اليد وكلاهما حاجة لمن أراد الترويح المفيد والممتع , وإن
"كشكول العاملي" لا غنى عنه وهو متصل بمخلاة وسيعة لو قدَّر الله له
طباعتها لتوالت مجلداتها عديدة غنية , وقد كنت جمعت بطريقة التقييد والقص واللصق
التي اتبعها الحاج أبو هادي ما وضعته بين يديه ليتخير منها وأبقيت على الإلكتروني
منها وما زلت على طريقته وآمل لها أن ترى النور.
تجاوز الحاج التسعين ولم يزل يتتبع حافظا لما
جمع , ولئن منعه السن من مباشرة القراءة والكتابة فهو يلذك بحديثه سمعا كما يمتعك
نظرا , ولا زال برعاية زوجته وأبنائهما وأحفادهما يطلع على الجديد , وفي هذه
الرعاية والحرص منهم على نشر ما أفاد كرامة له في حياته تُجلي أثر رعايته بر
الوالدين وصلة الرحم حيث وجد أثرهما في أفراد عائلته الذين يحوطونه كما أحاط
ويقيني أنهم سيجدون في أبنائهم كما وجد وفقهم الله .
وأول ما خطر ببالي عند التفكير بالتقديم عن الكتاب أن أحسن ما يكون هو مما أورده شيخنا البهائي
في تقديم كشكوله :
... فسرح نظرك في رياضه، وأسق قريحتك من حياضه، وارتع
بطبعك في حدائقه واقتبس أنوار الحكم من مشارقه، وعض عليه أنياب حرصك عضاً ولا تفضه
على من كان غليظ القلب فضاً، واتخذه وأخاه جليسين لوحدتك وأنيسين لوحشتك وموجبين لسلوتك
وصاحبين في خلوتك ورفيقين في سفرك، ونديمين في حضرتك، فإنهما جاران باران، وسميران
ساران، وأستاذان خاضعان ومعلمان متواضعان، لا بل هما حديقتان تفتحت ورودهما , وخريدتان
توردت خدودهما , وغانيتان لابستان حلل جمالهما مائستان في برود جلالهما , فصنهما عن
غير طالبهما ولا تبذلهما إلا لخاطبهما
فمن منح الجهال علماً أضاعـه ومن منع المستوجبين فقد ظلم
فإليكم هذا السفر المفيد والممتع وتفضلوا
بالدعاء للحاج "أبو هادي" وللفقير .
علي خازم , بيروت , الجمعة، 15 صفر، 1437
الواقع فيه 27 تشرين الثاني، 2015