الأحد، يوليو 31، 2016

عالم دين أو رجل دين أو داعية؟



عالم دين أو رجل دين أو داعية؟
الشيخ علي خازم23 اذار 2006





توصيف:
عالم دين أو رجل دين إشكالية مطروحة في ساحات الإسلاميين منذ السبعينات، وأخذت مدىً واسعاً في لبنان لخصوصية التنوع الطائفي فيه وكانت قد بدت كظاهرة لا كإشكالية في مواضيع منها القانوني ومنها الشعبي قبل تلك المرحلة زمنياً.
في المجال القانوني ظهرت القضية في ماذا يدوَّن على خانة المهنة في "إخراج قيد النفوس" او تذكرة الهوية القديمة للمعمم المسلم غير القاضي الشرعي أو المفتي: "رجل دين" أو "عالم دين".
 القانون اللبناني يلحظ لرجل الدين خصوصية فهو مثلاً غير مشمول بقانون منع التجول إذا كان يتنقل لأداء وظيفة دينية، ولا يمكن توقيفه بتهمة غير ملحوظة تحت عنوان الجرم المشهود بدون موافقة مسبقة من رئيس الدين واستجد مع إقرار التجنيد الإلزامي قانون تأجيل وإعفاء  "رجل الدين الممارس" من الخدمة العسكرية.
في المجال الشعبي ظهرت المسألة عند المسلمين في صورة أخرى, فالشيعة في لبنان مثلاً عبَّروا ويعبرون عن المعمم بالشيخ إن لم يكن من نسل رسول الله (ص) وبالسيد إن كان كذلك، وبالعالم والعلامة ويخاطبونهما بتقديم لفظة مولانا أو الإضافات التشريفية الأخرى كسماحة أو فضيلة وكان أهل الجنوب يستخدمون للسيد " سيادة ".
 فيما تأخر استخدام لقب "المفتي" عند الشيعة اللبنانيين الذي استحدث لاعتبارات لبنانية محضة اذ الاصل ان المفتي هو المجتهد .
بينما كان السنة إلى فترة قصيرة يعبرون بالأستاذ عن غير القاضي أو المفتي، ويمكن الكلام عن استمرارها إلى أيامنا هذه في بيروت مثلاً,اضافة الى اللقبين التشريفيين الآخرين فضيلة أوسماحة.
عند الدروز تختلف المشكلة فهم يصطلحون على استخدام تعبير الشيخ، فهناك شيخ العقل وشيخ التقوى، والمشايخ العاديين, واللقب التشريفي الاكثر شيوعا بينهم هو سماحة الشيخ.وليس لديهم منصب الافتاء وإن كان لهم قضاؤهم الشرعي.
العلويون أيضا ليس لديهم إفتاء ويرجعون في القضاء الشرعي إلى المحاكم الشرعية الجعفرية.
    المشكلة في ساحة الحركيين الإسلاميين اتخذت طابعاً فكرياً وإن ظل بعض " رجال الدين" أو " العلماء" لا يجدون غضاضة في استخدام أيهِّما.
 والذي يجدر التوقف عنده هنا أنَّ المؤسسة الدينية الرسمية الإسلامية الأقدم وهي دار الفتوى والمؤسسات اللاحقة لم تناقش المسألة نظرياً وبالتالي لم تعترض على استخدام مصطلح " رجل دين" لا بل استخدمته في إفاداتها الصادرة للتعريف سواء الموجهة إلى الأمن العام اللبناني حيث تدون المهنة اليوم على " جواز السفر" فقط في لبنان دون الهوية وما زالت لها خانة في " إخراج القيد" أو إصدار إفادة بذلك إلى "هيئة  رعاية شؤون الحج".  علما أن في تعريف مفتي الجمهورية اللبنانية قيل: "رئيس العلماء المسلمين".

تاريخية المسألة والبعد الفكري:
الاعتراض الذي يبديه " الإسلاميون" إن صح التعبير ناشئ عن تلازم مصطلح "رجل الدين" بجملة من المسائل في الديانتين اليهودية والمسيحية ومجتمعاتهما على المستويين الديني الصرف من جهة والاجتماعي بما يشمل السياسي من جهة أخرى.
اليهودية والمسيحية عدا بعض مذاهب الأخيرة المستحدثة، تشترطان في الحياة الروحية لاتباعهما تدخل وإدارة أشخاص يتحلون بصفات خاصة يتم تهيئتهم لهذه المهام ويمتلكون بالتالي خصوصيات واستحقاقات ويترتب عليهم التزامات معينة.
الإسلام في أصل دعوته يختلف عن المسيحية واليهودية فليس فيه ما يحتاج معه الفرد في حياته الروحية إلى وسيط كما أنه لا توجد فيه "أسرار" يهيأ الكاهن لتلقيها بحيث يكون له وحده حق أداء ما يتعلق بها من طقوس.
 ولجوء المسلمين إلى ما يعرف اليوم بالعلماء أو المشايخ أو اللقب الجديد الدعاة إنما هو من باب رجوع الجاهل إلى العالم، فليس لهؤلاء من ميزة سوى تفرغهم للتحصيل في العلوم المتعلقة بالدين.
أما في الجانب  العملي من الحياة، فهم يقومون بأعمال يمكن وصفها بالمدنية الإجرائية من قبيل التوثيق في الأحوال الشخصية أو القضاء من جهة معرفتهم التخصصية بالأحكام أو قدرتهم على الاجتهاد في هذه الأحكام.او يتصدون لاعمال اخرى ترتبط ايضا بالاختصاص في العلوم الدينية وهي بشكل عام :
-الافتاء ,مفتي الجمهورية ,مفتي المناطق.
-قاضي المحكمة الشرعية: زواج , طلاق, ارث, نسب , نفقات..الخ
-امام المسجد: صلاة الجمعة, صلاة الجماعة, صلاة الجنازة ,تدريس المؤمنين المترددين على المسجد.
-مدرس في الكليات والمعاهد الشرعية

أين يكمن الاعتراض على المصطلح "رجل دين" إذاً؟
أولاً: في كونه بدعة، إذ لم يعرف الإسلام منذ صدر الدعوة إلى حدود القرن السابع تسمية رسمية لعلماء الدين، ولم يميزهم لا بلباس خاص ولا بحياة أو سلوك خاصين غاية ما هنالك وجود صفات ترتبط بالاختصاص العلمي ، قراء ،فقهاء، محدثون بدون مميزات.
ثانياً: النصوص القرآنية والنبوية تحدثت عن "علماء" حتى عندما ذكرت النصارى واليهود مع استخدامها للأحبار والقسيسين والرهبان والربيين.
ثالثاً: التعظيم للعلماء بوصف أحدهم بالشيخ استخدام للقب استخدمه العرب للدلالة على المنزلة الاجتماعية المتقدمة والمرتبطة بالحكمة والمعرفة.
رابعاً: اعتماد لقب " الشيخ" واستخدامه مطلقاً أو بإضافة الإسلام إليه"شيخ الاسلام" أو إضافة لقب آخر على الإسلام كركن الإسلام،  وعماد الإسلام، وحجة الإسلام، وثقة الإسلام وما إليها من ألقاب إنما جاءت تكريماً لا تحديداً لعنوان خاص.
خامساً:مع خلع بعض السلاطين صفة شيخ الإسلام رسمياً وتسميته بها وإلزام مخاطبته بها كذلك, بدأت إرهاصات إيجاد مؤسسة دينية لم يعرفها المجتمع الإسلامي كطبقة متميزة منظمة.
سادساً: بدأ تنظيم المؤسسة الدينية الإسلامية مع السلطنة العثمانية لكن الألقاب المستخدمة لم تعزز طبقة خاصة بامتيازات دينية بل بامتيازات مالية.
ولم يوجد الفصل الحاد بين السلطة السياسية للسلطان والسلطة الدينية لشيخ الإسلام إذ بقي الاتصال في ميداني القضاء والجهاد وما يلحقه من معاهدات.
سابعاً: إضافة إلى الامتياز المالي الوظيفي بعد " المأسسة" العثمانية والتي سبقها خلع سلطانية على المدارس الدينية وأساتذتها وطلابها دون تقنين جاء امتياز الزي الذي وإن وجدت له سابقة باختصاص العلماء بشكل خاص من الثياب لكن لم توجد قوانين لإجازة لبسه أو منعه قبل العثمانيين.
ثامناً: السلطنة العثمانية قننت مسألة الزي والوظيفة وربطت ذلك بقوانين كالإعفاء من التجنيد أو القيام بشؤون دينية كالإفتاء والقضاء وإمامة المدن والقرى وتدريس الفتوى أو التدريس الديني فوجدنا مثلاً أواخر القرن التاسع عشر مدارس دينية شيعية يلبس أساتذتها وطلابها وخريجوها الزي الديني السني ( عمامة على الطربوش) ويخضعون لامتحانات " العالمية" للتخلص من التجنيد.
تاسعاً: مع تأكيد الأنظمة العربية بعد الاستقلال عن العثمانيين وغيرهم على استخدام المصطلح اعتقد الإسلاميون أنه مقدمة لإبعاد العلماء عن ساحة السياسة كما حصل فعلاً في كثير من الدول العربية والإسلامية فتصدوا للمصطلح وللدور المفروض من الحكام معاً.
عاشراً: حيث أن الأصل في الإسلام عدم وجود طبقة مميزة وخصوصيات وحيث ظهر أنَّ للسلطة السياسية تأثيراً على المواقع الدينية الرسمية برزت شخصيات علمائية غير مرتبطة بالأنظمة ومعارضة لها استقطبت جماهيرها الخاصة، فتصدت لها الأنظمة بمجموعة من القوانين أكدت اختصاص رجال الدين بامتيازات ومنعهم عن اخرى مما أضطر غير الرسميين إلى الابتعاد عن مواجهة القوانين، فاعتمد عنوان جديد هو عنوان "الداعية" الذي لا يضطر صاحبه إلى إبراز شهادة دينية رسمية.

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور