الاثنين، أغسطس 01، 2016

علماء الدين الشيعة والعمل

علماء الدين الشيعة والعمل
النظر إلى طلبة العلوم الدينية وعلماء الدين من جهة العمل[1] يحتاج إلى البحث عن عناوين وتفصيلا لمسائل من عدة جهات :
 أولا: التفريق بين طالب العلوم الدينية والعالم الديني (الذي توقف عن الحضور المباشر عند الأساتذة بعد إتمام مراحل الدراسة) فليسا سواء من جهة السن والاحتياجات المادية والمعنوية.
ثانيا: التفريق بين العالم الديني القائم بوظيفة التدريس وبينه قائما برعاية الشؤون الدينية للناس .
ثالثا: التفريق بين القائمين برعاية الشؤون الدينية للناس باستبعاد الموظفين في الدولة: (الإفتاء, القضاء الشرعي), والقائمين على أعمال إدارية (وهو شأن حديث عرف مع وبعد انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران ويجري في كثير من المؤسسات الإجتماعية والثقافية خصوصا).
فيبقى عندنا صنف أوَّل هم طلبة العلوم الدينية, وصنفان تحت عنوان القيام برعاية الشؤون الدينية للناس: الأئمة[2] والمتصدون للبحث والتأليف والكتابة والنشر, وأخيرا المدرسون للعلوم الدينية, وقد تجتمع بعض هذه العناوين مع بعضها بما هي أعمال تحتاج إلى وقت يصرف في أدائها باختلاف في الأولويات بينها.
بهذا التفصيل تظهر الصورة الكاملة والحقيقية للطلبة وعلماء الدين من جهة العمل بما يعني التكسب وطلب الرزق, إلا أن يراد السؤال عن عدم اشتغالهم بحِرَف ومهن حرة, فهنا أيضا يظهر تفصيل آخر, وهو أن بعضهم قائم بذلك فعلا لكنه أمر غير ظاهر لندرته من جهة ولأن أغلب هذه الحرف والمهن لا تحتاج إلى ترك لبس الزي الديني من جهة أخرى كما في التجارة (تجارة الكتب والمطبوعات والبرامج الإلكترونية) وحتى في الهندسة (بأقسامها) فالعاملون فيها منهم يكتفون بالأعمال المكتبية وكذلك الأمر في التعليم العام (غير التعليم الديني) والتعليم الأكاديمي (الجامعي) بمستوياته المختلفة.
نعم العمل في حرف يدوية كأعمال الزراعة والبناء وما يتصل بها هو أمر مختلف.
تاريخيا عرف عن النبي محمد صلى الله عليه وآله اشتغاله بالتجارة وعن أكثر أئمة الشيعة إشتغالهم بالزراعة والتجارة وكذلك عن كبار العلماء, لكن ذلك كان على نحو تأكيد قيمة العمل في الإسلام وتحقيق "الأكل من كد اليمين" ولم يبلغ حد الإمتهان أو التفرغ لمهنة بعينها بحيث يصبحون معه من أربابها أو يعرفون بها لما لذلك من آثار سلبية تلتصق بالكثير من المهن وأصحابها, كما نعرف مثلا من ابتلاء التجار بكثرة الأيمان والإقسام على نوع البضاعة وسعرها والدخول في مساومات وهكذا.
وهذا هو السبب في ترك من يرتدي الزي الديني هذه الأعمال إذا وجد وقتا للعمل.
ويبقى السؤال: هل كل هؤلاء يتناولون من المال العام إذا صح التعبير (وهو كذلك من أكثر من وجه) وكيف وما هي ضوابط هذا التناول؟
تاريخيا أيضا كان النبي والأئمة يتناولون من المال العام نصيبا محددا ومعينا لمصارفهم الشخصية وكذلك الصحابة والمسلمون الأوائل وإن لم يكن ليسد حاجاتهم كلها, بينما كان الأغنياء منهم لا يأخذون اكتفاء بما في أيديهم.
والواقع اليوم, كما تبين معنا, أن قسما من العلماء هم عاملون فعلا ويأخذون بدلات عمل من المؤسسات التي يعملون فيها وفق أنظمتها المالية حتى لو كانت موازناتها تتشكل بتوجيه المراجع العامِّين من الحقوق الشرعية بالكامل (الخمس والزكاة ) فضلا عن بعض الكفارات والنذور ومردود الأوقاف والصدقات.
وأما الصنف الأول وهم طلبة العلوم الدينية الذين ليس بإمكانهم الجمع بين الدراسة والعمل فيقدم له من المراجع الدينيين ما يساعده على مقاربة الإكتفاء في الحاجات الأساسية اليومية  من سكن وتغذية وطبابة والضروريات الأخرى كأي منحة تعليمية تقدمها الدولة لطلاب الجامعات. والضابط هنا هو التفرغ للدراسة المؤدي إلى ترك العمل وكونه فقيرا بسببه, أما الغني فليس له أن يأخذ هذه المنحة .
وكذلك شأن علماء الدين الأئمة والمدرِّسون في التعليم الديني الحوزوي والباحثون والكتَّاب في غير المؤسسات المتخصصة, فإنهم يأخذون بدل تفرغهم عن تحصيل المال ما يصلحون به أحوالهم ويسد احتياجاتهم الضرورية لا الكمالية, وليس لهم أن يدخروا منه (لأن مشهور الفتوى أنه لايملكه وإنما هو مأذون في صرفه ويبحث الفقهاء في من ملك نصيبا من الخمس وزاد عن حاجته هل يجب فيه الخمس أو لا ؟) بل عليهم أن يخصموا الزائد منه من المرتبات التالية إن كان ما يصلهم مرتبا, أو يعيدوه إلى المرجع الديني ما لم يكن لديهم الإجازة بصرفه على من يحتاجه.
وأما الموظفون برواتب(القضاة والإداريون) وأرباب المهن[3] فليس لهم أن يأخذوا من المال العام إلا إذا صاروا فقراء مثلهم في ذلك مثل أي فقير أو مسكين من غير علماء الدين, إذ ليس الزي الديني هو المقتضي بل الفقر, بينما يجب عليهم أن يدفعوا الحقوق الشرعية في حال صاروا من الأغنياء الذين تجب في أموالهم الزكاة والخمس.
بهذا يتبين معنا أنه لا حقيقة لترك علماء الدين العمل لكسب معاشهم بل هم يعملون وفق ما يقتضيه إختصاصهم الذي يحتاج تفرغا كاملا والسبب في الإحتياج للتفرغ هو توسع العلوم الدينية أضعافا كثيرة عما كانت عليه في القرون الأولى. 
   وأما من لا يستغرق وقته العمل في اختصاصه فإن نفس الزي الديني لا يعطيه الحق في الإستفادة من المال العام, إذ ليس الزي الديني هو المقتضي بل الفقر الناشئ عن التفرغ كما مر, بل يمكن القول إنه يجب عليه العمل لكسب معاشه إن كان فقيرا ويستحب له إن كان غنيا شأنه في ذلك شأن الناس العاديين.



[1] وأريد منه معنى التكسب وطلب الرزق
[2] مجازا لا إصطلاحا شيعيا, إمامة القرى والبلدات الصغيرة وإمامة المدن الكبيرة والمراجع العامُّون للطائفة
[3] وليس من مانع لعملهم إلا أن يتعارض مع الزي الديني بما يسقط صاحبه عن الإعتبارات العرفية في كل مجتمع فإنك تجد في قم طالبا أو مدرسا أو قارئا للعزاء له دكان يتجر فيه وقتا محدودا بالأدوات المنزلية أو تجارة الملابس الدينية أو السجاد, بينما لا يقبل العرف اللبناني ذلك.


ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور