الخميس، يوليو 21، 2016

الدينيون الجدد والدولة غير الدينية - نسخة تامة

الدينيون الجدد والدولة غير الدينية

تعقيبا على مقالة جهاد الزين التوجهات الدينية الثلاثة لدعم " الدولة غير الدينية "[1]

" انها المرحلة التالية بدون لبس:
مرحلة دور أو أدوار التيارات المتدينة في عملية إعادة ما لفصل الدين عن الدولة.
"الدينيون الجدد" هم الذين يستطيعون في ظل الاكتساح الاصولي اعادة الاعتبار لفكرة الدولة غير الدينية.
هذا ليس زمن غير الدينيين في صناعة العلمانية الجديدة. هذا زمن الدينيين في اعادة "علمنة" الحياة السياسية. ومفاهيمها"
هكذا يختم الأستاذ جهاد الزين مقالته قبل سطرها الأخير, والتي فسَّرت لي- محليا - الإصرار والإلحاح الذي يمارسه بعض "الدينيين الشيعة" - خصوصا وغيرهم أيضا - على تناول نظرية ولاية الفقيه وكأنها مطروحة كبديل للنظام اللبناني , حيث أجهدني البحث عن فذلكة شخصية تدفع أحدهم ليدور على قواعد بعض القوى السياسية اللبنانية غير المسلمة أصلا, شارحا ومفندا ورافضا , أو لتقوم مجموعة منهم بزيارات إلى الولايات المتحدة والمشاركة في دورات بحثية يعودون بعدها لإقناعنا أنهم كانوا بصدد تقديم محاضرات في دورات عن التعايش والحرية والديمقراطية تبين للأميركيين ما ينبغي عليهم فهمه للتعامل مع الساحة اللبنانية .
والبحث عن فذلكة شخصية لباحث ما في قضية معيَّنة له مبرراته العلمية: فهي كما تعلَّمنا من أساتذتنا في دراسة منهجية البحث العلمي جزء أساسي على الباحث أن يقدمه في مخطط البحث لإقناع الأستاذ المشرف بالرضى بموضوع البحث العلمي الذي اختاره الباحث , من جهة ولإقناع المتلقي للبحث بأهمية الإطِّلاع عليه من جهة أخرى , وانا في القسم الأخير كنت لا أجد ما يقنعني بأهمية ما يقومون به .
الآن صار عندي - برأيي على الأقل - فذلكة غير سياسية استهلاكية تثير رغبتي بمتابعة ما يقوله هؤلاء الدينيون الشيعة في الموضوع الذي ذكرت.
وقد أرسلت للأستاذ جهاد الزين على بريده الإلكتروني في يومها تعقيباً أوليا ً على مقالته ووعدته بإستكماله إذا تم نشره وبانتظارإشارة منه أتريث قليلا قبل نشره في غير النهار. :
الأستاذ جهاد الزين المحترم
تستحق مقالتك مناقشة تفصيلية ومطوَّلة فأرجو أن يتسع صدركما انت والنهار لهذه المناقشة التي ستسير مع تقسيمك لها :
أولاً في الشخصيات :
عدم " وضوح المشهد على كونه حقيقيا وفاعلا " كان يقتضي منك التروي قبل إقحام " السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى " في ثلاثية قلت عنها في مقدمة مقالك إنَّها "يمكن اعتبارها الآن، بل جعلها، قوة دفع فكرية وبالتالي سياسية، لبلورة شخصية "الدولة غير الدينية"
والفرق كبير يا أستاذ جهاد بين "الإعتبار" و"الجعل" في علم السياسة كما في علم أصول الفقه كما تعرف , وهذا الفرق هو السبب الأول الذي دفعني للرد على مقالتك لإنني لاحظت في تعبيرك السابق دعوتك لتوظيف سياسي لموقع آية الله العظمى السيد السيستاني في قالب فكري , ومقالتك تناقش في غرضها الأصلي كما في إستخداماتك الذكية لمعلوماتك المنظمة والموظفة جيدا لخدمة الغرض الأصلي وهو الدعوة إلى "الدولة غير الدينية" .
السبب الثاني المثير للإستغراب هو إنتقاء شخصية دينية سنية مثيرة للجدل في دولة تركيا وخارجها "دوناً عن" – كما يقول إخواننا المصريون - من يمكن إستخدامه في مشروعك الفكري السياسي كشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عضو الحزب الحاكم في دولة مصر التي تعترف ب "دولة إسرائيل" دون أن يكون الشيخ الطيب متورطا في إعطاء شرعية " إسلامية " لهذا الكيان كما يلتزم "الإمام فتح الله غولن" حسبما يسميه أتباعه وليس "الداعية " أو ما يفضله هو "معلم غير سياسي" " an apolitical teacher" فهو إبن المؤسسة الدينية التركية وليس متطفلا عليها .
ومنشأ الإستغراب هذا التوقيت المتقارب - قد يكون غير مقصود - بين مقالتك هذه وبين مقالة الوول ستريت جورنال[2] التي تضمنت مقابلة معه في الرابع من الشهر الحالي حزيران تحت عنوان " إمام تركي معتزل ينتقد أسطول غزة " والتي جاء فيها على لسانه عن أسطول الحرية رغم وصفه "ما شاهده بالبشع": " فشل المنظمين في السعي إلى اتفاق مع إسرائيل قبل محاولة ايصال المساعدات هو مؤشر على تحدي السلطة (الإسرائيلية)، ولن يؤدي إلى مسائل مثمرة".
والتي يتطابق أكثر ما وصفته به مع نصها الإنكليزي لمحرر المقابلة - ربما صدفة - لكنك لم تلتفت - وأنصحك بقراءتها - خصوصا ما عبَّر به "غراهام فولر " ضابط السي آي أي السابق عن تناقض الولايات المتحدة في الموقف من "غولن" بحيث اضطر هو وثمانية وعشرون أمريكي آخرين إلى توجيه رسائل توصية ودعم لإبقائه في الولايات المتحدة بعدما كان مهددا بالترحيل جرَّاء تُهَم توظيف مالي وسياسي ناشئة عن ميل لدى بعض الجهات لدعم علمانيي تركيا اتباع اتاتورك كما رأى "فولر".
ثم إنَّ الرجل تعهد أمام السلطات الأميركية بعدم القيام بأي نشاط وقال في المقابلة إنه لا يوجه رسائل أو تعليمات بل يجيب على أسئلة غير سياسية فقط.
وإنَّ ما أوردته عنه صار من التاريخ وقد تجاوزه الأتراك اليوم حتى موضوع العلويين يا أستاذ جهاد منذ 2003 أعلن رجب طيب أردوغان أن العلوية ليست دينا والعلويون مسلمون والموضوع هو اليوم أداة سياسية بيد الإتحاد الأوروبي الذي اشترط مؤخرا على تركيا إلغاء خانة الديانة من الهوية التركية لرفع العقوبات التي كانت مقررة وفقا لدعوى لدى الإتحاد الأوروبي - سنصدقها بسذاجة - تقدم بها احد العلويين الأتراك لشطب خانة مسلم عن هويته وإستبدالها ب "علوي" وكانت السلطات التركية رفضت ذلك .
أقول لو التفتَّ إلى هذا الجانب من شخصية المعلم الثالث من ثلاثيتك هل تبقيه فيها او تفتش عن غيره ؟
أو هل تبقي "السيد السيستاني" فيها أم تفتش عن غيره؟
على أنَّ لي ثانيا وثالثا ورابعا في الشأن الإسلامي التركي وفي العلمانية الأميركية "الإيجابية" وفي البابا بنيدكتوس كلاما مفصَّلا في مقام آخر إن نشرتم هذا , مع خالص إحترامي . الشيخ علي حسن خازم - بيروت.






تعقيبا على "ثلاثية" جهاد الزين - القسم الثاني:
تحريرالمقالة وعن الدولة العثمانية والمذهب الحنفي والتعددية وسؤال أين الهندوس؟
مقدمة لا بد منها :
يعرف الأستاذ جهاد الزين , وتربطني به علاقة قديمة[3] , أنني مقٌّلٌ في أكثر الأمور والكتابة  منها , ولكنني مستغنٍ خصوصا بالحوار في المسائل التي تقدم جديدا يثير الفكر .
ومن لم يقرأ مقالته على هذا الضؤ لن يعرف سر إستمراري في تعقبها ومتابعة تفاصيلها : إنها تقدم فعلا جديدا حقيقا بالإهتمام فهو قد " وضع ", أو أنه كما الكشافة المُميَّزون قد قرأ " خارطة طريق " لقضية شكلت بالمعالجة القديمة التي أَعلنَ عقمها , بل وفاتها وستشكل بالمعالجة الجديدة التي دعا إليها تحديا حقيقيا على المستويين الفكري والسياسي يمشي وفقها لاهوتيون أو دينيون وسياسيون , ففي مقالته أطلق جهاد الزين الجواب على مسألة أي دولة يريد ؟ وهو سؤال لا أنه مشروع فحسب بل إنه مطروح فعلا وقد أجابت عليه نخب وسياسيون وقامت على أساسه دول , وحاولت نخب وقوى تطبيق جوابها فلم تفلح في أصل القيام أو أنها سقطت في التطبيق , لكن السؤال الآخر الذي يتجاوز جهاد الزين مناقشته هو : أي دولة هي الأصلح ؟ وهذا السؤال له ما بعده...
وأما وقد أذن لي بنشرمتابعة التعقيب على مقالته[4] سأسمح لنفسي في هذا القسم الثاني أيضا بأمور ثلاثة :
أحدها , وفق اللغة الفقهية - تحرير المطلب أو تهذيب المتن , ما يعني إعادة تقديم النص بالإقتصار على المراد الأساسي للكاتب وبعبارته نفسها دون ما كان إستدلالا لرؤيته أو شرحا أو تفريعا أو تمثيلا, لتكون المسألة الأساسية حاضرة في ذهن القارئ.
الثاني , مقاربة سريعة لفكرته عن الدولة العثمانية والمذهب الحنفي التي شكلت أساسا لإختياره شخصية دينية سنية تركية يوظفها في مشروعه , او بتعبيره : يجعلها رافدا في اعادة الاعتبار لفكرة الدولة غير الدينية , هي شخصية الشيخ فتح الله غولن .
الثالث سؤال أين الهندوس ؟
على أنني أستميحه عذري بتأجيل مقاربة العناوين الأساسية التي وردت في مقالته إلى رسالة أخيرة .
الأمر الأول , تحرير المقالة :
يمكن الإقتصارعلى النص التالي من المقالة الذي يؤدي مراد الكاتب منها وفيه : توصيف الواقع , وتحديد الهدف أو الخيار وتعيين الوظيفة والسياسات التي يستفاد منها في الوصول إلى الهدف . فتقرأ كالتالي :
"البابا بينيديكتوس، الإمام فتح الله غولن ، السيد علي السيستاني - التوجهات الدينية الثلاثة لدعم الدولة غير الدينية
المشهد غير واضح حتى لو كان حقيقياً وفاعلاً. بل حتى انه غير منظور بما هو مساحة مشتركة ممكنة، بل قائمة، بين مواقع - تيارات ثلاثة يمكن اعتبارها الآن، بل جعلها، قوة دفع فكرية وبالتالي سياسية، لبلورة شخصية "الدولة غير الدينية"، الشخصية التي تنطوي في مضمونها على اتجاه أو بدء اتجاه (تاريخي؟) معاكس للمضمون الاصولي الذي سيطر على رؤية "الدولة" باعتبارها دولة نازعة نحو حكم ديني، وانتج في العالم المسلم، دولاً تحت الحكم الديني المباشر، ومعها سيطرة متزايدة وقائمة للحركات السياسية الاصولية على الحيوات السياسية في العالم المسلم وفي صعود أصولي أكيد في العديد من البيئات الغربية وتحديداً في أوروبا والولايات المتحدة الاميركية.
هل ما نرى مع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، هو إمكان ولادة متعددة الروافد لتيار معاكس، يتحول لاحقاً الى نواة "عد عكسي" للسيطرة الاصولية الفكرية - السياسية باتجاه تعزيز فكرة - ونماذج - الدولة غير الدينية؟
إذا كانت التجربة التاريخية، منذ تأسست "الحداثة الاوروبية" على خط  متواصل من المسافة بين الدولة والدين انتجت الفكرة العلمانية، هي التي تجعل الفاتيكان جاهزا لاستقبال تلقائي لأي "علمانية ايجابية" تريد صيغة "تصالح" ما مع الكنيسة دون التخلي عن البنية العلمانية للدول الاوروبية، فان التجربة التاريخية للدولة العثمانية جعلت المذهب الحنفي الأكثر قابلية فقهية تكوينية لاستيعاب التعدد الديني والمذهبي... بينما تظهر الوقائع المعاصرة، ان تقاليد النجف كمركز المذهب الجعفري في الاستقلالية الكاملة عن الدولة، قد جعلتها مهيأة على اساس متطلبات الوضع العراقي الجديد لدعم بل حماية نموذج تعددي لدولة مدنية متدينة ولكن غير دينية في العمق !
من هذه القابليات الثلاث يمكن ان يولد في محيطنا اليوم الامكان الحيوي لتيار الدولة التعددية.
ورموزهذه الامكانية، التي يمكن ان تنضم اليها قابليات اخرى فرعية او سياسية، في الأفق الحالي المنظور،
...نجد الاساس لهذه الامكانية في ثلاث شخصيات رئيسية جداً هم ثلاثة حالياً:
البابا بينيديكتوس - الامام فتح الله غولن - السيدعلي السيستاني.
انها المرحلة التالية بدون لبس:
مرحلة دور أو أدوار التيارات المتدينة في عملية إعادة ما لفصل الدين عن الدولة.
"الدينيون الجدد" هم الذين يستطيعون في ظل الاكتساح الاصولي اعادة الاعتبار لفكرة الدولة غير الدينية.
هذا ليس زمن غير الدينيين في صناعة العلمانية الجديدة. هذا زمن الدينيين في اعادة "علمنة" الحياة السياسية ومفاهيمها.
... وتأتينا الروافد من الفاتيكان وتركيا والعراق." ا.ه.

الأمر الثاني , عن الدولة العثمانية والمذهب الحنفي والتعددية :
قال: " ان التجربة التاريخية للدولة العثمانية جعلت المذهب الحنفي الأكثر قابلية فقهية تكوينية لاستيعاب التعدد الديني والمذهبي..."
يبدوا أن الأستاذ جهاد الزين في خلاصة حكمه هذه - وأقدر ان المقالة الصحفية تضيق عن حمل حيثياته - قد خلط محقاً بين "صوفية" وبين "حنفية" المرجعية الفكرية لمبدأ التعددية في الدولة العثمانية , وهو مبدأ يمكن ملاحظته في الدولة العثماتية المتأخرة. لكن ووفق ما أميل إليه بحسب الوقائع فإنه كان ناشئا عن أمرين : حاجة السلطان الداخلية واستجابة للضغوط الخارجية . وعلى كلا الإحتمالين فإن ميدان التطبيق لهذا المبدأ لا يشجع على إعتماده أساسا لرفد فكرة الدولة التعددية في القرنين الحالي و القادم .
أما الروح الصوفية التي لم تُقبَلْ فقط , بل إنها سمحت بإستخدام العلويين مثلا في جهاز الحماية الخاص بالسلطان في نفس تركيا , وأكثر من ذلك إتبع بعض سلاطين بني عثمان الطريقة الصوفية البكتاشية وهي طريقة صوفية علوية (شهدت تركيا مؤخراً مؤتمرا عالميا عن مؤسسها حاج بكتاش ولي في شهر أيار الماضي) , فإن هذه الروح تتناقض مع ما كانت مجازرهذه الدولة ترتكب بحقهم - العلويين - وبحق الشيعة الإثنا عشرية من قرية انصار في جبل عامل إلى حلب مرورا بالساحل والجبل العلوي السوري فضلا عن اليهود والمسيحيين , ولو راجع كتاب جده المرحوم الشيخ علي الزين " للبحث عن تاريخنا في لبنان " لقرأ مثلا قوله في الصفحة 501 من الطبعة الأولى 1973 تحت عنوان إشتراك المتاولة في الثورة على ولاة الأتراك :
"...وإذا ما استغل الثوار فرصة إنشغال الدولة بالحرب مع غيرها من الدول فذلك لم يكن لأجل الإنفصال عن الدولة او الإنضمام إلى غيرها من الدول المعادية كما تخيل بعض المؤرخين , وإنما كان إستغلالهم لقسوة الظروف كي يحرجوا طغاة العثمانيين ويجبروهم على الإعتراف لهم بما يطمحون إليه من الحكم والنفوذ الذي يدغدغ أحلامهم ويطمئن قلوبهم ويصونهم من غطرسة البشوات واستبدادهم .".
ثم يحيل الشيخ علي الزين القارئ على كتاب علي بك الكبير لمحمد رفعت رمضان في التفاصيل.
أقول هذا فضلا عما في كتاب الشيخ من تفاصيل لوقائع بعض المجازر المشار إليها آنفا .
وهكذا , يصير مشروعاً السؤال من يضمن لنا أن التعددية التي يتغنَّى بها غولن منطلقا من "إسلام تعليمي" كما اسميته جنابك  وصوفية عالمية قال عنها أرنست خوري[5] إنها وصلت " إلى حدّ أنه قد لا يجد القارئ في بعض كتاباته إلا ذكراً واحداً أو اثنين لكلمة «الله» أو «القرآن» أو النبي محمّد." . وإلى حد أن تخصص حكومة ولاية هيوستن يوم 21 من شباط  من كل عام للاحتفال به كـ«يوم مؤسسة غولن», ليست إلا كالتعددية الناشئة من صوفية بعض سلاطين بني عثمان؟؟؟
وأما في العلاقة بين الدولة العثمانية وبين المذهب الحنفي , فالصحيح هو أن الخدمات بينهما كانت كبيرة ففي الوقت الذي أمَّن المذهب الحنفي للعنصر التركي شرعية الخلافة حيث لم ير الأحناف تقديم العنصر العربي شرطا في الخليفة كما عند المذاهب الأخرى وفقا للحديث النبوي الأئمة من قريش , فمما لاينكر أن إعتماد السلطنة على المذهب الحنفي أعطاه فرصة تطويره ليكون دستورا وقضاء ومرجعية كاملة لدولة فيما حرمت من هذه الفرصة بقية المذاهب , وما زالت الأحوال الشخصية وكثير من القوانين في بلادنا تستند إلى "قانون العائلة العثماني" أو "مجلة الأحكام العدلية" .
يبقى أن هذا المُدَّعى من " ان التجربة التاريخية للدولة العثمانية جعلت المذهب الحنفي الأكثر قابلية فقهية تكوينية لاستيعاب التعدد الديني والمذهبي..." إن صح فإنما كان على مستوى إضفاء شرعية على ما تحتاجه أفعال السلطان , التي كانت كما قلت إما إستجابة لحاجة داخلية او إستجابة لضغوط خارجية , وفي موارد دون أخرى , وقد نقضه الواقع على مستويي القابلية والإستيعاب مع الدولة العثمانية - ولا أقصد التعرض للمذهب الحنفي بذاته بعيدا عن تلازم بعض رجالاته مع الدولة -: أنظر إلى ما كتبه المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين المعاصر للدولة العثمانية في كتابه الفصول المهمة في تأليف الأمة سنة 1327 هجرية 1909 ميلادية الصفحة 143 من الطبعة السابعة 1977 عن تأثير الفقه الحنفي في قبول التعددية الذي تدعيه , وبعد المجازر التي ارتكبها العسكر العثماني بحق الشيعة في قرية نبل وغيرها من نواحي حلب إستنادا إلى فتوى الشيخ نوح الحنفي :
"... وقد اقتصرنا من ذلك (القول بتكفير الشيعة ) على ما وجدناه في باب الردة و التعزير من (كتاب) الفتاوى الحامدية وتنقيحها بإمضاء الشيخ نوح الحنفي لإشتهار هذين الكتابين ورجوع من بأيديهم منصب الفتوى في المملكة ( العثمانية) المحروسة إليهما."
ودفعا لأي شبهة وتاكيدا على ارتباط الشيعة بالدولة العثمانية في اوطانهم كما تقدم عند المرحوم الشيخ علي الزين من عدم رغبتهم في نقض الولاء لها أنقل ما كتبه السيد شرف الدين في حاشية هذا الفصل التاسع :
"يعلم الناصب وغيره أن الشيعة والسنة في الخضوع للسلطان وعدمه على حد سواء , لأن من كان منهما في مملكته فهو مطيع بحكم الوجدان و العيان , ومن كان من كلا الطائفتين في ممالك الأجانب فهو ممنوع عن طاعته , واما شيعة إيران[6] فكأهل السنة في مراكش[7] وأفغان[8] فاي فرق بين الشيعة والسنة في هذا الأمر يا مسلمون؟."
وهكذا وبعيدا عن السياسة ثم إلى صلبها ألا يجب ان يحذر بعض المأخوذين بالموقف التركي من " عثمنته " إلى جانب حذر بعضهم الآخر من " صفوية " النظام الإيراني الذي يصدعون به ؟
الأمر الثالث , سؤال أين الهندوس؟
المواقع الثلاثة التي تحدث عنها جهاد الزين بغض النظرعن الأسماء والشخصيات هي التي يشهد المنتسبون إليها من المؤمنين بالديانات السماوية ما يقال عنه حراكا فكريا وسياسيا في مسألة دينية الدولة أو تعدديتها , والمساحات الجغرافية التي يعيشون فيها هي محاور الإشتباك أو التشابك لمصالح الدول ونفوذها في القرن الحالي والقادم ربما.
لكن أكثر الأديان والمذاهب الأخرى على مستوى العالم لا علاقة لها بالمسألة مباشرة ( إما لأنها لم تقدم رؤية مستقلة في المسألة أصلا كالبوذية , أو أن أتباعها لا يشكلون ديمغرافيا داخل دولهم حجما يسمح بإستدعاء نقاشها إن كانت تملك رؤيتها الخاصة كالمسلمين في الدول الغربية , أو أن الحراك الفكري السياسي بينهم لم يبلغها في حال وجود أكثرية ديمغرافية "الإباضية " في بعض الدول العربية مثلا ) وإن كان لها علاقة من جهة وقوع اتباعها تحت تأثير المواقف المتبناة لجهة الحرية الدينية فهو موضوع آخر يندرج في تفصيل البحث عن طبيعة " الدولة " .
نعم المسألة تعني اليهود أيضا وهي أكثر حدة في جانب إعتبار " اليهودية " قومية لا دينا فقط , وهي مدار نقاش داخلي بينهم من تجلياته "مسألة يهودية الدولة" , لذلك كان إستبعاد جهاد الزين لهم عن تركيبته مبررا حيث أن نقاشها يدور في الجزء المغتصب من العالم العربي والإسلامي وإن مقاربته - النقاش - لا تصح إلا من " محور " وهذا الحذر مشروع .
ونعم أيضا تتساوى مع "اليهودية" : "الهندوسية" في صورتها الجديدة المشكَّلة منذ قرن تقريبا , والتي يتبناها أكثر من حزب يدعو إلى تصفية الأقليات وتنقية الهند وإعلانها دولة هندوسية . ويواجهها علمانيون يرفضون الدولة الدينية ويديرون النقاش في المسألة إلى جانب المسلمين والمسيحيين وغيرهم . والهندوسية بهذا المعنى من حيث حجم اتباعها وحجم الهند نفسها في كل جوانبه تستحق أن تضم إلى الثلاثية .
والقول إن الهندوسية على هذه الصورة لا تعبر عن الدين نفسه الذي لايقدم فعلا تشريعا يستند إليه دعاة الدولة الدينية ,بل هي تعبير عن قومية متدينة - وهي حالة عنصرية - وينطبق أيضا على اليهودية , صحيح لكن حيث أن الواقع قد فرض حضور هذا الحراك في المجتمع الهندي قلت بإستحقاقها أن تضم إلى الثلاثية .
والسؤال موجه إلى الأستاذ جهاد الزين .

تعقيبا على ثلاثية جهاد الزين – القسم الثالث :

 الإسلام " التركي " و الدولة التعددية ووظيفة الدينيين

في هذه الرسالة الأخيرة من التعقيب أستكمل الكلام عن الشأن الإسلامي التركي و أختم بالتوقف عند العلمانية الأميركية الإيجابية وتوظيف المواقف الدينية ضد الدولة الدينية.
الإسلام " التركي " :
بداية وحلا للإشكال الظاهري الذي بدا للبعض وتوفيقا بين الخوف والحذر من العثمنة والتاكيد على وطنية ومواطنية المسلمين الشيعة العرب الذي تقدم من عالمين من علمائهم ينبغي ملاحظة وعي المسلمين الشيعة العرب للفرق بين الراهن والإستراتيجي في النظرة إلى الإسلام الذي حكمت به الدولة العثمانية وتتقدم به تركيا اليوم إلى العالم العربي على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى العقائدي .
فهي تتقدم بنموذج مختلف للإسلام[9] عن الذي تقدمت وتتقدم به إيران بعد الثورة الإسلامية[10] أو الذي تحاول السعودية تجديد تقديمه[11]  . إنه وكما أراه حاصل الخلط بين صوفية غولن وفقه أربكان في عدستي منظار الجيش التركي الذي حل محل المنظار القديم ذي العدسات المتراكبة , فهو وإن بدا في وجه أنه يشكل دعما لسيادة إيران والسعي السوري - اللبناني - الفلسطيني لإسترجاع (حقوقهم ) و حرصا على وحدة العراق , لكنه في الوجه الآخر مقرؤ على أنه " الإسلام الحنفي " مقابل " الإسلام السلفي " وهوبذلك وإن كان أقرب للسنة العرب لكنه يجلب معه مخاوف لدى هؤلاء حكاما على وجه الخصوص من أن يكون في الجانب السياسي مستفيدا من علاقته بدول الممانعة وقوى المقاومة - بما فيها القوى السنية - لتأمين أمرين: أولهما العودة بنفوذه إلى بلاد الشام التي كان يحكمها مباشرة وليس بالواسطة كمصر, وثانيهما تقديم نموذج لإسلام بديل يواجه الإسلام المتشدد لا بالصيغ المائعة والهلامية لما يسمى بالإسلام الوسطي الذي استطاعت السلفية نفسها مماشاته بل بصيغة محددة التكوين بالمذهب الحنفي .
ومكمن الحذر هنا من أن يكون هذا الموقف تحالفا مع الشيعة والعلويين لتشكيل استقطاب للسنة من بقية المذاهب غير السلفية ثم فرطه كتجربة المصالحة بين الصفويين والعثمانيين التي ذكرها السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة والتي بلغت حد المصالحة على بعض العناوين الدينية الشيعية لكنها لم تلبث أن انهارت أمام مصالح الدول.
وهذا ما يدفع بي إلى الحذر والتحذير فنحن المسلمون الشيعة في دولنا القائمة مواطنون لا جاليات ولا أقليات و ينبغي لنا فهم و رعاية مصالحنا الوطنية .
لكنني في ذات الوقت لن ارضى لنفسي تجاه المواقف الإيجابية التركية من القضية الفلسطينية خصوصا وقضايا المنطقة عموما الوقوف في الموضع السلبي الذي وقف فيه بعض الحكام وبعض الإسلاميين من المواقف الإيجابية للجمهورية الإسلامية الإيرانية .
العلمانية الأميركية الإيجابية وتوظيف المواقف الدينية ضد الدولة الدينية:
تنتهي العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين والمسلمون - ما عدا الفلسطينيين - يعيشون في " دول مستقلة و ذات سيادة " تنتسب إلى منظمة الأمم المتحدة وبحسب نسبة عددهم إلى مجموع السكان[12] تنتسب هذه الدول إلى منظمة المؤتمر الإسلامي دولا "أعضاء" أو "مراقبة" ويترتب على هذا الإنتساب "إلتزامات" ما يعني أن الفضاء الطوباوي الذي عاشته الحركة الإسلامية في القرن الماضي أصبح أكثر ضيقا بأحلامها , خصوصا بعدما ابتعدت لاصقة " الإسلامية "[13] غالبا في دلالتها عما وضعت لأجله , وقد كان لوضعها حيثياته التحررية في بعضها .لكن لم يكن وجود هذه اللاصقة اوعدمه أبدا ذا دلالة على حكومتها فيلاحظ مثلا أن غيابه عن تسمية الدولة السعودية التي تأسست على جديد ديني لم يؤثر في طبيعة حكومتها فكانت دينية بالكامل .
وإن خيار إستقلال مسلمي الهند في"جمهورية باكستان الإسلامية"[14]ما يزال إلى اليوم موضع جدل في تقويمه وصل حد وصفه من بعض الإسلاميين الهنود بالخيانة .
"الدولة الدينية الإسلامية" بتجريديته لم يعد شعارا لمشروع للإسلاميين وأكثر الحركات الإسلامية في الدول المستقلة التي تحدثنا عنها إلا بصورتين :
الأولى كخيار فكري على مستوى بحث " المذهب السياسي " . والثانية كبديل "ديمقراطي" "سلمي" على مستوى البحث عن بديل" النظام السياسي " القائم في أي دولة, بعد الإقرار بشرعية ما للدول والأنظمة القائمة حتى من قبل أكثر الإسلاميين طوباوية وهو "حزب التحرير" الذي يحظى اليوم بتراخيص قانونية من الجهات المعنية في الأنظمة القائمة .
ويبقى نموذجان قائمان على رعاية الحلم أحدهما بخيار القوة "السيف واليد" كالقاعدة وطالبان ,والآخر بخيار الدعوة " اللسان" كبعض العلماء في مباحثهم الغائبة عن الزمان والمكان من كل المذاهب , وهما يكملان بعضهما ويخذل الثاني الأول عادة رعاية للسلطان عند أول إشتباك , وهما بعدُ : نموذجان نافران.
وما يجب الإقرار به هنا أننا في دول العالم الإسلامي عموما لم نستكمل بعد - ولأسباب متعددة - مستلزمات الإستقلال الوطني في قضايا مثل الهوية الوطنية والمواطنة والحرية , فضلا عن إفتقاد الكثير من الدول إلى أساس نظري في إختيار الشكل المحدد للدولة لإننا عندما نقول بدولة تعددية كخيار أصلح لمجتمع تعددي لابد أن نحدد شكلا للنظام , فالعراق في قيامه الجديد بعد النظام السابق ارتضى وعلى خطى لبنان "الديمقراطية التوافقية"[15] لكن هذا لا يكفي في تحديد شكل الدولة فإن الديمقراطية بتنوعاتها لازمة من لوازم الدولة الحديثة وكلامنا يقتضي تحديدا أدق فنحن في لبنان مثلا نعيش في بلد ميثاقي قدم أفراده تنازلات ليتشكل على صورته الحالية ، ونعيش قانونياً حالة فيدرالية شخصية ( مقابل الفيدرالية الجغرافية) تطبق فيها على الفرد قوانين معتقده في الأحوال الشخصية وهذه الفيدرالية مطبقة في قبرص وبلجيكا وهي بالتالي لا تتعارض مع الدولة التعددية وتحفظ الحق بتطبيق الشريعة - كما في الدولة الدينية - في نفس الوقت,ولو ضمن حدود معينة .
إنَّ إستبعاد الشعار التجريدي عند "دينيين" هو غير نفي الخيار وقد نتفق بل نتفق على دولة تعددية غير معادية للدين لتكون " الخيار الأصلح " في دولة مستقلة ذات مجتمع تعددي , لكن التعبير بالعلمنة المؤمنة أو العلمنة الإيجابية محل نظر إلا إذا اعتبرناه قضية إعتبارية فلن أختلف معك حوله لإن الإختلاف في الإعتباريات سهل التسوية ولكنه ليس كذلك فعلا خاصة مع ما قاله الأستاذ أمين إلياس "إلا أن الأستاذ الزين أغفل مفهوماً آخر  ورد أيضاً في هذه الورقة. وهذا المفهوم شديد الأهمية، لارتباطه عضوياً بـ"العلمانية" المطروحة. إنه مفهوم "حرية الضمير". فلا إمكانية لإقامة أية علمانية إن لم تلازمها جبراً "حرية الضمير". "[16] . وهذا بحث آخر ولكن اسمح لي بسؤال سريع أين هي حرية الضمير في قوانين الدول العلمانية السلبية والإيجابية أم أن هذا المفهوم يتعلق فقط بالمعتقد الديني دون الفلسفي والسياسي " معاداة السامية مثلا "؟
التحسس من "العلمنة" عند الإسلاميين سيتحرك مهما كانت الإضافة فكيف إذا كانت أمريكية؟
و أكثر من ذلك إذا ارتبطت بإستبعاد تطبيق الشريعة الإسلامية[17] كما ذكر الأستاذ إلياس مثالا لها .
والسؤال الجديد هل التعددية تتناقض مع تطبيق الشريعة في بلادنا فقط ولايمكن قبولها كوجهة نظر[18] بينما لا نجدها كذلك في بريطانيا والولايات المتحدة نفسها[19], على كونه " تطبيق الشريعة " موضوعا للنقاش هناك أيضا بناء على تطبيقه فعلا من خلال بعض المحاكم[20] , فلماذا إستعجال الحسم هنا برفض الدولة الدينية مطلقا على خلفيته و" التكلُف " لمواءمة ما دستوريا بين الإسلام ونظام سياسي معيَّن حتى في الدول ذات الأغلبية الدينية دون ترك التجربة الإجتماعية لتُنضِج هي ووفق حاجاتها وتطورها الطبيعي نظامها الخاص ؟ مجددا القول بأننا لم نستكمل إستقلالنا الوطني والإشكال موجه للإسلاميين كما غيرهم... لماذا ؟.
الأستاذ جهاد الزين :
كيف أمكنك أن تعتبر موقف آية الله العظمى السيد السيستاني متوافقا مع العلمنة الإيجابية ورافدا لها ورافضا للدولة الدينية مع أنه لا يعدو كونه حكما في واقعة ؟ أوَ هل تبين لك أنه لا يقول بشرعية النظام السياسي في إيران وهو نظام ديني أم أنه لا يقول بشرعية النظم العربية القائمة وبعضها ديني؟
وإذا كان " الإعتبار " سهل المؤونة لكن " الجعل " ليس كذلك أبدا إنه يضعك في نفس الصف الذي تهرب منه , القسر على نموذج واحد دون ترك الخيار والحرية للناس .
أنت تهرب من إحتكار بعض الدينيين للحقيقة لا لتقف في صف محتكريها من الآخرين فقط بل وتفتش لهم عن فتوى شرعية وإلا فكيف تفسر هذا " التكليف الشرعي الحديث " للدينيين :
"تيارات ثلاثة يمكن اعتبارها الآن، بل "جعلها " ، قوة دفع فكرية وبالتالي سياسية، لبلورة شخصية "الدولة غير الدينية"
" انها المرحلة التالية بدون لبس:
مرحلة دور أو أدوار التيارات المتدينة في عملية إعادة ما لفصل الدين عن الدولة.
"الدينيون الجدد" هم الذين يستطيعون في ظل الاكتساح الاصولي اعادة الاعتبار لفكرة الدولة غير الدينية.
هذا ليس زمن غير الدينيين في صناعة العلمانية الجديدة. هذا زمن الدينيين في اعادة "علمنة" الحياة السياسية ومفاهيمها " .
أخيرا أترك مناقشة عنوان البابا بينيدكتوس والسينودس إلى عنوان مستقل , راجيا أن لا أكون قد أطلت والسلام.
بكل إحترام , الشيخ علي حسن خازم - بيروت




[1] : التوجهات الدينية الثلاثة لدعم " الدولة غير الدينية ", النهار الجمعة 18 حزيران 2010 - , السنة 77 - العدد 24077
[3] وبوالده الدكتور حسن وبجده المرحوم الشيخ علي الزين أحد العلماء العامليين الأوفياء لتاريخهم والمجددين في أبحاثهم والمظلومين محليا وإقليميا .
[4] وأشدد على أنها تعقيب من التعقب لا أنها رد عليه - كما فرض على عنوان مقالة سابقة لي أحد زملائه - من حيث أنني ارى قابلية للتواصل مع الآخر المختلف بل والتوافق على مسائل ما يجعل "الرد عليه " كما هي حاجزا لم يقبل الله به لنفسه ولا الأنبياء ولا الأولياء.كما أن اللغة تقتتضي إضافة الرد إلى "الكلام" في مثل موقفنا لا على الإنسان نفسه فيقال ترادَّا في القول .
[5] "خميني تركيا" هل يعود فتح الله غولن؟ http://al-akhbar.com/node/120593
[6] كانوا تحت النفوذ البريطاني .
[7] تحت النفوذ الفرنسي .
[8] تحت النفوذ البريطاني .
[9] ونقل هذا المعنى الأستاذ جهاد بقوله : " ويجب ان نتذكر هنا ان فتح الله غولن معروف بنقده لما يسميه النموذجين الايراني والسعودي كـ"دولتين دينيتين"".
[10] حيث لاينظر إليه منفكا عن شيعيته وقوميته , نتيجة بعض الأخطاء الشخصية التي لا يتحمل مسؤليتها النظام كبعض المواقف تجاه دول الخليج و نتيجة الحروب المختلفة التي تعرضت لها إيران و ما يجري من تشكيك في مواقفها من القضية الفلسطينية ودعم المقاومة.
[11] بعد الدعوة التي أطلقها الأمير سلمان بن عبد العزيز هذه السنة لاستبعاد التعبير بالوهابية عن نمط الإسلام الذي قدمته السعودية طيلة العقود الماضية بل منذ تأسيس التحالف بين الأسرة الحاكمة والشيخ محمد ابن عبد الوهاب . و دعوة الأمير سلمان هذه التي أعقبتها على صفحات الجرائد السعودية وغيرها مناقشات عديدة ورافقتها دعوات تجديد جريئة من أحفاد العائلتين السياسية (آل سعود ) والدينية (آل الشيخ ) تحاول القفز على الموروث التخالفي بين السعودية وتركيا العثمانية الذي اصطف فيه المسلمون العرب والعجم وفي طليعتهم مصر محمد علي باشا وابنه طوسون في " تجريدته الحربية التي هزمت الوهابية في معركة الدرعية "والهند كذلك خلف تركية, وهذا ما يفسر إندفاع بعض العلماء السعوديين السلفيين لمحاولة التواصل مع شيخي الأزهر الراحل والحالي وإعادة الإعتبار لمرجعية الأزهر السنية في ما يبدو إسنباقا لإمكانية إصطفاف جديد يجمع تركيا الحنفية ومصر الشافعية كانت بدأت ملامحه عام 2005 بدلالات قضية وثيقة " فتح مصر " المنسوبة إلى أحد سلفيي الإخوان المسلمين " خيرت الشاطر " فهي إن لم تصح - مع ثبوتها قضائيا - فقد استعملت بالحد الأدنى كأداة تخويف في مصر للمسلمين المعتدلين والأقباط ومن هذه الملامح دعوات لتطهير الأزهر من بعض العلماء السلفيين ولن تنتهي هذه الملامح عند رفض شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الدعوة لإستبعاد المذهب الشيعي الإثنا عشري.
[12] وهو المعيار المعتمد فعليا علما أنه "قد طرح الدارسون عدة معايير لتعريف الدولة الإسلامية، منها أن يشكل المسلمون 50% فأكثر من سكان الدولة، أو أن ينص دستور الدولة على الإسلام كدين للدولة، أو كمصدر للتشريع، أو أن تطبق الدولة الشريعة الإسلامية في نظامها الاجتماعى، أو أن يكون رئيس الدولة مسلماً. وقد تعرضت تلك المعايير لانتقادات متعددة، سواء لعدم وضوحها أو عدم إمكانية التحقق منها".
[13] التي ما تزال مضافة إلى تسمية أربع جمهوريات هي ايران وباكستان والقمر وموريتانيا و دولة أفغانستان من أصل سبع وخمسون دولة مجموع الدول الأعضاء الفعليون في منظمة المؤتمر الإسلامي.
[14] إسم باكستان يدل كما هو على أرض الطهارة لكن حقيقة هو تركيب للحروف الأولى من أسماء المقاطعات التي تشكلت عليها الجمهورية وهذا له دلالاته في تكريس الربط بالأرض وليس بالمبدأ فقط .
[15] ولن أدخل هنا في استتباعه لمحاصصة أو شل المؤسسات المدعَّى .
[16] في مقالته بين "العلمانية الإيجابية" و"العلمانية السلبية" - النهار 5 تموز 2010 وأضاف :هذه الحرية التي شرحتها الورقة شرحاً وافياً في فقرتها 38، وهي تقضي بأن يكون الفرد حراً في أن يؤمن أو لا يؤمن، في أن يمارس ديانته بشكل منفرد أو بشكل جماعي دون أية موانع، كما أنها تقضي بأن يكون الفرد حراً في تغيير ديانته. ثم تذهب هذه الفقرة إلى انتقاد الحالة القائمة حالياً في الشرق الأوسط حيث "الديانة هي خيار جماعي وقومي"، وليست "خياراً فردياً"، وأن "تغيير الديانة ينظر (بضم الياء)إليه كخيانة للمجتمع وللثقافة وللأمة، المبنية بشكل أساسي على التقليد الديني". كما تشير هذه الفقرة إلى أن "اعتناق المسلم للديانة المسيحية أمر ممنوع" في قوانين البلاد الإسلامية، وهذا ما يمسّ بالجوهر "حرية الضمير" أساس كل علمانية.
[17] من هنا، تذهب هذه الورقة لإيضاح أن "الحرية الدينية" (Liberté de religion) المنصوص عنها في بعض الدساتير العربية أو الإسلامية، تعني "حرية العبادة" (Liberté de culte)، وبالتالي إن هذه البلدان لا تعترف بتاتاً بحق المواطن فيها بأن يغيّر دينه، أو أن يكون "غير مؤمن". من هنا تأتي أهمية وقيمة "حرية الضمير"، التي تسمح لأي مواطن، مهما كان دينه، أن يؤمن بهذا الدين أو أن لا يؤمن به، كما تسمح له بأن يقوم بتغيير دينه وفق خياره الشخصي، دون أن يتعرض لأية مضايقات أو عقوبات.
[18] : قال الإمام شمس الدين - وهو من الفقهاء المعدودين في قبول التعددية وأدق من ناقش العلمانية - عن المجلس النيابي اللبناني في مشروع الأحوال الشخصية الإختيارية : " لم ننتخب مجلس النواب لاتخاذ قرارات كهذه تريد إدخال السلطة الزمنية في ساحات ليست لها ".
[19] وقد قبلناها كإسلاميين ولو بالتطابق غير المقصود أو غير الإختياري مع الفيدرالية الشخصية .

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور