السبت، يونيو 04، 2016

‏تكريم الإعلامية الراحلة فاطمة العبدالله وكتابها بعض حبر تركناه‏.



عن فاطمة العبدالله وزهراء السيد[1]
فاطمة !
يا هذه الروح التي ما زالت تضج اهدئي قليلا
دعي البنات يستقبلن أحبابك, اتركيهم وتعالي الآن, استمعي لحكايتي!
كان يا ما كان
كانت بيننا بنت كما لو أنها مسحورة أو منذورة للأسْرِ, مرصودة على درب الحب والحبر, مأخوذة بكل الصور المدهشة والغريبة, تربط هيكلها وتشده إلى طاحونة العظام التي لاحقتها حتى النهاية.
أرأيتم طاحونة بحجارتها العظيمة تجري خلف ما تريد طحنه؟ !
لم تخف فاطمة يوما من هذه الطاحونة وإن خافت على أمور وأشياء مختلفة. قاومت فاطمة حتى هدمت حجارة القلعة الأسرَ فتحررت وصار حبرها على جدران الطاحونة تعويذة تضع السَكينَة في قلب من يؤخذ للطحن بنداء يا زهراء.
قيل لكل امرئ من اسمه نصيب, وبنت الخيام الساحرة المسحورة التي نحكي سيرتها جاءت إلى الدنيا, متحررة من ظلمة رحم والدتها وهو أسرها الأول لتحمل اسما اختير لها: فاطمة ونعرف بعض ما لفاطمة من أحزان, بعد تحررها من الأسرين الثاني والثالث بين معتقل الخيام ومعتقل كيشون في فلسطين, اختارت لنفسها اسم زهراء, كأنها لم تكتف بما اختير لها فاختارت لنفسها, إمعانا في استقبال الوجع, راضية بأن تكون منذورة لمقاومة الطغيان ومدافعته مهما كانت آثاره عليها.
الوجع والعزلة زنزانتها الأخيرة, كلما زرعت نخاع عظمها اضطرت للعزلة, سَجَّانها فيها لا يتشدد, لها ورقها تراجعه, ولها أن تطبع حروفها, موجعةً أصابعَها مع كل ضربة كما كتبتْ مرة, وموجِعَةٌ قلوب قارئيها...
بعض الحبر الذي تركته كشف بعض ما خبرته, لكنها كالحكواتي المثير للخيال تركت لغيرها أن يحكي حكايته من حيث توقفت, لم تبح بكل ما عانته.
أما حكاية فاطمة مع الأدب والإعلام فمسيرة طويلة منذ أن قدحت زناد قلمها في ليل الإحتلال, عملنا معا في مجلة الوحدة الإسلامية قبل أن نستصدر ترخيص مجلة البلاد, فكانت فيها ياسمينة الدار خصوصا في صفحتها عن الشهداء, كانت تأتي بها مأخوذة بجلال المقاومة وجمال الشهادة. عملنا معا على بعض الملفات الثقافية, فوجدت فيها جلدا عجيبا على الحفر في صم المصادر.
 لم تخف في أي خطر تعرضنا له منذ كنا على كورنيش المزرعة في الثمانينات حتى انتقلنا إلى الرادوف في التسعينات ثم إلى حارة حريك, خاضت معنا تجربة الدفاع عن الحرية في وجه من اقتحم مكاتبنا وعاث فيها تخريبا وسرقة لأرشيفنا, وتجرأت على الدوام حيث كنا نتعرض لرصاص القنص وخطر الطريق.
أسست بقلمها وبحضورها صوتا وصورة في ساحة الإعلام مع ثلة من الأخوات كن رائدات في مسيرة الإعلام الإسلامي, فصارت فصلا في رواية المقاومة وفي تاريخ العمل الإعلامي.
كَتبتُ يوم رحيلها نعيا باستشهادها, ووصفتها بالشهيدة لأن معاناتها كما كل الأسرى تركت فيهم من الآثار الجسدية ما ظهر على كل معتقل من أمراض مفاجئة هي بفعل فاعل مجرم صهيوني تعمد القتل البطئ.
"الأسيرة" فاطمة العبدالله تحررت.
لم يكن موتها في يوم عيد المقاومة والتحرير صدفة, هو تتويج لجهادها, لكي تكونَ ذكراها عظيمةً بقدر عظمة الإنتصار والتحرير, لا حزينة ولا بائسة.
 نفتقدها نعم, لكنها تركت لنا ما نجدها فيه غير قلوبنا وعقولنا, كما كتبتْ هي عند رحيل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قبل شهر وثلاثة أيام من رحيلها:
 "رحل اﻷبنودي، حضر وتألق ... ولم يغب اﻻ ذلك الطين الصعيدي الذي ترك عطره والشغف في دواوينه التي فاقت العشرين...فابحثوا عنه هناك... تلمسوا وجهه ...عينيه واﻻصابع ...واستمعوا الى صوته جيداً...وعبؤا في ارواحكم ذاك اﻷلق ...رحل؟ ...لم يرحل.!."
وها نحن اليوم نتلمسها ونستمع إليها في أثر جديد هو "بعض حبر تركناه".
شكراً لكل من عمل على حفظ آثارها وعلى نشرها لنزورها فيها, شكرا لحضور قلوبكم في هذه الأمسية.
لم يبق من عناصر فن الرثاء الأربعة[2] غير بيان حتمية الموت:
 إلى اللقاء يا فاطمة.
الشيخ علي خازم , ‏الخميس‏، 02‏ حزيران‏، 2016


[1] كلمتي في الذكرى السنوية الاولى على رحيل الكاتبة والمجاهدة فاطمة العبدالله، حيث صدر لها كتاب "بعض حبر تركناه" وهو عبارة عن قصة ألفتها في المعتقل في فلسطين المحتلة. في مسرح رسالات - الغبيري - كان الحفل الذي حضره العلماء والادباء والاعلاميون والاهل والاصدقاء، وكانت إضافة إلى كلمتي كلمة لتلفزيون العالم ألقاها الأستاذ محمد عرندس، وكلمة إذاعة النور ألقاها السيد يوسف نور الدين, وكلمة العائلة لابنة أخيها سارة العبدالله ، وتخلل الحفل عرض فيلم عن الراحلة اعدته كابي جعفر، أما الاذاعية سوسن عواد فقد عرفت الحفل باسلوب وجداني عميق.
يذكر انه الكتاب الثاني للراحلة بعد "ياسمينة الدار" الصادر عن منشورات حواس، وكانت لوحة الغلاف الجديد بريشة عبد الحليم حمود. أما المجهود في الكواليس فقد تقاسمته شقيقتها خديجة العبدالله مع الاستاذ قاسم متيرك.
[2] للرثاء في الأدب العربي عناصر أربعة: بيان حتمية الموت والتأبين والتأسّي والتعزّي.








ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور