قرار التصريح عن المذهب في إخراج القيد بعد شطبه ليس سهلاً (أرشيف)
«أكلنا الضرب». بهذه العبارة يعبّر عدد من الشباب الذين بادروا إلى شطب مذهبهم الديني عن إخراج قيدهم، عن الحال التي وصلوا إليها بعد ثلاث سنوات من محاولتهم العبور نحو دولة لا تعاملهم كأبناء طوائف، بل كمواطنين. المضحك المبكي أن «التوبة» ليست سهلة
لم يعبر فادي إلى المواطنية. شطب طائفته من سجلات النفوس سعياً منه لمحاربة النظام الطائفي وتأكيد وجوب العمل على التخلّص من كل ما يربطه به. لكنه، للمفارقة، لم يصبح بعد فعلته هذه «مواطناً» يتساوى مع غيره في الحقوق والواجبات. فالإشارة (/)، الدالّة على الشطب في الخانة المخصصة للمذهب على إخراج القيد الإفرادي، كانت كفيلة بإدخال فادي في خانة «الكفار». وقد اضطر أخيراً إلى إعلان «التوبة» من جديد أمام مرجعه الديني، الذي تحوّل بدوره إلى محقّق، معيداً النظر في فرضية أن يكون فادي «ابن حرام»!!
حلم مناضلي «إسقاط النظام الطائفي» لم يكتمل، إذ حالت دونه عقبات جمّة. من المعاملات الرسمية والحقوق الإدارية التي يكفلها الدستور اللبناني، إلى حرية المعتقد التي كان هؤلاء يطمحون إليها. فمنذ ثلاثة أشهر اكتشف فادي المسيحي الماروني صدفة أن حلمه بإلغاء الطائفية وتحقيق العلمانية لن يتحقق. الشاب الذي عاش وسط عائلة مسيحية، ويملك شهادة معمودية، لن يستطيع الانخراط في أي من الوظائف الرسمية. إضافة إلى «رجمه» بسلسلة من المحظورات عقاباً له على «إلحاده» و«ارتداده». لن يمنحه «الساهر على أبناء رعيته» سرّ الزواج الكنسي ولن يمنح أولاده رتبة العماد في حال تزوج. سيلاحق العقاب فادي حتى في مماته أيضاً، إذ لن يُصلّى على جثمان «شاطب المذهب» بحسب الطقوس المسيحية.
منذ عام 2009، اختفى مذهب فادي الديني عن إخراج قيده الفردي، على غرار الكثير من اللبنانيين الذين اشتركوا في الحملات الدورية التي نظمتها الأحزاب والمنظمات العلمانية لشطب القيد الطائفي، والتي بدأت في عام 2008. وضعوا أيديهم في «ماء باردة» بعدما عزّزوا ثقتهم بالتعميم الصادر حينها عن وزير الداخلية السابق زياد بارود إلى مديرية الأحوال الشخصية ورؤساء أقلام النفوس بتاريخ 21/10/2008 (راجع الإطار). وقد استمدّ بارود تعميمه من «حقّ كل مواطن في عدم التصريح عن القيد الطائفي في سجلات الأحوال الشخصية، أو شطب هذا القيد، المستمدّ من أحكام الدستور اللبناني، ومن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومن سائر الاتفاقيات الدولية التي انضم إليها لبنان، والذي كرّس، في المادة التاسعة منه، حرية الاعتقاد».
هؤلاء الشبان لم يستشيروا قانونيين أو رجال دين قبل الإقدام على هذه الخطوة، معتقدين بديهياً، أن هذا الأمر لا يفترض به أن يحسب منافياً للدين أو للقوانين اللبنانية. حتى إن أسماءهم وردت في الانتخابات البلدية والنيابية من دون مذهب في لوائح الشطب.
ليس فادي وحده من دخل هذه الحلقة المفرغة. فالمديرية العامة للأمن العام رفضت قبل أشهر أيضاً طلبات كل من علي طرابلسي (شيعي) من النبطية ورواد حوري (سنّي)، للتطوّع في عديدها، لأن أوراقهما الثبوتية «غير مكتملة!». أما سرّ هذا «النقص» فيكمن برأي الأمن العام في عدم الإشارة إلى المذهب في إخراج قيدهما الفردي وكانت... التسوية. توصّلا بعد استشارة وزير الداخلية، إلى قبول قيدهما الفردي بشرط إبراز القيد العائلي لتبيان الطائفة. لكن علي وأحمد فضّلا العدول عن فكرة التطوّع في الأمن العام. أعاد علي التصريح عن مذهبه بواسطة «شيخ الضيعة»، إيماناً منه بأن القضية لن تتحقّق في هذا البلد. أما رواد فلا يزال مصرّاً على قراره. الموقف ذاته، تكرّر منذ نحو سنة ونصف مع أحمد جعفر، «شاطب» آخر للمذهب، والذي رُفض طلب تقدّمه إلى الأمن الداخلي للسبب ذاته، في ظل تخييره بين العودة عن شطب المذهب أو إبرازه ما يبيّنه في مواقع أخرى.
هذه المشاكل التي اعترضت وما زالت من أقدموا على هذه الخطوة، دفعت بأصحابها إلى العودة عن قرار الشطب. إلا أنّ قرار التصريح عن المذهب في إخراج القيد بعد شطبه ليس سهلاً، إذ باتت العودة عن «الخطيئة» رهن المرجعيات الدينية لإعادة النظر في أمر هؤلاء. فادي، الذي لا يزال «غير مسيحي بنظر الدولة اللبنانية حتى اليوم»، تقدّم بطلب يلتمس فيه إعادة قبوله في الطائفة المارونية منذ ثلاثة أشهر. أرفق الطلب بورقة تثبت عمادته في الكنيسة، معترفاً بالتزامه بتعاليم الكنيسة المارونية وبانتمائه إليها من قبل، وذلك بناءً على إفادة الكاهن التي تعطي الأهلية لقبوله من جديد في الطائفة، وبناءً على المادة 41 من قانون قيد وثائق الأحوال الشخصية 7/12/1951 وعلى المادة 11 من القرار رقم 60 الصادر بتاريخ 13/3/ 1936، على أن يستكمل معاملة تغيير المذهب لدى مأمور النفوس المختص وفقاً للأصول المدنية. أما مصلحة النفوس فلا تزال تدرس الطلب المقدّم.
قضية فادي وعلي وأحمد ورواد أثارت ريبة عدد كبير من مناصري حملة شاطبي القيد الطائفي الذين «أكلوا الضرب»، موجّهين اللوم إلى الوزير بارود الذي أصدر التعميم، وطبّق على كامل الأراضي اللبنانية، من دون التدقيق أو التحذير من خلفيات الأمر والمشاكل التي قد يسبّبها أو حجم تأثيره على مستقبل كلّ مواطن يتّخذ هذا الخيار.
«خطوة شطب الطائفة لم تكن إلغاءً لانتمائنا الطائفي أو الديني، بل إلغاء تقسيمنا كطوائف»، يقول فادي، متسائلاً عن التناقضات التي تشوب القوانين اللبنانية، إذ «تقرّ بحريّة المعتقد من جهة، وتعرقل محاولات التخلص منه من جهة أخرى». برأيه «النظام اللبناني لا يعاملني كمواطن، بل كإنسان ينتمي إلى مذهب وطائفة».
412 مغامراً
تفيد الأرقام بأن عدد الأشخاص الذين شطبوا مذهبهم عن سجلات القيد، وفق المحافظات اللبنانية، يتوزّعون على الشكل الآتي: 45 شخصاً في محافظة بيروت، 17 في محافظة الشمال، 90 في محافظة البقاع، 78 في محافظة الجنوب، 30 في محافظة النبطية، 182 في محافظة جبل لبنان أي ما مجموعه 412 مواطناً.
وقد فعلوا ذلك بعد تسهيل من وزير الداخلية السابق زياد بارود الذي أصدر تعميماً يقضي «بقبول عدم تصريح صاحب العلاقة عن القيد الطائفي وفقاً لما ورد في الرأي الصادر عن هيئة التشريع والاستشارات رقم 276/2007 تاريخ 5/7/2007، وقبول طلبات شطبه من سجلات النفوس، كما ترد دونما حاجة إلى أيّ إجراء إضافي»