الاثنين، ديسمبر 29، 2008

أول محرم ليس عيدا للهجرة النبوية

الشيخ علي خازم
بدخول أول شهر محرم تبدأ السنة العربية, أما ذكرى هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة الى المدينة فانها متأخرة عنها الى الليلة الأولى من شهر ربيع الأول (وهو الشهر الثالث من السنة) والمشهورة بليلة المبيت حين نام الأمام علي عليه السلام في فراش النبي وغادر رسول الله صلى الله عليه وآله باتجاه المدينة المنورة ووصلها في الثاني عشر منه .
هذه المقدمة لا بد من ذكرها لأن العديد من أبناء أمتنا أصيبوا بحال من اختلاط المفاهيم والصور ومنها مسألة التأريخ والتقويم . اما محاكاة أفعال الأمم الأخرى وتقليدها فهي واضحة في تسمية هذا اليوم عيدا وليس له من فضل على غيره كما عرفنا الا انه أول السنة العربية التي هاجر في اثنائها النبي صلى الله عليه وآله . وحيث وجد للآخرين عيد لرأس سنتهم يحتفلون به صيره بعضنا كذلك بينما لم يعرف التاريخ الأسلامي مراسم خاصة بهذا اليوم .
التأريخ والتقويم:
تذكر كتب التاريخ عامة والمعنية بهذا الموضوع خاصة ان امة لم تتخلف عن اعتماد مبدأ لتؤرخ منه سنيها وتضبط به أحداثها والا لانقطعت الاخبار وتشتت , فكانت الأمم السالفة تؤرخ من أحد مبدأين كما يذكر المسعودي : الأول هو " الكوائن العظام والأحداث الكبار عندها وتملك الملوك " . الثاني هو " الطوفان عند من أقر به...ثم أرخوا العام بتبلبل الألسن باقليم بابل" . وينبغي الالتفات الى الفرق بين التأريخ والتقويم , فالتأريخ كما قدمنا يعنى بالسنة كلها وارتباطها بحدث معين هام لتكون مبدأ له في عد السنين , وهو ما نجد أثرا له الى يومنا في حكاية العجائز بالتأريخ من الزلزال أو من مقتل أحد السياسيين مثلا. أما التقويم فانه يحتاج الى مبدأ آخر حيث الغرض منه تشكيل السنة من أيامها, وهكذا كان امام الانسان أحد مبدأين للتقويم : اما حركة القمر او حركة الشمس , وهي الدورة التي يقطع فيها أحدهما مساره حول الأرض فالقمر يقطعها في شهر والشمس تقطعها في اثني عشر شهرا , واما بالجمع بين المبدأين . وقد افترقت الأمم حول تقويم السنة فمن مبدأ حركة القمر بنى اليهود والعرب سنتهم , فيما بناها المصريون والفرس والمسيحيون على مبدأحركة الشمس , وبناها الصينيون واليابانيون عليهما معا بطريقة معقدة . ولم تكن السنة جامدة عند العرب واليهود فكانوا يتصرفون فيها ومن ذلك ما عرفته العرب بالنسئ لتأخير حرمة بعض الأشهر بما يمكنهم من استمرارالقتال مرة, وبما وفقوا فيه بين السنتين القمرية والشمسية بأن جعلوا الحج في موعد ثابت لئلا يترك بعض التجار الموسم المتغير صيفا وشتاء مرة أخرى كما ذكره الرازي في تفسير قوله تعالى" ان عدة الشهور...الآية" , وأما اليهود فلاستغلاله في معاملاتهم المالية . وهكذا , فان المشهور ان العرب اعتمدت كما ذكر أبو هلال العسكري أول شهر محرم بداية للسنة العربية لانهم اعتقدوا أن سفينة سيدنا نوح قد استوت فيه على جبل الجودي . وحيث اعتمد التقويم العربي على حركة القمر حول الأرض صارت أيام العرب التي تعد بها تبدأ من غروب الشمس لأن رؤية الهلال تكون أول الليلة .
السنة والعام والحول والحجة والحقبة :
عبر العرب بالسنة والعام والحول والحجة (وأضاف مصنفا كتاب الأفصاح في فقه اللغة : الحقبة) عن الأثني عشر شهرا , سواء كانت قمرية أو شمسية , وجاء في مفردات الراغب الأصفهاني: " العام كالسنة، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب. ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، والعام بما فيه الرخاء والخصب، قال: }عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون{ [يوسف/49]، وقوله: }فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما{ [العنكبوت/14]، ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة موضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله، والعوم السباحة، وقيل: سميت السنة عاما لعوم الشمس في جميع بروجها، ويدل على معنى العوم قوله: }وكل في فلك يسبحون{ [الأنبياء/33]." أما اللطيفة التي أشار اليها المصنف في الكلام عن لبث سيدنا نوح ولم يذكرها فهي ما اختاره محقق الكتاب ونقله عن غيره, قال:" (قال برهان الدين البقاعي: وعبر بفلظ (سنة) ذما لأيام الكفر، وقال: (عاما) إشارة إلى أن زمان حياته عليه الصلاة والسلام بعد إغراقهم كان رغدا واسعا حسنا بإيمان المؤمنين، وخصب الأرض. انظر: نظم الدرر 14/404)." . ولنا معه كلام فيهما, أولا: ان النظر في آيات القرآن الكريم لايدل على استعمال السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب أبدا , الا أن يراد قوله تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {الأعراف/130} فهذا مأخوذ من قولهم "السنون : الجدب "كما ذكره الطريحي في مجمع البحرين , أضف الى ذلك ان العطف جاء مفسرا لهذا الأخذ بقوله تعالى : (وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ ) ولو سلمنا فانه لم يدلنا على كثرة استعمال أو اطراد لانتقاضه بقوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ {الشعراء/205} نعم قد تشعر الآية وغيرها كقوله تعالى : قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {المائدة/26} بما قربه البقاعي من ارادة معنى الذم عند استعمال السنة بمتصرفاتها قبال العام , لكنه ينتقض أيضا بمثل قوله تعالى : وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً {الإسراء/12} . وقد جاء في كتاب الأفصاح في فقه اللغة أن : "بعضهم يفرق بين العام والسنة. فالسنة من أي شهر عددته الى مثله وقد يكون فيه نصف الصيف ونصف الشتاء . والعام لا يكون الا صيفا وشتاء متواليين". أقول وبهذا المعنى يأتي التعبير بالحجة والحول مساويا للتعبير بالسنة فان الحج لايكون الا من الموسم الى مثله , قال تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة/189} ومن ذلك يستفاد كون عقد زواج سيدنا موسى عليه السلام كان قريبا من موسم الحج لقوله تعالى على لسان سيدنا شعيب عليه السلام : قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ {القصص/27} . والحول هو مرور اثنا عشر شهرا هي المقصودة بتقدير مدة الارضاع من بدئه في قوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة/233} أو المتعة كما في قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة/240} . وعبرت العرب بقولها سن الأنسان عن السنين التي مرت في حياته وهي لا تكون الا من تاريخ ولادته , واستخدمت الحول لانه مأخوذ من قولهم حال الحول أي تم , قال زهير بن أبي سلمى : ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم. أما ما ذكراه في "الأفصاح" عن استعمال الحقبة للدلالة على "السنة , الجمع : حقب وحقوب" ,فانها وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى : لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا {النبأ/23} و قوله تعالى: } وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا {الكهف/60} وليس فيها دلالة على ارادة السنة من مفردها بل هي لأبهام العدد , لكن المعجم الوسيط أيد استعمالها في السنة دون ذكر مثال أو دليل , وكان الأصفهاني قد ذكر أنه "قيل: جمع الحقب، أي: الدهر.قيل: والحقبة ثمانون عاما، وجمعها حقب، والصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة" . التقويم والتأريخ في الأسلام : مع انتشار رسالة الاسلام ازدادت الحاجة الى الاعتماد على مبدأ التقويم الذي نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة/189} إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {التوبة/36} وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً {الإسراء/12} هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {يونس/5} ومن الآية الأخيرة خصوصا عرف المسلمون أن التقويم المطلوب هو المعتمد على مبدأ دورة القمر حول الأرض , ذلك أن الكثير من العبادات والأحكام مبنية عليه كتعيين بداية ونهاية شهرالصوم والوقوف بعرفة في الحج , دون اغفال اعتماد حركة الشمس في غيرها من العبادات كالصلاة والخراج وما اليها . وحيثما أطلقت السنة في النص القرآني فان المراد هو السنة القمرية . وقد تغير مبدأ التأريخ عند العرب قبل الاسلام من الاستواء على الجودي ونهاية الطوفان , فاعتمدوا عناوين أخرى الى أن استقروا على التأريخ من سنة غزو أبرهة الحبشي لمكة وكانت نيته هدم الكعبة الشريفة وهي السنة المعروفة بعام الفيل , وولد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله . ففي تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 1 ص 21 : أن الزهري قال : " إن قريشا كانوا يعدون بين الفيل والفجار أربعين سنة ، وكانوا يعدون بين الفجار وبين وفاة هشام بن المغيرة ست سنين ، وبين وفاته وبين بنيان الكعبة تسع سنين ، وبينهما وبين أن خرج رسول الله ( ص ) إلى المدينة خمس عثرة سنة ، منها خمس سنين قبل أن يوحى إليه ثم كان العدد . ". لكن الظاهر أن المسلمين لم يحتاجوا في معاملاتهم اليومية مبدأ للتأريخ في حياة النبي صلى الله عليه وآله والى السنة السادسة أو السابعة عشرة للهجرة , وذلك في خلافة عمر بن الخطاب . وهذا الكلام لا يتناقض مع القول بأن نفس النبي صلى الله عليه وآله اعتمد التأريخ من سنة الهجرة ومن يوم ولوجه المدينة في ما أراد توثيقه من كتب وعهود لما ستعرفه من كون المسألة لابد لها من بيان الهي , واتبعه في ذلك عدد من الصحابة بل والتابعين حيث ينقل ذلك عدد من الرواة والمؤرخون , واعتمده مالك كما ذكره ابن الأثير في ايراده القصة : في كتابه البداية والنهاية - ج 7 - ص 85: "قال الواقدي وفي ربيع الأول من هذه السنة - أعني سنة ست عشرة - كتب عمر بن الخطاب التاريخ ، وهو أول من كتبه . قلت : قد ذكرنا سببه في سيرة عمر ، وذلك أنه رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين يحل عليه في شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة أم التي قبلها ، أم التي بعدها ؟ ثم جمع الناس فقال : ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول ديونهم . فيقال إنهم أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم ، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك . ومنهم من قال : أرخوا بتاريخ الروم من زمان إسكندر فكرهوا ذلك ، ولطوله أيضا . وقال قائلون : أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون من مبعثه عليه السلام . وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث . فاستحسن ذلك عمر والصحابة ، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها ، وعند مالك رحمه الله فيما حكاه عن السهيلي وغيره : أن أول السنة من ربيع الأول لقدومه عليه السلام إلى المدينة . والجمهور على أن أول السنة من المحرم ، لأنه أضبط لئلا تختلف الشهور ، فإن المحرم أول السنة الهلالية العربية". وهناك رواية أخرى في السبب خلاصتها أن كتابا ورد من عمر بن الخطاب على أبي موسى الأشعري فيه ذكر شهر شعبان فكتب الى عمر متحيرا أي شعبان هو الفائت أم القابل؟ وقد استدل البعض لاعتماد يوم انتهاء رحلة الهجرة وسنتها من القرآن الكريم في قوله تعالى : وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {التوبة/107} لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {التوبة/108} أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {التوبة/109} فرأوا أنه يوم تأسيس النبي لمسجد قباء وهو يوم ولوجه المدينة , ثم انهم استدلوا بارادة الله اعتباره أول يوم في التأريخ الاسلامي بقوله تعالى : مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ . وفي هذا القول من الأشكال ما دعى السيد جعفر مرتضى الى الاستئناس به دون الاستدلال . راجع مبحث وضع التاريخ الهجري من كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) الفصل الثالث : أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة- السيد جعفر مرتضى - ج 4 - ص 171 - 183 . وهو على أهميته والجهد البالغ في محاولة استقصاء الموضوع قد ترك مناقشة قضيتين لأنهما من مباحث التقويم : الأولى ما جاء في بعض الروايات عن أبي عبدالله عليه السلام من أن " شهر رمضان رأس السنة " وأمثالها . والثانية تفسير قوله تعالى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {التوبة/36} واكتفى بايراد كلام العلامة المجلسي في البحار : : " أن جعل مبدأ التاريخ من الهجرة مأخوذ من جبرئيل ( ع ) ومستند إلى الوحي السماوي ، ومنسوب إلى الخبر النبوي " . وكما ترى فان الآية تنص على كون السنة وتقسيمها من المعارف والقضايا الدينية الحقيقية لا الاعتبارية كما حاول العلامة المجلسي تقريبه بامكانية اعتبار أكثر من عنوان بالقول " وهذه الأمور تختلف باختلاف الاعتبارات ، فيمكن أن يكون أول السنة الشرعية شهر رمضان ، ولهذا ابتدأ الشيخ به في المصباحين ، وأول السنة العرفية المحرم ، وأول سنة التقديرات ليلة القدر ، وأول سنة جواز الأكل والشرب شهر شوال ، كما روى الصدوق في العلل بإسناده إلى الفضل بن شاذان في علة صلاة العيد : لأنه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل والشرب ، لان أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فالسنة الشرعية تبدأ من شهر رمضان" , فهذه المعارف يحتاج الى بيانها والارشاد اليها بالنبوات وهو مبحث يحتاج الى جهد آخر , ليس محله هنا ولا وقته . راجع بحار الأنوار – ج55 – ص – 337 فما بعد – مبحث الأزمنة وأنواعها .
استخدام التقويم والتأريخ في المجتمع الاسلامي :
وبالعودة الى الكلام عن التقويم في المجتمع الاسلامي , فان البحث التاريخي دلنا على استخدام التقويم القمري في أمور العبادات وعلى نوع من التوفيق مع التقويم الشمسي لضبط الخراج . وفي اختصار لطيف ذكر علي المنزوي نجل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة - ج 8 ص 212 – 213 - 214: ".. كان الايرانيون في العهد الساساني يأخذون في كل مائة وعشرين سنة ، سنة ذات ثلاثة عشر شهرا ، اما بعد الاسلام فقد منع خالد بن عبد الله القسرى من اجراء هذا الكبيسة في ( 106 - 120 ه‍ ) بأمر من هشام بن عبد الملك ، وقال انها نسيئ ، فتأخرت السنة الاسمية عن السنة الشمسية الحقيقية فاضطرب التاريخ وتشوش موعد أخذ الخراج لانه لا يمكن اخذه الا على حساب الفصول الاربعة ووقت الحصاد ، فاضطر المعتضد العباسي في ( 282 ) إلى اجراء الكبيسة فاعاد النوروز إلى يوم كانت فيه في آخر العهد الساساني ، واخذ الخراج على الحساب الشمسي ، ومن هذا الوقت استعملت سنتان ، الهلالية للتاريخ ، والشمسية لاخذ الخراج ، وهذه الشمسية كانت تستعمل في المغرب مع الشهور القبطية والرومية وفى المشرق مع الشهور الفارسية وكانت السنة الخراجية تتأخر في كل ثلاث وثلاثين سنة ، بسنة كاملة عن التاريخ الهلالي فكانت الدولة تسقط تلك السنة عن التأريخ المالى تارة ، وهذا ما يسميه المقريزى في خططه بالازدلاق : ويحفظونها تارة أخرى ، أي يستعملون تاريخا ماليا شمسيا مستقلا في جنب التاريخ الهلالي ، قال في ( تاريخ وصاف ) ان في سنة ( 700 ) كانت السنة الخراجية تسمى ( 692 ) فسماها غازان خان سنة ( 700 ) أي ازدلقوا واسقطوا ثمانى سنوات ومعلوم أن هذا الاختلاف ( ثمانى سنوات ) انما نشأ عن اهمالهم اجراء عمل الازدلاق حدود مأتين وثمانين سنة ، وكذلك قال المقريزى أن في سنة ( 501 ) كانت تسمى السنة الخراجية ( 499 ) فازدلقوا واسقطو اسنتين فسموها ( 501 ) أيضا . ومعلوم أن اختلاف سنتين انما تنشأ عن اهمال اجراء عمل الازدلاق مدة ستين سنة ، وهذه الاختلافات والارتباكات كانت جارية ؟ حتى ( 4 - صفر - 1088 ) حين صدر الفرمان ، من السلطان محمد الرابع العثماني باستعمال السنة الشمسية مع الشهور السريانية الرومية للامور المالية والسنة الهلالية لضبط التاريخ ، ولرفع الاختلاف بينهما امر أن لا يهمل عمل الازدلاق في كل ثلاث وثلاثين سنة ، وأن يسقطو سنة واحدة في رأس هذه المدة من الحسابات المالية . وسمى هذه السنة المسقطة ب‍ ( سيويش ) وجرى هذا القانون حتى عام ( 1255 ) حيث ترك العمل بها ، فارتبك التاريخ من جديد ، وتأخرت السنة المالية العثمانية عن السنة الهلالية واستمر التأخر حتى نسخت الحكومة الجمهورية التركية التاريخ الهجرى برأسها واتخذت التاريخ الميلادى بدلا عنها ، وكذلك فعلت الدول العربية فنسخت التاريخ الهجرى شمسيها وقمريها واتخذت التأريخ الميلادى كتأريخ دولي عام . اما في ايران فكانوا يستعملون السنوات الهلالية لضبط التواريخ والسنة الشمسية الصحيحة الدقيقة الكاملة التى أحدثها ملك شاه السلجوقي والمعروفة بالتاريخ الجلالى لاخذ الخراج . وفى الهند كانوا يستعملون التاريخ الاكبر شاهى بدل الجلالى . ولكن هذين التأريخين لم يتمكنا من الرواج في البلاد الاسلامية ، وذلك لانهما نسخا مبدأ التأريخ الهجرى ، فكان يستعمل في ايران والهند تأريخان كل واحد مستقل عن الاخر احدهما هلالي ومبدؤه الهجرة والثانى شمسي ومبدؤه جلوس ملك شاه السلجوقي ، وجرت هذه العادة حتى ابرم المجلس النيابي الايرانى في ( 1304 ش = 1343 ق ) قانونا وحد التأريخ بأن اخذت ايران المبدأ الهجرى وحاسبت السنين شمسيا إلى اليوم وجعلتها التأريخ الرسمي للحكومة والشعب ، وهذا ما هو المستعمل اليوم في ايران وافغانستان . المصحح ، ع . م " . لكن ما لم يذكره الاستاذ المنزوي أن الشاه رضا بهلوي حاول الغاء هذا التأريخ الجديدوالعودة الى التأريخ بحسب الطريقة الشاهانية القديمة بعد السنين من تولي الشاهانات الايرانيين العرش. كان ذلك مصاحبا لأحتفاليته الكبرى بمرور الفين وخمسمائة سنة على تأسيس الأمبراطورية الفارسية , وهو ما واجهه الأمام الخميني قدس سره والعلماء في الثامن والعشرين من ربيع الثاني 1391 بالدعوة الى مقاطعة الأحتفالات وعدم اضاءة البيوت لبلتها كما أمر الشاه. وجدير بالذكر أن مصر شهدت في 29 رجب 1292 ه – أول أيلول(سبتمبر)1875 م , اصدار الخديوي اسماعيل باشا أمره باعتماد التاريخ الأفرنجي الى جانب التاريخ الهجري وهو ما لم يكن يعتمده حتى المسيحيون في مصر لأنه كما ذكر الدكتور محمد عمارة " تاريخ افرنجي " فكانوا يعتمدون التأريخ القبطي . وعندي كتاب نادرعنوانه سيرة عمر بن عبد العزيز تصنيف ابن الجوزي وتحقيق محب الدين الخطيب طبع في مطبعة المؤيد في القاهرة وعلى غلافه التأريخ : 1331 ه . ق – 1291 ه. ش , مما يدل على أنه كان ما زال مستخدما .
خاتمة :
لا أريد في هذه العجالة استقصاء التحول في البلاد الاسلامية الى اعتماد التأريخ الأفرنجي وتقويمه , ولكنني أتوقف عند ما أدى اليه من متغيرات ثقافية من آثارها هذا الجهل بمسألة التأريخ والتقويم الاسلاميين الذي يؤدي الى صعوبة كبيرة عند الذين اعتادوا معايشة التقويم والتاريخ الافرنجي عندما نتحدث اليهم عن مسائل اسلامية كمنتصف الليل الشرعي أو تسمية الليلة بالنهار اللاحق لا السابق وما اليها من عناوين أبسطها أن يختلط الأمر بين ليلة رأس السنة الهجرية وبين ليلة هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله . بينما يعرف صغارنا وفتياننا وشبابنا تواريخ الكثيرممن لا صلة لهم بديننا ولا أمتنا بل ممن لاقيمة انسانية عامة لهم . وليس التاريخ الأفرنجي هو التاريخ الذي اعتمده المسيحيون عبر التاريخ لا في المنطقة العربية ولا في غيرها الى زمن طويل .فضلا عن أنه قد واجه مشاكل كثيرة قبل الاستقرار على ما هو عليه الآن . وأكثر من ذلك ان هذا التاريخ ليس هو السائد في كل دول العالم اليوم , فما زالت الأمم التي ترى لنفسها تاريخا وتراثا تسير على تقويمها وتأريخها كالصين واليابان , بل ان عدونا الأسرائيلي ما زال يبدأ أسبوعه يوم الأحد لا الأثنين كما في كثير من الدول العربية والاسلامية مع الأسف .
وختاما لا بأس بالاشارة الى نقطة أخرى هامة , وان كانت خارج بحثنا, فان الحكومة السودانية بعد ثورتها الأسلامية حاولت تغيير مواعيد بدأ العمل الوظيفي ليتناسب مع الحياة الاجتماعية الاسلامية لجهة جعله أقرب الى شروق الشمس بحيث يستفاد من الوقت الضائع بينه وبين الساعة الثامنة التي درجنا عليها وهي تأسيس غربي يتناسب مع توقيتهم أكثر , ثم يكون وقت صلاة الظهر موعدا لانتهاء الفترة الاولى من العمل الصباحي الا انهم لم يوفقوا ولعلنا نعود الى هذا الموضوع لاحقا .

السبت، ديسمبر 27، 2008

غزة : دمنا هناك وعرضنا المسفوح -1-

إلى عرب الحوار:
هَذَا جَوابُ حِوارِكُمْ مِنْ جارِكُمْ !...
دَمُنا هُناكَ وأَهلُكُمْ ,
أَطفالُكُم
النَّاشئونَ وعِرضِكُم .
هل صار ماءً ما يدورُ برأسِكُم ؟
أَهوَ الخواء؟
مَنْ ماتَ أَنْتُم
والمُستباحُ حَريمُكُم .
والعِرضُ عِرضُكُمُ ... حتَّى إذا أسلَمْتمُوهُ
فإنَّهُ , عَارٌ بِكُم وسَتَحمِلوه .
وإنَّكُمْ
مِن أَجْلِ أَنَّكُمُ تركْتُموهُ , لنْ تُتْرَكوا .
لن تَهدأَ السَبَّابَةُ التي شَهِدَ الإلَهُ شُموخَها
لا لن تَهون .
حتَّى إذا ثارتْ بِكُمْ ثُوَّارُكُم , وصَرَخْتُمُ يا مُسلمين
صاحتْ بكُمْ :
الآنَ مَنْ ... جارٌ لَكُمْ مِنْ جَارِكُم؟
***
يا أيُّها الملأُ المَفتونُ بمالهِ وجلالهِ ورجالهِ
هل تَذْكُرون ؟
جَدٌّ لَكُم كانَتْ عَصَاهُ بالشِّمالِ وباليمينِ مُهَنَّدٌ
والضَرْبُ يَعلُوهُ مِنَ الأَمامِ ومِنَ القَفَا
مُتَحَيِّرٌ كيفَ السَبيلُ؟
ويَجْلِدُوهُ , أَعداؤُهُ ويُطَوِّحُوُهُ ,
مُتَهالِكٌ, ويُحَوِّطُوه ,
أَهْلُوُهُ نادوهُ اضْرِبْ وقاتِلْ
فأجابهم:
أَنَّى وإنِّي كِلْتَا يَدايَ مَشْغولةٌ...
حتَّى إذا نَادَتْهُ - مَفْرُوضُ الكَلامِ - وَليدَةٌ مَلْهُوفَةٌ:
إضْرِبْ بِها !
هَيَّأتَهَا أَنْتَ لِلنِّزالِ ولِلقِتال , أَجابَها :
ذَكَّرْتِنِي بالضَرْبِ وكُنْتُ ناسياً أو لاهيا
ها أَنْتُمُ اليَومَ هُوَ
اليومَ أَنْتُمْ مِثْلُهُ مُتَحَيِّرُون .
يا أَنْتُمُ !
يا المسلمون !
هذي الدماءُ بِغَزَّةَ
هذي النِسَاءْ
تَدعُوكُمُ مَلْهوفَةً
مَلهوفَةٌ تَدعُوكُمُ
هلْ تذكرون ؟ .....

الجمعة، ديسمبر 19، 2008

مشاركة في توقيع كتاب الشيخ فضل مخدر شقشقة قلم


مؤتمرات ومهرجانات شقشقة قلم: نخلٌ وعصافير سهول فسيحةٌ
بدعوة من "ديوان الكتاب للثقافة والنشر"، أقيم على مسرح قصر الأونسكو في بيروت، لقاء ثقافي لقراءة كتاب "شِقشِقة قلم" للشيخ فضل مخدر صاحب ديوان "صلة تراب"، ضم حشدا كبيرا من وجوه الثقافة والإعلام وأهل الفكر وحشدا كبيرا من الجمهور، انتهى بتوقيع نسخة الكتاب للحضور، وكان من بين المتكلمين الشيخ علي خازم الذي ألقى للمناسبة، كلمة عبّر فيها عن مدى إعجابه بقلم الشيخ مخدر وبراعته في التعامل مع اللحظة الإنسانية والإجتماعية بلغة أدبية رفيعة وبروح العارف لكل ما يجري حوله، خاتما كلمته بقصيدة تعبّر عن مضمون الكتاب وتحمل في جُملها الشعرية واقع ما نعيشه اليوم على مستوى الوطن العربي بكامله.وجاء في كلمته:
توجّع الشيخ فضل مخدر، أو انتشى سيّان.ففي كل مرة، يجد من قلبه ما يشق به عن قلوبنا ليزرع فيها صبَّارة أو اقحوانة.احتفاؤه بمبدع يشقُّ بنثرٍ أو شعر ليل هذه الأمة أو تسجيله لواقعة مدمية.تجد في شق قلم الشيخ او ريشته، لوناً جديداً لفجر يطلع، وصدىً لصوت مؤذن يسترجع، ومدىً لأرض تحلم بالخصب وبالطيور المهاجرة.في كل زاوية من صحائف شقشقة قلمه، انسان من لحم ودم يستثير فيك إنسيتك:فتبكي وتضحك.. وتصرخ وتضرب...شقشقة قلم الشيخ التي ستقرؤون:فيها هذه الأنسنة المقاومة التي تحاول تحطيم وثن الواقع الضاغط بثقله على أعصابنا. وهي من ومضات التفاؤل التي يبعثها ابداع المقاومين للانحطاط الذي تروّج له جهات وجهات...شقشقة قلم الشيخ تحاول إزعاج القارىء لها عن مرقد السكون والركون الى مركب النهوض والعمارة.وفينا من هو ـ مع الأسف ـ مهيءٌ لمقاومة هذا الازعاج الإيجابي ولسان حاله مع الشيخ ورفاقه:
كانت كؤوس الطـَلى في صرفها غِيَرٌإذا تُعاقر تزعجنا
حرَّمتها فعنها اليوم ننزجر
وأنت أنت اليوم تزعجناعن الراكدات من المِنـَى،إلى الراكضات على العنا
حُلّ عناخلـِّنا نُوَمٌ
فلا يلذ لناعلى عجزنابعد اليوم غيرُ " نم ِ"
شقشقة قلمٍ قال
ونحن قلنا لأميرك لمَّا شَقْشَقَ الكلِمَ
حُلَّ عنّا
قرٌّ وصرُّبردٌ وحرُّ
فما حلَّ حتى انتضت قطامُ سيفها وانبرى اللّجمُ
وما حلَّ حتى شقّ السيفُ جبهتَهُ وفار دمُ
فما تريد؟
***
شقشقة قلم
نخلٌ، عصافيرٌ، سهول فسيحةٌ
خُضرُ، مُقلٌ، وشفاه ذابلةٍ
دماءُ أطفالٍ، عظام مُهشمةٍ
من فجر صبرا إلى قاناومن صبر بغداد وغزّة دائما خبرُ
قد فتت الصخرَ
فتته ما همّني
فأنا قلبي ما مسَّه الشررُ
قلبي
قلبي هناك.. في محميَّةِ الخوص والبيد
لهفي
لهفي على الباندا، إذ أعيت فلم تحمل ولم تلدِ
فديتها بالمال إن تنجب
ما المالُ.. فليفدها ولدي
أمَّا أبا ناصر والصيصان
أمَّا عجوزك
أو عمياؤك وسراج الليل يصحبها
بليت حكايتهايا شيخ
فلماذا أنت اليوم مزعجنا
***
شقشقة قلم يا شيخ
أما دريت!قد غادر الشعراء من زمنٍ
دالت متردمُ فلا الشعر شعرٌولا يكاد النثر ينتظمُ
ولا
لست من مازنٍ
ولا قومي همُ
قومي لو استطاعو اكتفاءً بالوما لوَموا
لكن ويا أسفا
حتى الأشارة في لبنان تنقسمُ
ولكلِّ معاقٍ , حق المعاق فيه
كلام لا يشبه الكلمُ
سُمَّ، هراءٌ، طلاسم أحجيةٍ
فماذا تريد؟ توقظنا؟
يا برد قلبك وهل تفيق الأجثمُ
الروح عندك
وعند عصائب مجنونة
من كلِّ مفتتنٍ بدم الحسين لم يُهنِ
خلـّونا هنا وغذوا السير أنتم هناك
غذوا السير وانتصروا
الشيخ علي خازم
بيروت في 19/4/2008

الخميس، ديسمبر 18، 2008

نظرة في الصراع على المياه‏

مداخلة قدمت الى ندوة في مركز الدراسات الاستراتيجية – لبنان - 5/5/1994 الشيخ علي خازم
حُلَّت مشكلة المياه في العالم غير الاسلامي بوسائط منسجمة مع البنى الفكرية الحاكمة فيه، وقننت القضية ضمن مسائل ومصطلحات وثبتت بمعاهدات تفصيلية بينما ظل الاضطراب قائما في آسيا وافريقيا حيث تشتد الحاجة للمياه من جهة، ويشتد النزاع حولها من جهة اخرى. ولسنا نغفل عن كون اطراف هذه المشكلة ليست كلها دولا اسلامية(1) كما في افريقيا مثلاً , وكذلك بين باكستان والهند في كشمير. وعن كون جزء من المشكلة في العالم العربي من آسيا متعلق باغتصاب اسرائيل لاراض عربية، واستقدام يهود من انحاء العالم تبحث لهم في الواقع السياسي القائم عن حق في الشرب والشفة(2). ويلاحظ القارى‏ء للتاريخ الاسلامي ان المياه لم تكن سببا مستقلاً للحروب سواء في دار الاسلام نفسها، او بينها وبين الدول الاخرى. وانها انما شكَّلت في بعضها محورا من محاور الحرب فتعلقت احكام الفقهاء بها من هذه الناحية بالمقدار الذي استدعته لجهة البحث في جوازاستخدامها للتخريب على العدو او بقطعها عنه وما الى ذلك ‏(3). كما ينبغي ملاحظة ان تعدد الحكومات في دار الاسلام لم يمنع بقاء سلطة مركزية للفقيه والفقه في شأن المياه في جانب الحياة اليومية للمواطنين ، وهذه الملاحظة توضح كون الاحكام في هذا المجال وردت في صيغة مخاطبة المكلف الفرد، او المكلفين كأفراد، ولم تتعدَّ الى حالة التنازع بين الدول‏(4). فكيف ينظر المسلمون الى المشكلة وما هو تصور الحل؟

وحيث ان البحث يتصدى لمشكلة التنازع على المياه في منطقة لا تخرج بتصورنا عن كونها «دار الاسلام» فلا بد من تمهيد يتعلق بآثار التجزئة في العالم الاسلامي وما تبعها من تشكيل حكومات مختلفة لبيان حدود سلطة هذه الحكومات، والمدى الذي يمكن ان تبلغه في استقلالها وسيادتها على ضوء واقعها والتزاماتها الفعلية بالأطر والمؤسسات والهيئات الدولية كالامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي.. الخ.
1- سلطة الفقه الاسلامي وتعدد الحكومات‏ :
ظلَّت سلطة الفقه في دار الاسلام مركزية مهما تعددت الحكومات وتخالفت (السلطنة العثمانية والشاهنشاهية الفارسية مثالاً). ولئن ناقش البعض في هذه الرؤية فانه لا ينفي ان انعدام تأثير مشيخة الاسلام (العثمانية مثلاً) في بعض نواحي العالم الاسلامي كان نتيجة لايجاد سلطة مركزية بديلة شكّلت جهازها الفقهي، فمهما اقترب الحاكم او ابتعد عن الالتزام الشخصي باحكام الدين، وكيفما تصورنا النزاعات الطارئة بين طالبي السلطة فانهم كانوا يتميزون بين موقفين: إما طلب امارة مستقلة عن ما حولها من الامارات او الولايات، لكن ضمن النظام السياسي الاساسي، واما الطموح الى ترؤس هذا النظام السياسي نفسه. ولم يشهد العالم الاسلامي الخاضع للسلطنة العثمانية بما هي استمرار للخلافة بشكل او بآخر نزعة استقلالية تدعي السيادة الكاملة بالمفهوم الحديث إلا ما ندر، ومع ذلك فانها شأنها في ذلك شأن بقية الدول الاسلامية المخالفة للسلطان العثماني ظلت «دار اسلام» باعتبار النظام العام‏(5) والانتماء. ولم يعرف العالم الاسلامي حتى انهيار السلطنة العثمانية، وما واكبه في ايران من سقوط الأسرة القاجارية على يد رضا خان، نغمة التفكيك بين الفقه الاسلامي والاحكام القانونية. لكن مع نفوذ السيطرة الاجنبية في انحاء الدولة العثمانية نفسها، وتقسيمها من ثم الى دول ذات سيادة، ومع نفوذ هذه القوى في الاقاليم الاسلامية غير الخاضعة للسلطنة كذلك، اتجهت هذه الدول الناشئة في دار الاسلام الى اعتماد دساتير خاصة بكل منها وتفريع احكام قانونية لا تعتمد بشكل كامل على الفقه الاسلامي. وان عدَّ اكثرها الاسلام دينا رسميا للدولة فانه لم يعتبره الا واحدا من مصادر التشريع. ان عدم اعتماد الدول المذكورة للحكم الاسلامي بشكل كامل عدا البعض منها لا يسمح باعتبارها دولاً غير اسلامية في المطلق، خصوصا مع التزام انظمتها بعضوية منظمة المؤتمر الاسلامي التي شكلت عام 1972، وبهذا الالتزام يجعل انتماءها للأسرة الدولية مرهونا بعدم التعارض مع مقتضيات عضوية منظمة المؤتمر الاسلامي. وهكذا، فان تعدد الحكومات بتعدد الدول المسلَّطة على دار الاسلام في العصر الحالي لم يخرج في الظاهر عن صورة التعدد التي عرفناها في التاريخ الاسلامي سابقا، وصارت منظمة المؤتمر الاسلامي وما اليها من مؤسسات اسلامية متخصصة اطارا جامعا وبديلاً للنظام السياسي الاساسي الذي كان يستقطب انحاء واقاليم مختلفة من دار الاسلام قديما. ولا نريد هنا تزيين هذا الحكم او ذاك، او تجاهل ارتباط انظمة سياسية بما يعادي مصالح المسلمين المحكومين منها، او من حولها، ولكننا و في معرض البحث الواقعي عن صورة المشكلة وحلِّها، ليس بيدنا إلا ان نأخذ هذه الدول بما التزمت به، ونحن نعرف ان بعض المعاهدات تعدَّ في القانون الدولي من مصادر التشريع‏(6) وهي في الاسلام كذلك ضمن الاعتبارات المرعية في اجرائها(7). وقد لاحظ بعض الباحثين في مجال القانون الدولي ثغرات عديدة اعاقت تشكيله واهمها « سيادة الدولة المطلقة» و«النزاعات العقائدية» و«الحكومات الثورية» فتنبأ ب«ان نظاما قانونيا اقليميا آخذ بالظهور والتبلور على حساب نظام قانون موحد على اساس عالمي»(8). ولعل التعاهد ضمن منظمة المؤتمر الاسلامي يساعد على تقنين حلول مشكلة الاستفادة من المياه ولعلها تساهم في حل مشكلات اطراف العالم الاسلامي بما تمليه الاتفاقيات والعقود من الزام مع غير المسلمين في هذه المسألة وهو ما سنشير اليه ب«قانون اقليمي اسلامي خاص بالمياه». ان اي تصور لحل معاصر يستحيل بتجاوز اعتبار الدول المتعددة في العالم الاسلامي دولاً اسلامية بالمعنى المذكور سابقا، او غاصبة محاربة على ارضه كما «اسرائيل» او دولاً معاهدة او محايدة في أطرافه. ولهذا الاعتبار كما ذكرنا اساسه التاريخي من حيث الشكل وله مناشى‏ء اخرى كالالتزام والمعاهدات التي أشرنا اليها. وان اي تغيير في طبيعة انظمة العالم الاسلامي وهو محتمل دائما لا يخشى معه من نقض هذا القانون الاقليمي الاسلامي لا مع المسلمين ولا مع غيرهم باعتبار الدليل العقلي والشرعي: « واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولاً»(9). «الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا، فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم، ان الله يجب المتقين»(10). وما يحذر منه البعض في اختلاف تصوير المصلحة يمكن ايجاد ضوابط له ومراجع لتحديده كهيئات مختصة للتحكيم. بهذا الطرح اذا يمكن تثبيت اي حل يقدم لعلاج اي مشكلة وخصوصا في ما نحن بصدده بين الدول الاسلامية نفسها وبينها وبين الدول الاخرى. أما الغاصب فقد أقرَّت جميع الشرائع ان لا حرمة له، ومهما حاولت القوى العظمى تسويقه كواقع قائم فانه يبقى كذلك. ولا تكون اتفاقات الدول الاسلامية معه ان عقدت ملزمة بأكثر مما تلزم به الهدنة مع المحارب كما تعرضت لها احكام الجهاد في الفقه الاسلامي. ان هذه الاتفاقات لا تؤسس واقعا جديدا تتغير معه صفة «الدولة» الغاصبة حتى ان صح في هذه الاتفاقات ما يعتبر في عقد الاتفاقات والعهود وفق الاحكام الاسلامية وهو بعيد(11). وغني عن التوضيح هنا اهمية المياه في البناء الاجتماعي عموما، وقد اعتبرها القرآن الكريم اساس الحياة: «وجعلنا من الماء كل شي‏ء حي»(12) فان هذه الصفحات غير معدَّة لتقديم الصورة الاسلامية الشاملة لمسألة المياه فغرضها كما هو واضح مقاربة الاحكام الفقهية(13)، وقد صيَّرتنا حال التجزئة للعالم الاسلامي الى ما نحن عليه من اختلاف وتنازع داخل الدولة الاسلامية نفسها، وبينها وبين بعضها البعض، وبينها وبين دول مجاورة، وبين بعضها والكيان الاسرائيلي الغاصب. فثمة مشكلات حول المياه وحقوق الاستفادة والاستخدام لها في انحاء العالم الاسلامي واطرافه من الهند واثيوبيا الى تركيا وضمنا المشكلة القائمة مع الاطماع الاسرائيلية. وبطبيعة الحال فان الشأن مع «اسرائيل» يختلف عنه مع الهند واثيوبيا وتركيا، فالاولى غاصبة ولها احكامها كما ذكرنا، والثانية والثالثةبين الحياد والمعاهدات،والرابعة حكومة مستقلة على جزء من العالم الاسلامي وعضو في منظمة المؤتمر الاسلامي. والى هنا يكون هذا التمهيد قد أوصلنا الى امكانية اعتبار الدول الاسلامية مستقلة في ادارة الثروات العامة ضمن دار الاسلام. فما هي احكام الاسلام في هذه الثروات، وفي المياه منها بشكل خاص؟
2- الثروات الطبيعية واحكامها في الاسلام‏ :
تؤكد الاحكام الاسلامية على اشتراك الناس في الثروات الطبيعية التي سخَّرها الله لهم بقوله تعالى: «وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا»(14). ولكن هذا الاشتراك يختلف من حيث الاحكام المترتبة عليه، باختلاف الثروة المبحوث فيها. وقد نظر الفقهاء الى هذه الثروات من جهات عدة:
أ - مكان وجودها .
ب- طبيعتها .
ج- الحاجة اليها.
فمن الجهة الاولى، بحث الفقهاء في ما وجد منها فوق الارض، وما وجد في باطنها، وقسَّموا الاخير الى ما كان قريبا من سطح الارض، وما له عروق عميقة(15). ومن الجهة الثانية بحثوا في ما يوجد منها مستقلاً، وما يحتاج الى عمل وجهد لكي يتميز عن غيره من المواد. ومن الجهة الثالثة بحثوا في ما لا يمكن الاستغناء عنه لبقاء الجنس البشري وما يعتبر من مصادر المعاش المتنوعة للناس دون ان تكون ضرورية. وهكذا اعتبر الشهيد السيد محمد باقر الصدر المصادر الطبيعية للانتاج:
1- الارض، وهي أهم ثروات الطبيعة.
2- المواد الاولية التي تحويها الطبقة اليابسة من الارض كالفحم والكبريت والبترول والذهب والحديد ومختلف انواع المعادن.
3- المياه الطبيعية التي تعتبر شرطا من شروط الحياة المادية .
4- بقية الثروات الطبيعية، وهي محتويات البحار والانهار من الثروات التي تستخرج بالغوص او غيره كاللألى‏ء والمرجان، والثروات الطبيعية المنتشرة في الجو كالطيور والاوكسجين، والقوى الطبيعية المنبثة في ارجاء الكون، كقوة انحدار الشلالات من الماء.. وغير ذلك من ذخائر الطبيعة وثروتها(16).
ولمَّا كانت هذه الثروات مسخَّرة للانسان كما ذكرنا، كان لا بد من تمييز احكام التسلط عليها بما يحفظ هذا الحق لكل انسان بما هو فرد له حاجاته الطبيعية وشهواته، وبما هو جزء من المجتمع الانساني الذي يجب ان يستمر في حال توازن. فجاءت الاحكام الاسلامية لتميز بين ما يقبل الملكية الخاصة وما هو غير قابل لها بحال‏(17) وبالتالي يكون واقعا تحت أحد العناوين التالية:
أ- ملكية الدولة: وتعني تملك المنصب الالهي في الدولة الاسلامية الذي يمارسه النبي او الامام على نحو يخوله التصرف في رقبة المال نفسه كتملكه للمعادن مثلاً.
ب- الملكية العامة: وتشمل:
- ملكية الأمة الاسلامية بعملها السياسي مثلاً للأرض المفتوحة.
- ملكية الناس ومقتضاها عدم السماح لفرد او جهة بتملك المال والسماح للجميع بالانتفاع منها كما في البحار والانهار الطبيعية.
- ملك الدولة الذي تعلق به حق عام للناس فلا يباح لولي الأمر التصرف فيه.
ج - الحق الخاص: اختصاص ناتج عن اختصاص آخر وتابع له في استمراره ولكنه لا يعطي حق حرمان الغير من الاستفادة بشكل تنظمه الشريعة.
د - الاباحة العامة: وهي حكم شرعي يسمح بموجبه لأي فرد بالانتفاع بالمال وتملكه ملكية خاصة والمال الذي تثبت فيه هذه الاباحة يعتبر من المباحات العامة كالطير في الجو والسمك في البحر. والكلأ في الارض المباحة(18). ولن نتعرض هنا لتفاصيل تعلق هذه الاحكام بموضوعاتها لننتقل الى غرضنا الاساسي وهو الحكم في المياه كثروة طبيعية.
3- المياه الطبيعية واحكامها :
لا خلاف بين المسلمين في اشتراك الناس بالماء لما رواه الفريقان عن رسول الله (ص) باختلاف يسير في اللفظ: «الناس شركاء في ثلاثة: النار والماء والكلاء»(19). «الناس شرع سواء في ثلاثة اشياء الماء والكلاء والنار»(20). ومؤدى هذا الاشتراك ان لكل الناس ان يستفيدوا من الماء على نحو الشركة الاباحية(21) دون تملك الرقبة، وبتعبير الشهيد الصدر هي من «المشتركات العامة بين الناس» التي تعتبر من «الملكية العامة»، فالمسلم وغيره في ذلك سواء لاجماع الفقهاء المسلمين، وأصل الاباحة، وعدم معارضة الحديث المروي عن الامام الكاظم عليه السلام: «ان المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء»(22)، وما رواه ابو داود وابن ماجة واحمد ابن حنبل «المسلمون شركاء في ثلاث، في الماء والكلاء والنار». ولا يتوقف هذا الاشتراك عند مصادر المياه السطحية بل يشمل «المصادر المكنوزة في اعماق الطبيعة التي يتوقف وصول الانسان اليها على جهد وعمل»(23) فاذا بذل الجهد والعمل في استخراجها صار للانسان حق الاولوية بها، اما لو بذل الجهد في حيازة ماء من المصادر السطحية فانه يملك ما حاز منها فقط. وقد مر معنا الفرق بين الحق والملك وخلاصة ان الحق لا يبيح لصاحبه منع المنفعة للآخرين مع قضاء حاجته من الثروة العامة، أما في الملك فلا يجبر صاحبه على ذلك إلا للضرورة(24).
وبهذا يظهر معنا ان ملك الماء يتصور بأحد الطرق الآتية:
1- الانتقال: كالبيع والهبة والارث لماء محرز او لبئر او ما اليها..
2- حفر البئر والوصول الى الماء.
3- احراز الماء المباح، بمعنى جمعه في وعاء او حوض‏(25) وفرّقوا بين الاحراز بقصد الانتفاع فانه يستحقه به، والاحراز بقصد الملك فانه يملكه به.
أما مورد الاباحة العامة للناس فهو ما عرف اصطلاحا ب«النهر العام» في مصادر الفقه الحنفي، او «النهر الكبير» كما في الفقه الشيعي، وكذلك بالبحيرات والانهار الصغيرة التي لم يجرها احد من الناس.
جاء في «المجلة العدلية»(26):‏ "المادة 1234: الماء والكلاء والنار مباحة، والناس في هذه الاشياء الثلاثة شركاء. المادة 1236: الآبار المعدَّة لانتفاع كل وارد، وليست محفورة بسعي شخص مخصوص وعمله هي من الاشياء المباحة والمشتركة بين الناس. المادة 1237: البحر والبرك الكبيرة مباحة. المادة 1238: ما ليس مملوكا من الانهار العامة التي لم تدخل في المقاسم يعني في المجاري المملوكة مباح ايضا كالنيل والفرات والطونة والطونجة".
وجاء في «تحرير الوسيلة»(27): "مسألة 24: ومن المشتركات المياه، والمراد بها مياه الشطوط والانهار الكبار كدجلة والفرات والنيل، او الصغار التي لم يجرها أحد بل جرت بنفسها.. وكذلك العيون المنفجرة من الجبال او في اراضي الموات، والمياه المجتمعة من نزول الامطار فان الناس في جميع ذلك شرع سواء. ويلحق بها الزائد من الماء عن حاجة الفرد."

وقد استوقفتني مسألة ترك الضوابط لتحديد النهر الكبير او النهر العام للأمثلة فلم يشر مثلاً الى طولها او قوتها او عمقها وما الى ذلك والامر نفسه يرد بخصوص البحيرات والانهار الصغار، او مسألة موقعها «حدودية» او «محلية» فانه يتضح بما ذكرناه في القسم الاول (حاشية رقم‏4). ويمكن اعتبار العرف او التاريخ مصدرا لتحديد كون النهر الكبير والبحيرات.. الخ من المشتركات. وقد ألحق الفقهاء بهذه المسائل ما يتعلق بها من حقوق فذكروا احكاما لحل التنازع بين الأفراد في الحقوق المترتبة كحق الشفة وهو شرب الانسان، وحق الشِرْب وهو نوبة الانتفاع من الماء لسقي الحيوان والزرع، وحق المجرى وهو الشق الذي تدار فيه الماء من المباحات العمومية الى ملك شخص معين فقالوا ببقاء القديم على قدمه فيها إلا مع الاعراض.
وحيث اتفق المسلمون على منع الضرر فقد بحثوه هنا في صور، منها:
- تحويل المياه المبتذلة الى الانهار والآبار.
- حفر آبار للمياه المبتذلة بقرب آبار الشفة والشرب.
- التعدي بحفر الآبار في حريم (مسافة) معين لكل من البئر وهي ما يستقى منها الماء بالدلو، والعين وهي التي يعين عنها الماء اي يظهر جاريا، والقناة وهي الآبار التي تحفر في ارض متتابعة ليستخرج ماؤها ويسبح على الارض، والنهر وهو الاخدود الذي يجري فيه الماء المتسع وهو فوق الساقية.
- كري الطين الذي يسد المجاري.
- شق الانهر الجديدة بما يغيِّر المجرى القديم للانهار او يضعفها.
ويمكن تصور وجوه للضرر تتعلق بالثروة المائية على مستوى الدول اليوم كما في احداث تغيير في الطبيعة مثل محاولات وصل البحار، وتشكيل احواض جوفية، او استخدام الاستمطار الصناعي. ومما لا بد من النظر فيه ايضا حدود المياه الاقليمية واحكام ضفاف الانهار وشواطى‏ء البحار المعبَّر عنها في المصطلح الفقهي بسيف البحر.
وقد أُعطي اهل الخبرة في حل هذه المشاكل دورا مهما على اساس الحدس الصائب، وانما كان ذلك حيث لم يكن الوصول اليه علميا ممكن‏(28)، وكذلك فان الشيخ كاشف الغطاء اعتبر المسافات المفروضة لعدم الاضرار بالآبار والعيون والانهار الموجودة في الكتب الفقهية والحديثية غير تعبدية بل مبنية على افتراضات عصورها فيمكن تجاوزها الى ما يقوله العلم‏(29).
ويبقى ان المباحات العامة من المياه السطحية مجعولة تحت تصرف الحاكم الشرعي ولا بد فيها من إذنه، فان التملك للمباح بالاحياء محصور في الارض الموات اذ هي مورد الحديث الشريف «من أحيا أرضا فهي له» عند من قال به من الجمهور والامامية اما مالك وابو حنيفة فقد قالا لا بد من اذن الحاكم»(30). ونص دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية على ذلك :
«المادة 45: الانفال والثروات العامة مثل الاراضي الموات والاراضي المهجورة والمعادن والبحار والبحيرات والانهار وكافة المياه العامة، والجبال والوديان والغابات ومزارع القصب والاحراش الطبيعية، والمراتع التي ليست حريما لأحد والارث بدون وارث، والاموال المجهولة المالك والاموال العامة التي تسترد من الغاصبين: كل هذه تكون باختيار الحكومة الاسلامية حتى تتصرف بها وفقا للمصالح العامة وبالقانون يحدد تفاصيل وطريقة الاستفادة من كل واحدة منها»(31).
وهذا الجعل مأخوذ فيه ولاية الفقيه، او الحاكم الشرعي لضمان حقوق الناس وتنظيم الاستفادة من المياه مع ازدياد الحاجة وشح المصادر، ويمكن توضيحه بأن تصير الدولة وكيلاً عن الناس في ملكية الناس للماء كثروة طبيعية وفي الحيازة لما يحتاج منها لتوزيع مياه الشفة والشرب وتوليد الطاقة، دون ان يتحول الى ملكية عامة للدولة. وهكذا تصير الدول والحكومات في اقاليم العالم الاسلامي وكيلة عن المسلمين ومؤتمنة على الثروات العامة في بلادهم واهمها المياه.
4- القانون الاقليمي‏(32) الاسلامي للمياه:
ختاما، يصل بنا البحث عن حل للمشكلة القائمة حول استخدام المياه والاستفادة منها في العالم الاسلامي الى النقاط التالية:
أ- المياه ثروة عامة يملكها الناس (المواطنون في العالم الاسلامي) ولا تملكها الدول القائمة.
ب- غاية ما يمكن اعتبار علاقة الدولة بالماء هي علاقة الوكيل عن المواطنين.
ج- هذه الوكالة (ولو بعنوان الفضولية) توجب التعاون بين الحكومات المذكورة لحفظ حقوق المواطنين.
د- يخرج عن صفة المواطنية في العالم الاسلامي اليهود الغاصبون لفلسطين والاراضي العربية الاخرى.
وحيث ان الحكومات المذكورة ومن حيث اعتبار الاهلية الكاملة والسيادة قد انضوت في اطار اقليمي هو منظمة المؤتمر الاسلامي والتزمت بميثاقها فانها تعتبر مؤتمنة على الثروات العامة الواقعة ضمن حدودها. وهي بالتالي مدعوة لايجاد قانون اسلامي للمياه يحفظ منفعة سكانها وحاجاتها المستقبلية ضمن خطط معقولة المدى، وتقدم للآخرين منفعة الفائض عن ذلك وفق «قاعدة لا ضرر» و«قاعدة ابقاء القديم على قدمه» بما يخص استخدام المياه والتصرف في روافد الانهار الكبيرة، وتحل النزاعات الواقعة والمحتملة بواسطة المجمع الفقهي المنبثق عن منظمة المؤتمر الاسلامي. على ان يلحظ هذا القانون بشكل واضح وصريح استعمال الثروة بصورة لا تمكن «اسرائيل» او اي دولة او جهة غاصبة لحق من حقوق المسلمين من البقاء والاستمرار في غصبها واعتدائها على المسلمين. والحمد لله رب العالمين‏ 23 ذي القعدة 1414
ــــــــــــــ
الهوامش‏ (1) بمعنى انها تضم اكثر من 50% من المسلمين بين سكانها، وهذا هو الأصل المتبَّع اليوم لتمييز العالم الاسلامي عن غيره، والتمييز المعروف يقسم العالم الى دار الاسلام ودار الكفر، وهذه دار حرب ودار غير حرب والاخيرة معاهدة وغير معاهدة. راجع: محمود شاكر: سكان العالم الاسلامي، ص‏9. د. وهبة الزحيلي: العلاقات الدولية في الاسلام، ص‏103 الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، اوائل المقالات، ص‏107 (2) في الاصطلاح الفقهي، الشفة: شرب الانسان. الشرب: سقي الحيوان والزرع. (3) راجع ابواب الجهاد من موسوعات الحديث الشريف والفقه. (4) ولهذه الملاحظة تفسير آخر بضرورة ظهور الدين الاسلامي على الاديان والعقائد الاخرى، وشمول احكامه العالم كله فيكون افراد الجنس البشري المسلمين منهم وغير المسلمين مخاطبين بالاحكام الفرعية. وهذا البحث تتعرض له كتب اصول الفقه. راجع: الشيخ محمد الخضري، اصول الفقه ص‏106. و: الصدر، السيد محمد باقر، الحلقة الثالثة ج‏1ص‏ (5) هو الأساس السياسي والاجتماعي والاقتصادي والخلقي الذي يقوم عليه كيان المجتمع في الدولة.. وكل اتفاق يخالف النظام العام يكون باطلاً بطلانا مطلقا: الموسوعة العربية الميسرَّة وقد حرَّم فقهاء المسلمين مخالفة النظام العام. (6) جيرهارد فان غلان، القانون بين الأمم، ج‏2، ص‏168. (7) «لو اوقعت احدى الدول الاسلامية عقد رابطة مخالفة لمصلحة الاسلام والمسلمين، يجب على سائر الدول الجدُّ على حل عقدها بوسائل سياسية او اقتصادية كقطع الروابط السياسية والتجارية معها.. وامثال تلك العقود محرَّمة باطلة في شرع الاسلام». الامام الخميني، تحرير الوسيلة، ج‏2، ص‏446. (8) القانون بين الامم: م.س. ج‏3، ص‏234 (9) الاسراء، الآية 34. (10) التوبة، الآية 34. (11) راجع الامام الخميني: تحرير الوسيلة، ج‏2، ص‏445 فما بعد. 12) الانبياء، الآية 4. (13) وهذه الاحكام لا تنفصل بطبيعتها عن أساسها الحضاري الا ان بحث ترابطها يحتاج الى مقام آخر. (14) الجاثية، الآية 45. (15) السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ص‏476 (16) م.ن. ص‏415 416. (17) د. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وادلته ج‏5، ص‏490 (18) اقتصادنا، م.س. ص‏709 701 سليم رستم باز شرح المجلة ص‏676 681 (19) (20) مستدرك وسائل الشيعة الباب 4 من كتاب احياء الموات، الحديث‏2، ج‏3، ص‏150 الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ، والماء، والنار , رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات ."الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام" رواه ابن ماجة عن عبد الله بن عباس. (21) شرح المجلة: م.س. ص‏676، وقال الشيخ كاشف الغطاء في تحرير المجلة ج‏2 ص‏247 «ان الشركة هنا لغوية لا بمعناها المصطلح، بل الاشتراك هنا بمعنى عموم الحكم لعامة البشر». (22) الحر العاملي وسائل الشيعة الباب‏5 من كتاب احياء الموات الحديث‏1، ج‏17، ص‏331 (23) اقتصادنا، م.س. 491 492، شرح المجلة م.س ص‏676 (24) تحرير المجلة: م.س. ص‏253 (25) شرح المجلة م.س. ص‏679، تحرير المجلة ص‏250- 251، اللمعة الدمشقية ج‏7، ص‏184، تحرير الوسيلة م.س. ص‏185 192. (26) شرح المجلة م.س. ص‏676 فما بعد (27) تحرير الوسيلة م.س. ج‏2 ص‏192. (28) تحرير الوسيلة م.س ج‏2 180 (29) تحرير المجلة م.س. ج‏2 ص‏256 (30) الفقه الاسلامي وأدلته، م.س. ج‏5، ص‏503. تحرير المجلة م.س. ج‏2 ص‏254 (31) انصاريان، علي: دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية ص‏63 (32) تقصد به ما يقابل «العالمي»، حيث لا يرجح تطبيقه الا على اقاليم العالم الاسلامي.
مصادر ومراجع‏ (1) القرآن الكريم‏ (2) الحر العاملي: وسائل الشيعة، دار احياء التراث العربي، بيروت‏ (3) النوري، ميرزاحسين: مستدرك الوسائل، المكتبة الاسلامية، طهران 1321ه. (4) الصدر، السيد محمد باقر: اقتصادنا، دار التعارف، الطبعة العشرون، 1987 (5) الزحيلي، د.وهبة: الفقه الاسلامي وأدلته، دار الفكر، الطبعة الثالثة، بيروت 1989: العلاقات الدولية في الاسلام، مؤسسة الرسالة، الطبعة الاولى بيروت 1981م. (6) شاكر، محمود، سكان العالم الاسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1976 (7) الخضري، الشيخ محمد، دار المعارف، تونس 1989م. (8) فان غلان، جيرهارد: القانون بين الامم، دار الآفاق الجديدة. بيروت‏ (9) الامام الخميني، تحرير الوسيلة، مؤسسة النشر الاسلامي، قم 1404ه. (10) رستم باز، سليم: شرح المجلة (مجلة الاحكام العدلية العثمانية) المطبعة الادبية، بيروت 1923م‏ (11) آل كاشف الغطاء، الامام الشيخ محمد الحسين: تحرير المجلة، مكتبة النجاح طهران. صورة عن طبعة المكتبة المرتضوية، النجف الاشرف العراق 1361ه. (12) انصاريان، علي: دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية مع دليل وفهارس، المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية بدمشق 1405ه 1985م. (13) الموسوعة العربية الميسَّرة، دار الشعب، الطبعة الثانية، القاهرة 1972.

الاثنين، ديسمبر 15، 2008

البغاة : تعريفهم وأحكامهم - عرض مقارن كلامي وفقهي

البغاة: تعريفهم وأحكامهم‏ - عرض مقارن كلامي وفقهي بقلم: الشيخ علي حسن خازم
نشرت في مجلة الثقافة الاسلامية - دمشق.العددان 21 و 22 سنة 1409 - 1988
القسم الأول تمهيد
البحث عن البغاة في هذه الدراسة السريعة، ليس بحثاً في التاريخ بما هو ماض قد يتحرك ليستثير العواطف وليضع الإصبع على أسمائهم وفرقهم وعقائدهم وحروبهم بقدر ما هو بحث للتاريخ بما هو حاضرٌ ومستقبل تصنعه سواعد المقاومين المسلمين وترفع فيه مداميك الحكومة الإسلامية؛ وخروج بغاة على هذه الحكومة هو من قدرها اللاحق مصداق قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لمّا قتل الخوارج وقيل له هلك القوم بأجمعهم: «كلاّ واللّه، إنهم نطفٌ في أصلاب الرجال وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قُطع حتى يكون آخرهم لصوصاً سلاّبين»(1). فالبغاة على هذا : حالةٌ وليسوا أشخاصاً فقط، بدليل أن بعضهم استطاع مع الزمن تنظيم فكره وتشكيل مذهب مستقل عرف «بالخوارج». والمعالجة لهذا الموضوع هنا تسير في اتجاه تعريفهم أولاً، ثم عرض الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين في زمن البغي ثانياً.
البغي في اللغة والإصطلاح‏ قبل البدء بتعريف البغي والبغاة لا بدّ من تقريب أمور: أولاً: البغي في اللغة له أكثر من معنى: فهو الطلب، كما في قوله تعالى: (ذلك ما كنا نبغِ)(2). وقد يكون مذموماً كما في قوله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق)(3). أو ممدوحاً كما في الحديث الشريف: «ألا إنّ اللّه يحب بغاة العلم»(4). ومن معاني البغي: الظلم كما في قوله تعالى: (خصمان بغى بعضنا على بعض)(5). ومن معاني البغي أيضاً الفساد كما في قول العرب: بغى الجرح إذا فسد ونتن(6) وجمعاً بين هذه المعاني قال الأزهري: «هو قصد الفساد»(7) وقال الراغب الأصفهاني: «هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى، تجاوزه أو لم يتجاوزه»(8). ثانياً: تجد في كتب اللغة التعريف بالاصطلاح الشرعي، وحيث إن الاصطلاح الشرعي هنا يشتمل على المعنى الكلامي والمعنى الفقهي فقد ميزت بينهما، لما ستلاحظه من أن الأحكام التي عقدت لها القسم الثاني من المقالة لا تترتب إلاّ بعد تحقق شروط زائدة على المعنى العقائدي عند المذاهب الأربعة وبعض فقهاء الشيعة، وإلاّ فإن الباغي بالمعنى العقائدي قد تترتب عليه الأحكام بعناوين أخرى كقطع الطريق والمحاربة... ثالثاً: إنّ الإمامة واجبة عند متكلمي المسلمين عامة إلاّ ما حُكي عن أبي بكر الأصم من قدماء المعتزلة بأنها غير واجبة إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم، وهذا لا يتحقق فيرجع إلى موافقة الأمة في الوجوب(9)؛ نعم إذا لم نقل بكفر الخوارج فإن أكثرهم يوافقه في هذا. رابعاً: الخروج لغة هو ضد الدخول، ويستعمل بمعنى الثورة، و«الخوارج» عرفاً طائفة لزمهم هذا الإسم لخروجهم عن الناس(10)، كما في «لسان العرب». وفي «القاموس» (الخوارج) من أهل الأهواء لهم مقالة على حدة سُمّوا به لخروجهم على الناس(11)، وقد جوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلاً كما نقله عنهم الشهرستاني(12) وكفّروا الصحابة واستباحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم من عقائدهم الخبيثة إلخ».
البغي في علم الكلام‏
بعد هذه المقدمات نبدأ بالتعرف على البغي والبغاة في كتب علم الكلام أو ما ينقل عنها فنقول: عن مجمع البحرين مادة بغى: «الفئة الباغية، الخارجة عن طاعة الإمام المعصوم»(13). وعن «لسان العرب» و«القاموس المحيط» هي الخارجة عن طاعة الإمام العادل(14). وقال الشهرستاني الشافعي: «كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان»(15). وعن المعتزلة قال ابن أبي الحديد: «لا ريب أن الباغي على الإمام الحق والخارج عليه بشبهة أو بغير شبهة فاسق»(16).
وقال محمد محيي الدين عبد الحميد: الخوارج جمع خارج وهو الذي خلع طاعة الإمام الحق وأعلن عصيانه وألّب عليه(17). وبعدما عرفنا أن مفردة «الخوارج» صارت اسماً للفرقة المعروفة الخارجة عن طاعة الإمام نصل إلى نتيجة أولى هي: أن البغي والخروج على الإمام هما بمعنى واحد.
والنتيجة الثانية: أن يكون «الخارجي» باغياً بمجرد اعتقاده مذهبهم إذ انهم يرون في الإمامة ما عرفت نعم لا تترتب عليه الأحكام إلا بشروط ستعرفها لاحقاً.
والنتيجة الثالثة: أن البغي إذن بالمعنى العقائدي هو الخروج عن طاعة الإمام اجماعاً بين مذاهب المسلمين وإن اختلفوا في كيفية نصب الامام ، وبحثه موكول إلى محله. وقد حكم بعض الشيعة والسنّة بكفر الباغي وقال آخرون إنّه اسم ذم(18). واعتبره الشافعي بمثابة من اجتهد فأخطأ إذا لم يكن من أهل البدع، وكذلك قال الحنابلة(19).
وقال أبو حنيفة هم فسّاق على وجه التدين(20) بمعنى أنهم رغبوا واعتقدوا ما عملوه تدّيناً. وقال المالكية إنّهم فسقة(21).
والسبب في هذا الاختلاف أنّ الآية الكريمة: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء إلى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن اللّه يحب المقسطين) (الحجرات: 9). لم تنف صفة الإيمان عن الفئتين وقد ناقش في ذلك المرحوم صاحب «الجواهر» فقال: «قيل إنّهم استفادوا منها (الآية) أموراً خمسة أحدها: أن البغاة على الإمام عليه السلام مؤمنون لأنّ اللّه تعالى سماهم مؤمنين وهو لا يوافق أصولنا في الإمامة. ومن هنا حُمِلَ على ضرب من المجاز بناءً على الظاهر أو على ما كانوا عليه، أو على ما يعتقدونه؛ نحو قوله تعالى: (وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبيّن كأنّهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون) (الأنفال: 5 و6). المعلوم أنها في المنافقين، بل في المنتهى: «وهذه صفة المنافقين إجماعاً»(22).
الباغي في المصطلح الفقهي‏
بعد اتفاق المذاهب الأربعة على أنّ البغاة هم الخارجون على الإمام، اشترطوا توفر صفات أربع لاعتبارهم بغاة في الفقه وهي: 1 الخروج عن طاعة الحاكم العادل. 2 أن يكون الخروج من جماعة قوية ذات شوكة. 3 أن يكون لهم تأويل سائغ. 4 أن يكون لهم رئيس مطاع يكون مصدراً لقوتهم. فإذا لم تتوفر هذه الشروط فإن الخروج عندها يعتبر «محاربة» وليس «بغياً» فتترتب عليهم أحكام «الحرابة». أما عند الإمامية الإثني عشرية فلم يعتبروا شيئاً من ذلك كما ذكر الشيخ محمد حسن النجفي ولكنه قال: «نقل عن بعض أعلام الشيعة وهم الطوسي وابن إدريس وابن حمزة أنهم اعتبروا في جريان حكم البغاة: 1 كونهم في منعة وكثرة لا يمكن كفهم وتفريق جمعهم إلا بالإنفاق وتجهيز الجيوش والقتال مستدلين عليه بموقف الإمام من ابن ملجم. 2 الخروج عن قبضة الإمام منفردين عنه في بلد أو بادية. 3 اشتراط تأويل يعتقدونه»(24). وقد أشار الشيخ النجفي إلى ضعف نسبة الشرط الثالث إليهم، وقد تابع النجفي في قوله بعدم اعتبار شروط زائدة على الخروج ما قاله الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي في «اللمعة الدمشقية»: «من خرج على المعصوم من الأئمة فهو باغٍ واحداً كان أو أكثر»(25). وينبغي الإشارة هنا إلى أن الإمامة عند إخواننا السنّة قد تنعقد في هذا الزمان وبالتالي يكون الخروج على الإمام بغياً ولكن حيث إن الشيعة يعيشون زمن غيبة الإمام فهل يتحقق فيه بغيٌ أو لا؟ هذه مسألة. والثانية إن بغت فرقة من المسلمين على فرقة أخرى فهل يترتب حكم البغي أو لا؟ أما بخصوص زمن الغيبة فإن وجدت شرعية وحكومة إسلامية فقد بين الشيخ محمد صالح جعفر الظالمي(26) أنه يجوز اعتبار الخارجين عليها بغاة بالاستدلال ب‏آية الطاعة للّه وللرسول وأولي الأمر(27) كما ذكره العلامة الطباطبائي في «تفسير الميزان»(28). ونقل عن «كشف الغطاء» «أنه تجب في زمن الغيبة طاعة الفقيه ولي الأمر على المسلمين كما يجب عليهم طاعة المجتهدين في الأحكام ومن عصاه فكأنما عصى الإمام». ثم قال: إذا كان رئيس الدولة الإسلامية مجتهداً فلا ريب أن الخروج عليه وحربه حرب للإمام لأنّه نائبه العام من جهة ولتوافر النصوص في وجوب طاعته من جهة أخرى. أما في بغي فرق من المسلمين على بعضهم البعض فالمرجع في ذلك الآية 9 من سورة الحجرات. وقد اعتبر الشيخ النجفي في الجواهر(29) لفظ البغي فيها أعم «من الاصطلاح الفقهي». وكذلك العلامة الطباطبائي في الميزان(30) قال: «المعنى فإن تعدت إحدى الطائفتين على الأخرى بغير حق فقاتلوا الطائفة المتعدية حتى ترجع إلى ما أمر به اللّه وتنقاد لحكمه ويصلح بينهما بإجراء أحكام اللّه في ما تعدت به المتعدية من دم أو عرض أو مال». وعلى كل حال، فإنّ الآية ليس فيها إشارة إلى البغي بالمعنى الإصطلاحي. وكما قال الشافعي «لولا حرب علي لم ندر كيف القتال مع أهل القبلة» فإن الفقهاء استفادوا منها أحكام البغاة وليس من الآية .
نعم توجد رواية في وسائل الشيعة(31) عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه (الإمام الصادق) عليه السلام عن الطائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والأخرى عادلة فهزمت الباغية العادلة، فكان جواب الإمام فيها بحكم أهل البغي، والتفريق بين ذي الفئة وغيره.. ورواية أخرى(32): أنه ذكرت الحرورية عند علي عليه السلام فقال: إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم. ولكن هل يختص الحكم بهم (الحرورية) أو أن المورد لا يخصص الوارد؟ وإنما أوردت الروايتين لأنني لم أجد رأياً فقهياً مدوّناً عند الشيعة في ذلك. وأما عند السنّة، فإن السيد سابق اعتبر أن الطائفة المذكورة في الآية تأخذ حكم البغاة(33) وكذلك لو اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة كان كل من الطائفتين باغياً ويأخذ حكم الباغي(34).
بقيت ملاحظة أن لفظ «أهل العدل» الذي سيرد في الأحكام يقابل «أهل البغي».
حكم ما لو اعتقد عقيدة البغاة من دون خروج على الإمام:‏
الآن، وبعد أن عرفنا مَنِ البغاة. ماذا يجب على إمام المسلمين تجاههم؟ وما هي الأحكام التي تتعلق بهم وبمقاتليهم من أهل العدل، هذا ما سنتناوله في القسم الثاني من البحث فنقول أولاً: إن الأحكام تتناول البغاة بعد خروجهم وتلبسهم بالبغي فعلاً. أما اعتناق مذهب «الخوارج» بحد ذاته فهو خروج على الإمام لكن لو اكتفى بالتعبد والاعتقاد بهذا المذهب دون أن يخرج بالسلاح فما هو الحكم؟ قال الشافعية: لو أظهر رأي الخوارج بين المسلمين، يترك إذا لم يخرج عن طاعة الإمام ولم يقاتل أحداً(35). وقال الحنابلة: يُعزّر ويترك(36). وقالت الأحناف والمالكية: إن حكم الخوارج كحكم البغاة إن لم يعزموا على الخروج وتكلموا به فقط فليس للإمام أن يتعرض لهم(37). وعند الشيعة: قال الشيخ النجفي بتركهم مستنداً إلى «أن حكم البغاة لم يعلم إلاّ من فعل علي عليه السلام» وحكي عن الشيخ الطوسي وابن حمزة وابن إدريس اعتمادهم على قول علي عليه السلام للخارجي الذي قال: «لا حكم إلاّ للّه»: «كلمة حق أريد بها باطل،لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا اسم اللّه فيها. ولا نمنعكم الفي‏ء ما دامت أيديكم معنا ولا نبدأكم بقتال». وقوله عليه السلام: «لا تقاتلوا الخوارج بعدي»(38). وأما لو خرج البغاة بالسلاح فإن الفقه عالج كل التفاصيل الممكنة من خلال أحكام متعددة، أورد منها ما استطعت الحصول على أحكام للمذاهب الخمسة بخصوصه على أمل أن أكمل البحث من خلال تتبعي للمسائل الباقية إن شاء اللّه.
القسم الثاني:أحكام متفرقة للبغاة
ونبدأ بعرض المسائل‏

1 - لو سبّ الباغي الإمام:
الشافعي حكم بوجوب تعزير فاعله، وبه قال جميع الفقهاء(1) من السنّة، وللحنابلة فيما لو كان السبّ بالتعريض قولان(2). وأما عند الإمامية فقال الشيخ الطوسي: «من سب الإمام العادل وجب قتله»(3). وقال الشيخ محمد حسن النجفي «بلا خلاف أجده فيه»(4).
2 - في موقف الإمام من البغاة عند أول خروجهم: إذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة الإمام: «اتفقت المذاهب الأربعة على عدم جواز بدء الإمام لهم بالقتال حتى يبدؤوه، لأنّه لا يجوز قتل المسلم إلاّ دفعاً أي في حالة الدفاع ونقل عن بعض الحنفية جواز ذلك إذا تعسكروا واجتمعوا»(5). وقال الحنفية: «يستحب للإمام أن يدعو الخارجين إلى العود إلى الجماعة، ويكشف عن شبهتهم التي أوجبت خروجهم وليس ذلك بواجب لأنهم كمن بلغتهم الدعوة الإسلامية لا تجب دعوتهم ثانياً»(6). وقال المالكية: «يجب على الإمام أن ينذر البغاة ويدعوهم إلى طاعته»(7). الشافعية والحنابلة قالوا: «لا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أميناً فطناً ناصحاً يسألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها، فإن أصروا نصحهم وخوفهم سوء العاقبة، ثم يُعْلِمُهم بالقتال»(8). ومن الشيعة قال الشيخ محمد حسن النجفي: «الظاهر عدم الخلاف (عند الشيعة) بل ولا اشكال في اعتبار إرشادهم (البغاة) قبل القتل وذكر ما يزيح عنهم الشبهة كما فعله أمير المؤمنين (ع) في حربهم، بنفسه وبرسله.. ولم يكتف بذلك حتى بدأوه بالحرب ففعل بهم ما فعل»(9).
3 - ماذا يجب على المسلمين من أهل العدل عند استنفار الإمام لهم لقتال البغاة؟ قال الحنابلة «بوجوب معونة المسلمين لإمامهم في دفع البغاة بأسهل ما يندفعون به»(10). ونقل الجزيري: اتفاق الأئمة الأربعة على «أن الإمام الكامل تجب طاعته في كل ما يأمر به ما لم يكن معصية(11). ثم إن «الإجماع منعقد على جواز قتال البغاة من غير مخالف»(12). ومن الشيعة حكى الشيخ محمد حسن النجفي قول صاحب الشرايع (يجب قتال من خرج على إمام عادل) وأضاف (بالسيف ونحوه إذا ندب الإمام (ع) عموماً أو خصوصاً أو من نصبه الإمام لذلك) وذكر رحمه اللّه أن «الإجماع(13) بقسميه عليه(14) (الوجوب)». ثم قال «وكيف كان فقتال البغاة كقتال المشركين في الوجوب وكفائيته وكون تركه كبيرة وإن الفرار منه كالفرار منه بلا خلاف أجده في شي‏ء من ذلك».
4 - كيفية القتال مع البغاة وهل يجوز قتالهم بما يعم ضرره كالنار والسم والسيل؟ حكى المقدسي عن الحنابلة والشافعية إنّه: «لا يقاتل البغاة بما يعم اتلافه كالنار والمنجنيق والتغريق بالماء من غير ضرورة. لأنّه لا يجوز قتل من لا يقاتل». وعن أبي حنيفة قال: «إذا تحصن الخوارج فاحتاج الإمام إلى رميهم بالمنجنيق فعل ذلك بهم ما كان لهم عسكر». وعند مالك: «لا تحرق مساكنهم ولا يقطع شجرهم ولا تقطع الميرة والماء عنهم إذا كان فيهم نسوة وذرية». وعند الشيعة قال الشهيد الثاني إنّ قتالهم كقتال الكفار فيكون الحكم بكراهية قتالهم بمثل ارسال الماء عليهم ومنعه عنهم وإرسال النار والقاء السم»(15).
5 - هل يجوز للإمام الاستعانة على البغاة بأهل الذمة والكفار أو من يختلف معه في حكم قتالهم؟ قال الشافعية: لا يستعان عليهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مدبرين(16). وقال الحنابلة كذلك إلاّ للضرورة(17). وقال المالكية لا يستعان عليهم بمشرك(18) وكذلك عند الحنفية(19). وأما عند الشيعة فقال الشيخ الطوسي: «يجوز للإمام أن يستعين بأهل الذمة على قتالهم»(20). وقال النجفي بلا خلاف أجده فيه(21).
6 - ما هو حكم المقتول من أهل العدل في حرب البغاة لجهة التغسيل والتكفين وصلاة الميت؟ قال الأحناف: «قتلانا شهداء فيصنع بهم ما يصنع بهم»(22). وقال الحنابلة: «إن قُتِلَ الدافع (المدافع من أهل العدل) كان شهيداً»(23). ونقل المقدسي بخصوص الغسل والصلاة عليه روايتان إحداهما أنه لا يغسل ولا يصلى عليه والثانية يغسل ويصلى عليه(24). وعند الشافعية قولان: «لا يصلى عليه والثاني يغسل ويصلى عليه»(25). وعند المالكية لا يغسل ويصلى عليه كما حكاه عنهم الطوسي(26). وعند الشيعة قال الشيخ النجفي: المقتول مع (الإمام) العادل شهيد لا يغسل ولا يكفن بل يصلّى عليه بلا خلاف أجده فيه(27).
7 - حكم المقتول من أهل البغي: قال الشافعي إذا قتل غسّل وكفن وصليّ عليه(28). وكذلك قال الحنابلة(29) والمالكية(30). وقال أبو حنيفة يغسل ولا يصلى عليه(31). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي «الباغي إذا قتل غسل وصليّ عليه»(32). هذا إذا لم يكن الباغي من معتنقي مذهب الخوارج فإن مذهب مالك إنه لا يصلّى على الأباضية ولا القدرية وسائر أصحاب الأهواء(33). وقال المقدسي إنّ كلام أحمد أنه لا يصلى على الخوارج. أما الحنابلة فلم يفرقوا بين الخوارج وغيرهم(34) وذكر المقدسي أنه مذهب الشافعي(35) وكذلك قال الأحناف أنهم ليسوا بكفار(36). أما الشيعة فحكموا بأنهم كفار كما في كتاب الطهارة للنجفي من جواهر الكلام. وفي باب الصلاة على الأموات قال لا يصلى على الخوارج والغلاة.
8 - حكم المقاتل من أهل الذمة الذي يعين أهل البغي على الإمام: فرّق الفقهاء بين أن يكون الذمي هذا منطلقاً من شبهة، أو أن يكون عالماً بأنّه خروج وبغي، أو أن يكون مكرهاً على معاونتهم. فقال الشافعية: «إن كان لشبهة لم يخرجوا عن الذمة، وإن كانوا عالمين بعدم جواز ذلك ففيه قولان»(37). وقال الأحناف: لو أعان أهل الذمة أهل البغي فإنّهم يسبون ويقتلون لأنّهم نقضوا العهد وكذلك قال الحنابلة وهم «يقبلون قول الذمي لو ادعى أنه أكره على القتال(38). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي أنهم يخرجون بذلك من الذمة على كل حال وذكر الشيخ النجفي أن «إجماع الشيعة عليه» ونقل عن «التذكرة» و«المنتهى» أن لو كان لشبهة لم يخرجوا عن الذمة»(39).
9 - لو طلب أهل البغي الهدنة: قال الشافعية «إذا كان الإمهال للتأمل في إزالة الشبهة، أمهلهم (الإمام) ليتضح لهم الحق، وإن ظهر أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم لم يمهلهم»(40). وقال الحنابلة: «ينظرهم إلا أن يخاف كيدهم فإنّ له إن شاء القتال والاستمرار فيه(41). وقال الأحناف: «أجيبوا إن كان خيراً للمسلمين وإلاّ فلا»(42). وعند الشيعة قال الشهيد الثاني زين الدين بن علي الجبعي العاملي «المهادنة جائزة مع المصلحة للمسلمين»(43).
10 - إذا حصلت الغلبة للإمام فإنّ البغاة إمّا أن يولّوا هاربين أو أن يبقوا في أرض المعركة فما حكم الأخير؟ قال الحنفية والمالكية والحنابلة لا يقتلون إذا ألقوا سلاحهم لحديث ابن شيبة عن علي «ومن ألقى سلاحه فهو آمن»(44). وكذلك قول الشافعية. وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي، لو ألقى سلاحه لا يقتل(45) وكذلك لو قعدوا أو رجعوا إلى الطاعة.
11 - لو أدبر الباغي بمعنى أنّه فرّ من القتال مولياً ظهره لأهل العدل: فصّل بعض المذاهب بين أن يكون إدباره وفراره إلى فئة أو لا إلى فئة، والمراد من الفئة الجماعة القادرة المنظمة بحيث يلتحق بها ليعود معهم إلى القتال، وقد بيّن ذلك الإمام أبو الحسن الثالث (الإمام الهادي عليه السلام) عند ذكر أهل صفين: «كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة، وإمام (معاوية) يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء ويهيى‏ء لهم المنازل ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم»(46). وبعد معرفة ذلك يتضح المراد من لفظ الفئة الذي سيرد في أحكام المدبر. قالت المالكية: «لا يُتبع منهزمهم إن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم وإلاّ اتبع منهزمهم جوازاً»(47). وقالت الحنفية: إن كانت لهم فئة اتبع موليهم، وإن لم يكن لهم فئة لم يتبع لاندفاع الشر بدون ذلك وهو المطلوب(48). أما الشافعية والحنابلة فقالوا لا يجوز الاتباع للمولي في حالتي الفئة وعدمها لأن القتال إذا تركوه بالتولية، لم يبق قتلهم دفعاً(49). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي: إذا ولّى أهل البغي إلى غير الفئة حرم قتالهم وإن ولّوا منهزمين إلى فئة لهم جاز أن يتبعوا ويقتلوا(50). وقال الشيخ النجفي «بلا خلاف»(51).
12 - حكم الجريح من البغاة: قال الشافعية والحنابلة: لا يجوز الإجهاز على الجريح في حالتي الفئة وعدمها(52). وقال الحنفية: إن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم وإلاّ فلا(53). وقال المالكية إن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم لا يجهز على جريحهم فإن لم يُؤْمَنوا أجهز على جريحهم جوازاً(54). وعند الشيعة قال الحلي في الشرايع (من كان من أهل البغي لهم فئة يرجع إليها جاز الاجهاز على جريحهم... ومن لم يكن لهم فئة فالقصد بمحاربتهم تفريق كلمتهم... فلا يجهز على جريحهم). وعلّق الشيخ النجفي عليه بقوله: (بلا خلاف)(55).
13 - حكم الأسير من البغاة: قال الحنفية والمالكية: للإمام الخيار في الأسير فيحكم نظره فيما هو أحسن الأمرين في كسر الشوكة من قتله وحبسه. وقالوا الحبس حتى يتوب أهل البغي ثم يستتاب هو(56). وقال الشافعية: لا يقتل الأسير ويحبس وإن كان صبيّاً أو امرأة أو عبداً حتى تنقضي الحرب ويفرق جمعهم(57). وعند الحنابلة لا يقتل الأسير(58). أما عند الشيعة فذكر الشيخ النجفي أن الأسير إذا كان له فئة جاز أن يقتل وإلا فلا بلا خلاف(59). أما الشيخ الطوسي فقال يحبس ولا يقتل لفعل علي (ع)(60).
14 - حكم المرأة من أهل البغي: إذا أسرت المرأة في القتال فإنّها عند الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية تحبس للمعصية ولمنعها من الشّر والفتنة ولا تقتل إلاّ في حال مقاتلتها دفعاً عن النفس(61). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي عن الأسير مطلقاً كما مر معنا في المقاتلة يحبس ولا يقتل(62) وفي اللمعة أن المرأة لا تقتل إلاّ للضرورة كما سيأتي.
15 - حكم المرأة غير المقاتلة والصبيان والعبيد غير المقاتلين: قال الشافعية لا تحبس المرأة ولا العبيد والصبيان(63). وقال الحنابلة فيهم قولان يخلى سبيلهم ولا(64). وعند الأحناف لا يقتلون(65). وعند المالكية ليس عليهم شي‏ء (277 جواهر الأكليل ج‏2). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي لا تحبس وكذلك الصبيان والزمنى(66). وقال في اللمعة لا يجوز قتل الصبيان والمجانين والنساء إلاّ مع الضرورة(67).
16 - هل يجوز سبي ذرية البغاة؟ الحنفية والمالكية قالوا لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لأنّهم مسلمون(68). وقال الحنابلة لا تسبى لهم ذرية(69). وقال المقدسي: ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً(70) ومنه يعلم موقف الشافعية. وعند الشيعة قال الشيخ النجفي: لا يجوز سبي ذراري البغاة وأن تولدوا بعد البغي اجماعاً(71).
17 - حكم أموال أهل البغي ودوابهم: الحنفية والمالكية قالوا لا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها (الحرب) لأنّهم مسلمون والإسلام يعصم النّفس والمال(72). وقال الحنفية يحبس الإمام أموال البغاة فلا يردّها عليهم ولا يقسمها حتّى يتوبوا فيردّها عليهم(73). وعن الكراع وهي الدواب قال الحنفية يبيعها لأنّ حبس الثمن انظر وأيسر(74). قال الحنابلة لا يغنم لهم مال(75). وقال المقدسي: ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم(76). وقال الشافعية يحرم استعمال شي‏ء من سلاحهم وخيلهم وغيرها من أموالهم إلاّ لضرورة(77). وقالوا لا يقسم لهم مال(78). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي ما يحويه عسكر البغاة (معسكرهم) يجوز أخذه والانتفاع به ويكون غنيمة يقسم في المقاتلة، وما لم يحوه العسكر لا يتعرض له(79). وقال الشيخ النجفي عن «ما لم يحوه العسكر» إنه محل إجماع الشيعة(80) وأما ما حواه العسكر مما ينقل ويحول فهو محل خلاف عندنا(81). واستقرب منع القسمة العلاّمة الحلي(82). وكذلك الشهيد(83).
18 - حكم سلاح أهل البغي: قال الحنفية والمالكية لا بأس بأن يقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه(84). وقال الشافعية إذا انقضت الحرب يجب على الإمام أن يرد إلى البغاة سلاحهم ويحرم استعمالها إلاّ لضرورة لعموم «لا يحل مال امري‏ء مسلم إلا بطيب نفس منه»(85). وكذلك قال الحنابلة: وعند الشيعة الحكم هو نفسه في المسألة 17.
19 - حكم الحقوق الشرعية من خمس وزكاة وجزية الخ. مما هو للإمام وأخذها أهل البغي: قال الحنفية والشافعية ما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام منهم ثانياً «لأنّه لم يحمهم»(87). وقال الحنابلة والمالكية ما أخذ البغاة حال امتناعهم من زكاة أو جزية أو خراج لم يعد عليهم ولا على الدافع إليهم(88). وفرّق الشيعة بين الزكاة والخمس، ففي الأخير قال صاحب العروة الوثقى لا يسقط إلاّ بإيصاله إلى الحاكم أو المستحق.
20 - لو ظهر المسلمون على أهل البغي وكان قاضي هؤلاء قد حكم في موارد: قال الشافعي: إن كان القاضي ممن يعتقد إباحة أموال أهل العدل ودمائهم لم ينعقد له قضاء ولم ينفذ ما حكم به، وإلاّ نفذت قضاياه سواء كان من أهل العدل أو من أهل البغي(89). وقال الأحناف: ينفذ حكم قاضيهم إذا وافق مذهب أهل العدل وكذا ما قضي برأي مجتهد(90). قال أبو حنيفة إن كان القاضي من أهل العدل وإلاّ لم ينفذ له قضاء ولا تنعقد له ولاية(91) وهو ما ذكره المقدسي عنهم لأنّ الباغي فاسق عندهم والفسق ينافي القضاء(92). وقال الحنابلة لا ينقضي من حكم حاكمهم إلاّ ما ينقضي من حكم غيره(93) إذا كان يصلح للقضاء فإنهم يرفضون حكم القاضي من الخوارج(94). قال المالكية: لا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافاً للكتاب أو السنّة أو الإجماع كما ينقض من أحكام أهل العدل والسنّة(95). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي: إذا نصب أهل البغي قاضياً لم ينفذ حكمه سواء أكان القاضي من أهل العدل أو من أهل البغي وافق حكمه الحق أو خالفه. ودليله إجماع الشيعة على أن القضاء لا يثبت إلا بتعيين إمام(96).
21 - إذا أتلف الباغي على العادل نفساً أو مالاً والحرب قائمة: قال مالك كان عليه رد المال لو وُجِدَ بعينه والقود في النفس(97). وللشافعي قولان في المال يضمن وفي القتل لا قود. وتبقى الديّة والصحيح عندهم أنّه لا قود عليه(98). وبه قال أبو حنيفة وقد فرّق في الضمان وعدمه بين أن يكون لضرورة القتال أو لغير ضرورة وقبل القتال أو بعده، وهو ما وفقّ به(99) بين القولين. وقال الحنابلة لا ضمان على أحد الفريقين في ما أتلف حال الحرب من نفس أو مال(100). وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي يضمن في المال ويقاد منه في النفس(101). وقال الشيخ النجفي بلا خلاف(102).
22 - لو أتلف العادل على الباغي: قال الحنابلة: إن آل الدفع إلى قتلهم أو تلف مالهم فلا شي‏ء على الدافع(103)، لأنّه يقتل من أحلّ اللّه قتاله وإذا كانت نفوسهم كذلك فأموالهم أولى(104). وقال الشافعية: إنّ الإتلاف لضرورة القتال ليس بإزائه ضمان وإلاّ فيضمن العادل(105). وكذلك عند الحنفية ويضمن قبل القتال وبعد الهزيمة للبغاة(106). وعن المالكية نقل الطوسي أن ليس عليه شي‏ء. وعند الشيعة: لا ضمان عليه بلا خلاف(107).
23 - حكم القاتل من أهل العدل لمورثه من أهل البغي: قال مالك وأبو حنيفة: يرثه(108). وقال الشافعي: لا يرث(109). وعند الحنابلة قولان وتفريق بين القتل المباشر أو الجرح المؤدي إليه ففي الأخير يرث(110). وعند الشيعة: قال الشيخ الطوسي يرثه، وهو الموافق لمذهبنا في الفرائض بأن القاتل يرث إذا كان مطيعاً ولا يرث من الدية إذا قتل خطأً ولا يرث إذا كان عاصياً(111).
24 - لو قتل الباغي العادل وهو وارثه: قال الشافعي: لا يرثه(112). وقال أبو حنيفة: يرثه لأنّه قتله بتأويل سائغ(113). الحنابلة قالوا: إنّه قتل بغير حق فلا يرث(114). وكذلك المالكية قالوا: لا يرثه. وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي: لا يرث لأنّه قتل بغير حق(115).
25 - إذا شهد (عدل) من أهل البغي: قال الشافعي: لا ترد شهادته إذا بقي على عدالته(116). وقال أبو حنيفة كذلك(117). قال المقدسي من الحنابلة: إنّ شهادتهم تقبل ولا يعرف في قبول شهادتهم خلاف(118)، فيكون حكم المالكية كذلك. وعند الشيعة قال الشيخ الطوسي: تُردّ شهادته ولا تقبل(119). ولو كان الشاهد من «الخوارج» أو أهل البدع. فعند الحنابلة حكمهم خلاف حكم أهل البغي فلا تقبل شهادتهم. وحكى المقدسي عن أبي حنيفة أنّ شهادتهم تقبل لأنّ فسقهم من جهة التديّن(120). وقالت الشافعية: لا تقبل شهادتهم لأنّهم يستحلّون دماء المسلمين(121).
26 - إذا امتنع أهل البغي بدارهم وأتى أحدهم بما يوجب الحد فما حكمه عند ظهور أهل العدل عليهم؟ قال الشافعي ومالك: متّى ما ظهر أهل العدل عليهم يقام الحد(122). وقال أبو حنيفة: لا يقام عليهم الحد(123). وقال الحنابلة: يقام عليهم الحد(124). وعند الشيعة: قال الشيخ الطوسي: يقام الحد. وقال الشيخ النجفي: بلا خلاف أجده في ذلك بل ولا اشكال(125). وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
حواشي القسم الأول‏ (1) شرح النهج م1 ص427. (2) سورة الكهف، الآية: 64. (3) سورة الشورى، الآية: 42. (4) مجمع البحرين ج1-ص‏55 . (5) سورة ص، الآية: 22. (6) مفردات الراغب 53. (7) لسان العرب مادة بغي. (8) مفردات الراغب 53. (9) شرح النهج م‏1 ص‏215. (10) لسان العرب ج‏2 ص‏251. (11) القاموس المحيط ج‏1 ص‏192. (12) المل والنحل ج‏1 ص‏117. (13) مجمع البحرين ج‏1 ص‏55. (14) لسان العرب والقاموس المحيط مادة بغي. (15) الملل والنحل ج‏1 ص‏114. (16) شرح النهج ج‏1 ص‏4. (17) مقالات الإسلاميين ج‏1 ص‏156. (18) حاشية ابن عابدين ج‏ 1 ص‏65، والخلاف ج‏2 ص‏426. (19) (20) المغني ج‏8 ص‏.118 117 والخلاف ج‏2 ص‏430. (21) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏418. (22) جواهر الكلام ج‏21 ص‏322. (23) فقه السنّة ج‏2 ص‏600. (24) جواهر الكلام ج‏21 ص‏331 فما بعد. (25) اللمعة الدمشقية ج‏2 ص‏407. (26) من الفقه السياسي في الإسلام ص‏44. (27) سورة النساء، الآية: 59. (28) الميزان ج‏4 ص‏415. (29) جواهر الكلام ج‏21 ص‏332. (30) الميزان ج‏8 ص‏315. (31) (32) وسائل الشيعة ج‏11 ص‏60 54. (33) (34) فقه السنّة ج‏2 ص‏603 601. (35) الفقه على المذاهب ج‏5 ص‏418. (36) عقد الفرائد: 338 2. (37) حاشية ابن عابدين:ج4 ص 261 والمغني ج8 ص 111 . (38) جواهر الكلام:ج21 ص332.
حواشي القسم الثاني‏ (1) الخلاف ج‏2 ص‏.428 المغني ج‏8 ص‏111. (2) عقد الفرائد ج‏2 ص‏338. (3) الخلاف ج‏2 ص‏428. (4) جواهر الكلام ج‏21 ص‏344. (6 5) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏420. (8 7) المصدر نفسه ص419-‏421 . (9) جواهر الكلام ج‏21 ص‏334. (10) العدة ص‏576 - 575. (12 11) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص417- ‏418 . (13) الإجماع المنقول والإجماع المحصل. (14) جواهر الكلام ج‏21 ص324-‏ 328 . (15) الروضة البهية:ج2 ص394- 407 . (19 18 17 16) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏419-422 والمغنيج8 ص110- 111 والأم ج2 228-229 وعقد الفرائدج2 ص 336 . (20) الخلاف ج‏2 ص‏429. (21) جواهر الكلام ج‏21 ص‏346). (22) حاشية ابن عابدين ج‏4 ص‏266. (23) العدة ص‏576 والمغني ج‏112 8. (24) المغني ج‏8 ص112-‏113 . (26 25) الخلاف ج‏2 ص‏430 الأم ج‏2 ص‏222. (27) جواهر الكلام ج‏21 ص‏328. (28) الخلاف ج‏2 ص‏430 والأم 222 2. (29) العدة 557 والمغني ج‏116 8. (30) المغني ج‏8 ص‏116. (32 31) الخلاف ج‏2 ص‏430 وحاشية ابن عابدين ج‏4 ص‏266. (35 34 33) المغني ج‏8 ص‏117 المدونة الكبرى ج‏2 ص‏48. (36) حاشية ابن عابدين ج‏4 ص‏262. (37) الخلاف ج‏2 ص‏429. (38) عقد الفرائد ج‏2 ص‏338-337 . (39) جواهر الكلام ج‏2 ص‏346. (40) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏422. (41) عقد الفرائد ج‏2 ص‏336. (42) ابن عابدين ج‏4 ص‏265. (43) اللمعة الدمشقية ج‏2 ص‏399. (44) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏.421 وعقد الفرائد ج‏2 ص‏.336 والكافي ج‏1 ص‏486. (45) الخلاف ج‏2 ص‏428. (46) جواهر الكلام. (49 48 47) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص419-420-421 والكافي ج‏1 ص‏.486 وابن عابدين ج‏4 ص‏265 العدة ص‏576 الأم ص.218 والمغني ج‏8 ص‏114. (50) الخلاف ج‏2 ص‏428. (51) جواهر الكلام ج‏21 ص‏328. (52-53-54) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص420-421-422‏ والأم 223 1 والمغنيج8-ص114 وابن عابدينج4 ص 265 . (55) جواهر الكلام ج‏21 ص‏328. (57 56) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص421-‏422 . (58) المغني ج‏8 ص‏114. (59) جواهر الكلام ج‏21 ص‏328. (60) الخلاف ج‏2 ص‏428. (61) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏421 ابن عابدين ج4-ص‏265 والاقناع ص‏204 والمغني ج‏8 ص‏5 والأم 219. (62) الخلاف ج‏2 ص428-‏429 . (63) الأم ج2-ص‏219 . (64) المغني ج8 ص‏115 . (65) ابن عابدين ج4 ص‏265 . (66) الخلاف ج2 ص‏429 . (67) اللمعة ج‏2 ص‏393. (68) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏421 وابن عابدين ج4 ص‏266 . (69) العدة ص‏577. (70) المغني ج8 ص‏115 . (71) جواهر الكلام ج‏21 ص‏334. (72) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏421. (73) ابن عابدين ج4ص‏266 (74) الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص‏421 . (75) العدة ص‏577. (76) المغني ج‏8 ص‏115. (77) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏421. (78) الاقناع ص‏204. (79) الخلاف ج‏2 ص‏429. (81 80) جواهر الكلام ج‏21 ص339-‏341 . (82) ايضاح الفوائد ج‏1 ص‏396. (83) اللمعة الدمشقية ج‏2 ص‏408. (85 84) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏421. (86) عقد الفرائد ج‏2 ص‏336. (87) الفقه على المذاهب الأربعة ج‏5 ص‏422 والأم ج‏ 220-2 وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج7-‏142 . (88) العدة ص‏577 578 والكافي في فقه أهل المدينة ج1-‏486 .
(89) الخلاف ج‏2ص429 , الأم ج‏2 ص‏.220- 221 الاقناع ص‏203 المغني ص‏119. (90) حاشية ابن عابدين ج‏ 4 ص‏268. (91) الخلاف ج‏2 ص‏429. (92) المغني ج‏8 ص‏120. (93) العدة ص‏578. (94) عقد الفرائد ج‏2 ص‏337. (95) الكافي في فقه أهل المدينةج1 ص 486 . (96) الخلاف ج‏2 ص‏429. (97) الكافي في فقه أهل المدينة ج1 ص‏486 . (98) الخلاف ج‏2 ص‏426 والإقناع ص‏204 والمغني ج‏8 ص113 8 (99) حاشية ابن عابدين ج4 ص‏266 المغني ج‏8 -113 الخلاف ج2 ص‏426 . (100) العدة ص‏577 المغني ص‏133. (101) الخلاف ج‏2 ص‏426. (102) جواهر الكلام ج21-ص‏347 . (103) العدة ص‏576. (104) المغني ج‏8 ص‏112. (105) الإقناع ص‏204. (106) ابن عابدين ج‏4 ص‏ 266- 267. (107) جواهر الكلام ج‏21 ص‏341. (108) الخلاف ج‏2 ص‏431-430 وابن عابدين ج4 ص‏266 والمغني ج‏8 ص 118 . (109, 110) المغني ج‏8ص 118 والأم ج 2 ص222 . (111) الخلاف ج‏2 ص‏431-430. (112) الأم ج2 ص 222 . (113) ابن عابدين ج‏4 ص‏267، المغني ج8ص ‏118 . (114) المغني ج8 ص ‏118 والكافي ج1 ‏ص486 . (115) الخلاف ج 2ص430 - 431 . (116) الأم ج 2 ص‏221 والإقناع ص‏203. (118 117) المغني ج 8 ص‏118 . (119) الخلاف ج2 ص‏430 . (120) المغني ج 8ص‏118 . (121) الإقناع ص‏203. (122) المغني ج‏8ص 120 الإقناع ص‏205 والأم ج 2ص‏218 . (123) الخلاف ص‏.432 بدائع الصنائع ج7ص‏141 . (124) المغني ج‏ 8 ص120 وعقد الفرائد ج‏2 ص‏337. (125) جواهر الكلام ج‏21 ص‏347.
المراجع والمصادر حاشية رد المحتار، ابن عابدين، دار الفكر 1979 1399. الأم، الإمام الشافعي، دار المعرفة 1973 -1393. الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، شمس الدين الشربيني، مطبعة البابي الحلبي 1940 -1359. المغني لابن قدامة المقدسي، مكتبة الرياض الحديثة بدون تاريخ. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، للشهيدين، دار العالم الإسلامي. العدة شرح العمدة، بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، (1382) الطبعة الثانية. الخلاف في الفقه، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، 1382 الطبعة الثانية. عقد الفرائد وكنز الفوائد، محمد بن عبد القوي المقدسي، 1964 الطبعة الأولى. الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، دار الفكر 1392. فقه السنّة، السيد سابق، 1397 الطبعة الثالثة. جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، الطبعة السابعة 1981. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، طبعة دار الأندلس. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي. معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، الأصفهاني، تحقيق نديم مرعشلي 1392. الفقه السياسي في الإسلام، الشيخ محمد صالح جعفر الظالمي، 1971 الطبعة الأولى. لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة قم 1405. القاموس المحيط، الفيروز آبادي، المؤسسة العربية للطباعة والنشر. الإفصاح في فقه اللغة، حسين موسى وعبد الفتاح الصعيدي، قم 1404. مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي، مؤسسة الوفاء 1983. الملل والنحل، الشهرستاني، تحقيق محمد سعيد الكيالي 1975. مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري، دار النفائس الطبعة الثانية 1985. إيضاح الفوائد في شرح القواعد، فخر المحققين الحلي، الطبعة الأولى 1387. الكافي في فقه أهل المدينة. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني الحنفي، دار الكتب العلمية. المدونة الكبرى، سحنون، دار صادر. الاختيار لتعليل المختار، عبد اللّه بن محمود الحنفي، دار المعرفة 1975. جواهر الأكليل، شرح مختصر العلامة الشيخ خليل، دار الفكر 1332.

الجمعة، ديسمبر 12، 2008

دور الأئمة والدعاة في مواكبة روح العصر

كلمة فضيلة الشيخ علي حسن خازم في ملتقى علماء بلاد الشام لنصرة قضايا الأمة - الأحد 14/4/1426هـ الموافق 22/5/2005م في مجمع الشيخ أحمد كفتارو في دمشق.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
الحديث عن دور الأئمة والدعاة في مواكبة روح العصر فرع سؤال أساسي هو هل نعيش كأمة إسلامية وكأفراد مسلمين عصرنا بكل معطياته أم أننا أو بعضنا قد انسحب إلى سالف الزمان فيما البعض الآخر يبيت حالماً بزمان قادم؟

إن القسم الإلهي في القرآن الكريم بالعصر يتبعه جواب بالحكم (إن الإنسان لفي خسر) ويستثنى منه المؤمنون العاملون للصالحات، والمتواصون بالحق وبالصبر، والقسَمَ وجوابه والاستثناء منه لا يختص كل منها بعصر دون عصر بمعنى أن المؤمن الكامل يعيش عصره عاملاً للصالحات، ويوصي إخوانه باتباع الحق وبالصبر وبالثبات على كل ما يواجهه في طريق الحق.و"بكلام عصري" أن الآية تحدثنا عن وظيفة المسلم –المشددة إذا كان داعية- تجاه عناوين ثلاثة:

1- القيم
2- الأساليب
3- الأشياء
وهذه العناوين الثلاثة هي مما يتصور أنها مورد التغير بين عصر وعصر.
أولاً, القيم:
إذا كنا كمسلمين لا نقبل ولا يقبل معنا أي سليم الطبع صحيح العقل أن يتبدل المعروف منكراً أو الفضيلة رذيلة، لأن مجموع الفضائل الخلقية لا يمكن أن تتغير قيمتها من الإيجاب إلى السلب كالصدق والعفة والأمانة، فإننا يمكن أن نتصور قابلية أن يكون الفعل الأخلاقي نسبياً بمعنى قابليته لأن يكون محموداً في مجال ومرذولاً في مجال آخر كما لو سئل معتقل عند العدو الإسرائيلي عن إخوانه المجاهدين فإن الصدق في الجواب أو التورية أو الكذب فيه فعل يقبل النسبية فلو صدق ودلَّ على إخوانه كان فعله مذموماً.
والآن كيف نتصور روح العصر في مواجهة هذه المسألة: إننا نعيش عصراً يعمل فيه على تدمير منظومة القيم الأخلاقية التي تتبناها الأديان والإنسانية من خلال الضغط المكثف على الأفعال الأخلاقية بل والأفعال المباحة لتؤثر في تبديل القيم وهو مصداق الحديث النبوي: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر فقيل لـه: أَوَ يكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم وشر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، فقيل لـه: يا رسول الله، أَوَ يكون ذلك فقال: نعم وشر من ذلك فكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً)).
فعلى المسلمين الانتباه الشديد، والتمييز بين الموارد التي يبيح فيها الشرع الانتقال من فعل موافق للشرع إلى فعل مخالف تجيزه الضرورة بالالتزام بالقاعدة القائلة " إن الضرورات تقدر بقدرها" وإلا فإن التفلت من الأحكام الشرعية سيكون عاقبة الأمر وسيضيع بالتالي مفهوم القيم الإسلامية.
ثانيا, الأساليب:
شهد التاريخ الإسلامي نموذجين في العمل الدعوي باختلاف مواردهما، فمرة تكون الأمور والأوضاع الاجتماعية والسياسية مستقرةً، فنجد حالة "طلب العلم" منتشرة ويكون العلماء كالأشجار المثمرة تؤتى ويجتنى من ثمرها. ومرة أخرى يكون على العلماء المبادرة إلى بذل العلم وبيان الأحكام الشرعية.فعندما يكون المجتمع في حالة من الضياع ماذا يكون أثر "الفتوى" بدون عمل على بيان آثار الفساد والأعمال السيئة في نفوس وأبدان واقتصاد وكرامة الناس.وعندما يكون الغالب على المجتمع الفلتان الأخلاقي ماذا يؤثر نبذ الفاسدين إلى الفاسدين والمفسدين بدلاً عن استجلاب قلوبهم وعقولهم بالرحمة والشفقة واللين ؟!.
إن هذا الع صر يشهد حضور الضلال والفساد إلى كل فرد في مجتمعنا فبأي أسلوب من الأسلوبين نأخذ؟!
ثالثاً, الأشياء:
لعل هذا العصر أكثر العصور إيجاداً للأشياء: الأدوات وجعلها في متناول الناس بحيث إنك تجد في كل الأفعال الإنسانية مجالاً للاستفادة من أشياء وأشياء وليست الخطورة كامنة في نفس الشيء أو الأداة ولكن الخطورة تكمن في الربط بين هذه الأشياء وبين القيم فالتلفزيون والراديو والكومبيوتر كسالفها من المخترعات تقبل الاستخدام في طاعة الرحمن أو في خدمة الشيطان، في قضايا تتعلق بكرامة الإنسان أو في قضايا تستخف عقله.فأين موقع الدعاة والمسلمين من هذه الأشياء؟
إن الانسحاب إلى الماضي أو الحلم بالآتي ليسا من وظائف المسلمين فضلاً عن أئمتهم ودعاتهم فإن القرآن الكريم وفي أكثر من موضعٍ ذمَّ القعود ودعا إلى العمل وكذلك بيَّن أنه ليس بالأماني تتحقق النتائج المرجوة.(يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض... )، (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به).إن العمل الصالح لـه أكثر من مصداق في عصرنا هذا بدءاً من طلب العلم والكد الجسدي إلى العمل لتحرير فلسطين وكل موقع محتل من عالمنا الإسلامي بل لتحرير الإنسان.وإن التواصي بالحق يعني التواصي بقيم الدين والإنسانية السليمة والتواصي بالصبر يكون بالتواصي بالصبر على أمور نكرهها والصبر عن أفعال واستخدام لأشياء نحبها.هذه روح المعاصرة التي نفهمها والتي ينبغي أن ندعو إليها وإلا فإننا قاعدون حالمون مهزومون مرذولون أمام الله وأمام الناس.

ألبوم الصور