|
باب مشهد رأس الإمام الحسين عليه السلام بمدينة القاهرة |
|
تربة السلطان أحمد في تركيا |
|
تربة باب الصغير - دمشق وهي أكبر مدافنها وفيها رؤوس جماعة من أهل بيت الإمام الحسين عليهم السلام وأصحابه |
تحية إلى مشايخ التُرْبَة
وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ - الرعد - الآية - 5
المشيخة
[1] في لبنان بالتعيين أو بالإرث أو بالعلم وأرفعها ما زينته التقوى
[2] , وجمع الشيخ شيوخ وأشياخ على الأصل لكن جمعها في الدلالة على رجل الدين المسلم صار مشايخ ,يقال في تراجم العلماء : "وكان من مشايخه في الحديث أو الفقه ...", وقد استعمل أيضا قولهم "من شيوخه .." . وبعض الأسر العلمية في جبل عامل معروفة بالمشيخة حتى لو صارت نادرة فيهم كمشايخ آل الحر ومروة . وفي لبنان وسورية تعرف بعض الأسر بالمشيخة الصوفية المتوارثة عرفت ذلك من أحد الوجهاء عندما سألني : " جنابك شيخ عِلِمْ أو شيخ ابن شيخ ؟ " .
ومن الجمع ما صار عَلَمًا على جماعة معيَّنة كما يقال " مشايخ التْربة " , والتُرْبَة هي الجَبَّانة والمقبرة والمدافن وتقال للقبر الواحد ويكثر هذا الاستعمال في اللغات الأعجمية الإسلامية كالتركية والفارسية والأردية لكنهم يكتبونها بالتاء المفتوحة في آخرها وبلفظونها " تُرْبَت " وقد يقولون " تُرْبِه " ويضيفون عليها اسم الشخص وغالبا ما يكون من الأئمة أو العلماء أو الأولياء , وتكتب بالتركية بالحرف اللاتيني türbe . وأصلها من تحول الميت ترابا
[3] .
أما " مشايخ التربة " فهم في لبنان جماعة من قراء القرآن الكريم في المقابر (والبيوت ) وكانوا إلى فترة قريبة يقومون بما يسمى ب "التونيسة على القبر " حيث يضربون خيمة يتناوبون فيها على تلاوة القرآن الكريم ما بين الثلاثة أيام إلى أسبوع ويهدون ثوابها إلى روح الميت , والتفاوت يرجع إلى الغنى والقدرة على القيام بأعباء العمل المالية . وقد سمعت مؤخرا بعودة هذه الظاهرة وأن في مقبرة بلدة عنقون الجنوبية خيمة حديدية نقالة لهذا الغرض .
اشتهر في لبنان أن مشايخ التربة هم من العميان الذين كان قسم منهم يتفرغ طفلا لحفظ القرآن الكريم وتلاوته , وقيل في سبب اتخاذهم واستخدامهم في هذا المجال حيث إن عملهم بالقراءة يبدأ من حين تجهيز الميت غسلا وتكفينا وتسجية في منزله قبل تشييعه إلى الجبانة
[4] , وكان هذا كله يتم في بيت الميت وحيث إن ذلك يكون في جمع النساء خصوصا بعد الغسل والتكفين حبث يجطن به , فحتى لا تكون شبهة في نظر القارئ وتصفحه وجوه النساء صارت العمدة على العميان .
عرفت عددا من هؤلاء (عميانا ومبصرين ) وحضرتهم في مناسبات متعددة واستمعت إلى بعض حكاياتهم فوجدتهم - على طبيعة مهنتهم - من أظرف خلق الله وأشدهم حبا للنكتة واللطيفة والمليحة.
وقد صاروا في نفس الوقت موردا للتلطف والممازحة وتركيب الطرائف من حولهم ومن أشهرها حكاية أن امرأة وضعت في يد أحدهم عشرة قروش ليقرأ لها عن روح ميتها فبدأ بقوله تعالى " خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ " فصرخت به " ليه يا شيخ ما هلق كنت عم تقرا سورة يس لفلانة" فأجابها " هي دفعت نصف ليرة فضة ". وقراءة سورة يس من المستحبات بعد الدفن.
ومن حكاياتهم أن شخصا سأل أحدهم " يا شيخ احترنا ! ناس بتقول امشو قدام الجنازة وناس على يمينها وناس على شمالها وناس خلفها , شو بتقول " فأجابه الشيخ " المهم ما تكون بالنص ووين ما بدك امشي " . وليس صحيحا فالتشييع يكون بالإمساك وحمل الجنازة من أحد أطرافها أو بالسير خلفها ويكره التقدم عليها .
ومن ما جرى معهم في عملهم قصص كثيرة قد يسمح وقت آخر يإيراد بعضها.
العمل قيمة في ذاته ويزداد قيمة بحاجة الناس إليه وندرة القائم به ..
"مشايخ التربة" عميانا ومبصرين حفظة القرآن الكريم والقائمين على خدمة موتى المسلمين جزاكم الله خيرا .
الشيخ علي خازم , الأربعاء، 28 آب، 2013
----------------------------------------
[1] الوصف بالشيخ , و"الشيخ" كلقب رسمي إداري عرفه اللبنانيون أيام العثمانيين ولم يبق منه إلا ما يتوارثه الأبناء وكان منه شيخ الناحية وهو بمثابة القائم مقام , ومثله شيخ الصلح وهو بمثابة الكاتب بالعدل اليوم .
ويستعمل أيضا في النظام العشائري الباقي في البقاع والشمال اللبنانيان ليطلق على من يختارونه لرئاسة العشيرة تعيينا أو إرثا.
وهو لقب رئاسيّ في بعض بلدان الخليج ( من الأسرة الحاكمة ) " سمُوّ الشَّيخ ".
أما أصل استعماله للدلالة على رجل الدين المسلم مطلقا فيرجع حسب الظاهر إلى العصر العباسي وبعدما كان يطلق على الكبير سنا لتطور علومه وخبراته نُقِل إلى صاحب العلم على افتراض أن علمه يعادل خبرة العمر حتى لو كان شابا .
نعم حولت الدولة العثمانية وصف "شيخ الإسلام" وظيفة وجعلت له وحوله مجموعة من الوظائف الإدارية في الدولة وكان في الأصل توافقا علميا على تقديم أحدهم في علوم الإسلام .
[2]يميِّز الدروز بين مشيخة العقل وهي رئاسة مذهبهم ومجلسهم المذهبي وتكون بالإنتخاب ,وبين مشايخ التقوى وهم أكابر مشايخهم ولا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة إلا نادرا وهم الذين ينالونها بالتسمية من أحد مشايخ التقوى بعد عمر مديد في عيش الزهد والعبادة كمشايخ الصوفية.
[3] شاع مؤخرا استخدام لفظ " روضة " بدلا من جبانة ولم أستسغه لأنه نقل من ما صار علما على قبر النبي صلى الله عليه وآله بقوله " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة " وجرى عليه المسلمون في تاريخهم الثقافي , ولست في ذلك من المستسلفين لكنني أرى في هذا النقل كما أرى في استخدام بعض الأوصاف لبعض الأشخاص أو لكلامهم بنقل أوصاف تتعلق بالباري عز وجل أو بالنبي وأهل بيته الكرام مبالغة غير محمودة - على أحسن التعابير - بل هي من أدوات عصور الإنحطاط العلمي .
[4] وقد قرأت في مقالة أن القائم بشؤون الميت كان يوصف ب"النصولي" في بيروت وهو اسم إحدى عائلاتها نسبة إلى عمل جدهم وأصلهم آل العمري