بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا
محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
شكر القائمين على التكريم
ودعوة لحفظ تاريخ المؤسسات ورجالها
بداية القول نفلٌ شكر القائمين على الدعوة
لتكريم أستاذنا سماحة العلاَّمة الحجة الشيخ حسن طراد العاملي وعلى اختياري للكلام
باسم تلامذته فهو تكريم لنا جميعا في الحقيقة أن نقوم بخدمته , ولست هنا لأزيدكم
معرفة به فإنكم جئتم إليه عرفانا بحقه ولكن ثمة شهادة لا يجوز لي كتمانها وقد
تشرفت بخدمته فضلا عن كوني من تلامذته بأن صرت أمينا لسر اللجنة المؤسسة لحوزتي
الرسول الأكرم والسيدة الزهراء صلوات الله عليهما , وتشرفت كذلك بأن كنت بإشرافه
مديرا لشؤونها وشؤون طلابها بعد الإذن من إدارة شؤون الحوزات الخارجية في قم بذلك
.وكان سماحته الركن الأساس في إنطلاقتهما وفي حفظهما في ما شهدتاه من محن ومتغيرات
. فكان بمثابة العلة في الحدوث والعلة في البقاء , وإن كان التكريم إعلانا بذلك
لكنه يحتاج إلى مزيد من التوثيق لجعله في متناول الباحثين والمؤرخين للمدارس
العلمية في لبنان وكم أضعنا من هذا التاريخ لقلة أو إنعدام التوثيق على أكثر من
صعيد .
مع الشيخ حسن طراد أول
معرفتي به ودراستي عليه
ترجع بداية معرفتي بسماحة الشيخ إلى حادثة جرت
لي في مسجد الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وكنا قبل هذه التسمية نعرفه بمسجد
الشيخ حسين معتوق رحمه الله, وكان المسجد من مراكز عملنا التثقيفي في لجان العمل
الإسلامي في لبنان أواخر السبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي , فقد نقل أحد
أعضاء لجنة الوقف وقتها إلى سماحته وكان في بداية عهده بإمامة المسجد وفي محاولة
لاستكشاف مواقفه واستمالته إلى جانبهم أنني أستخدم المسجد للعمل السياسي بجمعي للشباب
في درس أسبوعي وأنهم يخشون من آثار هذا العمل على المسجد ضمن الأجواء الخلافية
السائدة في المحلَّة . فطلبني بكل لطف إلى
منزله لبحث الموضوع واستقبل حينها شابا يافعا حديث العهد بالدراسة الدينية
المنتظمة ومهتما بالعمل الثقافي الإسلامي ومرتبطا بالثورة الإسلامية الإيرانية من
خلال بعض رموزها في لبنان كالحاج عباس آقا زماني والأستاذ جلال الدين فارسي
والمرحوم آية الله الشيخ الصادقي الطهراني والشهيد السعيد السيد محمد صالح
الحسيني.
كنت في محضره
وأمام شيبته وهيبته وما سمعنا عن علمه وطول إقامته النجفية حذرا من أن أكون
في مواجهة مع واحد من الفقهاء الذين قرأنا عنهم في كتاب الإمام الخميني الحكومة الإسلامية , لكن كل ذلك
تبدل حين أقبل عليَّ بحنوه الأبوي وهي صفة ملازمة لسماحته إذ إنه لايستمع إليك ولا
يحدِّثك إلا وهو مقبل بكله عليك كانه لا يرى غيرك فسألني وأجبت وسالني واجبت
فلمَّا ذكرت له أنني أعتمد في درسي هذا على كتاب الشيخ محمد صالح جعفر الظالمي
"من الفقه السياسي في الاسلام" الصادر قبل سنتين تبسَّم وحدَّثني عن
الكاتب وعن الكتاب وأجاز لنا الإستمرار في حلقتنا تلك ونصحنا بالرفق مع اللجنة
المذكورة.
ثمَّ لمَّا قررت إستئناف الدراسة في لبنان بسبب
تطور مرض زوجتي رحمها الله والذي منعني من إستكمالها في قم لصعوبة المتابعة الصحية
أيامها زرت سماحته بعد عودتي منها في محاولة أخيرة , وكان بصدد الشروع بالتدريس في
بيته وكانت البداية مع مجموعة من الزملاء على يديه واتسعت الحلقة من ستة إلى تسعة
إلى ما شاء الله لها أن تستوعب.
بالرجوع إلى مادونته على الكتب
التي درستها على سماحته وبمعادلة بعضها بين الهجري واالميلادي سجلت ما يلي:
13 محرم 1403 – 30 تشرين الأول 1982 - شرع في تدريسنا الحلقة الثانية من دروس في علم
الأصول للشهيد السيد محمد باقر الصدر وكنا ندرس الفقه عند اساتذة آخرين.إلى ان شرع
في تدريسنا كتاب فقه الإمام جعفر الصادق للمرحوم الشيخ محمد جواد مغنية في الثامن
والعشرين من محرم سنة 1404 - 3 تشرين الثاني
1983
بعد الفراغ من الحلقة الثانية من دروس في علم
الأصول للشهيد السيد محمد باقر الصدر في 3 جمادى الثانية 1403 / 17 – 3 – 1983
انتقلنا مع سماحته إلى دراسة كفاية الأصول الجزء الأول واستمر في تدريسنا فقه
الإمام جعفر الصادق.
وبنقله محل الدرس من منزله إلى المبنى الأول
لحوزة الرسول الأكرم في الغبيري حي آل الخنسا شرع أيضا بتدريسنا كتاب بداية الحكمة
للمرحوم العلاَمة الطباطبائي .
في 26 جمادى الثانية 1405 - 18 آذار 1985 وبعد
الإنتهاء من الجزء الأول من الكفاية انتقلنا مع سماحته لدراسة الجزء الأول من
الحلقة الثالثة من دروس الشهيد السيد محمد باقر الصدر واستكمال فقه الإمام جعفر
الصادق.
في 18
صفر 1407 - 22 تشرين الأول 1986 شرع سماحته في تدريسنا رسائل الشيخ
الأنصاري . وفي 15 ذو القعدة 1406- 21
تموز 1986 شرع في تدريسنا كتاب المكاسب له
أيضا مقترحا الإستفادة من كتاب المرحوم
العلاَّمة الحُجَّة السيد عبد المحسن فضل الله بغية الطالب في شرح المكاسب وكان
نشره لم يكتمل فلما انتهينا منه عاد سماحته إلى المتن المشهور.
وبعدها انتقل سماحته الى تدريس البحث الخارج
فقها وأصولا في مبنى الحوزة نفسه إلى أن قررت الإدارة تغيير منهجية التدريس
فاستكمل التدريس في بيته .
التلمذة على الشيخ وصناعة
مفاصل لحياة علمية وعملية
تهيبت الكلام عن سماحته وبمحضره خصوصا لسببين أولهما
ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله لمن اثنى على رجل عنده : "ويلك قطعت
عنق أخيك - ثلاثا - من كان منكم مادحا لا محالة فليقل احسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي
على الله أحدا".وقد قدَّمت أنني في معرض الشهادة فلا يجوز لي الإمتناع منها ولا
كتمانها وإن تضمنت مدحا أحسبه أهلا لأكثر منه.
والثاني معرفتي بتأثير سماحته الذي يتسع عن الإحاطة
به في صناعة مفاصل محكمة في حركة الأمة :علماء وشهداء وعلماء شهداء وطلبة شهداء , فمن
المرجع الشهيد آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره الذي قرأ عليه الفقه
إلى الإستشهادي تلميذ حوزة الرسول الأكرم الذي حضر دروسه الأخلاقية الشيخ أسعد برو
والذي أحرجني عندما استدعيته للتنبيه على غيابه المتكرر بقوله غدا تفرح مني وتعذرني
. إلى الأحياء من العلماء أطال الله بقاءه وبقاءهم جميعا أئمة مساجد ومدرسين وقضاة
ومسؤولين في جهات متعددة .
التعليم ومنهجية الشيخ وتدريسه
وأخلاقه
في درسه لا يمكنك الفصل بين علمه وحاقظته النادرة
وقراءاته الواسعة وأخلاقه .كان يبين لنا المطلب إعرابا ولغة وربطا بمطالب أخرى وثمارا
علمية وعملية ويستدل لها من ذاكرته بما يشبه الماسحة الضوئية اليوم لصفحات الكتب جزءا
ورقم صفحة وجهة يمنى اويسرى من مكتبة ضخمة قال مرة أنها عندما فقدت تنظيمها بسبب الإنتقال
صار من الأسهل له أن يشتري نسخة جديدة من أن يفتش فيها عن الكتاب الذي يريده.
ثم تتجلى أخلاقه بعرفان حق أساتذته ومشايخهم بتوجيه
أقوالهم وتصحيح متونهم لغة ومضمونا وطباعة كما فعل خصوصا في أثناء تدريسنا الحلقتين
الثانية والثالثة من دروس السيد الشهيد الصدر في أصول الفقه.
أما في تلطفه مع طلابه فأذكر له خصالا منها : أنه
كان يبدي لنا إحتراما كما لو أننا ما نريد أن نكون حتى لو كان أحدنا أقل مما ينبغي
له أن يكون,وكان إذا تأخر أحدنا عن الدرس يعتذر منا ويوجز له ما تقدم ثقة منه بأن التأخر
ليس إهمالا , وكان إذا لاحظ في سؤال أحدنا عجزا عن الفهم أفهمه الأصل وأجابه دون أذيته
فيما يتحرَّق بعضنا من إضاعة الوقت , ولما لاحظ أن أحدنا صار عبئا علينا طلب مني تسوية
الأمر معه بتهذيب ولطف يحفظان كرامته.
لقد جاهد سماحة الشيخ نفسه فاستكمل إنسانيتها
واستحق أن يكون ممن دعانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :للقعود عنده من العلماء بقوله :" لا تقعدوا إلا إلى
عالم يدعوكم من ثلاث إلى ثلاث : من الكبر إلى التواضع ، ومن المداهنة إلى المناصحة
، ومن الجهل إلى العلم ", وفي قوله: "لا تجلسوا عند كل عالم الا عالم
يدعوكم من الخمس إلى الخمس ، من الشك إلى اليقين ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن
الرياء إلى الإخلاص ، ومن العداوة إلى النصيحة ، ومن الرغبة إلى الزهد" .
عاملية الشيخ
عرفت النجف الأشرف طلبة عامليين ولدوا لأسر علمية
مقيمة هناك لكن سماحته كان من أوائل العامليين الراحلين إلى النجف طلبا للعلم وهو بذلك
مؤسس لعائلة علمية كان منها أخوه المرحوم سماحة الشيخ محمد علي الذي وإن كان أكبرمنه
سنا لكنه ارتحل إليها بعده ومنها ابن أخيه سماحة الشيخ أحمد وسماحة الشيخ مصطفى وأبناؤهم جميعا وفقهم الله ونفع بهم.
ومما يلاحظ في حياة سماحته أنه رغم إمتداد إقامته
النجفية فإنه لم يعدل في كلامه عن اللهجة العاملية ولم تشبها إلا شائبة الفصحى.
وأحسب أن لعاملية الشهيد الصدر والمرحومين الشيخ
محمد جواد مغنية والسيد عبد المحسن فضل الله نوع دخالة على تميزهم العلمي في اختياره
كتبهم للتدريس.
ختاما
لقد أوفيت يا مولانا
بحقنا فكنت كاملا في تطبيق وصية الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق[1]
فجزاك الله عنا خير جزاء المحسنين , ولقد صنعت منا رجالا شرفوا بكرامة العلم وعَزًوا
بغير نسب وفخروا حيث لا حسب .
فلا والله ما خالفت
فينا وصيته فاستحققت البسطة في العلم وبهاء الطلة وتعلق القلوب بك.
أما نحن فحكمنا إليك إن كنا التزمنا بوصيته عليه
السلام[2]
.
مولاي!
بين "الحق"
و"الحكم" جُعِلْتُ "الرهن" في "الحبس"
أخذوا
"المكاسب" أما أنا فمدفوع إلى "الرسائل"
ويقولون في عشر دقائق
"كفاية"
مولاي !
دفعٌ إلى
"السطح" بدون "العروة الوثقى" وهل من "خارجٍ" بلا "مفتاح"؟
مولاي!
"مفتاح كرامتي"
كنت وأنت لي في "كشف الدجى" "المصباح"
مولاي!
عودٌ إلى الحق تحكمني
دقائقه وليس في العشر يرجى طيِّب النشر
هذي الشهادة باسمي وباسم
أكثرنا
كنا إليك كما موسى لم نستطع صبرا
لكن تكلفناه كيما نُعلَّم
مما عُلِِِّمته خُبْرا
فكنت أباً بل أحنى وكنت
لكلنا خضرا
مولاي! ما علمتنا الشعر
وكان لنا أن نبتغيه
فبغير شعرٍ كيف لنا وصفٌ
لصفوٍ أو لكأسٍ أترعتناه هنا
لكنني دبَّجتها وفق
الفؤاد فنبضه إمَّا جسست ذاكرٌ حسنا
والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
بيروت في11 جمادى الثانية
1433 الموافق3أيَّار 2012
الشيخ علي حسن خازم
أمين سر مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين
[1] - "وأما حق رعيتك بالعلم فان تعلم أن الله عز
وجل إنما جعلك قيما لهم فيما آتيك من العلم ، وفتح لك من خزائنه فإن أحسنت في
تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس
علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله عز وجل أن يسلبك العلم
وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك ".
[2] - "
وحق سائسك بالتعلم ، التعظيم له ، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه
والاقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو
الذي يجيب ، ولا تحدت في مجلسه أحدا ، ولا تغتاب عنده أحدا ، وأن تدفع عنه إذا ذكر
عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ، ولا تجالس عدوه ، ولا تعادي له وليا ،
فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله عز وجل لا للناس
".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق