الشعائر
الحسينية والحسينيات: الخلط بين الإحياء والعَمَارة
العِمارَة
والعَمَارة القيام في المكان والمكان نفسه.
تُتداول
على وسائل التواصل الإجتماعي وغيرها منشورات تتضمن تأريخاً لإحياء الشعائر
الحسينية وعن أي البلاد أسبق في البناء للحسينيات، وهو موضوع هامّ من جهة ما تمثله
الشعائر الحسينية في تشكيل المجتمعات الشيعية تاريخيا، وهو موضوع بحثيّ شائك لندرة
مصادره من جهة أخرى، لكنّ مقاربته تبقى ممكنة مع المحافظة على الفهم السليم للنصوص
المدّعاة أساساً للحكم.
وقد وجدت أن أكثر هذه المنشورات قام بالخلط بين
تاريخ إحياء الشعائر الحسينية وتاريخ عمارة "الحسينيات"، بل إنّ أحدهم[1] قد
شطح بعيدا على اليوتيوب في تاريخها بناء على تعريفه للحسينية بأنّها "أيّ
مكان يقام فيه البكاء والعزاء وتعظيم شعيرة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه
عليه" ليكون:" .. أوّل من أسس الحسينية ووضع اللبنات الأولى للحسينية هو
رسول الله صلى الله عليه وآله"، ولم يكتف بهذا بل إنّه نسبه إلى
"العلاّمة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة 30 من مصنّفه إقناع اللائم"
ثم ذَكَر نصّ العلاّمة الأمين على "أوّل مأتم أقيم".!!!
وهذه
المنشورات على أنواع:
- فمن هذه المنشورات ما تحدث عن "الحسينية" في الأندلس (اسبانيا) لكن
عند التدقيق في مضمونها يتبين أنها شعائر، كما في المنقول عن الدكتور عبد اللطيف
السعداني[2] في
ما نقله عن مخطوطة "إعلام الأعلام في من بويع بالخلافة قبل الاحتلام"
للسان الدين ابن الخطيب المتوفى سنة 776هـ = 1374م.
-
ومنها ما تحدث عن "الحسينية" و"الحسينيات" كأماكن للإحياء في
بغداد وحلب والقاهرة في القرن العاشر (الرابع الهجري) كما نقلت د.صابرينا
ميرفان[3] عن البروفيسور
محمود أيوب لكننا بالرجوع إلى نصّه في كتابه نجده قد أطلق القول عن وجودها في
نهاية القرن الثالث بلا دليلٍ على ما ذهب اليه.
-
ومنها ما تحدّث به بعض الباحثين[4] عن
بناء "الحسينية" في القاهرة أيام الفاطميين نقلا عن سيد
امير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي الذي لم بزد
أن قال فيه: " وكان من أهم عمائر القاهرة في عهد الفاطميين
"الحسينية" وهو بناء فسيح الأرجاء تقام فيه ذكرى مقتل
"الحسين" في موقعة كربلاء" وليس فيه أيّ إحالة لمصادره، وبالرجوع
الى كتابات المقريزي وغيره تبيّن أنها منطقة خلاء كانت مصلّى للعيد أقام الفاطميون
فيها شعائر حسينية وليست مبنى، وتحولت بعد ذلك الى حي سكني ما زال قائما ومعروفا
بالاسم نفسه. زد على هذا أنه لم ينقل أحد من مؤرخي الحوادث المصرية عن الإحياء في
"حسينية" بل كل المروي عنه أنّه كان يتمّ في المساجد ومقامات أهل البيت والساحات
والشوارع في القاهرة.
-
ومنها ما تحدث عن وجود حسينيات في كسروان – لبنان، بناء على ضرورة أن الشيعة كانوا
فيها فلا بد وأنهم كان لهم "مساجدهم وحسينياتهم"، وهذا القول مبني على
خبر مفاده وجود ما يدل على حرصهم على الاحتفاظ بكتبهم مستدلا بكلام للشيخ جعفر
المهاجر الذي لم يقل بذلك وإنما تحدّث عن مغارة في كسروان في كتابه شيعة لبنان والمنطلق الحقيقي لتاريخه، نعم الخبر يدلّ على
التزامهم الديني وإحيائهم الشعائر، وهو كما قلت في المقدمة ملازم للاجتماع الشيعي
لكنه لا يرقى لاثبات بناء باسم "حسينية"[5]
الرأي
الراجح حتى الآن هو ما ذكره المرحوم العلاّمة السيّد محسن الأمين قدّس سرّه الشريف
في كتابه خطط جبل عامل :" حسينيات جبل عامل - جمع حسينيه - وهي بمثابة تكية منسوبة
الى الامام الحسين (ع) السبط الشهيد لأنها تبنى لاقامة عزائه فيها، وأصل الحسينيات
من الايرانيين والهنود بنوها في بلادهم وبنوها في العراق أيضاً"[6]. ويؤيّد
هذ القول أمران:
الأول
إننا لو قبلنا الدعاوى المقابلة لرأي العلاّمة الأمين فليس لدى اصحابها تفسير لعدم
تكاثر الحسينيات ولا خبر عنها غير مفردة في التاريخ المكتوب.
ثانيا
إننا لم نجد وثيقة تنصّ على وقفية بعنوان "حسينية"، ولا عن صيغة إنشاء
هكذا وقفية في الكتب التي تصدت لبيان صيغ العقود والإيقاعات الفقهية.
وبالتالي
فلا يمكن ارجاع تاريخ بناء الحسينيات إلى ما قبل القرن الحادي عشر الهجري (السابع
عشر الميلادي) تاريخ بناء حسينية "امام دالان"[7] في
مدينة دكا الهندية (بنغلادش حالياً) فهي أوّل حسينية في التاريخ ويعود تاريخ
بنائها إلى عام 1052 هـ - 1642 م تعرف اليوم باسم "حسيني دالان" وبالانكليزية: "Hussaini Dalan ".
الشيخ
علي خازم ، الأحد، 02 رجب، 1442 هـ - 14 شباط، 2021 م.
المصادر
والمراجع:
حركات
التشيُّع في المغرب ومظاهره: د. عبد اللطيف السعداني، تحقيق وتقديم: أ. الحسين
الإدريسي ـ مجلة المنهاج، العدد : 27- السنة السابعة خريف 1423هـ ـ 2002 م.
المنبر
الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: الشيخ فيصل الكاظمي : نسخة الكترونية
الشعائر
الحسينية في مصر الفاطمية: بحث الشيخ حيدر البهادلي في: https://imamhussain.org/encyclopedia/24767
حركة
الإصلاح الشيعي: د.صابرينا ميرفان، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع،2003
Mahmoud Ayoub, Redemptive Suffering in Islam: A Study of the
Devotional Aspects of Ashura in Twelver Shi’ism (The Hague, Paris, New York:
Mouton Publishers).
مختصر
تاريخ العرب والتمدن الإسلامي: سيد امير
علي، نقله إلى العربية رياض رأفت، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والمشر – القاهرة
1938 .
المواعظ
والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة، دار الكتب العلميّة،
بيروت - ١٤١٨ هـ.
كتاب
خطط جبل عامل، الأمين، السيد محسن: تحقيق السيد حسن الأمين، الطبعة الأولى 1403 هـ
- 1983 م الدار العالمية، لبنان.
شيعة
لبنان والمنطلق الحقيقي لتاريخه: الشيخ جعفر المهاجر: نسخة الكترونية من موقعه
الشعائر
الحسينية في الدول الإسلامية: محمد طاهر محمد - شبكة النبأ المعلوماتية http://qadatona.org/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/24
[1] قناة صوت الناقد https://www.youtube.com/watch?v=yuSL4OHRaQY
[2] جاء نصّه
هكذا:"اول (حسينية) في التاريخ ..لم تقم في العراق او ايران بل في اسبانيا ؟؟!
قراءة التاريخ تفتح افاق جديدة مجهولة للانسان و تكسر صور نمطية دارجة
في الثقافات المجتمعية
لفت نظري حول مصطلح الحسينية الدارج بكثرة عند مذهب الشيعة
الاثناعشرية و هو مكان او تجمع
المأتم حول الامام الحسين
الصورة النمطية ان هذه الاماكن و الافعال تكون مرتبطة و مختصة بأماكن
تواجد الشيعة و مواطنهم التقليدية
لكن بالعودة للتاريخ اقدم ذكر لهذا الكلمة او المصطلح كان في الاندلس
او اسبانيا حاليا
و هنا موضوع مهم بقلم الدكتور عبد اللطيف السعداني ، بفاس « المغرب »
تحت عنوان : « حركات التشيع في المغرب ومظاهره » مشيراً الى أثر التشيع في الأندلس
، وإقامة المأتم على الامام الحسين الشهيد عليه السلام .."..الى آخر ما ورد
في المنشور.
وبالرجوع إلى المقال المذكور وهو حركات التشيُّع في المغرب ومظاهره: د. عبد اللطيف السعداني، تحقيق
وتقديم: أ. الحسين الإدريسي ـ مجلة المنهاج، العدد : 27- السنة السابعة خريف
1423هـ ـ 2002 م. "
المرحوم د.عبد اللطيف السعداني کان أستاذ الأدب
الفارسي في جامعة الرًّباط، والأستاذ حسين الإدريسي باحث من المغرب". وجدت ما
أنقله على طوله مع حواشيه لفائدته، قال:
" ومن حسن حظنا هذه
المرة أن أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري، لسان الدين بن الخطيب،
أتحفنا بإشارة ذات أهمية كبرى. والفضل في ذلك يعود إلى إحدى النسخ الخطية الفريدة
من مؤلفه التاريخي: «أعلام الأعلام في من بويع بالخلافة قبل الاحتلام» التي حفظتها
لنا خزانة جامعة القرويين في مدينة فاس من عاديات الزمن (25). وبهذه الإشارة تنحل
العقدة المستعصية، وينكشف لنا ما كان غامضاً من قبل، وهو ما أغفل الحديث عنه
المؤرخون مما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع. ذلك أن ابن الخطيب، عند حديثه عن
دولة يزيد بن معاوية، انتقل به الحديث إلى ذكر عادات الأندلسيين وأهل شرق الأندلس،
وبخاصَّة في ذكرى مقتل سيدنا الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز وإنشاد المراثي.
وقد أفادنا عظيم الفائدة، حيث وصف أحد هذه الاحتفالات وصفاً حياً شيقاً حتى ليخيل
أننا نرى إحياء هذه الذكرى في بلد شيعي. وذكر أن هذه المراثي كانت تسمى الحسينية
وأن المحافظة عليها بقيت مما قبل تاريخ عهد ابن الخطيب إلى أيامه. ونبادر الآن إلى
نقل هذا الوصف على لسان صاحبه:
«ولم يزل الحزن
متصلًا على الحسين والمآتم قائمة في البلاد، يجتمع لهما الناس ويختلفون لذلك ليلة
يوم قتل، بعد الأمان من نكير دول قتلته ولا سيما بشرق الأندلس، فكانوا على ما
حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق (يعني مشرق الأندلس) يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل
من الثياب يستخبي خلف سترة في بعض البيت وتحتفل الأطعمة والشموع ويجلب القراء
المحسنون ويوقد البخور ويتغنى بالمراثي الحسنة» (26).
________________________________________
(1)اعتمد المؤلف على مخطوطة «أعلام الأعلام في
من بويع بالخلافة قبل الاحتلام» للسان الدين بن الخطيب، وقد تم تحقيق هذا الكتاب
ووضع له عنوان آخر هو: «تاريخ إسبانيا الإسلامية».
(25)يعود الفضل في اكتشاف هذه النسخة الفريدة
من هذا الكتاب واطلاعنا عليها إلى العلامة السيد العابد الفاسي مدير خزانة جامعة
القرويين.
(26)ابن الخطيب، أعلام الأعلام في من بويع
بالخلافة قبل الاحتلام. نسخة خطية، ص 36 ـ 38.
[الصفحة - 160]
وفي عهد ابن الخطيب كان لا يزال لهذه المراثي شأن أيضاً، فإنه في
سياق حديثه السابق زادنا تفصيلًا وبياناً عن الحسينية وطقوسها، فقال:
«والحسينية التي
يستعملها إلى اليوم المسمعون فيلوون لها العمائم الملونة، ويبدلون الأثواب في
الرقص كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد، وإن ضعفت، ومهما
قيل (الحسينية) أو (الصفة) لم يدر اليوم أصلها».
[3] د.صابرينا ميرفان: حركة
الإصلاح الشيعي ، ص 285 : قالت: " وكانت مجالس العزاء، أول ما ظهر من هذه الشعائر.
فقد اعادتها بعض السنن إلى يوم الفاجعة نفسه؛ إذ بدأت بها نساء آل الحسين قبل اقتيادهن
إلى دمشق. ثم توبعت هذه المجالس في العهد الأموي، سرافي البيوت، ثم أقيمت في العهد
العباسي علناً؛ فقد أقيمت في القرن العاشر الميلادى اماكن في بغداد وحلب والقاهرة يجتمع
فيها الناس خصيصاً لإقامة هذه المجالس وسميت بالحسينيات؛ وكانوا يبكون فيها وينتحبون
وينشدون المراثي ويقرأون المقاتل(٤٩).".
وجاء في الحاشية(٤٩)
:
Mahmoud Ayoub, A Redemptive Suffering in Islam. A Study of the
Devotional Aspects of .13
‘Ashûra’ in Twelver Shi‘ism, Mouton, La Hague-Paris, 1978, p. 152-154 ;
ونذكّر بأن
" المقاتل " هي روايات لموت عنيف، وهنا لمقتل الحسين، انظر سابقا فصل 4 ،
الهامش 226
".
وبالرجوع إلى كتاب البروفيسور محمود أيوب الذي أحالت إليه
وجدته قد نصّ على المسألة بلا دليل، قال:
" وفي نهاية القرن الثالث، كانت
هناك في بغداد، وحلب والقاهرة بيوت مخصصة لمجالس التعزية تُعرَف باسم الحسينيات. وإلى
يومنا هذا، تُبنَى هذه القاعات الكبيرة كملاحق للمساجد؛ وغالباً ما تكون أماكن للتجمع
لكافة أنواع الاحتفالات والمناسبات الدينية الرسمية وغير الرسمية. ولكن هذه القاعات
هي في المقام الأول بيوت للأسى يتجمع فيها الناس ليشاركوا الأئمة في حيواتهم المأسوية.
وباتت الحسينية في أي بلدة أو قرية تخدم كنقطة انطلاق موكب عاشوراء" .
“By the end of the third century
in Baghdad, Aleppo and Cairo,' there were special houses for the ta!z'iyah
elebrations known as husayn'iyyat. To this day, these large halls are
constructed as annex~s to mosques; requently they are gathering places for all
kinds of official and unofficial religious ceremoni~s and occasions.)
Primarily,
-however,
these halls are houses of sorrow where people gather to share in the tragic
lives of the imams. The husayn'iyyah of
a town or village has come to serve as the starting point of the Ashura procession.”
[4] الشيخ فيصل الكاظمي : المنبر الحسيني نشوؤه
وحاضره وآفاق المستقبل ، ص 249 ،قال:" وقد ذكُر، أنّ أوّل حسينيّة شيّدت، تلك
التي كانت موجودة في القاهرة، أيام الفاطميّين حيث (كان من أهم ما تميّزت به
القاهرة في عهد الفاطميّين، (الحسينيّة)؛ وهو بناءٌ كان الفاطميون يقيمون فيه كل
عام، ذكرى مقتل الشهيد الحسين، في موقعة كربلاء).". وأحاله في الحاشية رقم 3
إلى سيد امير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي ص 499 ووجدته في
الصفحة 509 بدون أي سند مع اختلاف طفيف في الترجمة فلعله من نسخة أخرى : "
وكان من أهم عمائرالقاهرة في عهد الفاطميين "الحسينية" وهو بناء فسيح
الأرجاء تقام فيه ذكرى مقتل "الحسين" في موقعة كربلاء"..
وكذلك الشيخ حيدر البهادلي في بحث له بعنوان: الشعائر الحسينية في
مصر الفاطمية قال:" هذا وقد عُرفت (الحسينيات) ـ وهي الأماكن التي تُقام بها
الشعائر الحسينية، إضافة إلى الشعائر الدينية الأُخرى، كالصلاة، وتعليم القرآن، وعقد
مجالس الذكر، والتعلّم والتعليم و... ـ منذ ذلك الحين، يقول صاحب (مختصر تاريخ العرب):
«وأهم ما تميزت به القاهرة في عهد الفاطميين (الحسینیة)، وهو بناء كان الفاطميون يقيمون
فيه كل عام ذكرى مقتل الشهيد الحسين في موقعة كربلاء»[21]."
https://imamhussain.org/encyclopedia/24767
لكنّ
الدكتور أحمد سالم سالم مترجم كتاب
القاهرة منتصف القرن التاسع عشر، لإدوارد وليم لين، قال في الحاشية رقم 6 من صفحة
54 :
"
كان حي الحسينية يقع في المسافة الممتدة ببن باب
الفتوح وباب الحسينية الذي هدم عند تنظيم شارع العباسية أواخر القرن التاسع عشر. وكان
شارع الحسينية هو أطول وأوسع شوارع القاهرة حنى منتصف القرن التاسع عشر؛ إذ كانت المنطقة
المحيطة به حتى حي الظاهر تسمى بالحسينبة. واستمر هذا الوضع حتى سنة 1930 م حينما فتح
شارع الأمبر فاروق ( الجيش حاليا ) . فانفصل حي الظاهر عن الحسينية. وقد ذكر ابن عبد
الظاهر أن: «الحسينية منسوبة لجماعة من الأشراف الحسينيين كانوا في الأبام الكاملية
قدموا من الحجاز فنزلوا خارج باب النصر بهذه الأمكنة واستوطنوها وبنوا بها مدابغ...
فسميت الحسينية. ، أماالمقريزي فرفض مسألة تسمية الحسينية نسبة إلى الأشراف الحسينيين
الذين أتواإلى مصر زمن الملك الكامل الأيوبي، ورجح أن التسمية أقدم من هذا وأرجعها
إلى زمن الفاطميين، إذ قال: " ثم عمّرت الطائفة الحسينية بعد سنة خمس مائة، خارج
باب الفتوح، عدة عنازل اتصلت بالخندق، وصار خارج باب النصر مقبرة إلى ما بعد سنة سبع
مائة. فعمر الناس به حنى اتصلت العمائرمن باب النصر إلى الريدانية ( العباسية حاليا)
. وبلغت الغاية من العمارة. ثم تناقصت من بعد سنة تسع وأربعين وسبع مائة إلى أن فحش
خرابها من حين حدثت المحن في سنة ست وثمان مائة.. انظر: ابن عبد الظاهر. الروضة البهية،
122؛ المقريزي.الخطط.تحقيق أحمد فؤاد.مج.368:3؛ فتحي حافظ الحديدي، دراسات في مدينة
القاهرة، منطقة قسمي الجمالية ومنشاة ناصر بين الماضى والحا ضر (القاهرة:: الشركة المرية
للطباعة والنشر، 1981م) : 73- 74 (المترجم).".
أمّا في المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار للمقريزي،
تقي الدين فجاء في ج: 3 صفحه : 40 الى 45
فقد جاء:" حارة الحسينية: عرفت
بطائفة من عبيد الشراء يقال لهم الحسينية. قال المسبّحي في حوادث سنة خمس وتسعين
وثلثمائة: وأمر بعمل شونة «4» ممّا يلي الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفاء فابتدىء
بعملها في ذي الحجة سنة أربع وتسعين وثلثمائة إلى شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين،
فخامر قلوب الناس من ذلك جزع شديد، وظنّ كلّ من يتعلّق بخدمة أمير المؤمنين الحاكم
بأمر الله أنّ هذه الشونة عملت لهم. ثمّ قويت الإشاعات وتحدّث العوام في الطرقات
أنها للكتّاب وأصحاب الدواوين وأسبابهم، فاجتمع سائر الكتّاب وخرجوا بأجمعهم في
خامس ربيع الأوّل ومعهم سائر المتصرّفين في الدواوين من المسلمين والنصارى إلى الرماحين
بالقاهرة، ولم يزالوا يقبّلون الأرض حتّى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يدعون
ويتضرّعون ويضجّون ويسألون العفو عنهم، ومعهم رقعة قد كتبت عن جميعهم إلى أن دخلوا
باب القصر الكبير وسألوا أن يعفى عنهم ولا يسمع فيهم قول ساع يسعى بهم، وسلّموا
رقعتهم إلى قائد القوّاد الحسين بن جوهر، فأوصلها إلى أمير المؤمنين الحاكم بأمر
الله، فأجيبوا إلى ما سألوا، وخرج إليهم قائد القوّاد، فأمرهم بالانصراف والبكور
لقراءة سجلّ بالعفو عنهم، فانصرفوا بعد العصر، وقرىء من الغد سجل كتب منه نسخة
للمسلمين ونسخة للنصارى ونسخة لليهود بأمان لهم والعفو عنهم. وقال:
في ربيع الآخر، واشتدّ خوف الناس من
أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله، فكتب ما شاء الله من الأمانات للغلمان الأتراك
الخاصّة وزمامهم وأمرائهم من الحمدانية والكجورية والغلمان العرفان والمماليك
وصبيان الدار وأصحاب الإقطاعات والمرتزقة والغلمان الحاكميّة القدم
على اختلاف أصنافهم، وكتب أمان الجماعة
من خدم القصر الموسومين بخدمة الحضرة بعد ما تجمّعوا وصاروا إلى تربة للعزيز بالله
وضجوا بالبكاء وكشفوا رؤوسهم، وكتبت سجلّات عدّة بأمانات للديلم والجبل والغلمان
الشرابية والغلمان الريحانية والغلمان البشارية والغلمان المفرّقة العجم وغيرهم
والنقباء والروم المرتزقة، وكتبت عدّة أمانات للزويليين والبنادين والطبّالين
والبرقيين والعطوفيين وللعرافة الجوانية والجودرية «1» وللمظفرّية وللصنهاجيين
ولعبيد الشراء الحسينية وللميمونية وللفرحية وأمان لمؤذني أبواب القصر وأمانات
لسائر البيارزة والفهّادين والحجّالين وأمانات أخر لعدّة أقوام، كلّ ذلك بعد
سؤالهم وتضرّعهم. وقال: في جمادى الآخرة وخرج أهل الأسواق على طبقاتهم كلّ يلتمس
كتب أمان يكون لهم، فكتب فوق المائة سجل بأمان لأهل الأسواق على طبقاتهم نسخة
واحدة، وكان يقرأ جميعها في القصر أبو عليّ أحمد بن عبد السميع العباسيّ، وتسلم
أهل كل سوق ما كتب لهم، وهذه نسخة إحداها.
بعد البسملة: هذا كتاب من عبد الله
ووليه المنصور أبي عليّ، الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، لأهل مسجد عبد
الله، أنكم من الآمنين بأمان الله، الملك الحق المبين، وأمان جدّنا محمد خاتم
النبيين، وأبينا عليّ خير الوصيين، وآبائنا الذريّة النبويّة المهديين، صلى الله
على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين، وأمان أمير المؤمنين على النفس والحال والدم
والمال، لا خوف عليكم، ولا تمتدّ يد بسوء إليكم إلّا في حدّ يقام بواجبه، وحق يؤخذ
بمستوجبه، فليوثق بذلك وليعوّل عليه إن شاء الله تعالى. وكتب في جمادى الآخرة سنة
خمس وتسعين وثلاثمائة والحمد لله، وصلى الله على محمد سيد المرسلين، وعلى خير
الوصيين، وعلى الأئمة المهديين ذرية النبوّة، وسلم تسليما كثيرا. وقال ابن عبد
الظاهر:
فأمّا الحارات التي من باب الفتوح
ميمنة وميسرة للخارج منه، فالميمنة إلى الهليلجة، والميسرة إلى بركة الأرمن برسم
الريحانية، وهي الحسينية الآن، وكانت برسم الريحانية الغزاوية والمولدة والعجمان
وعبيد الشراء، وكانت ثمان حارات وهي: حارة حامد، بين الحارتين، المنشية الكبيرة،
الحارة الكبيرة، الحارة الوسطى، سوق الكبير، الوزيرية «2» وللأجناد بظاهر القاهرة
حارات وهي: حارة البيازرة والحسينية جميع ذلك سكن الريحانية وسكن الجيوشية
والعطوفية بالقاهرة، وبظاهرها الهلالية والشوبك وحلب والحبانية والمأمونية وحارة
الروم وحارة المصامدة والحارة الكبيرة والمنصورة الصغيرة واليانسية وحارة أبي بكر
والمقس ورأس التبان والشارع. ولم يكن للأجناد في هذا الوجه غير حارة عنتر للمؤمنين
المترجلة، وكانت كل حارة من هذه بلدة كبيرة بالبزازين والعطارين والجزارين وغيرهم،
والولاة لا يحكمون عليها، ولا يحكم فيها إلّا الأزمة ونوّابهم، وأعظم الجميع
الحارة الحسينية التي هي آخر صف الميمنة إلى الهليلجة، وهي الحسينية الآن، لأنها
كانت سكن الأرمن، فارسهم وراجلهم، وكان يجتمع بها قريب من سبعة آلاف نفس وأكثر من
ذلك، وبها أسواق عدّة.
وقال في موضع آخر: الحسينية منسوبة
لجماعة من الأشراف الحسينيين، وكانوا في الأيام الكاملية قدموا من الحجاز، فنزلوا
خارج باب النصر بهذه الأمكنة واستوطنوها، وبنوا بها مدابغ صنعوا بها الأديم المشبه
بالطائفي، فسمّيت بالحسينية، ثم سكنها الأجناد بعد ذلك وابتنوا بها هذه الأبنية
العظيمة، وهذا وهم، فإنه تقدّم أنّ جملة الطوائف في الأيام الحاكمية الطائفة
الحسينية، وتقدّم فيما نقله ابن عبد الظاهر أيضا أنّ الحسينية كانت عدّة حارات،
والأيام الكاملية، إنما كانت بعد الستمائة، وقد كانت الحسينية قبل ذلك بما ينيف عن
مائتي سنة فتدبره.
واعلم أنّ الحسينية شقتان، إحداهما ما
خرج عن باب الفتوح، وطولها من خارج باب الفتوح إلى الخندق، وهذه الشقة هي التي
كانت مساكن الجند في أيام الخلفاء الفاطميين، وبها كانت الحارات المذكورة. والشقة
الأخرى ما خرج عن باب النصر وامتدّ في الطول إلى الريدانية، وهذه الشقة لم يكن بها
في أيام الخلفاء الفاطميين سوى مصلى العيد تجاه باب النصر، وما بين المصلى إلى
الريدانية فضاء لا بناء فيه، وكانت القوافل إذا برزت تريد الحج تنزل هناك، فلما
كان بعد الخمسين وأربعمائة وقدم بدر الجمالي أمير الجيوش، وقام بتدبير أمر الدولة
الخليفة المنتصر بالله، أنشأ بحري مصلى العيد خارج باب النصر تربة عظيمة، وفيها
قبره هو وولده الأفضل ابن أمير الجيوش، وأبو عليّ كتيفات بن الأفضل وغيره، وهي
باقية إلى يومنا هذا. ثم تتابع الناس في إنشاء الترب هناك حتى كثرت، ولم تزل هذه
الشقة مواضع للترب، ومقابر أهل الحسينية والقاهرة إلى بعد السبعمائة، ولقد حدّثت
عن المشيخة ممن أدرك، بأنّ ما بين مصلى الأموات التي خارج باب النصر وبين دار
كهرداش التي تعرف اليوم بدار الحاجب؛ مكانا يعرف بالمراغة، معدّ لتمريغ الدّواب
به، وأنّ ما في صف المصلى من بحريها الترب فقط، ولم تعمر هذه الشقة إلا في الدولة
التركية، لا سيما لما تغلب التتر على ممالك الشرق والعراق، وجفل الناس إلى مصر،
فنزلوا بهذه الشقة وبالشقة الأخرى، وعمروا بها المساكن، ونزل بها أيضا أمراء
الدولة فصارت من أعظم عمائر مصر والقاهرة، واتخذ الأمراء بها من بحريها فيما بين
الريدانية إلى الخندق مناخات الجمال، واصطبلات الخيل، ومن ورائها الأسواق والمساكن
العظيمة في الكثرة، وصار أهلها يوصفون بالحسن، خصوصا لما قدمت الأويراتية.
ذكر قدوم الأويراتية
وكان من خبر هذه الطائفة: أنّ بيدو بن
طرغاي بن هولاكو لما قتل في ذي الحجة، سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وقام في الملك من
بعده على المغل الملك غازان محمود بن خر بنده بن إيغاني، تخوّف منه عدّة من المغل
يعرفون بالأويراتية، وفرّوا عن بلاده إلى نواحي بغداد، فنزلوا هناك مع كبيرهم
طرغاي، وجرت لهم خطوب آلت بهم إلى اللحاق بالفرات فأقاموا بها هنالك، وبعثوا إلى
نائب حلب يستأذنوه في قطع الفرات ليعبروا إلى ممالك الشام، فأذن لهم، وعدّوا
الفرات إلى مدينة بهنسا، فأكرمهم نائبا وقام لهم بما ينبغي من العلوفات والضيافات،
وطولع الملك العادل زين الدين كتيفا، وهو يومئذ سلطان مصر والشام بأمرهم، فاستشار
الأمراء فيما يعمل بهم، فاتفق الرأي على استدعاء أكابرهم إلى الديار المصرية،
وتفريق باقيهم في البلاد الساحلية وغيرها من بلاد الشام، وخرج إليهم الأمير علم
الدين سنجر الدواداري، والأمير شمس الدين سنقر الأعسر إلى دمشق، فجهزا أكابر
الأويراتية نحو الثلاثمائة للقدوم على السلطان، وفرّقا من بقي منهم بالبقاع
العزيزة وبلاد الساحل، ولما قرب الجماعة من القاهرة، وخرج الأمراء بالعسكر إلى
لقائهم، واجتمع الناس من كل مكان حتى امتلأ الفضاء للنظر إليهم، فكان لدخولهم يوم
عظيم، وصاروا إلى قلعة الجبل، فأنعم السلطان على طرغاي مقدّمهم بإمرة طبلخانة،
وعلى اللصوص بإمرة عشرة، وأعطى البقية تقادما في الحلقة واقطاعات، وأجرى عليهم
الرواتب، وأنزلوا بالحسينية، وكانوا على غير الملة الإسلامية، فشق ذلك على الناس،
وبلوامع ذلك منهم بأنواع من البلاء لسوء أخلاقهم ونفرة نفوسهم وشدّة جبروتهم، وكان
إذ ذاك بالقاهرة ومصر غلاء كبير وفناء عظيم، فتضاعفت المضرّة واشتدّ الأمر على
الناس، وقال في ذلك الأديب شمس الدين محمد بن دينار:
ربنا اكشف عنا العذاب فإنّا ... قد
تلفنا في الدولة المغلية
جاءنا المغل والغلا فانصلقنا ...
وانطبخنا في الدولة المغلية
ولما دخل شهر رمضان من سنة خمس وتسعين
وستمائة لم يصم أحد من الأويراتية، وقيل للسلطان ذلك، فأبى أن يكرههم على الإسلام،
ومنع من معارضتهم ونهى أن يشوّش عليهم أحد، وأظهر العناية بهم، وكان مراده أن
يجعلهم عونا له يتقوّى بهم، فبالغ في إكرامهم حتى أثر في قلوب إمراء الدولة منه
احنا وخشوا إيقاعه بهم، فإن الأويراتية كانوا أهل جنس كتيفا، وكانوا مع ذلك صورا
جميلة، فافتتن بهم الأمراء وتنافسوا في أولادهم من الذكور والإناث، واتخذوا منهم
عدّة صيّروهم من جملة جندهم، وتعشّقوهم، فكان بعضهم يستنشد من صاحبه من اختص به
وجعله محل شهوته، ثم ما قنع الأمراء ما كان منهم بمصر حتى أرسلوا إلى البلاد
الشامية واستدعوا منهم طائفة كبيرة، فتكاثر نسلهم في القاهرة واشتدّت الرغبة من
الكافة في أولادهم على اختلاف الآراء في الإناث والذكور، فوقع التحاسد والتشاجر
بين أهل الدولة إلى أن آل الأمر بسببهم وبأسباب أخر إلى خلع السلطان الملك العادل
كتيفا من الملك، في صفر سنة ست وتسعين وستمائة.
فلما قام في السلطنة من بعده الملك
المنصور حسام الدين لاجين، قبض على طرغاي مقدّم الأويراتية، وعلى جماعة من
أكابرهم، وبعث بهم إلى الإسكندرية فسجنهم بها وقتلهم، وفرّق جميع الأويراتية على
الأمراء، فاستخدموهم وجعلوهم من جندهم، فصار أهل الحسينية لذلك يوصفون بالحسن
والجمال البارع، وأدركنا من ذلك طرفا جيدا، وكان للناس في نكاح نسائهم رغبة،
ولآخرين شغف بأولادهم، ولله در الشيخ تقيّ الدين السروجيّ إذ يقول من أبيات:
يا ساعي الشوق الذي مذ جرى ... جرت
دموعي فهي أعوانه
خذ لي جوابا عن كتابي الذي ... إلى
الحسينية عنوانه
فهي كما قد قيل وادي الحمى ... وأهلها
في الحسن غزلانه
أمشي قليلا وانعطف يسرة ... يلقاك درب
طال بنيانه
واقصد بصدر الدرب ذاك الذي ... بحسنه
تحسّن جيرانه
سلم وقل يخشى مسن أي مسن ... اشت حديثا
طال كتمانه
وسل لي الوصل فإن قال بق ... فقل أوت
قد طال هجرانه
وما برحوا يوصفون بالزعارة والشجاعة،
وكان يقال لهم البدورة، فيقال البدر فلان، والبدر فلان، ويعانون لباس الفتوّة وحمل
السلاح، ويؤثر منهم حكايات كثيرة وأخبار جمة، وكانت الحسينية قد أربت في عمارتها
على سائر اخطاط مصر والقاهرة، حتى لقد قال لي ثقة ممن أدركت من الشيخة: أنّه يعرف
الحسينية عامرة بالأسواق والدور، وسائر شوارعها كافة بازدحام الناس، ومن الباعة
والمارة وأرباب المعايش، وأصحاب اللهو والملعوب، فيما بين الريدانية، محطة المحمل
يوم خروج الحاج من القاهرة، وإلى باب الفتوح، لا يستطيع الإنسان أن يمرّ في هذا الشارع
الطويل العريض طول هذه المسافة الكبيرة إلّا بمشقة من الزحام، كما كنا نعرف شاعر
بين القصرين فيما أدركنا. وما زال أمر الحسينية متماسكا إلى أن كانت الحوادث
والمحن منذ سنة ست وثمانمائة وما بعدها، فخربت حاراتها، ونقضت مبانيها، وبيع ما
فيها من الأخشاب وغيرها، وباد أهلها، ثم حدث بها بعد سنة عشرين وثمانمائة آية من
آيات الله تعالى، وذلك أنّ في أعوام بضع وستين وسبعمائة، بدا بناحية برج الزيات
فيما بين المطرية وسر ياقوس فساد الأرضة التي من شأنها العبث في الكتب والثياب،
فأكلت لشخص نحو ألف وخمسمائة قتة دريس، فكنّا لا نزال نتعجب من ذلك، ثم فشت هناك
وشنع عبثها في سقوف الدور، وسرت حتى عاثت في أخشاب سقوف الحسينية وغلات أهلها
وسائر أمتعتهم، حتى أتلفت شيئا كثيرا، وقويت حتى صارت تأكل الجدران، فبادر أهل تلك
الجهة إلى هدم ما قد بقي من الدور، خوفا عليها من الأرضة شيئا بعد شيء حتى قاربوا
باب الفتوح وباب النصر، وقد بقي منها اليوم قليل من كثير يخاف إن استمرّت أحوال
الإقليم على ما هي عليه من الفساد أن تدثر وتمحى آثارها، كما دثر سواها، ولله در
القائل:
والله إن لم يداركها وقد رحلت ...
بلمحة أو بلطف من لديه خفي
ولم يجد بتلافيها على عجل ... ما أمرها
صائر إلّا إلى تلف
[5] وبالرجوع
الى كتاب الشيخ جعفر المهاجر: شـيعةُ لبنان والمُنطلَقُ الحقيقي لتاريخه بنسخته الالكترونية
وجدت قوله:
" في السنة
705 هـ/ 1305م بدأت الأعمالُ العسكريّةُ الثانية الرّاميةُ إلى إخراج الشيعة من «كسروان»
وما والاها نهائيّاً. فتوجّهَ جمْعٌ عسكريٌّ غيرُ مسبوقٍ في نزاعٍ داخليٍّ إلى مواقع
القتال. تقدّمهُ فقيهُ السُّلطةِ ابنُ تيمية الحرّاني، على رأس كلِّ مَن نجح في حشدهم
من الناس تحت مُختلف الذّرائع. بالإضافة إلى عسكرِ السُلطةِ القادمِ من «دمشق» و«طرابلس»،
وعسكرِ بعض الأُمراء المحلّيين. فأحاطوا بالجبل من كلِّ ناحيةٍ. وبدأوا الصعودَ إليه
من جهة الساحل، قُربَ بلدة «طبرجا» اليوم. في حين أنّ عسكرَ «طرابلس» صعد من محلٍ آخرَ
غير معروف، في خطّةٍ ترمي إلى وضعِ أهلهِ بين فكّي كمّاشة.
لسنا نملكُ معلوماتٍ وافيةً عن سَيْر القتال.
لكنّنا نفهمُ من بعض النصوص أنّ المُدافعين اعتمدوا سلاحَ السِّهام. وهو سلاحٌ يُناسبُ
الطبيعةَ الجبليّة، بما فيها من مكامنَ طبيعيّة، كما يُناسبُ الكثرةَ الطّاغيةَ للمُهاجمين.
وأنّ المعاركَ دارتْ لمُدّة خمسة عشر يوماً بين 2 و 17 مُحرّم. كان المُدافعون يتراجعون
أثناءَها من موقعٍ إلى موقع. وكانت المعركةُ الأخيرةُ بالأعالي، في قرية «نيبيّة» من
قُرى «المتن الشمالي». حيث لجأ المُدافعون المُنهَكون، بمن معهم من نساءٍ وأطفالٍ،
إلى مغارةٍ كبيرةٍ. فما كان من المُهاجمين، الذين تهيّبوا دخولَها خشيةَ التعرُّض لسهام
المُدافعين وكمائنهم، إلا أن عمدوا إلى تقطيع كمّيّةٍ كبيرةٍ من الزُّروع والأشجار
أشعلوها عند فم المغارة. فقضى كلُّ مَن فيها اختناقاً بالدخان. والظاهرُ أنّ المُهاجمينَ
اتّبعوا هذا الأُسلوب حيثما لجأ السُكانُ إلى المغاور والكهوف. وهي كثيرةٌ في تلك الجبال.
نذكرُ بالمُناسبة أنّه قبل زُهاء عشرين
سنةٍ، أعلن وزيرُ السياحةِ في «لبنان» بمؤتمرٍ صحفي أنّ أحدَ هُواة اكتشافِ المغاور
والكهوف في المنطقة عثرَ في إحدى مغاور الجبل الكثيرة على عدّة جثث، ما تزالُ هي وما
عليها من ملابس جميلة محفوظةً بنحوٍ جيّدٍ يدعو إلى الدهشة. وقد عرفتُ بمجردِ اطّلاعي
على الخبر أنّ هؤلاء من ضحايا نكبة «كسروان». أوّلاً لأنّ وضعَ الجثث بهيئتِها التي
وُجدتْ عليها، وما عليها من ملابس، ليس وضعَ دفنٍ شرعيٍّ. ممّا يدلُّ على أنّها بقيت
حيث مات أصحابُها. وثانياً لأن تعرُّضها لدخانٍ كثيفٍ مُدةً كافيةً يُفسّرُ حفظَها
كل تلك القرون على ذلك النحو المُدهش. فمن المعلوم أنّ التدخين الكثيف هو من أفضلِ
أساليبِ حفظ المواد العُضويّة.
وإدراكاً منّي لأهميّةِ هذا الكشف، خصوصاً
وأنّ عدّة كُتُبٍ مخطوطةٍ قد وُجدت إلى جانب الجثث (ممّا يدلُّ على حرصِ أولئك المساكين
الفائق على كُتُبُهم، بحيث حملوها معهم أثناء هربهم من مُطارديهم)، قد تكونُ الآثارَ
الفكريّةَ الوحيدةَ الباقيةَ من الماضي الثقافي الضّائع لأسلافنا في «كسروان» ماقبل
النكبة، ـ فقد قابلتُ وزير السياحة آنذاك ثم مديرَ المتحف الوطني حيث حُفظت اللُّقى.
طالباً الاطلاع خصوصاً على الكُتُب ولو من بعيد. ولكنّ كل مساعيَّ في هذا السبيل ذهبتْ
أدراجَ الرياح. وبعد الإلحاحِ ووساطةِ عددٍ من كبار المسؤولين، حسمَ الوزيرُ المُختصُّ
الأمرَ بأن قال لي ما مؤدّاه، إنّ هذه اللُّقى، خصوصاً الكُتُب، هي مسألةٌ سياسيّةٌ
بامتياز. يعني أنّ كل ما يتصلُ بتاريخ «كسروان» هو موضع تجاذُب بين مختلف الطوائف،
بعد أن غدا في موضع القلب من مشروعٍ سياسيّ. ولذلك فليس له أن يقضي فيها من عنده. ولسنا
نعرفُ مصيرَها من بعد. وإنّني أُسجّلُ هذه المعلومة كي لا تُنسى ولعلّ وعسى.".
http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:hB6a72lJN18J:mobdie.org/uploaded/books/shia_lebnan/she3a%2520lebnan.doc+&cd=9&hl=ar&ct=clnk&gl=lb
[6] الأمين،
السيد محسن: كتاب خطط جبل عامل، تحقيق السيد حسن الأمين، الطبعة الأولى 1403 هـ -
1983 م الدار العالمية، لبنان. ص 181
[7] الشعائر الحسينية في الدول الإسلامية: محمد طاهر محمد - شبكة النبأ
المعلوماتية:
"اما
في بنغلاديش فتوجد حسينية في مدينة دكا تدعى امام دالان وتعتبر من ابرزالمعالم التاريخية
القديمة واهم مزاراتها الدينية التي تستقطب الاف الزوار كل عام وحسب المصادر التاريخية
فان هذه الحسينية قد بنيت عام 1052 هـ 1642 م وتقع هذه الحسينية في القسم الجنوبي من
مدينة دكا القديمة بالقرب من نهر بريكنكا وتقدر مساحتها بحوالي 8453 مترمربع وتتكون
من طابقين مع حدائق وبحيرة جميلة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق