الواو بين الصوفي والحروفي
عندما يزفر الصوفي "هو" في فضائه يمسكُ
الهاء في فيه وتصل من نَفَسِه إلى أنامل الخطاط واو الوصل فيشكّل بها صورة بداية الخلق وحدةً كاملة، فإذا
كان صاحب الحروف "مجذوباً" حاول محاكاة الإبداع تثنيةً خلقاً بعد خلقٍ لكنّ أقصى ما
يمكنه وضع الوحدة أمام المرآة فتنعكس الاتجاهات يمينا ويساراً.
هكذا تعامل الخطاطون مع "الواو"..
قالوا ونسبوه الى النبي صلّى الله
عليه وآله وسلّم : "يكون المرء في بطن أمه على شكل الواو ثم يولد
فيكون على شكل واو"، وبالغ أحدهم فصور التطور الجنيني للواو
كتابة في ستة مراحل مقابل الستة أشهر التي هي أدنى اكتمال المخلوق الآدمي.
ونُقِلَ عن صوفي آخر ما معناه : يولد الانسان في شكل "الواو"، وحتى يجعل
لنفسه قيمة يظنّ أنّه "أَلِف"، في حين أن اليوم الذي يكون فيه اكثر استقامةً هو
يوم يموت!
لا تعجب فلصوفية الخطاطين بِدَعُهم تأسيسا
لإبداعاتهم فهم بين من لا يتحرجون من الكذب على رسول الله[1]
أو أوليائه تدللاً عليهم ثقة بأن حبهم للجمال يمسح رين هذا الذنب، أو أنّ الغيرة مما
قاله النبي صلّى الله عليه
وآله وسلّم بحق القرّاء والمقرئين أرْدَتْهُم ليضعوا أنفسهم ككُتّاب مقابل القرّاء فيجعلون الرسم ازاء الصوت لكلام الله.
قرأت كثيرا لمن وقف أمام لوحة الواوات العملاقة
للخطاط محمد شفيق أفندي في مسجد بورصة الجامع، وكان لافتا عند أكثرهم استغرابهم
لتشكيله الصعب قراءةً للجملة التي وضعها وسط اللوحة: "اتقوا الواوات" وعلى
يمينها : قال النبي عليه السلام وعلى يسارها صدق رسول الله، والحق أنّها ليست
حديثاً شريفاً، كذلك حديث الواو السابق الذي لم أجد له أثراً بينما وجدت
"اتقوا الواوات" مرويا بصيغة "قيل" في تفسير حقي (ج 5 الصفحة 109 ) في كلامه على تفسير
الآيات الأولى من سورة الإسراء : " قيل
«اتقوا الواوات» اى اتقوا مدلولات الكلمات التي أولها واو كالولاية والوزارة
والوصاية والوكالة والوديعة ". فهل أراد تشكيلها
هكذا ليبعد إشكال الكذب؟
هل يحتاج الجمال إلى الكذب؟! إذا رضيت ب
" أعذب الشعر
أكذبه " التي تزامنت مع مقولة زياد بن أبيه في العصر الأموي: "الشعر
كذب وهزل، وأحقه بالتفضيل أكذبه" وهما يشيران إلى "القول" عن
خيال، فإنّ الرسم يحتاجه وإلا صار تصويرا جامداً، أرأيت "تدليس الماشطة"
في تجميل المرأة!!
لنرجع ونقف أمام لوحة شفيق أفندي، الواوات
كما عرفت كثيرة فهل كانت في ذهنه أم كان فيه خيالٌ آخر؟ لقد بدأ باثنتين وعكسها والانعكاس
المرآتي ينفتح الى تكرار لا حصر له، واستعماله طرف الواو الأخير كرأس السيف
(ذبابه) مخترقاً نصل السيف الآخر يدل على ارادته أنها مما ينبغي الاتقاء منها لأنّها
أحدُّ من السيف فتفعل في النفس فعلها فيه.
ويبقى للواو سحرها الخاص وآثارها وإيحاءاتها حيثما
وجدت خاصة في آيات الله فسبحانه من خالقٍ مصوّر مبدع.
الشيخ علي خازم، السبت، 23 أيار، 2020
[1] من ذلك تقولهم: ( إنما الخطَّاطون والخيَّاطون يأكلون من
أعماق عيونهم ) و ( عليكم بحسن الخط ، فإنه من مفاتيح الرزق ) و (من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجوّده تعظيما لله
غفر الله له وخفف عن والديه وإن كانا كافرين) و (من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فحسّنها غُفِرَ له).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق