الأربعاء، يونيو 06، 2012

مدخل إلى التربية والتعليم عند الإمام علي عليه السلام


مدخل إلى التربية والتعليم عند الإمام علي عليه السلام

يتبادر إلى الذهن عند قراءة العنوان ممن يلم ولو بأطراف مسائل " التربية والتعليم" سؤالان:
الأول , أليس ثمة مبالغة في طرح هكذا عناوين والموضوع نفسه ما يزال عرضة للأخذ والرد في بعض مستويات  تعريفه من أهل الإختصاص المعاصرين فضلا عن أن نرجع ألفا واربعماية من السنين إلى الوراء لإستكشافه ؟
الثاني من الأسئلة ما هي الخصوصية للإمام علي عليه السلام في هذا المجال ؟ , أو لسنا بذلك نخرج به عن الموضوع الأصلي وهو التربية والتعليم في الإسلام؟ ,وهل ثمة منهج خاص بالإمام علي عليه السلام في هذا الباب ؟
جوابا على السؤال الأول ينبغي الإقرار بصحة أن " التربية تأخرت في أن تصير علماً من العلوم إلى القرن الماضي ومع ذلك فإن مسألة تعريفها كعلم ما زالت في حيز الصعوبة ولكن الإنصاف والروية يقتضيان كما في العلوم الأخرى أن لا نقف في لحظة تاريخية لنمنع تحت هذه الحجة الإستفادة من معالجة مسائل وموضوعات هذا العلم أو ذاك لأنها لم ترد – عند – أصحابها في نسق نظري كما اكتمل عند المحدثين .
 ويتضح هذا المعنى أكثر إذا لاحظنا الفرق بين المفهوم من "العلوم التربوية" كإصطلاح وبينه كفهم ورؤية في العديد من مستوياته الأخرى نظريا وعمليا لأن "التربية" وظيفة إجتماعية لم تخل ولا يمكن أن تخلو منها المجتمعات , وهي في صلب مهام النبوة والرسالة :  رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ  - البقرة - الآية - 129  . بل إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال عن نفسه في تنشئة سيدنا موسى عليه وعلى نبينا السلام : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي  - طه - الآية - 39  .
 وهكذا يكون البحث تحت عناوين علوم معاصرة في مسائلها كما وردت عند السابقين أمرا لا مبالغة فيه علميا لأنهم وفي هذه الصورة يكونون موضوعيا جزءا من سيرورة وتاريخ هذا العلم أو ذاك بحد مقبول .
 أما بالنسبة إلى السؤال الثاني , فإننا نقر بصحة أن الأصل في البحث أن يكون تحت عنوان التربية والتعليم في الإسلام ويكون نص الإمام علي عليه السلام  او فعله جزءا من سياق إسلامي عام يبدا بالقرآن الكريم نفسه وسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله ثم لا يتوقف عند الإمام علي عليه السلام .
لكننا نسأل لماذا يتحسس البعض من هكذا طرح وهكذا عناوين إذا كنا لا نخرج بأمير المؤمنين وسائر الأئمة عن كونهم حملة الإسلام ونتاجه الصافي وخلاصته الرائقة؟
 ولماذا لا يتحسسون عندما يعرض البحث نفسه عند ابن فلان وأبو فلان أو الغربي فلان وفلان ممن تأخروا زمانا ورتبة عن هؤلاء الأصفياء؟
أضف إلى ذلك أن الفترة التي عاشها الإمام علي عليه السلام غنية بتجربة إنسانية عامة عالجها وبادرها بآرائه وأفعاله خصوصاً في مجال تربية الإنسان كما يريدها الإسلام لا كما أرادتها الجاهلية أو بقاياها التي اتخذت مراكز قوى داخل المجتمع الإسلامي ، عملت معها على إعادة النفاذ إلى عقول وقلوب لتعيد العلاقات الاجتماعية إلى مستويات وأطر تتخالف مع الإسلام وأحكامه.
 وفي هذا المجال نفهم أنه وكما كان للإمام علي  نصيب في تأسيس معالم التربية الإسلامية إيجابياً ونظرياً فإنه مؤسس كذلك في معالجته لمستجدات مخالفة التربية الإسلامية.
وهكذا يكون مبرراً كذلك أن نبحث عن التربية والتعليم عند الإمام علي  بملاحظة هذه الخصوصية , لأننا نخشى إن تركنا الاستفادة من هذه التجربة أن نقع في تربية ساكنة تتحدث أو تهيئ لمجتمع سلبي وخاضع وبعيد عن أي أنواع الصراع الإيجابي ,كما تقدمه بعض الحركات أو المؤسسات وقدمته فعلاً . رغم أن المنهج القرآني نفسه قد عالج المسألة بصورة الأوامر والنواهي من جهة وبصورة عرض التجربة الإنسانية ونتائجها الإيجابية والسلبية من جهة أخرى ، لكن الجماعة اكتفوا بالإسلام لا ليجبوا ما قبله فقط بل ليغفروا به كل ما يأتي بعده أيضاً.
إن الكلام عن التربية والتعليم عند أمير المؤمنين في الاتجاهين المذكورين يحتاج إلى مدى أرحب وتضيق به مقالة ورغم قلة ما كتب في هذا المجال فإن المقام لا يدفع عن الإشارة إلى نقطة أساسية هي هدف التربية وموضوعها:
إن الإمام علي عليه السلام في تربيته للمسلمين قد نظر تارة إلى الفرد ليؤصل فيه سجايا وأخلاق، ونظر كذلك إلى المجتمع ليركز علاقاته على أساس الإسلام وهذا هو الضامن الأساسي في عملية التربية للوصول بها إلى غايتها القصوى وهي إيجاد مجتمع يمتلك من المهارات والعلوم والسلوك ما يستطيع معها تحقيق الرغد والرفاه والأمان.
اعتمد الإمام منهجاً في التربية - والكلام عليه خارج عن مجالنا الآن لطوله- ولهذا المنهج غاية وهدف، إنه يريد إيصال الإنسان إلى حالة يصفها في خطبة له هي الخطبة 87 من نهج البلاغة ، يقول  :
" عباد الله إن من أحبِّ عباد الله إليه عبداً... نظر فأبصر وذكر فاستكثر... قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه وتصيير كل فرع إلى أصله، مصباح ظلمات، كشاف عشوات، مفتاح مبهمات، دفاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيُفهِم... قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحق ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلاَّ أمَّها... قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده وإمامه.."
ويقول في الخطبة 88:
" وما كل ذي قلب بلبيب، ولا كل ذي سمع بسميع، ولا كل ناظر ببصير"
بالمقابل  لو حاولنا النظر في عالمنا الإسلامي اليوم لنتعرف على مناهجه التربوية وأهدافها، ماذا نبصر على حد قول أمير المؤمنين؟
 من هو الإنسان الذي تبنيه المناهج التربوية والتعليمية إذا  اعتبرنا المؤسسات التعليمية بصورتّها الحديثة واحدة من مفردات الوظيفة الاجتماعية للتربية التي تشتمل على أشكال متعددة ( الأسرة- المهنة..).
وإذا لاحظنا إن التشريعات تقتضي أن يبقى الإنسان جزءاً طويلاً من عمره على مقاعد الدراسة يتلقى علوماً ومهارات فإننا لا نعرف نتائجها ولا يعرفها إلا واضعوا مناهجها أنفسهم.
إن منهجية تربوية وتعليمية تتبناها السلطة في أي ناحية من نواحي عالمنا الإسلامي ينبغي أن تخضع لنقد ونقاش وتمحيص لنتعرف على الإنسان الذي ستصنعه لنا، هل سيصنع على عين الله أو على عين الشيطان؟
 من هو الإنسان الذي  تبنيه هذه المناهج؟ هل هو إنسانٌ يستطيع مواكبة العالم المتقدم كتابع أو كند؟ هل هو إنسان ساكن وسلبي إزاء قضايا مجتمعه وأمته أم هو إنسان متفكر ناقد بصير؟
إن جوهر العملية التربوية يكمن في هدف هذه العملية التي تتكامل في مجمل العلاقات الاجتماعية ولذلك فإننا أيضاً مطالبون بتفحص عناوين براقة وآليات اجتماعية مثل الحرية والحقوق وما إليها . لأننا وإن كنا نقبل النسبية في الفعل الأخلاقي فإننا نرفضها في الأخلاق نفسها وإنّ الخطر الذي ينبغي تحسسه مما قد تفرضه السلطات بما يوصل إلى نسبية الأخلاق.
إننا واقعون اليوم فعلاً بين أمرين خطيرين، أولا الإنبهار بالغريب وهذا ما تكشفه عند ملاحظتك لفهارس الكتب المتخصصة أو المقالات المعجمية فليس فيها ما يسد رمقنا من تاريخ التربية والتعليم في الحضارة الإسلامية وثانيا التأثير المباشر للعولمة في جانبها التقني المتمثل بالضخ الإعلامي الموجه، وإن المقاومة التربوية تحتاج إلى أساس وإلى آليات وإلى الاستفادة من التجربة ومن التقنيات لأنه لا يكفي أن نقول إن ما قدمه الدين أو المصلحون الدينيون على الصعيد النظري شكل ويشكل تحدياً للواقع الفاسد لأن المطلوب هو تعزيز القدرة على تصحيح هذا الواقع ومطلوب الاستمرار في حفظ هذا التصحيح ولذلك لا بد من العودة ثانية إلى أمير المؤمنين وتجربته في هذا المجال.
والحمد لله رب العالمين

علي خازم
16 ج2 1420 هـ
16 أيلول 1999







ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور