التوراة في نسخة عربية نادرة – 1353 م
الشيخ علي خازم
كتبت سابقا عن نموذج السبيل القبطي[1]
أمام إحدى كنائس القاهرة القديمة المؤرخ سنة 1899
ميلادية وليس في المسيحية أو غيرها "تسبيل" وأنه تمازج ثقافي شعبي مع
الإسلام، واليوم أكتب عن نموذج أبعد في التاريخ، جوهره استخدام قواعد وآداب
الاستنساخ للنص المقدس كتابة، وهو كتابة التوراة باستخدام أسلوب كتابة المصحف،
والمصدر هو نفسه مصر لكن في أيام الدولة المملوكية التي شهدت تطورا كبيرا في الخط
لا سيما الكوفي والثلث والنسخ الذين يظهرون في هذه المخطوطة بأبدع صورهم.
النسخة:
Pentateuque arabe,
1353 :"
Source gallica.bnf.fr
/ Bibliothèque nationale de France".
" خماسيات عربية .. 1353. المصدر gallica.bnf.fr
/ مكتبة فرنسا الوطنية"، هذه
الترجمة العربية لكل ما ورد بالفرنسية عن النسخة في صفحة التعريف من مشروع " gallica "
لرقمنة المحفوظات في فرنسا.
عدد صفحات النسخة الرقمية 599 صفحة مع تقديم المكتبة وشروطها
للاستخدام وصور الغلاف وثلاث صفحات شرح خطي بالفرنسية لم يتمكن عدد من الأصدقاء من
قراءته.
وبملاحظتي للنسخة قبل ضمِّها إلى مواد المكتبة الرقمية لمركز صحف ضمن قسم
"صحف كتابية" أدهشتني في تجليدها وفي جملة من تفاصيلها، التي تضعها في
مصاف كنز علمي اذا ما نظرت إليها لا متخليا عن عقيدتي بل متحليا بها، ومراقبا لفترة
زمنية كان الاختلاف فيها متمسكا بالأدوات العلمية التي أفرزتها حضارتي العربية
الإسلامية، ليأتي النتاج المختلف عقائديا متسقا مع الثقافة العامة للمجتمع
الإسلامي، خصوصا في جانبها الفني والعلمي حتى في جهته الخرافية، حيث ترى كما
الكثير من المخطوطات العربية الإسلامية في الصفحة الأولى من النسخة تعويذة
"يا كبيكج" لمنع الأرضة من أكل ورق المخطوطة، وهي هنا مع اضافة لم أرها
في مخطوطة سابقا كأنها لمنع السرقة أيضا. ( اللوحة رقم 1 ).
تتميز النسخة المكتوبة باللون الأسود وقد نقلها الكاتب عن أصل عربي بتقديمها قراءة
من نسخة عربية ثانية باللون الأحمر حيث اختلفتا، فضلا عن إتيانه بكتابة
النص اليوناني والعبراني الأصل باللون الأحمر أيضا في موارد تحقيق اللفظ والمخالفة، وقد كتب في الصفحة 290 "بلغ مقابلة وتصحيحا على
الرومي والعبراني والقبطي من نسخة كتبت بقلم الأغرقاني رق عتيق وعربيتها بخط القس
الشمس ابن كبر"، وابن كبر هو شمس الرئاسة ابو البركات بن كبر توفي سنة
631 هـ = 1234م، كان
كاتبًا للسلطان بيبرس الدويدار (السلطان البندقداري). ( اللوحة رقم 2 ).
الناسخ:
ختم الناسخ الكتاب بذكر اسمه واسم ابيه القس واسم جده "جرجس بن القس
أبي المفضل بن أمين الملك لطف الله"، ولم أصل بعد إلى ترجمة حياته لكنني وجدت[2]
: "الشيخ ابن أمين الملك ابن المهذب أبو سعيد يوحنا
الإسكندراني، وكان كاتبًا مجيدًا وشاعرًا عظيمًا" هكذا ذكر د. يواقيم رزق
فلعله أبوه، لكن الدكتور رزق ترجم له في من عاصر الدولة الأيوبية لكن حيث لم يذكر
سنوات الولادة والوفاة لأي منهم فتجب متابعة البحث، وبالجملة فإن عددا من المترجم
لهم عرفوا ب"الكتابة" ويقصد بها في بيان تلك المرحلة "الخط". ( اللوحة رقم 2
).
تأريخ النسخة:
كتبه الناسخ وفق التقويم القبطي وما وافقه من التقويم الهجري قال:" في
الثامن والعشرين من شهر أبيب من سنة الف تسعة وستين للشهداء الأبرار الموافق
للعشرين من شهر جمادى الآخرة من سنة – " وهنا رسم ثلاثة أعداد بالقبطية
سنكتشف مقابلها العربي لاحقا عبر محولات التواريخ ونتأكد منه بما كتبه الناسخ في
موضع آخر من الكتاب لا يتوقع جعله فيه. (اللوحة رقم 3
)
يبدأ عد السنوات في التاريخ القبطي[3] من
سنة 284 ميلادية فيكون تاريخ المخطوطة 28 ابيب 1069 (بجمع 284
سنة معه) مساويا ليوم الأحد 28 تموز
1353 ميلادية 25 جمادى الثانية 754 هجرية حسب "محوِّل نور" اي
بفارق خمسة أيام هجرية عن المذكور في النسخة، و 26 جمادى الثانية بحسب "محوِّل أم القرى" بفارق ستة أيام هجرية، وأما بحسب
كتاب التوفيقات الالهامية[4]
لبداية رجب الواقعة في 10 ابيب و4 تموز فيختلف اليوم من الأحد إلى الإثنين ويكون
تاريخها 18 جمادى الثانية 754 هجرية وهو
مختلف في التاريخين الميلادي والهجري. أما بحسب نتيجة برنامج التحويل
في موقع مطرانية شبرا الخيمة وتوابعها[5]: 4،أغسطس
1353 .
وقد جهدت لمعرفة الأرقام القبطية الثلاثة المرسومة في تأريخ النسخة للتأكد
من تطابق السنة ولم أستطع إلى أن لاحظت كتابة عربية باللون الأحمر في حاشية الصفحة
الأخيرة من السفر الأول وهي الصفحة رقم 154 من النسخة الرقمية، قال: " بلغ
مقابلته بالأصل ومعارضته باليوناني والعبراني والعربي في منتصف شعبان سنة اربع
وخمسين وسبعمية "، وبذلك تتفق السنة الهجرية مع ما وصلت إليه
ويكون الإختلاف في اليوم راجعا إلى اختلاف الحساب ويكون كلام الناسخ فاصلا لأنه عن
شهود باعتباره آخذا له عن المسلمين في وقته.
وبالتوقف عند ما كتبه الناسخ في هذه الحاشية نلاحظ انه استغرق في المقابلة بقية شهر جمادى
الثانية وتمام شهر رجب و15 يوما من شعبان، ولكنه لم يشر إلى مراده من "بلغ
مقابلته" : السفر وحده أم تمام الكتاب لأنه استمر في تدوين اختلاف النسخ حتى
تمام الكتاب. (اللوحة رقم 4)
المميزات الفنية:
-
استخدام طلسم الحفظ من الأرضة "يا كبيكج"
وحبس السارق الذي كتبت مقالا عنه وعن الفارق بين كتابة "كبيكج" وحدها
وبين استخدام حرف النداء معها "يا كبيكج" وخلاصته أن "كبيكج"
وحدها كانت تعني تبخير الكتاب بنبات الكبيكج لمنع الحشرات وهو سام فيحذر المتصفح
له ثم تخيل أحدهم انه اسم جني لغرابته فأضاف عليه ياء النداء[6].
-
الإقتصار على استخدام الزخارف الهندسية
والنباتية في تزيين الكتاب دون الحيوانية من الأول الى الآخر مع عدم المانع دينيا
عنده. (اللوحة رقم 5 )
-
عمل "سرلوح" للكتاب باستخدام الخط
الكوفي المفرّغ وغير المنقوط في إطار زخرفي، كتب في السطر الأعلى من الصفحة
اليمنى: "بدو توراه موسى النبي"
وفي الأسفل: "عليه السلام السفر الأول" ثم أكمل في الصفحة المقابلة من
أعلى:" وهو سفر الخليقة الفصل" وفي الإطار السفلي :" الأول من
السفر الأول" .
-
تشكيل السحاب
حول الكتابة داخل السرلوح للإيحاء بأنها نازلة من السماء. (اللوحة رقم 6 )
الإكتفاء بخمسة أسطر في كل من الصفحتين
محاكاة لعمل السر لوح القرآني حيث نجعل الفاتحة من جهة وأوائل البقرة في الجهة
المقابلة بعدد أسطر يقل كثيرا عن عددها في الصفحات الباقية وهي هنا ثلاثة عشر
سطرا.
-
عمل السر لوح لكل سِفْر من الأسفار الأربعة
الباقية على طريقة المغاربة في تسبيع المصحف وتمييزها.) اللوحة رقم 7)
-
تمييز الفصول ضمن السِفْر بجعل عنوانه في ما نعرفه بالسر سورة وهو
إطار مستطيل أضاف الناسخ إلى جانبه دائرة بحسب الصفحة الواقع فيها ،فهي إلى يمين
المستطيل في الصفحة اليمنى وإلى يساره في المقابلة لكنه غير مطرد في كل الفصول. (اللوحة رقم 8)
-
تمييز كتابة عناوين الفصول بخط الثلث عن خط
المتن الذي استعمل له وللتعليقات خط النسخ، مع كمال الدقة في استعمال قصبة الكتابة
بحيث لا تتفاوت سماكة الحروف والحبر وكأنه يستخدم قلما حديثا[7].
-
فواصل الجمل (الآي) بدون ترقيم كما في
المصاحف القديمة، وهي عبارة عن زهرة ملوّنة بالذهبي والأحمر والأزرق باستخدام
حجمين كبير وصغير وترنجات رفيعة وعريضة باستخدام نفس الألوان أيضا لم أفهم سببه . (اللوحة رقم 9 ورقم 10 )
-
إضافة عناوين فرعية وتفسير وذكر عنوان السِفْر
وِأْرقام الكراسات المجموعة من عشرين صفحة وكأنها العلامات المطبعية لما يعرف بالملازم
وهي اليوم ستة عشر صفحة. (اللوحة رقم 11 )
[2] في "تاريخ
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - تاريخ الكنيسة القبطية من القرن الـ10 حتى الـ19 -
للد. يواقيم رزق 5- أشهر الشخصيات القبطية في العصر الأيوبي" https://st-takla.org/Coptic-History/CopticHistory_04-Coptic-Church-from-the-10th-to-19th-Centuries/Coptic-Encyclopedia__Coptic-Church-History-10-20-Centuries__10-Ashhar-Al-Shakseyat-Fel-3asr-Al-Aioby.html
[3] السنة القبطية – للشهداء الأبرار: ويسمونها سنة
الشهداء الأبرار فيضاف هذا الرقم أو ينقص لمعادلة الجولياني بالقبطي شهور السنة
القبطية هي بالترتيب: توت, بابه, هاتور, كيهك, طوبة, أمشير, برمهات, برمودة, بشنس,
بؤونة, أبيب, مسرى ثم الشهر الصغير (النسئ) وهو خمسة أيام فقط (أو ستة أيام في
السنة الكبيسة). ومازالت هذه الشهور مستخدمة في مصر ليس فقط على المستوى الكنسي بل
على المستوى الشعبي أيضًا وخاصة في الزراعة. ولقد حذف الأقباط كل السنوات التي قبل
الاستشهاد وجعلوا هذا التقويم (المصري) يبدأ بالسنة التي صار فيها دقلديانوس
إمبراطورًا (عام 284 ميلادية) لأنه عذب وقتل مئات الآلاف من الأقباط , وسمى هذا
التقويم بعد ذلك بتقويم الشهداء.
[4] ص 377 ، كتاب التوفيقات
الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنوات الإفرنكية والقبطية تأليف اللواء
أحمد مختار باشا، الطبعة الأولى بالمطبعة الميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1311 هجرية
وبحسب جدوله (1893 إفرنكية – 1609 قبطية).
[7] "ازدهرت مصر خلال العصر الفاطمي ثقافيًا،
وانتعش الكتاب صناعة وزخرفة وتجليدًا وتذهيبًا وتسويقًا،. بل إن المبدعين استطاعوا
خلال العصر الفاطمي أن يخترعوا قلم الحبر السائل الذي امتاز بخزَّان صغير للحبر وله
ريشة، وهو لا يختلف عن أقلام الحبر السائل الحديثة، وقدَّم مخترعه هذا القلم
للخليفة الفاطمي هدية، لكنه لم يعممه ولم يصنع منه أقلامًا أخرى ويبيعها لسائر
الناس، لأن المجتمع المصري كان يحفل بأنواع مختلفة من أقلام الخط الدقيقة الصنع،
التي تبلغ ريشتها جزء من عشرة من السنتيمتر الواحد، والتي خطُّوا بها مصاحف صغيرة
جدًا توضع في الجيب، أو ربما تعلق بالحلق."، ويكيبيديا.
وراجع ما كتبته تحت عنوان: المُعِزُّ لدين الله الفاطمي أول من اخترع
قلم الحبر السائل