الأربعاء، يوليو 17، 2013

حكم رد جواب الرسالة




الرسالة من أدوات التواصل كانت وستبقى  كذلك ما دامت حاجة الإنسان إليها ولو أن أدوات التواصل المتطورة دفعت ببعض البلاد إلى إلغاء خدمة البريد الورقي كما قرأت منذ فترة . والناقل للرسالة هو الوسيط فمن الله إلى البشر كان الأنبياء هم الرسل مبلغي رسائل ربنا , وبين البشر كانت وسائط متعددة فإما أن يحملها إنسان أو الزاجل من الحمام أو البريد بصورته الأولى : الفارس أو كما انتهى إليه في أيامنا إلكترونيا بشكليه الهاتفي أو عبر مزود خاص .
تحولت المراسلة إلى هواية بعد أن كانت تحكمها الضرورة والحاجة , وقد أدرت في الثمانينات هيئة للمراسلة كان يباشر العمل فيها شابان متحمسان لتبليغ الدعوة إلى الإسلام وكانا من المتابعين للهواية في الصفحات التي خصصتها لذلك مجلات وجرائد منذ الستينات , فنظمناها وتوزعنا الأدوار واستفادا من أخواتهما في مراسلة البنات. استمرت الهيئة بحدود ثلاث سنوات فكانا ينشران العنوان في المجلات و يتخيران من العناوين المنشورة ويخطان الرسائل ويضعانها في الظروف الخاصة ويذهبان بها إلى مكتب البريد فيلصقا الطوابع المناسبة ويتسلما البريد الواصل ثم يردان علىه وهكذا حتى توقفنا بسبب الظروف الأمنية التي أعاقت عمل البريد الجوي كما كان يسمى . وظللت أستقبل رسائل على صندوق البريد الخاص الذي أنشأناه لها بين فترة وأخرى . لقد كانت متعة من جهتي التواصل الإنساني والإحساس بالقيام بدور في الدعوة إلى الله .
بالعودة إلى الموضوع , فإن قاعدة حكمت عملنا وهي وجوب الرد على الرسائل الواردة مهما كان مضمونها وحتى مع غلبة الظن بعدم تجاوب صاحبها أو صاحبتها مع هدفنا . وهذا الوجوب ألزمنا به أنفسنا أخلاقيا , لكن ولمن يجهل الأمر فإن المسألة - أقصد الرد على الرسائل - موضوع لحكم شرعي أيضا .فماذا ورد فيها ؟

في الحديث الشريف :

" - عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رد جواب الكتاب حق كرد السلام ( 1 ) .
- وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : إن لجواب الكتاب حقا كرد السلام ( 2) .
- وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : إن لجواب الكتاب حقا كرد السلام ( 3 ).
- وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ( 4 ) .
( 1 ) كنز العمال , المتقي الهندي : 29294 .
( 2 ) كنز العمال : 29293 .
( 3 ) الجامع الصغير , جلال الدين السيوطي الجزء : 1,ص :367
( 4) الكافي , الكليني : 2 / 670 / 2 ." .

في أقوال الفقهاء :

"قال المحقق البحراني من علماء الإمامية في كتابه الحدائق الناضرة , الجزء : 9, ص 82 : " روى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : " رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ، والبادئ بالسلام أولى بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله "
وهذا الخبر دال بعمومه على وجوب رد السلام الذي كتب له في ذلك الكتاب لأنه من جملة ما يتوقع صاحبه رده سيما إذا كان الكتاب إنما يشتمل على مجرد الدعاء والسلام وقد حكم ( عليه السلام ) بوجوب رده كرد السلام . وفي قوله " والبادئ بالسلام . . . الخ " إشارة إلى أن البادئ بالكتاب أفضل كما تقدم الخبر بذلك في أفضلية الابتداء بالسلام ، وبالجملة فإن ظاهر الخبر أن حكم الكتاب في وجوب الرد كحكم السلام .
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي من فقهاء الإمامية المعاصرين في كتابه الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 12 ,ص 60 والجدير بالذكر أنه يستفاد من الرويات الإسلامية أن رد الكتاب واجب كرد السلام ، إذ نقرأ عن الإمام الصادق أنه قال : " رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام " .وحيث أن كل رسالة أو كتاب مشفوع عادة بالتحية ، فلا يبعد أن يكون مشمولا بالآية الكريمة وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا  - النساء - الآية - 86  .
 وقال الإمام أحمد المرتضى من الزيدية في كتاب شرح الأزهار, الجزء : 4, ص : 118
إذا بلغ السلام الغائب وجب الرد على المبلغ ثم عليه إذ هما مسلمان قلت وللمبتدي بالكتاب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ان لجواب الكتاب حق كرد السلام اه‍ بحر بلفظه قال في البيان وفيه نظر .

 وقال العلاَّمة ابن عابدين  الحنفي في كتابه حاشية رد المحتار , الجزء : 6, ص :726

قوله : ( ويجب رد جواب كتاب التحية ) لان الكتاب من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر . مجتبى . والناس عنه غافلون ط . أقول : المتبادر من هذا أن المراد رد سلام الكتاب لا رد الكتاب ، لكن في الجامع الصغير للسيوطي : رد جواب الكتاب حق كرد السلام . قال شارحه المناوي : أي إذا كتب لك رجل بالسلام في كتاب ووصل إليك وجب عليك الرد باللفظ أو بالمراسلة ، وبه صرح جمع شافعية : وهو مذهب ابن عباس . وقال النووي : ولو أتاه شخص بسلام من شخص : أي في ورقة وجب الرد فورا ، ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرجه النسائي ، ويتأكد رد الكتاب فإن تركه ربما أورث الضغائن ، ولهذا أنشد :
 إذا كتب الخليل إلى الخليل * فحق واجب رد الجواب
إذا الاخوان فاتهم التلاقي * فما صلة بأحسن من كتاب
قوله : ( يجب عليه ذلك ) لأنه من إيصال الأمانة لمستحقها ، والظاهر أن هذا إذا رضي بتحملها . تأمل . ثم رأيت في شرح المناوي عن ابن حجر : التحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلا فوديعة اه‍ : أي فلا يجب عليه الذهاب لتبليغه كما في الوديعة . قال الشرنبلالي : وهكذا عليه تبليغ السلام إلى حضرة النبي ( ص ) عن الذي أمره به ، وقال أيضا : ويستحب أن يرد على المبلغ أيضا فيقول :
وعليك السلام اه‍ . ومثله في شرح تحفة الاقران للمصنف ، وزاد وعن ابن عباس : يجب اه‍ .
لكن قال في التاترخانية : ذكر محمد حديثا يدل على أن من بلغ إنسانا سلاما عن غائب كان عليه أن يرد الجواب على المبلغ أولا ثم على ذلك الغائب اه‍ . وظاهره الوجوب . تأمل. " .

الخلاصة:

إلى هنا انتهى ما يسع المقام نقله من الحديث الشريف ومن أقوال الفقهاء , ورغم التأمل الذي طلبه فقهاء غير مذهب الإمامية بسبب تضعيف البعض لسند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله فإن القاعدة أن يجبر الضعف في السند بنفس المتن وعمل الصحابة به وقد صح عن إبن عباس رضي الله عنه  في ما ذكره ابن أبي شيبة الكوفي في المصنف الجزء : 6 , ص : 221 باب  في رد جواب الكتاب :  شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي قال : قال ابن عباس : إني لأرى لجواب الكتاب علي حقا كرد السلام .
وقال الإمام البخاري في الأدب المفرد ,ص 239
باب جواب الكتاب ( 1150 ) حدثنا علي بن حجر قال أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح عن عامر عن بن عباس قال إني لأرى لجواب الكتاب حقا كرد السلام .
وقال الجاحظ في كتابه البيان والتبيين ص  265 ومن البخل ترك رد السلام قال ابن عمر لعمري إني لأرى حق رجع جواب الكتاب كرد السلام .
وبماعرفت من تصحيح الإمامية لحديث الإمام الصادق عليه السلام الذي يعد بمثابة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله بإسقاط السند فإن الحكم بوجوب الرد على الرسائل لا يخلو من وجه ويتأكد في ما لو تضمنت الرسالة صيغة التسليم الواجب رده . لا فرق في ذلك بين الرسالة الشفهية أو الورقية أو الإلكترونية...

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور