ثمة ضوابط وسنن لاستقرار المجتمع ورفاهه ,
منها ما يتعلق بالحاكم ومنها ما يتعلق بالمحكومين ومنها ما يتعلق بعلاقتهما ببعض ,
وأي خلل فيها تكون نتيجته اهتزاز المجتمع على حساب الإستقرار أو الرفاه أو كليهما إلى
أن تستقر الأمور في أحد الإتجاهات فتكون النتيجة متناسبة مع الإتجاه الذي تكون لصالحه
, وأما مع استقامتها جميعا وفق المنهج الرباني فيستحق هذا المجتمع التوفيق إلى النعم
الإلهية فتعمر الأرض ويأمن الناس إلى مستقبلهم ويمكَّنُ السلطان للحاكم.
منذ أشهر تشهد منطقتنا العربية تحركات شعبية
في إتجاه تقويم الأوضاع فيها وقد وُفِّقت بعضها إلى بعض ما تريد وتستمر الأخرى في استكمال
نتائج هذه الحركة .
ومع التباين في تحقيق وجود مؤامرة استهدفت
التغيير الحاصل أو الحراك الذي لم يستكمل إنجازه في عدد من الدول العربية , إلا أن
هذا الحراك الشعبي لا يمكن وصفه بأنه إستجابة مطلقة لمحرك خارجي - وإن شهدنا هذا التدخل
سافرا فيه – لأنَّ حجم الإستبداد والظلم والإستئثار بالثروة أفحش من أن يتعامى عنه
, بل يصح القول إنَّ هذه التحركات قد تأخرت وهي لمَّا تبدأ بعد في دول أخرى تحتاجها.
وأخطر ما يحيق بهذه التحركات هو الفوضى وغياب
المرجعية الحكيمة , إذ النتيجة تكون الدخول في حال الفتنة الدائمة فلا السلطة متمكنة
ولا الشعب آمن . وحال الفتنة هو المناخ المناسب للتدخل الخارجي الذي من شأنه تعزيز
الفتن ليصفو له الجو ويحكم قبضته على المفاصل المؤثرة لمصلحته في ما يبدو كأنه هو المحرك
وليس مجرد مستفيد.
المرجعية الحكيمة هي التي تستطيع تشخيص مآلات
الأحداث بحيث لا تدع مجريات الأمور تذهب في خط الفتنة , وهي التي تستطيع الموازنة بين
أن يخدم الحدث مصلحة الناس أو أن يخدم مصلحة العدو , ولا نتحدث عن منع إستثماره منه
فهذا غير ممكن عقلا ويقع عادة .
المرجعية الحكيمة هي التي تحفظ " الخروج
على الحاكم الظالم" الجائز شرعاً بل الواجب أحياناً من أن يتحول "بغيا"
أو "حرابة" أو "إفسادا في الأرض".
المرجعية الحكيمة هي التي تقود "الخروج"
مع ملاحظة محيطها في الدول الأخرى فتؤثِرُ نجاحه في إحداها لأنه يخدم مصلحة الأمة على
الوقوع في فتنة داخلية فلا هي تنجح ولا هي تستطيع الإستفادة من نجاح أختها .
المرجعية الحكيمة هي التي تنطلق من داخل أرضها
وبقوتها الذاتية وليست تلك التي تنطلق من أرض دولة أخرى أو تعتمد على سلطان حاكم آخر
لأنه إنما يعمل وفق مصلحة بقائه وتعزيز نفوذه هو.
وقبل كل ذلك , المرجعية الحكيمة هي التي تستبق
الأمور وتقوم بواجبها أمام الحاكم وأمام المحكوم فلا يتجاوز الحاكم حدوده ولا يضطر
المحكوم إلى خروج عليه.
الشيخ علي خازم