الخميس، نوفمبر 20، 2025

التأسيس القرآني لسلامة الطفولة ونموّها

 

 بمناسبة يوم حقوق الطفل وهو اليوم العالمي للطفل ويُحتفل به في 20 تشرين الثاني من كل عام.

التأسيس القرآني لسلامة الطفولة ونموّها

الشيخ علي خازم

تمثّل الإشارات القرآنية إلى رعاية الناشئة أحد المرتكزات الكبرى في بناء المجتمع الإسلامي، إذ يتجلّى عبرها التصوّر التربوي الربّاني القائم على صون الحياة، وتحصين الفطرة، وضمان النموّ الآمن للطفل داخل أسرة مستقيمة ونظام اجتماعي راسخ. ويكشف التأمل في هذه الإشارات عن منظومة حقوقية متكاملة تسبق كل المواثيق الحديثة، وتستند إلى مبدأ الكرامة الإنسانية منذ لحظة التكوين الأولى.

1.  حقّ الطفل في الحياة وعدم الاعتداء
يقرّر القرآن هذا الحق حين ينهى عن قتل الأولاد كما في قوله تعالى:  ولا تقتلوا أولادكم من إملاق [1] وفي قوله : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق [2]. يجتمع هذان النصّان على حماية الطفل من أي اعتداء بدافع الفقر أو الخوف من المستقبل، ويجعلان صيانة حياته أصلًا لكل حقّ آخر.

2.  حقّ الطفل في النسب والحماية الأسرية
يثبت القرآن حقّ الطفل في الانتماء الصحيح بقوله: ادعوهم لآبائهم [3] ، وهو أصل في صيانة الهوية ووضعه القانوني. وفي سياق علاقة الوالدين، يمنع القرآن الإضرار بالطفل عند النزاع بينهما كما في قوله: لا تُضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده[4]، فتُحفظ له بيئة لا يكون فيها طرفًا في صراع الكبار.

3.  حقّ الطفل في الرعاية من الرضاع إلى الفطام
تحدّد آية الرضاع معيار الرعاية في عامين كاملين كما في قوله تعالى:  والوالدات يُرضعن أولادهن حولين كاملين[5]، مع تحميل الأب مسؤولية النفقة والكسوة بما يحفظ توازن الأسرة ويؤمّن حاجات الطفل الأساسية.

4.  حقّ الطفل في الأمن والحماية من الأذى
يعرض القرآن صورًا من العناية الإلهية بالطفل، منها مشهد مريم وهي تشير إلى طفلها فينطق مطمئنًا أمّه كما في قوله تعالى: قال إني عبد الله[6]، وهو نموذج للحماية والسكينة. ويعزّز القرآن هذا المعنى بقوله:  لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافًا خافوا عليهم[7]، فيضع حماية الذرية المستضعفة ضمن واجبات المجتمع.

5.  حقّ اليتيم في الرعاية الكاملة
يحذّر القرآن من أكل مال اليتيم في قوله: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا [8]، ويأمر باختبار اليتيم قبل تسليم ماله في قوله:  فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم [9]. ويضيف توجيهًا أخلاقيًا خاصًا في قوله: فأما اليتيم فلا تقهر[10]، ثم يؤكّد صيانة ماله بقوله: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [11]. تتكامل هذه النصوص في منظومة واحدة ترعى اليتيم مالًا ونفسًا.

6.  حقّ الطفل في التربية والتعليم
تُمثّل وصايا لقمان لابنه نموذجًا قرآنيًا للتربية، بدءًا من قوله : يا بني لا تشرك بالله [12] ومرورًا بالتوجيهات العملية والأخلاقية، لتؤسس منهجًا تربويًا يجعل التعليم حقًا ملازمًا لنموّ الطفل وعقله.

7.  حقّ الطفل في الكرامة الإنسانية
يندرج الطفل في عموم التكريم الوارد في قوله:  ولقد كرمنا بني آدم [13] ، فيتقرر له حقّ الكرامة الإنسانية وحرمة الإهانة والإذلال، باعتباره فردًا كامل القيمة داخل الجماعة الإنسانية.

8.  حقّ الطفل في بيئة أسرية رحيمة
تتجلّى رحمة الوالدين في القرآن من خلال مشاهد متعددة، منها دعاء زكريا كما في قوله: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [14] ، ومنها حوار إبراهيم مع ابنه الذي يبدأ بقوله: يا بني إني أرى في المنام[15]، وهي أمثلة ترسّخ حقّ الطفل في الحوار والرفق والرعاية العاطفية.

9.  حقّ الطفل في العدالة داخل الأسرة
يستمد هذا الحق أصله من قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل [16] ، وهو مبدأ عام يمنع التمييز بين الأبناء ويجعل العدل ركنًا من أركان الاستقرار النفسي داخل الأسرة.

10.  حقّ الجنين في الحماية والرعاية
يصف القرآن مراحل خلق الإنسان في قوله: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين[17] ، وهو وصف يثبت حرمة الاعتداء على الجنين وضرورة رعايته بوصفه بداية تكوين الطفل وامتدادًا لحقّه في الحياة.

خاتمة
يتضح من هذا العرض أنّ القرآن لم يتعامل مع الطفل بوصفه كائناً ضعيفاً يحتاج إلى حماية فحسب، بل بوصفه أمانة ربّانية تستوجب إحاطة شاملة بالعناية والرعاية والعدل. ومن خلال هذا النسق الدقيق من التوجيهات، يتبلور الفهم الإسلامي للحقوق بوصفها التزامات أخلاقية واجتماعية، لا تنفصل عن مقصد عمارة الإنسان وتهذيب مساره في الحياة. هكذا تتكامل الدلالة القرآنية لتضع أساساً حضارياً صلباً لحقوق الطفل، يدعو إلى استئناف النظر فيه واستثماره في واقعنا المعاصر.

 


الحواشي – تمام الآيات كما في المصحف الشريف

[1] الأنعام 151:
﴿ ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [ الأنعام: 151]

[2] الإسراء 31:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [ الإسراء: 31]

[3] الأحزاب 5:
﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [ سورة الأحزاب: 5]

[4] البقرة 233:
﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 233] [5] لبقرة 233 (تمام الآية):
﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 233] [6] مريم 29–31:
﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [ مريم: 29]

﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [ مريم: 30]

 ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [ مريم: 31]

[7] النساء 9:
﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [ النساء: 9]

[8] النساء 10:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [ النساء: 10]

 [9] النساء 6:
﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [ سورة النساء: 6]

 [10] الضحى 9:
﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ [ الضحى: 9]

[11] الإسراء 34:
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [ الأنعام: 152]

 [12] لقمان 13–19:
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [ لقمان: 13]

[13] الإسراء 70:
﴿ ۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [ سورة الإسراء:70] [14] مريم 2–6:
﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا - إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً - قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعِظَامُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً - وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً - يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾ [سورة مريم2 – 3 – 4 – 5 – 6].     

[15] الصافات 101–102:
الآيتان كاملتان من مشهد الحوار بين إبراهيم وابنه.

﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ - فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات: 101 – 102]

[16] النحل 90:
﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [ النحل: 90]

 [17] المؤمنون 12–14:
﴿ وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سلالة من طين ١٢ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ١٣ ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةًۭ فِى قَرَارٍۢ مَّكِينٍۢ ١٣ ثُمَّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة عِظَـٰمًۭا فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْمًۭا ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ اخر فتبارك الله احسن الخالقين ١٤ ﴾ [ المؤمنون]

ألبوم الصور