الثلاثاء، أبريل 12، 2016

الدرس الحوزوي وعلامات الترقيم



الدرس الحوزوي وعلامات الترقيم
يجهل من لم يعالج الدرس الحوزوي لرجال الدين المسلمين الشيعة طلبا وتدريسا حجم الصعوبات التي عانى منها هؤلاء, فإلى سنين قريبة كانت المتون العلمية هي نفس مؤلفات علماء كبار وزبدة اجتهادهم في العلوم التي ندرسها, فتفتقر بالتالي إلى روح الإعداد للتدريس[1] عدا النادر منها, وفضلا عن كونها خالية من علامات الترقيم (النقطة والفاصلة وما إليها) بحيث يبدو الكتاب جملة واحدة من أوله إلى آخره, فإنها تشتمل على اختصارت مرمزة (كلمة أو حروف مقطعة) تدل على كلمات وأسماء بل وعلى جمل أحيانا, لا يمكن فك شيفرتها إلا بالتلقي الشفاهي من المدرس الخبير. أضف إلى ذلك أنها كانت مكتوبة بخط اليد الذي يصار إلى طباعته حجريا أو بالأوفست لاحقا مع احتمال الخطأ في النسخ  حتى كانت النقلة النوعية إلى الطباعة الحروفية.
يأخذ الإعراب حصة من وقت الدرس للتوقف عند نهاية جملة مفيدة كانت علامات الترقيم لتكفينا مؤنتها, وهو على فائدته في تدريب الطالب على امتلاك مهارة التعامل مع النص فهما واستنباطا في مرحلة البحث الخارج, لكنه في مرحلة السطوح والسطوح العالية[2] من الدرس يصير على حساب عمر الطالب حتى تناقشنا مرة في إمكانية أن يلتحق أبناؤنا بمرحلتنا الدراسية ولمَّا ننته من الكتاب بعد, لأن ترقي الدرس الحوزوي مبني على إتمام الكتاب الحاضر قبل الإنتقال إلى الكتاب اللاحق وليس على السنة الدراسية.
بعد ابتداع علامات النقط وعلامات التشكيل, ابتدع المسلمون جراء تدهور السليقة اللغوية في إعراب العبارة علامات الوقف والإبتداء في نسخ القرآن الكريم, وذلك لتعيين المواضع التي يصح للقارئ التوقف عندها, واستكملت بغيرها مما يجعل في آخر المصحف تحت عنوان "علامات الضبط", وأوجدوا شيئا شبيها في نسخ مجاميع الحديث الشريف أسموه "الضَبَّة", وهما علامتان متشابهتان يجعل متن الحديث الشريف بينهما ليميزوا الشرح عن المتن, وقد تكون العلامة دارة (دائرة) , ولكنهم لم يستكملوا هذه الخطوة باعتماد علامات للوقف في الكتابات الأخرى, وإن وجدت فكانت خاصة غير مطردة كجعل خط أسود أو أحمر فوق الكلمة للوقوف أو الفصل, حتى تم نقلها عن الأجانب بعد انتشار الطباعة الحروفية[3] (ومنهم الأتراك بحرفهم اللاتيني),  لكنها لم تعتمد طريقة واحدة حتى أقر مجمع اللغة العربية بمصر[4] سنة  1932 ما اقترحه أحمد زكي باشا . نعم استخدموا علامات الإعراب ولكن ليس بصورة مطردة أيضا (انظر الصور).







لاحظوا في الصورة المرفقة من نسختي التي درستها لكتاب فرائد الأصول المعروف بالرسائل (أصول فقه) ما يلي:
أولا : تاريخ الدرس على الصفحة اليمنى ثم على الصفحة اليسرى فتجدون أننا لم نتجاوز الصفحة الثانية في أريعة أيام, لأن المدرس يوقف درسه عند رأس مطلب في النص حيث لا تقسيم للكتاب منهجيا على دروس وحصص, فهو لم يكتب لذلك كما مر.
ثانيا : تصحيح الكتابة والإملاء والنحو..
ثالثا : بيان الإعراب...
رابعا : شرح الرموز (صا يعني صاحب, لم يعني كتاب المعالم, يق يعني يقال, الت يعني التأمل...).
خامسا : استخدام كلمة "انتهى" للدلالة على انتهاء اقتباس كلام أحد المصنفين بحرفيته.
سادسا : العلامة الوحيدة التي يمكن عدها من علامات الترقيم في الطبعات الحجرية تجدها رأس سهم يدل على نقص كلمة.
كل هذا ولم نناقش المطلب موضوع الدرس بعد لأن المدرس قد يستعين بمصادر ومراجع خارجية.
وهذا الدرس كان يجري أيضا في ظروف نفسية واجتماعية وأوضاع معيشية يحتملها من قدر له المولى الاستمرار في رحلته العلمية ولم يحتملها كثيرون فتركوه تباعا في إحدى مراحله الثلاث : المقدمات والسطوح والبحث الخارج.
يتبع : التعريف بهذه المراحل الدراسية وكتبها.




[1] وسيأتي الكلام عليها لاحقا.
[2] تنقسم دراسة العلوم الدينية إلى ثلاث مراحل: المقدمات والسطوح والبحث الخارج, ولكل منها كتب مقررة ويتسامح في عد الفترة الأخيرة من دراسة السطوح مرحلة مستقلة باعتبارها السطوح العالية.
[3] قام أحمد زكي باشا بإبداعها عربيا في كتابه المطبوع سنة 1912 تحت عنوان "الترقيم وعلاماته في اللغة العربية",صفحة 12 .
[4] راجع: https://uqu.edu.sa/ntferjani/ar/18387 , علامات الترقيم في الكتابة العربية: أصولها وقواعدها , بحث منشور بمجلة "الحياة الثقافية" التونسية، ع168، السنة 30، أكتوبر 2005م, د. نبيل الطاهر الفرجاني.

ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور