من كتابي تأملات قرآنية :
للتصفح أو تنزيل الكتاب إضغط هنا
(سورة القدر)
مكية وقيل مدنية.
(عدد آياتها)
ست آيات مكي وشامي وخمس في الباقين.
(اختلافها)
آية ليلة القدر الثالث مكي شامي.
(فضلها)
أبي بن كعب عن النبي (ص) من قرأها أعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر. الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) قال من قرأ إنا أنزلناه في فريضة من الفرائض نادى مناد ياعبد الله قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل. سيف بن عميرة عن رجل عن أبي جعفر (ع) قال من قرأ إنا أنزلناه بجهر كان كشاهر سيفه في سبيل الله ومن قرأها سراً كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله ومن قرأها عشر مرات مرت على محو ألف ذنب من ذنوبه.
(تأويل رؤيتها في المنام)
ومن قرأ سورة القدر طال عمره وعلا أمره وقدره.
من قرأها لم يخرج من دنيا حتى يصادف ثوابها.
وقال الكرماني يطول عمره ويحصل مراده.
وقيل نصرة، وقيل عمل بأضعاف ما يظن.
وقال جعفر الصادق يعلو قدره في الدنيا والآخرة.
ليلة القدر ومعايير قرآنية
"ليلة القدر خير من ألف شهر" .
سورة القدر مكية، وقيل مدنية، وتتعرض لبيان أمرين عظيمين هما إنزال القرآن الكريم، وبيان فضيلة الليلة. والأمران من المسائل المبحوث عنهما كثيراً بين المسلمين وعلمائهم، باعتبار القرآن الكريم معجزة النبي (ص) الدائمة إلى يوم القيامة، ومن جوانب الإعجاز فيه كيفية تلقيه من الله هذا من جهة الأمر الأول، أما جهة فضيلة الليلة فباعتبار ما عرفناه في القرآن الكريم من خصوصية لبعض الأزمنة كشهر رمضان، والأشهر الحرم، وبعض الأيام كيوم الجمعة والأعياد. , وقد أشير إلى هذه الليلة في سورة الدخان بقوله تعالى : "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين" 3.
تبدأ السورة بقوله تعالى : "إنا أنزلناه في ليلة القدر " ولم يستغرب السامعون المفسرون- في ما قرأت- الإستهلال بإخبار عن نزول شيء مبهم بهاء الضمير الغائب : الهاء في "أنزلناه"، بل أنت تعرف من أي كان هذا الرجوع بها إلى القرآن الكريم وكأنه بديهي، أو ضروري.
لكن منهج التفسير الترابطي بين آيات وسور القرآن الكريم في ما يتعلق بالضمير المذكور يلزم بالعودة إلى السورة السابقة وهي سورة العلق المفتتحة بقوله تعالى : "إقرأ باسم ربك الذي خلق" وقد أشرت عند التأمل فيها إلى شيء قد يستغربه البعض لكنني أطرحه للمناقشة هنا أيضاً.
قلت إن القراءة المأمور بها النبي بقوله له إقرأ تضعنا أمام صورة لجبريل "ع" وهو يقرئ النبي "ص" من لوح مكتوب لا نعلم عنه إلا من قسمه تعالى به وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ - الدخان - الآية - 2 وليس كما اشتهر من الأقوال .
فليس معقولاً بأن يراد بإقرأ الإعادة أو جمع المعاني من الذهن , أما الإعادة خلف قراءة جبريل كما أشار إليها العلامة الطباطبائي (قده) في محاولته للتخلص من الإشكال دون أن يورده، حيث قال : "فالجملة أمر بقراءة الكتاب وهي من الكتاب كقول القائل في مفتتح كتابه لمن أرسله إليه إقرأ كتابي هذا واعمل به فقوله هذا أمر بقراءة الكتاب وهو من الكتاب" إذ الإشكال لم ينحل بعد، فالمشبه به غير المشبه، ها هنا المشبه به هو رسالة يمسكها الواصلة إليه ككتاب مدروج فأين وجه الشبه مع كون جبريل في تلك اللحظة مجرد قائل ، وليس النبي مطلعاً على القرآن كاملا بعد، ولا صيغة إقرأ تدل على الأمر بإعادة التلفظ خلف القارئ.
فالصورة التي وضعتها من كون جبريل مقرئاً من لوح، تصح باستبعاد الإحتمالين المذكورين (الإعادة والاطلاع)، وبكون الجواب بنفي النبي صفة القراءة عنه "ما أنا بقارئ" نفياً للقراءة من المكتوب إذ المعنى الآخر للقراءة من جمع المعاني وجمع الكلمات والحروف من الذهن لا يمكن نفيه أبداً.
فإذا أضفنا المفهوم من قوله تعالى في سورة القدر : "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وفي سورة الدخان "إنا أنزلناه في ليلة مباركة.." كان ما ذكرناه حلاً معقولاً، فالإنزال كما ذكر العلماء يدل على الدفعة، ولا أتصور نزول المعاني ممكن دفعة واحدة إذ هي متغايرة وكثيرة وقد ظهر التعدد في الآيات بين الإنزال والتنزيل والتفصيل وغرضه , فيكون المنزل في ليلة القدر هو "الكتاب المبين" وهو المحكم من القرآن الكريم لا المفصَّل على الزمان والمرتبط بأحداث وأماكن من آياته.
ثم إن ما قاله العلامة الطباطبائي (قده) من الأمر بقراءة الكتاب وكونه من الكتاب، نقبله على هذا التفسير كبداية لإعلامه (ص) بالنبوة، وهذا ما يطرح إشكالاً آخر وهو يتعلق بتأريخ بعثة النبي المشهور كونها في السابع والعشرين من رجب عام 40 بعد الفيل.
ثمة قول بأن ليلة القدر غير محصورة في شهر رمضان فهي تكون عاماً فيه وعاماً في غيره، وهناك قول بأن هذا كان قبل البعثة، وقول بأن هذا كان حتى وفاة النبي (ص) . فإن كانت حجة القائلين بأن البعثة تمت في السابع والعشرين من رجب، قاطعة فها هنا إشكال في اعتبار المراد من "ليلة القدر" و "الليلة المباركة" هي إحدى ليالي شهر رمضان المباركة، لكن المشهور من الروايات، والتسالم بين العلماء على كون ليلة القدر هي إحدى الليالي العشر الأواخر من الشهر المبارك يجعلاننا أمام ضرورة الفحص عن صحة الرواية القائلة بأن البعثة كانت في رجب أو أن نقبل أن ليلة القدر كانت قبل البعثة "خارج" شهر رمضان، لكن قطعية دلالة الآيتين على إنزال القرآن في ليلة القدر تتأكد بالنص عليه في قوله تعالى : "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" فلا يبقى إلا المناقشة بكون إعلامه (ص) بالنبوة كان في قول جبريل "إقرأ.. الآيات" وهي مدفوعة، وعلى هذا فإن القول بأن ليلة القدر تكون خارج شهر رمضان هو قول ضعيف وبعيد، وكذلك القول بأن البعثة النبوية كانت في رجب، بناءًَ على مذهب إعادة قراءة التاريخ من خلال المنظور القرآني والله أعلم.
إضافة
سألني أحد الأصدقاء :
السلام عليكم مولانا اذا كانت ليلة القدر سلاما حتى مطلع الفجر، واذا كان امير المؤمنين ضرب في ليلة التاسع عشر، فانتفى السلام حتى مطلع الفجر، فهل يمكن عندها ان نقول بانتفاء ان تكون ليلة التاسع عشر ليلة قدر؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , الدفع بما ذكرت لا يكفي فإن السِلْمَ كتفسير للسلام في ليلة القدر غيرُ مُطَّرِدٍ حتى في حق غير الأمير سلام الله عليه , فالمتوجه القول أن المقصود من قوله تعالى سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ هو التسليم من الملائكة على من أحيا ليلة القدر في أي ليلة وقعت بقرينة سبق قوله نعالى تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ - القدر - الآية - 4 سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ - القدر - الآية - 5 .
ويؤكده قوله تعالى في مواضع أخرى منها :
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ - النحل - الآية - 32
سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ - يس - الآية - 58
وغيرها كثير,أما بخصوص اعتبار ليلة التاسع عشر من ليالي القدر فلإنها أول الليالي الوتر من العشر الأواخر , والله أعلم.