الأحد، أكتوبر 23، 2011

الإختلاف والإئتلاف بين افراد الأمة:نظرة تربوية في ضؤ منهج أهل البيت عليهم السلام


بسم الله الرحمن الرحيم

الإختلاف والإئتلاف بين افراد الأمة:نظرة  تربوية في ضؤ منهج أهل البيت عليهم السلام


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الميامين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
شكر الله لأخوتنا على جهدهم في إقامة هذا المؤتمر وعلى إتاحة فرصة التواصل والتعارف وإتخاذ أخوة في الإسلام وعلى كرم الضيافة وعلى العناية التي بذلوها .
ما هو الجديد الذي يمكن أن تقدِّمَه ورقة عن فضائل أهل البيت عليهم السلام وعن مساهماتهم في تعزيز التآخي بين المسلمين لتستحق أن تُطْرَحَ بين أيدي مائةٍ وعشرينَ باحثاً من أرجاء العالم الإسلامي ؟
بل ما هو الجديدُ في أصل المسألة ليعادَ طرحُها ؟ فضلا عن جناية توهُّم خلاف ذلك في حق جنابهم!
أمَّا وإن أصرَّت ُزَيَّةُ" على الحاجة إلى ذلك فقوموا أذِّنوا في مسامعها وتودَّعوا منها لأنَّ شيطانها لم يعد "طائفا" مسَّها وهي إِذ ذاك معه في "حالٍ من الأحوال " بل صار حالاًّ ذاكراً وهي معه في "مقام " الغفلة والنسيان من سَفَرِ الغاوين:
وما أنا يوما من غُزيَّة إنْ غوتْ  غويت وإن ترشد غزية أرشد
نعم . إذا صار الكلام إلى البحث عن الإستفادة من طريقتهم في تَأَلُّفِ قُلوبِ النَّاس من حولهم مسلمين بل وغير مسلمين فنعمَّا هو بحثٌ عن صوىً يُقامُ عليه أو يُتَفَرَّقُ عنه ويبقى حدَّاً من حدود الله , وعن الأعراف وهم أهل الله في حِلٍّ و في حَرَمِ.
ونِعمَّا هو بحثٌ في استعادة المفهوم القرآني ومصطلحه : مفهوم ومصطلح "الأخوة الإيمانية الإسلامية" إضافة إلى ما نعمل تحته اليوم من شعار "الوحدة الإسلامية".
ولئن كان إطلاق مصطلح "الوحدة الإسلامية" إستعادةٌ من الإمام الخميني رحمه الله لمصطلح "الجامعة الإسلامية" الذي اطلقه المرحومان السيِّد جمال الدين الأسدآبادي الأفغاني والشيخ محمد عبده المصري إلى أصله القرآني , فإنَّ ما بين هذين المصطلحين : "الوحدة الإسلامية" و"الأخوة الإيمانية الإسلامية" من علاقة يستدعي دفع توهم التطابق فإنَّ موضوع الأول كيان الأمة الإسلامية مقابل الأمم الأخرى وموضوع الثاني أفراد هذه الأمة الإسلامية في علاقتهم ببعضهم البعض.
في هذا المقام سأطرح للمذاكرة - في ما أعتبره كذلك- واحدا من أهم ما يعتري علاقة افراد هذه الأمة من أمراض لانَّه كداء لا تنحصر أعراضه بالمستوى الشخصي المباشر بل تتفشى حتى تعيق استكمال سلامة جسد الأمة  بما يرجع إلى واحد من عناصر بنائها وقوامها وهو عنصر المساواة والأخوة الدينية بين أفرادها و هذا المرض هو بالتعبير القرآني "النزغ الشيطاني" وسأعرض بعضا من طريقة أهل البيت عليهم السلام في الوقاية منه وفي علاجه. وهذا الباب التربوي قلَّ ما ننظر فيه عند البحث عن أسباب مرض إختلاف الأمة ونزاعاتها .
لقد سمَّى الله سبحانه في القرآن الكريم المؤاخاة نعمة حيث قال عز وجل : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا إذ كنتم أعداء فالَّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين لكم آياته لعلَّكم تهتدون-آل مران 103 .
وإنَّ الشقاق ووالنزاع بين الأخوة كائنٌ منذ ان خلق الله لآدم عليه السلام ذريَّة أخوة فلقد شجر نزاع طوَّعت نفس أحدهما له فيه  قتل أخيه , ومن ذلك ايضا النزاعُ بين اخوة سيدنا يوسف عليه السلام الذي ارجعه إلى الشيطان في حكاية القرآن الكريم قوله عليه السلام : من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي.
والنزغ بقع للإنسان من الشيطان فهو من أدواته في تحقيق بقائه ولذلك ذكَّرنا المولى بضرورة الإستعاذة به عز وجل لإستبعاده عن عيشنا ودفعه عن أذيتنا في آيتين من كتابه العزيز ختمها مرة بقوله تعالى في سورة الأعراف 200  : فاستعذ بالله إنَّه سميع عليم وأخرى بقوله تعالى في سورة فصِّلت 36 : فاستعذ بالله إنَّه هو السميع العليم بعد قوله وإمّا ينزغنَّك من الشيطان نزغٌ .
والنزغ هو الإزعاج والإغراء وأكثر ما يكون حال الغضب , وهو يجرُّ إلى الإنتقام .
ولقد أمرنا المولى عز وجلَّ بعلاج وقائي للنزغ الشيطاني في قوله : وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنَّ الشيطان ينزغ بينهم إنَّ الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا – الإسراء 53  .
فللنزاع والشقاق الإنسانيان إذاً سببان : مباشرٌ هو ترك القول الحسن في المحاورات خلاف ما أمر به المولى عز وجل في كثير من آياته , وآخر غير  مباشر هو الشيطان القاعد المتربص للإنسان في كثير من أمور حياته حتى تصير مقالة السوء والفحش عادة غالبة على حاله ولا علاج لهما إلاَّ الإستعاذة بمالك أمره وزمامه .
وإنَّ صلاح حال الإنسان لا يكون إلاَّ بالإيمان والتقوى ومما يقوِّيهما في الناس وحدَتهُم وائتلافهم واخوتهم الإيمانية في الله وهي الدائمة غير المتزلزلة لبقاء سببها دون أية أُخوة أو ائتلاف على مصلحة دنيوية لزوالها الحتمي  بزوال  سببها كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : الإخوان في الله تدوم مودَّتُهم لدوام سببها.
وقد وصفنا الله نعالى بما يجب وبما يحبّ ان نكون عليه في قوله من سورة الحج الآية 47 : ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانا على سرر متقابلين.
وجعل عزَّ وجلَّ القوَّة والسلطان والمنعة والغلبة ردفا للأخوَّة بقوله لموسى عليه السلام في سورة القصص الآية35  : قال سنشدُّ  عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون.
ولنذكر استفادة من القرآن الكريم والحديث الشريف عن النبي الأعظم وأهل بيته الأطهار انّه ليس شيئ مثل الإعراض و التغافل من صفات المؤمنين التي تريح قلوبَهم وأجسادهم فقد قال تعالى في محكم التنزيل عن سيرة النبي صلَّى الله عليه وآله في سيرته مع بعض ازواجه في عتابه على حديث لهنَّ كما جاء في الآية 3 من سورة التحريم: وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلمَّا نبَّأت به وأظهره الله عليه عَرَّفَ بعضه وأعرض عن بعض  . وعن النبي صلَّى الله عليه وآله : " المداراة نصف الإيمان والرفق نصف العيش" . وعن عليٍّ عليه السلام قال : " خير الإخوان من لم يكن على أخوَّتِه مستقصياً "وعنه عليه السلام : " من حاسب الإخوان على كلِّ ذنبٍ قلَّ أصدقاؤه ", وعن الصادق عليه السلام : "لا تفتش الناس عن أديانهم فتبقى بلا صديق " .
 ولنذكر أنَّ من صفات المؤمنين ترك " القيل والقال" وأنَّه "إذا غضب الله على قوم ابتلاهم بالجدل وجعل بأسهم بينهم" .
وقد كنتت تشرَّفت بجمع أربعين من حديث النبي الأعظم صلَّى اله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام  في  الأخوَّة بين المسلمين المؤمنين قدَّمت له بالتذكير بقوله تعالى من سورة  الحجرات الآية 30 :إنّما المؤمنون أخوة.وهو يتضمن لمعات مضيئة في ما نتدارسه اضُمُّه إلى كلمتي هذه .
أخيرا , إنَّه مما ينفع المسلمين اليوم في حفظ أخوَّتهم أن يستفيدوا من طريقة أهل البيت عليهم السلام عند حضور ما  ينبش خلافات الماضي أو يبثه الأعداء والمرجفون بشأن الحاضر ومن ذلك في شأن الماضي ما روي عن زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام " وقد  قدم عليه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم , فلمَّا  فرغوا من كلامهم قال :
ألا تخبروني ! أنتم المهاجرون الأولون الذين  أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسولله أولئك هم الصادقون ؟ قالوا :  لا .
قال : فأنتم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ؟قالوا : لا.
قال : أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنَّكم لستم من الذين قال الله في حقهم : الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا , أخرجوا عني فعل الله لكم "...
وأمَّا بشأن الحاضر وما يتهدد إخواننا المسلمين عموما في أكثر ديارهم من نزغ شيطاني ببث لدواعي الإختلاف والفرقة بل وفي أخَّص قضايا المسلمين وأهمّها وهي قضية فلسطين حيث يظهر سعي شياطين الجن وشياطين الإنس لإيجاد النزاع والشقاق والفوضى والبلبلة وتهديم السلطان بما يسبب الفتن فلنعد إلى سيرة هذا الإمام الهمام و هو من حضر كربلاء وعاصر الحرَّة وعاش في حكومة معاوية ويزيد وهشام بن عبد الملك لنجد في صحيفته السجادية مزمور آل محمد عليهم السلام دعاءه لأهل الثغور وهم جند الحكومة الأموية ومما قال فيه: "اللهم صلّ على محمد وآله، وحصّن ثغور المسلمين بعزّتك، وأيدّ حماتها بقوّتك ، وأسبغ عطاياهم من جدتك.. وكثّر عدّتهم، وأشحذ أسلحتهم واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألف جمعهم، ودبّر أمرهم، وواتر بين ميرهم، وتوحد بكفاية مؤنهم، واعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطف لهم في المكر – وفيه أيضا – " أللهم وقوّ بذلك محال أهل الإسلام، وحصّن به ديارهم، وثمر به أموالهم، وفرّغهم عن محاربتهم لعبادتك" وفيه أيضا : "أللهم أعزّ بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين" ثم يعِّين عليه السلام أعداء الأمة الإسلامية المخصوصين في زمانه بما يدعونا لدراسة أوضاع المسلمين ولتحديد أعدائهم حيث يقول : "أللهم واعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد من الهند والروم والترك والخزر والحبش والنوبة والزنج والسقالبة والديالمة وسائر أمم الشرك، الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم، وقد أحصيتهم بمعرفتك، وأشرفت عليهم بقدرتك".
وهذا الدعاء هو من الأدعية التي انتصرنا بها للمقاومة الإسلامية في لبنان في حرب تموز 2006 وانتصرنا بها للمقاومة الإسلامية فيي حرب غزة 2009 فإنَّ جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : "لا يكبرنَّ عليك ظلم من ظلمك فإنما يسعى في مضَّرته ونغعك , وليس جزاء من سرَّك أن تسوءه , ومن سلَّ سيف البغي قتل به , ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيها , ومن هتك حجاب أخيه هتك عورات بيته , بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد و أسد حطوم خير من سلطان ظلوم وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم , أذكر عند الظلم عدل الله فيك , وعند القدرة قدرة الله عليك ".
أيها الأخوة والأحبَّة
    ثمة ضوابط وسنن لإستقرار المجتمع ورفاهه , منها ما يتعلق بالحاكم ومنها ما يتعلق بالمحكومين كأفراد وكأخوة مواطنين في وطن واحد ومنها ما يتعلق بعلاقتهما ببعض , وأي خلل فيها تكون نتيجته إهتزاز المجتمع على حساب الإستقرار أو الرفاه  أو كليهما إلى أن تستقر الأمور في أحد الإتجاهات فتكون النتيجة متناسبة مع الإتجاه الذي تكون لصالحه , وأما مع استقامتها جميعا وفق المنهج الرباني فيستحق هذا المجتمع التوفيق إلى النعم الإلهية فتعمر الأرض ويأمن الناس إلى مستقبلهم ويمكَّنُ السلطان للحاكم . وهذا ما قدَّمت الكلام عليه عندما تحدثت عن أثر النزغ الشيطاني بين الأخوة على سلامة جسد الأمة وهو تصديق لحديث سيد أهل البيت نبينا محمد صلَّى الله عليه وآله : " المؤمن للمؤمن بمنزلة البنيان يشدُّ بعضُه بعضا " وقوله : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى ".
    منذ أشهر تشهد منطقتنا العربية تحركات شعبية في إتجاه تقويم الأوضاع فيها وقد وُفِّقت بعضها إلى بعض ما تريد وتستمر الأخرى معها في استكمال نتائج هذه الحركة , ومع التباين في تحقيق وجود مؤامرة استهدفت التغيير الحاصل أو الحراك الذي لم يستكمل إنجازه في عدد من الدول العربية , إلا أن هذا الحراك الشعبي لا يمكن وصفه بأنه إستجابة مطلقة لمحرك خارجي - وإن شهدنا هذا التدخل سافرا فيه – لأنَّ حجم الإستبداد والظلم والإستئثار بالثروة أفحش من أن يتعامى عنه , بل يصح القول إنَّ هذه التحركات قد تأخرت وهي لمَّا تبدأ بعد في دول أخرى تحتاجها.
    وأخطر ما يحيق بهذه التحركات هو الفوضى وغياب المرجعية الحكيمة , إذ النتيجة تكون الدخول في حال الفتنة الدائمة فلا السلطة متمكنة ولا الشعب آمن . وحال الفتنة هو المناخ المناسب للتدخل الخارجي الذي من شأنه تعزيز الفتن ليصفى له الجو ويحكم قبضته على المفاصل المؤثرة لمصلحته في ما يبدو كأنه هو المحرك وليس مجرد مستفيد.
    المرجعية الحكيمة هي التي تستطيع تشخيص مآلات الأحداث بحيث لا تدع مجريات الأمور تذهب في خط الفتنة , وهي التي تستطيع الموازنة بين أن يخدم الحدث مصلحة الناس أو أن يخدم مصلحة العدو , ولا نتحدث عن إستثماره منه فهذا غير ممكن عقلا ويقع عادة .
    المرجعية الحكيمة هي التي تحفظ " الخروج على الحاكم الظالم" , الجائز شرعاً بل الواجب أحياناً من أن يتحوَّل "بغيا" على الحاكم أو "حرابة" أو "إفسادا في الأرض" بين الناس ما يعني تهديم الأخوَّة بين المواطنين وتدمير العلاقة الأخوية بين مكونات الشعب الواحد الإثنية والدينية ببعضها إذ لا يوجد على امتداد دولنا الإسلامية دولة ذات صفاء إثني أو مذهبي فضلا عن الديني.
المرجعية الحكيمة هي التي تقود "الخروج"  مع ملاحظة محيطها في الدول الأخرى فتؤثِرُ نجاحه في إحداها لأنه يخدم مصلحة الأمة على الوقوع في فتنة داخلية فلاهي تنجح ولا هي تستطيع الإستفادة من نجاح أختها .
    المرجعية الحكيمة هي التي تنطلق من داخل أرضها وبقوتها الذاتية وليست تلك التي تنطلق من أرض دولة أخرى وتعتمد على سلطان حاكم آخر لأنه إنما يعمل وفق مصلحة بقائه وتعزيز نفوذه هو.
    وقبل كل ذلك , المرجعية الحكيمة هي التي تستبق الأمور وتقوم بواجبها أمام الحاكم وأمام المحكوم فلا يتجاوز الحاكم حدوده ولا يضطر المحكوم إلى خروج عليه.
المرجعية الحكيمة هي التي تلتزم طريقة أهل البيت تبعا لقول الصادق عليه السلام : " لا يعظِّم حرمة المسلمين إلا من عظَّم الله حرمته على المسلمين , ومن كان أبلغ حرمة لله ورسوله كان أشدَّ حرمة للمسلمين" .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


























































ليست هناك تعليقات:

ألبوم الصور